أبي حسنصفحات سورية

طهــران.. الريــاض.. إلى أيــن ؟

null


أُبيّ حسـن

عندما أتابع التدخلين الإيراني والسعودي في الشؤون اللبنانية العالقة, لايسعني سوى الخوف على ذلك البلد, خشية أن تهيمن, بمرور الزمن, الثقافة التي أنتجت مسؤولي ذينك البلدين على الساحة اللبنانية وبالآتي السورية

طبعاً لن أتطرق هنا إلى المشروع الأمريكي الذي يتقاطع –بشكل أو بآخر- مع المشروع السعودي في لبنان.

في الأساس

في كتابه “تحرير الوسيلة”, يجيب آية الله الخميني عن سؤال فحواه, إن كان يجوز التمتع بالرضيعة”!؟”, فأراد “طيّب” الله ثراه أن “يجتهد”, على مايبدو, فأجاب: يجوز التمتع بها شرط عدم الإيلاج. طبعاً لامجال للمزاح هنا!.

وإيران التي تدعم حزب الله في لبنان وحماس في فلسطين, كونهما من وجهة نظرها يحاربان “الشيطان” الأكبر وقوى الاستكبار العالمي بحسب لغة الخميني(بالنيابة عنها طبعاً), هي ذاتها إيران التي تدعم حلفاء الشيطان الأكبر في العراق من ضمن الأطراف العراقية المتصارعة. ومن البديهي أننا لانحتاج إلى بذل مزيد من الجهد حتى ندرك أن الأمة الفارسية –شأنها شأن السعودية- تبحث عن مصالحها الإستراتيجية بشتى السبل, ولو تطلب منها الأمر توظيف الدين لهذه الغاية(أليس الحديث الحنبلي: “لايجوز الخروج على الأمراء وإن جاروا” خير من يخدم أمراء آل سعود؟).

وشخصياً ما أخشاه فعلاً هو أن تنتصر ثقافة التمتع بالرضيعة في سوريا ولبنان, وهذا ليس بالمستغرب لاسيّما في ظل انتشار مايسمى حوزات “علمية” ومراكز “آل البيت” لنشر التشيع في عدد من المناطق السورية حسب ما يُحكى ونقرأ.

بالانتقال إلى الضفة الأخرى, أي مملكة آل سعود, لنأخذ مثالاً بالعنوان الذي وضعته صحيفة “الغارديان” الرصينة, عنوان الخبر: “أموال سعودية تموّل التطرف في باكستان”, وذلك في خبر لها عن الانتشار الواسع للمدارس الدينية في باكستان التي تثير موجات العنف وعادة ما تجتاح شمال باكستان, وكما تذكر الصحيفة إن الغرب يعتبر تلك المدارس “بؤراً لنشر التطرف”, ضاربة مثلاً في عدد المدارس في بيشاور الذي ارتفع “من 13 مدرسة عام 1980 إلى أكثر من 150 مدرسة عام 2007″(وكالات 22/8/2007). أو أن تقول صحيفة أمريكية “إن معظم انتحاريي العراق سعوديون”!(صحيفة “السفير” (16/7/2007)..

طبعاً وأحداث نهر البارد التي قامت بها عصابة “فتح الإسلام” في لبنان في أيار 2007 وصدامها مع الجيش اللبناني قرابة الشهور الأربعة, معروف كم هو عدد السعوديين –عدا الإسلاميين السوريين المتأثرين بالوهابية السعودية- الذين شاركوا فيها, ناهيك عن الأموال التي كانت تغدق على تلك العصابة من بعض الجهات السعودية المنشأ, فكما ذكرت مجلة “اكزكتف انتلجنس ريفيو” انه يتم تمويل فتح الإسلام من قبل “أمراء ورجال أعمال سعوديين كجزء من مخطط نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني لتشكل جماعات مسلحة تناهض حزب الله وحماس”. (نقلاً عن موقع “الجمل” الالكتروني, 20/8/2007).

وما ذكره موقع مجلس النواب العراقي حول أصداء الاعتصامات التي قام بها بعض العراقيين في ألمانيا احتجاجاً على زيارة الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز إلى برلين, ناقلاً بعض ما تناقلته أجهزة الإعلام الألمانية المقروءة والمرئية, إذ كان الهجوم على تلك الزيارة “كاسحاً على هذا الملك الذي يقود مملكة جلّها وأغلب مساجدها وخطابها هو خطاب تحريضي ضد الشعوب والإنسانية وهو يقود مملكة إرهابية لا دولة كباقي الدول”(“سيريا لايف” 10/11/2007). هذا كله يؤكد شرعية مخاوفنا ومزاعمنا من الخطر الذي باتت تشكله إيديولوجية تلك المملكة على الأمن والسلم العالميين, لا على بعض ما قد يجري في سوريا فحسب!.

ومن الطبيعي أن تزداد هواجسنا عندما ندرك حجم الأموال السعودية التي تغدق لأجل شراء عقارات في الساحل السوري, فعلى سبيل كان ثمن الدنم في بلدة حميميم(قضاء مدينة جبلة) قرابة المائة ألف ليرة سورية, دُفع ثمنه منذ قرابة الشهرين بأموال سعودية أربعة ملايين ليرة سورية!, ومما يُقال أن إيران دخلت مؤخراً على خط شراء العقارات. وهي خطوات لايخفى على نبيه الغاية منها حال ثبتت صحتها.

وبالعودة إلى الخطر السعودي, نجده في ما تترجمه نظرياً درجة احتقار إيديولوجية رجال دين تلك المملكة للبشرية جمعاء, عدا المسلمين الذين على طريقتهم وشاكلتهم. وقد بلغ الاحتقار الحد الذي أجاب فيه الشيخ إبراهيم صالح الخضير رداً على سؤال حول رأيه في استنساخ جنين للاستفادة من خلاياه المولّدة للأنسجة, بالقول: “بالنسبة للأخوات المسلمات لا يجوز التعرض لبطونهن وأجنتهن. أما بالنسبة للكافرات(اليهوديات والمسيحيات والمجوسيات ومن في حكمهن) فإن لا كرامة لهن, فإذا رغبن بهذا الفعل واحتاج إليه المسلمون جاز”!(جريدة “الوطن” السعودية, 26/1/2001).

وإذا ما ألقينا بالوهابية كفقه جانباً, ونظرنا فقط في ما تذكره بعض الصحف ومواقع الانترنت العربية والأجنبية وبشكل شبه يومي عما يجري ضمن أسوار تلك المملكة من تضييق في الحياة الاجتماعية والسياسية الخ.. بذريعة الادعاء بالتقيّد بالشريعة الإسلامية يجعلنا نقرع جرس الإنذار خوفاً من وعلى المستقبل!.

فربما كانت السعودية هي الدولة الوحيدة في العالمين الإسلامي والعربي التي كان لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر “شرف” السبق في المطالبة بشوارع تمشي فيها النساء فقط وأخرى للرجال!(صحيفة “الخليج”, 31/8/2007). وهي الدولة الوحيدة التي يؤخّر حكم لمباراة كرة قدم إطلاق صافرة البدء نتيجة وجود فتاة بعمر 12 سنة على مدرجات الملعب”؟!”(“العربية نت” 19/9/2007). وهي البلد الوحيد التي كشفت إحدى المحاضرات فيه أن 40 طالبة من بين 50 –انظر إلى تواضع النسبة والرقم!- تعرضن لتحرش جنسي من قبل محارمهم!(“العربية نت” 12/9/2007), تأمل كم هي النسبة متواضعة يارعاك الله –هذا بالرغم من وجود هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر البوليسية!. وقد تكون هي وإيران الدولتان الوحيدتان في العالم اللتان ماتزال تقطع فيهما الرقاب.

على الرغم مما سبق ذكره لا بأس من أن نثبت هنا بعضاً من الفتاوى التي تنمّ عن نزوع نحو لا إنساني بالحد الأدنى. خذ مثلا الفتوى الصادرة عن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء – 25/1/1418), وهذه اللجنة التي أصدرت هذه الفتوى مؤلفة من الشيخ عبد العزيز بن باز مفتي المملكة(رئيساً) والشيخ عبد العزيز آل الشيخ(نائباً للرئيس) والدكتور بكر أبو زيد والدكتور صالح الفوزان(عضوين). وتنص الفتوى على مايلي: “يجب اعتقاد كفر كل من لم يدخل في الإسلام من اليهود والنصارى وغيرهم وتسميته كافراً, وإنه عدو الله ورسوله والمؤمنين وإنه من أهل النار(…). ولا يجوز تسمية الكنائس بيوت الله(….) بل هي بيوت يكفر فيها بالله, لأن البيوت, بحسب ابن تيمية في «مجموع الفتاوى», بمنزلة أهلها, وأهلها كفار فهي بيوت عبادة للكفار”. وهذه الفتوى صادرة سنة 1997 أي ونحن على عتبات الألفية الثالثة!. هل ثمة مجال للحديث عن حقوق الإنسان هنا, لاسيّما في ظل هذه الثقافة التي تصدر إلى أربع رياح الأرض!؟.

باختصار الأمثلة على تخلّف وخطر إسلام تلك المملكة وثقافتها وأثره السلبي أكثر من أن يُحصى أو يُحصر بجانب!.

وليس من قبيل المصادفة أن يخرج كتاب وكاتبات من تلك المملكة وبأسماء مستعارة بغية فضح الزيف الذي يعيشون في خضمه وهم يرون كيف يتم تصديره للعالم من بعد أن ضاقوا به ذرعاً!, بهذا المعنى لم تكن رواية “بنات الرياض” مجرد مصادفة, وكذلك لم تكن رواية “عيال الله” لمؤلفها شيخ الوراقين –الاسم مستعار كما هو ظاهر- الصادرة عن دار التنوير العربي للنشر في لندن والتي يعلن مؤلفها من خلالها, من بعد فضحه لممارسات البوليس الديني, يأسه من إمكان التغيير والإصلاح في المملكة الوهابية كذلك مصادفة!. وما يقال في السعودية يقال عما يصدر من فتاوى عن “أكاديمية” الأزهر لـ”العلوم الحديثة” في مصر.

وقائل يقول مستغرباً سردي لتلك الأمثلة من الفتاوى وسواها والإكثار منها, وما المغزى من وراء هذا الإفراط ؟ وبدوري أجيب أن من تَصدر عنهم مثل تلك الخزعبلات ليسوا أناساً عاديين, بل جلّهم, إن لم يكونوا جميعهم, شخصيات اعتبارية ولمعظمها صفات قيادية وعلمية وثقافية في مجتمعاتها, وما يصدر عنها من خرافات باسم الإسلام يؤثر في التكوين المعرفي للمتلقي(ناهيك عن الصورة السيئة التي تُقدّم عن الإسلام من قبل بعض كبار رجال الدين الإسلامي), ما يعني أنه يساهم في تكوين هُويّة لا يمكن أن تكون واعية لذاتها إلا ضمن دائرة مغلقة من الجهل أو ضمن نطاق معرفي ضيّق أو تكفيري رافض ولافظ للآخر لاسيّما إن لم يقبل هذا الآخر بالانصياع لها ولخرافاتها, هذا إن لم تكن هُويّة مُستلبة وسلبية قاتلة للغير في المستقبل!. وحقيقة الأمر هُويّة كهذه لن يكون فعلها وأثر فعلها سوى سلبي وتدميري. والأهم من ذلك, أن من تصدر عنهم مثل هاتيك الفتاوى هم القادة الحقيقيون لمجتمعاتهم, وحال انتصر أي من المشروعين(الإيراني, السعودي) في لبنان, فإن مستقبل لبنان سيكون على صورة هذه الثقافة ومثالها. والله أعلم. وليس مطلوباً مني في هذه العجالة أن أقدم وصفة لخلاص لبنان من بلواه.

ختاماً: يروي بيير كربتيس في كتابه “إبراهيم باشا” حواراً طريفاً بين إبراهيم باشا وشيخ فقهاء الوهابيين, خلاصته: “سأل إبراهيم باشا الشيخ: هل تؤمن بأن الله واحد, وان الدين الصحيح واحد وهو دينكم؟, فأجابه الشيخ بنعم. فقال إبراهيم: مارأيك في الجنة, وماعرضها؟!, فأجاب الشيخ: كعرض السموات والأرض, أعدت للمتقين. فقال إبراهيم: إذا كان عرضها السموات والأرض, وأنت وأصحابك تظلكم شجرة واحدة, فلمن تكون المساحة الباقية؟ ولماذا جعلها الله بتلك السعة؟. فأفحم الشيخ وأتباعه..”.

أُبيّ حسن

( كلنا شركاء ) 18/4/2008

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى