التفاوض السوري الإسرائيلي

المفاوضات السورية والفلسطينية مع إسرائيل

null


صبحي غندور

تتواصل الرعاية التركية لمفاوضات غير مباشرة تحدث الآن بين سوريا وإسرائيل، في ظل حالة تأزم سياسي مستمر بين دمشق وواشنطن، التي كانت قد رعت في عهد كلينتون المفاوضات بين الطرفين بعد مؤتمر مدريد الذي دعت اليه إدارة جورج بوش الأب في نهاية العام 1991.

ولقد ظهر واضحاً، في مؤتمر مدريد وبعده، مدى صلابة المفاوض السوري ورفضه للتنازلات، بالإصرار على الانسحاب الشامل من هضبة الجولان المحتلة والإصرار على أولوية استرجاع كل الأرض السورية المحتلة مقابل السلام المطلوب مع إسرائيل.

وكانت هضبة الجولان تعني للإسرائيليين في الماضي موقعاً استراتيجياً عسكرياً لا يجوز التخلي عنه لأسباب أمنية، لكن تطور أنواع الأسلحة والأساليب التقنية المستخدمة الآن عبر الأقمار الصناعية، ووجود حجم كبير من الصواريخ الهجومية والدفاعية المتنوعة في إسرائيل، كشفا حقيقة الأهمية الاستراتيجية الأخرى للجولان لدى إسرائيل حيث تسيطر الهضبة على ربع مصادر المياه المستخدمة في الكيان الإسرائيلي. فأصبح الانسحاب الإسرائيلي من الجولان ممكناً بقدر ما تضمن إسرائيل فيه حق سيطرتها على مياهه، وليس بمقدار تواجدها العسكري على أرضه، خاصة إذا حصل الاتفاق على أسس شبيهة باتفاقيات كامب دافيد التي ضمنت لمصر استعادة الأرض (سيناء) مقابل السلام الكامل مع إسرائيل.

إذن، هي مفاوضات صعبة على المسار السوري وهي تتمّ مع طرف صلب في مواقفه، لكنّها أيضاً مفاوضات على قضية ليست معقدة، لأنّها سهلة التحديد من حيث ماهية “الأرض” مقابل ماهية “السلام“.

أمّا في المسار الفلسطيني، فالوضع الآن معاكس تماماً، إذ أنّ الطرف الفلسطيني المفاوض “سهل التعامل” لكن القضية التي يفاوض بشأنها “معقدة جداً”. ولقد ظهر في السنوات الماضية – منذ توقيع اتفاق أوسلو- كيف تجاوبت رئاسة منظمة التحرير الفلسطينية مع المطالب الأميركية والإسرائيلية بسهولة ممّا أدّى إلى وجود السلطة الفلسطينية الراهنة على “أرض” غير محدّدة بعدُ نهائياً، مقابل تسليم بسلام كامل مع مغتصب هذه الأرض ودون أيّة ضمانات أيضاً لمستقبل استقلالية “الدولة” التي ستحكم هذه “الأرض” أو “الشعب” المشرّد بغالبيته خارج هذه الأرض. فعناصر الوطن الفلسطيني (أرض – شعب- دولة) ما زالت كلّها غير محدّدة أميركياً وإسرائيلياً، بينما مضمون “السلام” الإسرائيلي المطلوب تحدَّد وتحقَّق، وتحرص السلطة الفلسطينية على تنفيذه، في ظل حسم أميركي/إسرائيلي ليهودية دولة إسرائيل!.

ولعلّها مقارنة موضوعية الآن أن تُرى المفاوضات العربية الجارية مع إسرائيل كالآتي:

على المسار السوري: مفاوضات صعبة بوساطة تركية مع طرف عربي صلب لكن على قضية غير معقّدة (تحديداً أرض الجولان)، ومن السهل الاتفاق بشأنها بين الأطراف المعنية، خاصة أن أكثر من ثمانين بالمائة من القضايا قد جرى التفاهم عليها في المفاوضات السابقة تحت الرعاية الأميركية.

على المسار الفلسطيني: مفاوضات متواصلة برعاية أميركية مع طرف عربي مُسهِّل للأمور ويحمل صفة التمثيل للشعب الفلسطيني، على قضية معقّدة جداً وترمز إلى كل الصراع العربي/الصهيوني منذ مطلع القرن العشرين.

***

إنّ الموقف الرسمي السوري استمرّ على صلابته منذ مؤتمر مدريد، وحرصت القيادة السورية أيضاً على عدم القبول بأيّة اتفاقيات مرحلية على المسار السوري أو منفصلة عن مصير الجبهة اللبنانية، ممّا أدى إلى تسليم إسرائيلي بمقولتين:

الأولى: ضرورة التوصّل إلى اتفاق بين سوريا وإسرائيل على كلِّ شيء (أي مضمون مقولة “الأرض مقابل السلام”) أو لا اتفاق على أيِّ شيء.

الثانية: أنّ مصير التسوية الإسرائيلية مع لبنان سيكون مرتبطاً بنتائج المفاوضات على المسار السوري، وبأنّ الاتفاق مع سوريا هو المدخل أيضاً لإتفاق تسوية نهائية على الحدود اللبنانية يسترجع فيه لبنان مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وتنتفي بعده الحاجة لوجود سلاح المقاومة.

إنّ الاتفاق الإسرائيلي مع سوريا هو – كما قال باراك في نهاية حقبة المفاوضات بالتسعينات- مفتاح الاتفاق مع كل الدول العربية والمدخل للعلاقات الإسرائيلية مع كامل المنطقة العربية. فقوّة الموقف السوري تنبع من أنّ الاتفاق مع سوريا هو بوّابة لمفهوم “التسوية الشاملة” على الجبهات المجاورة لإسرائيل وللعلاقة مع دول المنطقة العربية.

وإضافة للأبعاد السياسية والاقتصادية في قوّة الموقف السوري التفاوضي، فإنّ الموقف السوري من الناحية الأمنية يستند إلى قوّة التحالف مع إيران وحركتي المقاومة في لبنان وفلسطين.

أيضاً، سوريا تفاوض الآن دون اعتراضات عربية ودولية، بل تدعمها في هذه المفاوضات غالبية الحكومات العربية والقوى الدولية الفاعلة.

أمّا المفاوضات على المسار الفلسطيني، فقد انتقل مسار التفاوض فيها من وفد مشترك مع الوفد الأردني عقب مؤتمر مدريد عام 1991 إلى مفاوضات سرّية في أوسلو عام 1993، تمّت حتى بلا علم الوفد الفلسطيني المفاوض في واشنطن، الذي كان يرأسه آنذاك المرحوم الدكتور حيدر عبد الشافي، وطبعاً من دون تنسيق مع أي طرف فلسطيني آخر، ودون توافق أو تشاور مع أيّة جهة عربية أخرى مفاوضة.

ورغم مضي حوالي خمس عشرة سنة على اتفاق أوسلو، وانتهاء العديد من المهل الزمنية المتفّق عليها، فإنّ الطرف الفلسطيني المفاوض ينتقل من مهلة زمنية لأخرى، ومن اتفاق “مبادئ” إلى اتفاق “مبادئ” آخر.. فتحصل البدايات ولا تُنفَّذ النهايات، وتسود “الوقائع” الإسرائيلية على الأرض الفلسطينية!

لقد كان مؤتمر مدريد عام 1991 آخر أشكال التواجد العربي المشترك في مفاوضات واحدة مع إسرائيل، كما كان آخر أشكال المشاركة الدولية الفعّالة في مرجعية الاتفاقيات، حيث انتقلت المفاوضات بعد مدريد إلى الرعاية الأميركية الكاملة، وإلى المسارات المنفصلة، بل والمتنافسة أحياناً!

أسئلة كبيرة تحيط حالياً بمناخ المفاوضات الدائرة، لكن هناك صعوبة حتى الآن في توصّل المفاوضات السورية/الإسرائيلية إلى نتائج عملية سريعة، مع أنّه لو يتمّ التوصّل إلى اتفاق ونتائج عملية ستشهد المنطقة العربية مرحلة جديدة تماماً تختلف في طبيعتها عمّا كانت عليه طيلة السنوات الماضية.

يبقى مصير المسار الفلسطيني مجهولاً طالما أنّه يعتمد حصراً على “راعٍ أميركي” ينأى الآن بعيداً عنه معظم “قطيعه” في المنطقة، حتى “كلبه الوفي” يبحث هو الآخر عن أمنه الخاص!!.

* مدير “مركز الحوار العربي

alhewar@alhewar.com

http://www.alhewar.com/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى