صفحات سوريةوهيب أيوب

الأول من نيسان كالسابع عشر منه

null
وهيب أيوب
أردت الكتابة عن هذا الموضوع في موعده المحدد، أي الأول من نيسان، والمتعارف عليه بيوم “الكذب العالمي”، ثم راجعت نفسي وقلت لا بأس من التأخير ما دام الأول من نيسان في مجتمعاتنا لا يميّزه شيء عن سواه سوى التاريخ عينه، وما دام الكذب يمارس في تلك المجتمعات على مدار الـ 365 يوماً. فالكذب قوت يومي رخيص في مجتمعنا، وهو في متناول كل فئاته، وليس كرغيف الخبز الذي يتهافت عددٌ كبير من فقرائه على أبواب وشبابيك أفرانه، سواء في مصر أم الدنيا! أو غيرها من بلدان العرب الواسعة.
الكذب في المجتمع العربي حالة مألوفة، وهي غير مُدانة إلا بفصاحة الأخلاق المحشوّة كذباً. فالكذب بات نهجاً وأسلوب حياة… كذبٌ في البيت، كذبٌ في الشارع، كذبٌ في العمل،كذبٌ في المساجد ومن على المنابر، وكذبٌ في كل مؤسسات الدولة من رأس الهرمِ حتى القاعدة مروراً بأكثرية المثقفين والفنانين وكل الاتحادات والنقابات ورؤسائها. إذاً لماذا يحتفي قومٌ بيومِ كذبٍ واحد ما داموا يمارسونه على عدد أيام السنة دون تحرّج ولا إحراج؟!
قد تكون الشعوب العربية من الشعوب النادرة في العالم اليوم التي جعلت من الكذب والنفاق والمداهنة مبرراً مقبولاً لاستمرار الحياة. الكاذب المنافق الانتهازي الوصولي في مجتمعاتنا لا يعاقب على كذبه ولا يُلام، بل فاز بلقب الحربوق والداهية الشاطر، الذي يعرف من أين تؤكل الكتف؛ وباتت مواصفات تلك الشخصية الفهلوية هدفاً للأكثرية. وأما المعارض المُحّتج الرافض المُستنكر، فهو مُستهجنٌ منفِّر، يحمل السلم بالعرض ويدس أنفه في كل شيء وفي ما لا يعنيه.
وحجة المواطن العربي في مجتمعه تكاد تكون مُقنعة، فهو يقول لك: أنا أكذب حتى أعيش، وأنافق وأتملق كيلا أُسجن، وأنتهز وأصل حتى أتدبّر أمور حياتي وعائلتي وأحميها، ومبرره في ذلك، أن الجميع يكذب، فرأس الدولة يكذب والوزراء يكذبون، وأما مجلس الشعب “ممثل الشعب؟!” فهو مجمع اللغة العربية للكذب والتكاذب والمعمل المنتجُ دائماً لها دون توقّف!!
هذا مآل شعوب ما قبل الدولة، وما قبل الوطن والانتماء الوطني، وما قبل المجتمع المدني ودولة القانون، مجتمع القبائل والعشائر والحمائل والطوائف والمذاهب والعائلات، المتضادة المتناحرة في عقائدها ومصالحها وأهدافها، الذي يصبح الكذب والتكاذب والنفاق فيما بينها طريق نجاةٍ ونهج حياة. وعند انهيار السلطة الاستبدادية التي أمسكت وعملت على ترسيخ كل تلك التناقضات لأجل استمرارها وبقائها في الحكم والسلطة، ودفنتها كما يُدفن الجمر تحت الرماد، ينفضح كل شيء على حقيقته وينجلي نهرُ الكذبِ أنهرَ دماء.
الكاتب والممثل المسرحي الشهير موليير، عاش في عهد الطاغية لويس الرابع عشر ملك فرنسا، الذي كان يقول: “أنا الدولة”، وقد عالج موليير حينه في عدد من مسرحياته ” المتحذلقات” و”طرطوف” و”البخيل” و”عدو البشر”، عادات وسلوك المجتمع الفرنسي من كذبٍ ونفاقٍ ورياء، وتكلّفٍ وتصنّع، وتظاهر كاذب بالدين والتقوى والفضيلة. كان موليير واثقاً أن لا تقدم ولا خلاص للمجتمع الفرنسي إلا بكشف سلوكه وعوراته مهما كلّف ذلك من مواجهات.
أعود الآن لسيرة نيسان والسابع عشر منه، فهو جلاءٌ دون استقلال حقيقي، ودون الدولة، احتفال مبتورٌ ومنقوص، يجري شرق شريط خط وقف إطلاق النار تحت ظل الاستبداد والاعتقالات والسجون والأحكام العرفية وقانون الطوارئ؛إضافة للفساد والإفساد وإفقار الشعب، وعلى الشطر الغربي منه في الجولان، تجري مراسم الاحتفال أو “السرنامة”؛ في ظل نير الاحتلال الإسرائيلي الذي تخطّى الأربعة عقود، فيا فرحتنا؟! وهذا يذّكرني بقصة طريفة رواها لي أحد الأصدقاء، فقد طلب أحد معلمي الصفوف الابتدائية في قرية حضر السورية المتاخمة شرقاً لمجدل شمس من تلاميذه، أن يكتبوا شيئاً عن ذكرى حرب تشرين 73، فكتب أحد التلاميذ ببراءةٍ يقول: في حرب تشرين التحريرية، احتُلّت قريتي حضر!
الكذب والمأساة مُستمرّة سواء من آذار الغدّار أو شباط اللبّاط أو تشرين الحزين، أو حزيران… أو نيسان الذي الأول منه كالسابع عشر وكباقي الأشهر والفصول.

وهيب أيوب
الجولان المحتل- مجدل شمس
waheeb_ayoub@hotmail.com
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى