صفحات سورية

بيان لجان التعبئة الشعبية من أجل الإصلاح والتغيير السلمي في سورية

null
السيد الرئيس بشار الأسد.. رئيس الجمهورية العربية السورية
نتوجه إلى سيادتك بهذه الرسالة انطلاقا من قلقنا على مستقبل شعبنا ووطننا، آملين أن توليها كامل الأهمية والاعتبار، وذلك لخطورة الحقائق التي نضعها بين يديك، لتكون شهادة أمام الله، ومصارحة أمام الشعب لا مداهنة فيها، ووثيقة تاريخية للأجيال القادمة.. فها قد مرت الذكرى الرابعة والستون للجلاء هذا العام ولما تكتحل بعد أعين الوطن بتحرر إرادة شعبه.
سيادة الرئيس..
في خطابك أمام مجلس الشعب عقب القسم الدستوري لولايتك الأولى (10 تموز، 2000) عبرت عن اعتقادك بـ”أن الرهان الوحيد الذي يمكن أن يكتب له النجاح هو الرهان على إرادة الشعوب في استعادة حقوقها”.. وليس الرهان على القوة المجردة. لقد كنت صائبا في هذه الفكرة، وإن لم تحط بجميع أبعادها حيث قصرتها على استعادة الأرض المغتصبة! فماذا عن استعادة الإرادة المغتصبة للشعوب وقدرتها على التحرر من الاستبداد؟! إن الهدف الرئيس من هذه الرسالة هو أن نضعك أمام حقيقة تاريخية موجزها أن الواقع المتأزم الذي يعيشه الوطن بسبب استئثار فئة أنانية بمقدرات الشعب ومصيره قد تمخض عن ولادة ” لجان التعبئة الشعبية من أجل الإصلاح والتغيير السلمي في سورية”، كقوة شعبية تكونت في صلب الأزمة من أجل أن تدفع عملية الإصلاح والتغيير الذي يهدف إلى استعادة الإرادة الشعبية.. فهلا راهنت معنا على قدرة الشعب السوري في استرداد إرادته وحريته؟
إننا ندعوك اليوم، يا سيادة الرئيس، إلى وقفة تأمل موضوعية، وإلى مكاشفة ومصارحة أمام الشعب وأمام التاريخ.. ندعوك ونضع بين يديك جملة من الحقائق حول واقعنا المعاش، والمآل الكارثي الذي وصلنا إليه. لقد دعوت في خطابك الأول “كل مواطن لكي يشارك في مسيرة التطوير والتحديث” وأكدت أن المجتمع “لا يتطور ولا يزدهر بالاعتماد على شريحة أو جهة أو مجموعة”، مشيرا إلى حاجتنا الماسة إلى “نقد بناء ورأي موضوعي” ومساءلة “تبدأ من القاعدة والأساس”. كما قطعت على نفسك الوعود بالمضي قدما في مسيرة الانفتاح والإصلاح في كافة المجالات، وتعهدت بمحاربة الفساد بكل أشكاله، وبسلوك النهج الديموقراطي وإرساء قواعد دولة القانون والمؤسسات، التي يتساوى فيها المواطنون في الحقوق والواجبات.. مفردات مليئة بالوعود المبشرة والآمال الوردية لطالما انتظر المواطن السوري ترجمتها عمليا على أرض الواقع! فما الذي تحقق من كل ذلك بعد عقد كامل من عمر الوطن؟
ما أن سمع المواطن السوري، التواق إلى التغيير والإصلاح، خطابك الافتتاحي حتى استبشر بعهد جديد يحترم حقوق الانسان والديمقراطية والشفافية ويجدد الآمال بفرصة جديدة لحياة كريمة. فانتشرت المنتديات السياسية والثقافية، وازدهرت حركة المجتمع المدني، وانتعش النقاش حول تشخيص الأزمات وسبل حلها، وطرحت أفكار غنية تفتح آفاقا واسعة أمام حركة الإصلاح والتقدم، فتوجت هذه الجهود بإطلاق بيان الـ(99)، ثم صدور بيان (الألف)، الذي طالب فيه نخبة من المثقفين والأدباء والوطنيين بضرورة الإسراع والمضي قدما بعملية الإصلاح الديمقراطي والانفتاح وإطلاق الحريات العامة. ولكن ما عرف آنذاك بـ”ربيع دمشق” تلاشى بسرعة مفاجئة، وسرعان ما أدرك الشعب أنه ربيع كاذب قصير الأمد، حيث واصلت الأجهزة الأمنية سياسة القمع والاعتقال ضد الوطنيين والمثقفين الأحرار. لقد كشفت سياسة العنف والإقصاء، وإثبات القوة بالترهيب، عن مدى هشاشة وضعف النظام الأمني الذي يخشى التعرية أمام الشعب إذا ما واجه بمنطقه الظلامي شمس الحقيقة الساطعة.
سيادة الرئيس..
أثناء ولايتكم الأولى برزت تساؤلات مختلفة حول دوركم الشخصي في تأخير وإعاقة، ومن ثم إجهاض، المشروع الإصلاحي الذي تعهدتم به ولم ينفذ! وتساءل الكثير من المواطنين والمراقبين: هل يعتبر الرئيس بشار الأسد مسؤولا عما يجري في سورية من تفتيت للنسيج الاجتماعي واللحمة الوطنية، وتدمير للبنية التحتية، واستنزاف للثروة الوطنية؟ وهل يحكم الرئيس الأسد سورية؟ أم أن هناك زمرة متحكمة تملي توجهاتها وتفرض شروطها عليه وتستغل صلاحياته الدستورية الواسعة لخدمة مصالحها الضيقة؟!
وفي محاولة للإجابة على هذه التساؤلات استرشدنا بما ورد في خطابك عقب القسم الدستوري لولايتك الثانية، الذي أعلنت فيه صراحة أن هناك ثمَّة تشريعات كنت تصدرها ولا تجد طريقها للتنفيذ، وأن ما نفذ من إصلاحات اقتصادية “انعكس على عدد معين من الاشخاص فى هذا الوطن.. أو شرائح معينة”. وهذا يشير بكل وضوح إلى أنك يا سيادة الرئيس لا تمثل مركز القرار الوحيد (أو الأهم) في نظام يفترض أن تكون فيه الرئاسة هي مركز الثقل الحقيقي. و بغض النظر عن مدى دقة وصواب هذا التحليل، فإنك يا سيادة الرئيس تتحمل المسؤولية الأولى تجاه تدهور الأوضاع، والاستمرار في السير بالوطن نحو مصير مجهول ينذر بكوارث لا يمكن التكهن بها.
أما في سياق تبريرك لإصدار بعض القوانين، التي كنت تعلم مسبقا أنها لن تنفذ، أشرت إلى أن “عدم اصدارهـ(ا) كان يعنى بأن الدولة غير جادة فى توجهاتها الاصلاحية”، مما يدل قطعا بأنك لم تكن جادا بشأن الإصلاح السياسي حيث لم تصدر أي قانون أو إجراء يمهد لتحقيق ما وعدت به في خطابك، كإصدار قانون للاحزاب السياسية، وإيجاد حل لإحصاء عام 1962، واصدار قانون للاعلام.. ومكافحة الفساد.. وغير ذلك من وعود وتعهدات.
وأما بالنسبة لما ينفذ من تغييرات بنيوية في الاقتصاد السوري فقد اتضح أنها تسير باتجاه المزيد من تركيز الثروة في أيدي قلة قليلة من كبار المتنفذين والفاسدين. إن من يقارن بين السياسات والإجراءات التي تطبق على أرض الواقع وبين ما عبرتم عنه في خطابكم بأن “الدولة لا تكون قوية إلا بقوة مواطنيها النابعة من شعورهم بمواطنتهم والمرتكزة الى مشاركتهم جميعا” يدرك أن هناك مخطط محكم يهدف إلى تدمير المرتكزات الأساسية للدولة وتحطيم أسس المواطنة، حيث أن انفراد فئة قليلة بالسلطة والثروة الوطنية، وانعدام تكافؤ الفرص بين المواطنين، يفاقم الشعور بالغبن، مما يهدد السلم الأهلي، ويسير بالبلاد نحو انتفاضة شعبية وهبة جماهيرية عفوية، تلتحم فيها الغالبية العظمى من الفقراء والمغبونين والعاطلين عن العمل والمتضررين من الفساد والمحسوبيات والتمييز الفئوي والطائفي، الذين تكاد تتجاوز نسبتهم التسعين بالمائة من الشعب السوريّ، في مواجهة الظلم والجور لرفع الحيف عن كاهلهم.
ولنعطيك صورة موضوعية لما وصلت إليه نسبة الفقر والفقراء، يكفي أن نحيلك إلى ما أعلنه مؤخرا النائب الإقتصادي أمام مجلس الشعب بأن أعداد الفقراء الذين استحقوا الاستفادة “من شيكات المازوت تتطابق تماماً مع التقديرات التي وضعتها الحكومة حيث حصل حوالي 75 % من المواطنين السوريين على الدعم”. هذا يعني يا سيادة الرئيس أنه لو استمر التدهور على هذا المعدل في الخطة الخمسية القادمة فإن المواطن السوري قد يحتاج دعم الحكومة ليحصل على الماء والهواء وليس المازوت فقط!
سيادة الرئيس..
إن تحرير الإنسان هو شرط أساسي لتفجير طاقاته ورفع معنوياته وجاهزيته لتقديم التضحيات.. فالعبد لا يجيد تحرير الأرض ولا يقدم التضحيات من أجل حياة لا قيمة لها. الحرية والكرامة الإنسانية يجب أن تأخذ المرتبة الأولى في قائمة الأولويات لأي برنامج إصلاحي هدفه الإنسان والمواطن. أما أن يحتل الخبز أولوية فهذا قد يصلح لبرنامج يهدف إلى رفع إنتاجية قطعان الماشية.. ولكن لا يصلح لإنسان ميزه الله بالعقل والكرامة والحرية عن سائر المخلوقات! لا غرابة إذا أن تبوء بالفشل جميع البرامج الإصلاحية والمحاولات الترقيعية التي لا تضع حرية وكرامة الإنسان في رأس أولوياتها.. فهلا توقفت عن المراهنة على تلك الزمرة الأنانية التي تسير بالبلاد والعباد إلى حافة الهاوية؟
سيادة الرئيس..
إننا نحرص في هذه الرسالة أن نؤدي واجب النصح بكل صدق ووضوح، ونؤكد لك أن ولايتكم الثانية جاءت مخيبة لآمال الشعب، وبعد مضي 10 سنوات على تبؤكم لمنصب الرئاسة يبقى الوضع كارثيا. فبالإضافة إلى استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية والأحوال المعيشية، تصاعدت في ولايتكم الثانية وتيرة الحملات القمعية والاعتقالات التعسفية والمحاكمات الجائرة والكيدية، التي استهدفت إسكات أصوات الوطنيين الأحرار، وعلى رأسهم قادة ونشطاء إعلان دمشق.. وكمّ أفواه الغيورين من صحفيين وكتاب وحقوقيين، وفي مقدمتهم الناشط الحقوقي المخضرم المحامي هيثم المالح والمحامي مهند الحسني.
بل إن همجية ووحشية أجهزة القمع والإذلال بلغت درجة لم توفر حتى النساء الحرائر من أمهات وبنات الشعب السوري المجيد، فطالت يدها الآثمة الدكتورة فداء الحوراني ورغدة حسن وتهامة معروف وطل الملوحي، هذا إضافة إلى استمرار الاعتقالات والإجراءات التعسفية بحق المواطنين الأكراد.. ليكون كل ذلك شاهدا بأن جميع ألوان الطيف السوري، برجاله ونساءه وشبابه، عربه وكرده، إسلاميين وعلمانيين، يساريين وليبراليين.. مصممين على تقديم التضحيات والوقوف صفا واحدا في مواجهة آلة القمع وسياسة الاستبداد حتى يسترد الشعب إرادته وحريته وكرامته.
السيد الرئيس بشار الأسد..
نضع بين يديك مطالبنا العادلة فيما تبقى لك من ولايتك الثانية كما يلي:
إننا في “لجان التعبئة الشعبية من أجل الإصلاح والتغيير السلمي في سورية” نعتقد أنك، يا سيادة الرئيس، قد أخذت فرصتك في محاولة الإصلاح عقدا كاملا من عمر الوطن، استُنزِفت خلاله المزيد من ثروات الشعب، وانتُهِكت حرماته، وقُمعت رموزه الوطنية المخلصة، وليس أمامك إلا ما بقي لك من هذه الولاية الرئاسية لتصحح ما أفسده فريقك. لذلك، وكفرصة نعذرك فيها أمام الله والشعب والتاريخ، ندعوك للمرة الأخيرة إلى أن تدخل التاريخ من بوابة الوطن كقائد وطني.. لا كرئيس مستبد مشكوك في شرعيته! وأن تراهن معنا على إرادة الشعب في استعادة حقوقه وحريته.. لا على القوة المجردة وحماية الزمرة الفاسدة!!!
وبناءً على ذلك، قررت “لجان التعبئة الشعبية من أجل الإصلاح والتغيير السلمي في سورية” أن تمهلك ثلاث سنوات لتثبت جديتك في الوفاء بالوعود الإصلاحية التي قطعتها على نفسك أمام الشعب، من خلال المباشرة فورا ومن دون إبطاء بتنفيذ المشروع الإصلاحي الشامل بدءا بالإجراءات التالية:
1- إطلاق سراح شيخ الحقوقيين المحامي والقانوني هيثم المالح وجميع قيادات وأعضاء إعلان دمشق والجلوس معهم لبحث سبل فتح حوار وطني شامل ينتهي بعقد مؤتمر وطني يضم كافة الأطياف والتيارات الوطنية في الداخل والخارج.
2- إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين، وعودة جميع الملاحقين والمنفيين قسراً بضمانات قانونية.
3- إطلاق الحريات العامة والسياسية، وإنهاء حالة الطوارئ، وإلغاء كافة الأحكام العرفية والقوانين الاستثنائية وعلى رأسها القانون (49/1980).
4- إقرار قانون الأحزاب الذي وعدت به لتنظيم العمل السياسي بشكل عادل تتساوى فيه كافة الأطراف السياسية.
5- إلغاء المادة الثامنة من الدستور التي تصادر إرادة الشعب وتلغي خياره في اختيار قياداته.
6- إلغاء نظام الاستفتاء على منصب رئاسة الجمهورية وفتح باب الترشيح أمام كل من تتوفر فيه الشروط القانونية.
7- إجراء انتخابات نيابية حرة ونزيهة وشفافة، تشارك فيها كافة القوى السياسية على قدم المساواة، تحت إشراف قضائي وطني وعربي، ورقابة عربية ودولية.
أخيراً إننا في “لجان التعبئة الشعبية من أجل الإصلاح والتغيير السلمي في سورية”، إذ نعلن تضامننا مع قادة ونشطاء إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي ونقف في صف كافة القوى السياسية التي توافقت على ما جاء في الإعلان من مبادئ وأهداف نبيلة، نضم صوتنا إليهم لنتعاهد معهم “على العمل من أجل إنهاء مرحلة الاستبداد، ونعلن استعدادنا لتقديم التضحيات الضرورية من أجل ذلك، وبذل كل ما يلزم لإقلاع عملية التغيير الديمقراطي، وبناء سورية الحديثة وطناً حراً لكل أبنائها، والحفاظ على حرية شعبها، وحماية استقلالها الوطني”.
ألا هل بلغنا.. اللهم فاشهد.. وليشهد الشعب والتاريخ.
لجان التعبئة الشعبية من أجل الإصلاح والتغيير السلمي في سورية
عن اللجنة المركزية:
د. عزت سعد الدين السباعي / وياسمين عبد الكريم الصباغ
17 نيسان 2010
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى