صفحات العالممحمد سيد رصاص

نتنياهو وأوباما…هل الصدام حتمي؟

محمد سيد رصاص
لا يمكن القول، من خلال مراجعة ستة عقود من تاريخ العلاقات الأميركية الإسرائيلية، بصواب مقولتي “أميركية السياسة الإسرائيلية” و”إسرائيلية السياسة الأميركية”، اللتين تسيطران على الوسط السياسي العربي، حيث كان تحالف واشنطن وتل أبيب، الذي كان يصل لمرتبة الاستراتيجي، مبنياً على تلاقي المصالح (أمثلة: حرب 1967 ضرب المفاعل النووي العراقي عام1981 اجتياح 1982 للبنان) وليس على تبعية السياسة الإسرائيلية لواشنطن، ولا على خضوع ساكن البيت الأبيض لإملاءات اللوبي اليهودي الأميركي.
إذا ابتعدنا عن التلاقيات الأميركية الإسرائيلية، فإننا نجد محطات حصلت فيها عمليات تضارب مصالح أوصلتهما إلى حالة الصدام، كما حصل بين أيزنهاور وبن غوريون إثر حرب السويس عام1956، وبين مناحيم بيغن وجيمي كارتر عقب البيان الأميركي السوفياتي المشترك في الأول من تشرين أول1977 لما تمت الإشارة “إلى الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني….. مع الدعوة لانعقاد مؤتمر جنيف “بمشاركة كل أطراف النزاع العربي الإسرائيلي، إلى التصادم العلني بين بوش الأب وإسحق شامير عام 1991 لما رفع الرئيس الأميركي سيف التهديد بسحب ضمانات القروض المقدمة لإسرائيل إن لم تذهب تل أبيب لمؤتمر مدريد، وصولاً إلى الصدامات العديدة بين كلينتون ونتنياهو التي دفعت السفير الأميركي السابق في تل أبيب مارتن إنديك للقول بأن “نتنياهو يعرف أنه خسر الانتخابات (عام1999) لأنه لم يدر العلاقات جيداً مع الرئيس كلينتون”.
في هذا الصدد، نجد أن أكثر الصدامات (منذ دخول العلاقات الأميركية الإسرائيلية في نسق استراتيجي من التحالف في عام1964 بعد سنة من استقالة بن غوريون الذي ربط أوائل الستينات نفسه بمحور ديغول أديناور العامل على السعي لنزع الهيمنة الأميركية عن أوروبا أملاً من رئيس الوزراء الإسرائيلي بالحصول عبر هذا الطريق على القنبلة الذرية) كانت تحصل بين رؤساء ديموقراطيين أميركيين ورؤساء وزراء إسرائيليين من الليكود، مع استثناء حالة بوش الأب وشامير، بينما لم يحصل مع رؤساء وزراء من حزب العمل (غولدا مائير، رابين، باراك)، فيما لوحظ التوافق الكبير الذي حكم علاقات عهد بوش الإبن مع شارون وأولمرت، والذي تحولت فيه العلاقات بين واشنطن وتل أبيب إلى مستوى من التوافق والتلاقي غير مسبوقين.
عقب تكليف بنيامين نتنياهو بتأليف الحكومة إثر انتخابات شباط الماضي، قامت زعيمة حزب كاديما تسيبي ليفني بإطلاق تحذير بأن نتنياهو سيقود إسرائيل إلى “شرخ محتوم مع الولايات المتحدة”، لا يقوم هذا الإدراك المنتشر في العديد من الأوساط الإسرائيلية بناءً على التجربة التاريخية لعلاقة الحزب الديموقراطي والليكود في عهدي كارتر وكلينتون، أساساً، وإنما يلامس مسألة تتعلق بمراجعات السياسة الأميركية في عهد الرئيس أوباما، التي ستؤدي (وأدت) إلى وقف اندفاعات السياسة الأميركية في المنطقة التي كانت بعهد سلفه، ما سيقود على الأغلب إلى مسار متفارق مع سياسات حكومة إسرائيلية هي الأكثر يمينية من حيث تركيبتها الأيديولوجية السياسية في تاريخ دولة إسرائيل، وهذا متوقع في مواضيع (إيران) التي تتجه الإدارة الأميركية الجديدة نحو علاقات معها هي على غير وضعية المجابهة التي انتهجها الرئيس جورج دبليو بوش منذ آب 2005 (مع استئناف طهران لبرنامج التخصيب النووي) فيما اعتبر نتنياهو أن “إيران أولاً”، و(فلسطين) الذي أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد تنصله من التزامات مؤتمر أنابوليس بالتزامن مع رفض رئيس وزرائه لـ”حل الدولتين” الذي أصبح شعاراً للإدارة الأميركية المنصرفة والجديدة في ظل وضع غدا فيه التعاكس واضحاً الآن مع وضع 2001-2003 لما كان ضرب برجي نيويورك مؤدياً للتركيز الأميركي على كابول ثم بغداد مع غض طرف بوش عما كان يفعله شارون في فلسطين.
بعبارة أخرى، هناك اعتدال أميركي، بالقياس إلى سياسات المحافظين الجدد في عهد بوش الإبن، يسود الآن إدارة أوباما بعد مآزق وفشل السياسة الأميركية في أكثر من موضع بالعالم، وبخاصة في الشرق الأوسط والقفقاس، وإثر الضعف الذي أصاب (القطب الواحد للعالم) عقب الأزمة المالية الاقتصادية منذ أيلول 2008، وهو ما يجعل علاقة واشنطن مع الدول الكبرى (كان هذا ملموساً في قمة العشرين) بعيدة عن الروحية الإنفرادية التي كانت تسود عهد سلف أوباما، فيما نجد أن هذا الضعف (وذاك الإخفاق) يؤدي إلى مقاربة أميركية جديدة أيضاً لأدوار الدول الإقليمية الكبرى في مناطق عديدة من العالم (تركيا، جنوب إفريقيا، البرازيل)، وإلى تعامل أميركي مختلف مع الأزمات الساخنة من أفغانستان إلى إيران، والعراق، وفلسطين، مع مراعاة مصالح الدول الاقليمية المجاورة لبؤر الأزمات. هذا الاعتدال الأميركي الجديد لا يتطابق مع التطرف اليميني الإسرائيلي، الذي فازت أحزابه في انتخابات 10 شباط 2009، ومن المحتمل كثيراً أن يؤدي بهما هذا اللاتطابق إلى الصدام.
هل سيحصل هذا الصدام، أم أن تطورات مفاجئة ستطوي احتمالاته، كما حصل بعد سبعة أسابيع من البيان الأميركي السوفياتي المشترك في عام 1977 لما قام الرئيس المصري بزيارته للقدس، وطوي على إثر ذلك موضوع الحل الشامل للنزاع العربي الإسرائيلي، وفي صلبه القضية الفلسطينية، ليصبح موضوع التسوية المنفردة المصرية الإسرائيلية هو الطاغي على الطاولة الشرق أوسطية؟.
المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى