صفحات سوريةنصر حسن

المعارضة السورية… حراكٌ أم عراك؟!

null
د. نصر حسن
الذي يدورعلى ساحة المعارضة السورية بعد تعليق الاخوان المسلمين معارضتهم للنظام، يشكل عناصر المشهد الأساسي الذي تعاني منه المعارضة السورية منذ أمد طويل، أما أن يتم البوح عنه بهذا التسطيح وإخراجه تحت هذه الشماعة أو تلك، فتلك مسألة أخرى ملفتة للانتباه وباعثة للقلق في آن، بيد أنه طال التردد في اقتحام هذه الظاهرة والخروج منها رغم توفر العديد من الإشكاليات والمغالطات التنظيمية والسياسية كما الوطنية والفكرية والثقافية ضمن حالة فريدة من التردي تخيم على سورية، وكأنما أصبنا بوباء العجز ونقص المناعة الوطنية الأخلاقية وقلة الحيلة! وضعف الوسيلة والصمت والجنوح إلى الذاتية السياسية التي تحجر بداخلها العمل المعارض حيناً، وتنفثه تشققاً وتمزقاً ورياءً حيناً آخر، وباء يبدو أنه خاصية بنيوية بامتياز تؤطر العمل المعارض السوري أياً كان وأينما كان!
ففي المساجلات الحامية الدائرة بين أحباء المعارضة وأعدائها ومتسلقيها وتجارها، نلحظ نية مبيتة لفرض موقف سياسي جديد حائر مرتبك حول القضية الوطنية والتغيير الديمقراطي من جهة، ومن أخرى رغبة في إعادة قراءة الموقف من النظام السوري في ظروف دعائية أقرب إلى تداعيات “الموضة” السياسية، تبدو للبعض أنها جديدة ستحمل متغيرات جديدة! بمعنى هبوب نسائم المصالحات الدولية والعربية التي ستنعكس صلحاً وسلاماً على العلاقة بين الشعوب والحكام “النظام السوري والمعارضة مثالاً”!! هنا لا مناص من الاعتراف والاقرار بصراحة، بأن تلك القضايا في مجملها فردية ذاتية جذورها المصالح الشخصية، سمحت لها ظروف السنوات الأخيرة بأن تلتقي وتتحاور حول المسألة الوطنية والتغيير ضمن رؤى تثري الفرد والمجموع والحياة الوطنية عمقاً واتساقاً ونمواً، لكن للمفارقة الغريبة حقاً أن هذا الحوار جرها اليوم إلى الصراع الحاد الداخلي بدل المواجهة مع الاستبداد وإلى حرفها عن نهجها وتبديد جهودها، بدل تحفيزها على تجميع طاقاتها وتوحيدها باتجاه هدفها المركزي، الأمر الذي أفرز نوع من السجال العصبي يتمحور حول الموقف الذاتي الذي لا يثري الفرد ولا المجموع، بمجمله يضخ أنواعاً وأشكالاً من التدهور الوطني العام، التي تزيد حالة الارتباك والألم والحيرة والاحباط لدى الشعب ومط زمن الاستبداد والمعاناة للشعب السوري.
وضمن هذا الجو المشحون بالعجز والشقاق، كنت ألمس في نفسي دافعاً قوياً إلى تنشيط العمل المؤسسي وتجذير الموقف السياسي وتنميته باتجاه التكامل والفكاك من العصبية الفكرية والبنى التنظيمية المتحجرة الراهنة، والبحث عن آفاق تنظيمية سياسية وطنية أرحب وأكثر صدقاً وشفافياً في الخبايا والنوايا، تتجاوز التحديات المتعددة التي تعيق العمل الوطني المعارض المستقل المحاصر المطوق بشتى أشكال المعوقات والضعف والتعصب التي تعيقه وتضغط عليه وتبقيه في حركة سياسية دائرية حول الأهداف الجزئية والتصنيفات والقناعات المسبقة للأمور، مما أدى إلى تباعد كامل بين الرؤى النظرية والفكرية والواقع وطبع العمل المعارض بالسجال والجدال وسوء الحال! وبذا، نعتقد أن على العاملين بالشأن الوطني البحث أساساً في منهجية العمل التعددي وتدقيق قناعاتهم وفحص جدوى التحالفات الهشة والعمل التوافقي المظهري الذي ينقص قيمة وطاقة الجميع ويشوه العمل الوطني المشترك!
هل هذا شقاق فكري وطني؟! أم هو نفاق سياسي؟! أم فشل تنظيمي؟!أم ضحك على الشعب وزيادة قناعته باستحالة التغيير الوطني الديمقراطي؟! أم فتوى صريحة بدوام الاستبداد والألفة معه؟! أم تواتر الرقص من بعض المحسوبين على العمل الوطني على حبال النظام والمعارضة إلى حين!! ظني أن ضعف البنى الفكرية والتنظيمية والسياسية وفقدان أدنى درجات العمل المؤسسي، وعدم القدرة على تجاوز الفردية والكراهية، هي من الميزات القاتمة للضمير الوطني السوري المعارض اليوم، رغم أن ما يحفز على العمل ضد الاستبداد وفير للغاية، المؤسف يصبح اليوم سبباً للشقاق والتردد والعجز والجدب، لماذا هذا! النكوص؟! يبدو في التطور الراهن للعمل الوطني السوري المعارض أن البرامج الفئوية والحزبية والمصلحية تفوق أهمية المشروع الوطني الديمقراطي! حيث تبدد الأطراف الوطنية معظم وقتها في السجالات البينية حول مفاهيم نظرية التغيير الديمقراطي، آليته، أحقيته، إمكانيته، جدواه، حصصه، أهليته، محمولة على مشاهد القمع والفساد والتضخم اللفظي لدى النظام الذي بدأت عوارضه بالتسلل إلى ساحة المعارضة، فتضخمت الخلافات البينية العادية إلى الحد الذي لم تعد السيطرة عليها ممكنة، فانفجرت وحدث الفراق والشقاق والهراء والعداء وعوارض الوباء!
الحقيقة أن هناك أسباباً قديمة تفسر هذا التنازل عن الهدف الوطني المشترك لحساب أهداف افتراضية لا تخدم المجموع الوطني، هذا يقودنا إلى الاعتراف بأن بعض مفكري وسياسيي اليوم لم يعودوا مفكرين ولا سياسيين قطعاً، بمعنى غرابة عدائهم للتكامل والتعددية والعمل المشترك والتجديد في بنى المعارضة، إن النداء موجه اليوم إلى الضمير الوطني لكافة السوريين لإثارة اليقظة والتعامل بصدق وشفافية وجرأة، ونقل أمين علني لما نفكر فيه للتعبير الواضح عن أبعاد الخطاب السياسي الذي نريد والذي يستهدف الوطن بتمامه، ولا نرى قيمة وطنية للاتجاه المعاكس الذي يتصف به العمل المعارض. إن تحليل الواقع السوري والنظام تحليلاً دقيقاً ونزيهاً أمر مطلوب بقوة، لكن يجب أن يتم بمنظار وطني عقلاني يرى الواقع بدون وهم، ويعايش هموم الشعب ولا ينحرف إلى الجدال النظري العقيم.
والحال كذلك، إن اشتقاق خطاب وطني ديمقراطي جامع يحتاج إلى إعادة تعريف مفاهيمية أساسية ضمن منطق جديد في بنى المعارضة، متنه نهج العمل الديمقراطي التعددي ومتطلباته المؤسسية العملية الصادقة، التي يقع في قمتها التنازل عن العصبية أياً كانت والاعتباط الإيديولوجي والارتباك السياسي والحول الوطني والإنساني، ولا يمكن بأي حال اشتقاق خطاب جديد دون أن نطرح طبيعة الأسس الضرورية لنموه في الحياة العامة للشعب، ومعروف أن هذا النمو أو الحركية الوطنية الفكرية والسياسية التي يمثلها الخطاب الجديد! تنتج عن أحد أمرين، الأول هو تكامل مجمل عمل الأطراف المعارضة كقوة لها قيمة واتجاه، أو الثاني أن تتوفر شخصية وطنية مفكرة استثنائية تتمتع بجهد شخصي وميزات وطنية وفضائل في الضمير والفكر والعمل والأخلاق بما يغري المجموع بالقدوه فيها، أي إما العمل بهدى الواقع أو العمل بقوة الأفكار النظرية. للأسف المعارضة السورية فقيرة بكلا المستويين! قد تكون تجربة جبهة الخلاص الوطني وإعلان دمشق، ثنائية البعد السياسي، بمعنى أنها تحمل في مشروعها رؤى نظرية صحيحة جدية حول مشروع التغيير الوطني الديمقراطي السلمي من جهة، ومن أخرى وجود أطراف في كلا التشكيلين كابحة للتفاعل أبطأت وأخرت عملية التكامل الوطني في إطار مشروعها الديمقراطي، فلم يفلحا إلى الآن من جعل مشروعهما قوة محركة لضمير الشعب وحشد طاقاته باتجاه حسم الأزمة الوطنية الكارثية بشكل سلمي.
إن ما يميز عمل المعارضة اليوم،هي ثنائية متنافرة بين الهدف الوطني العام وبين حوامل عصبية أهلية أصولية من يمينها إلى يسارها محمولة على بنى أو شبه بنى تنظيمية واهنة لا تحركها قوى جامعة جاذبة، والحال كذلك فإن دورها مهدد وطاقتها معطلة،وجل ما تقدر عليه هو التسليم بالعجز للأمر الواقع وقبولنا التعايش مع الولاء المزدوج والتردد وطغيان المصالح الشخصية والعمل الفوضوي الوقتي، لذا نرى أنه من أولى المهمات الملحة الحالية الواقعة على أطراف المعارضة، تجاوز تلك الثنائية واجتراع وسيلة لدمجها في الهدف العام الذي يمثله مشروع التغيير الوطني! الديمقراطي، وفي الجملة أن تجد القوى الحية في المعارضة تركيباً فكرياً يتجاوز التناقضات السرطانية، وإن تعذر،توليفاً سياسياً قائماً على الأسس المشتركة ووحدة المصير، ومبادرة تحمل أفقاً واضحاً بأمل الخلاص من الاستبداد والرغبة في التجديد والتقدم وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية.
كلمات أخيرة مؤسسةً على موقف وطني سياسي واضح من المسألة الوطنية وعملية التغيير الديمقراطي،موجهة لكل أطراف المعارضة السورية،وإلى كل الغارقين في الذاتية والأنانية واللهاث وراء المصالح الشخصية، نقول أنه من المعيب وطنياً وأخلاقياً وإنسانياً في هذا الظروف الكارثية التي يعيشها الشعب السوري، من الذل والمهانة والفقر والقمع والاعتقالات والمحاكمات “القراقوشية” واللبس والاحتقان الوطني والأهلي والسياسي وخلط الأوراق أن تتبادل المهاترات والسجالات والمبارزات اللغوية المزرية، ونطالب كل طرف أن يحتكم إلى ضميره الوطني، وإن تاه فإلى الضمير التاريخي للشعب السوري، ويضع نصب عينيه أن الاستبداد هو الهدف وأن المعركة الأساسية معه تستحق الترفع إلى مستواها الوطني والأخلاقي أخطأ من أخطأ وأصاب من أصاب، والكف عن الوصاية والوصولية والرياء والهذيان من كل اللذين يحسبون أنفسهم على العمل الوطني، ويلقبون أنفسهم بأنهم مناضلين ومفكرين ومثقفين وكتاب! وأن لا يتمادوا في تضليل وتيئيس الشعب، وأن لا يغريهم الغوص في مستنقع الشقاق والنفاق والتفتت واللوم والبراءة، سورية تحتاج طاقات الجميع وأبواب العمل الوطني متعددة، ومن لديه الإيمان والقناعة بأحقية العمل ضد الاستبداد، يستطيع أن يؤدي واجبه الوطني عن طريق جبهة الخلاص أو إعلان دمشق أو أي طريق وطني آخر بدون عناد ولا زناد، وعليهم أن يثبتوا صدق انتمائهم وولائهم لضمير الشعب وكرامته وترجمته عملياً إلى قدراً يسيراً من الحرص على مستقبله أولاً وأخيراً.

خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى