صفحات العالمما يحدث في لبنان

كي تكون لبنانيا…

الياس خوري
“اين نحن الآن؟”، سألني.
“من تقصد بكلمة نحن؟”، اجبته.
“نحن، يعني العلمانيين الذين حلموا بالاستقلال والحرية وعروبة جديدة تبنيها الديموقراطية”، قال.
“تقصد نحن”.
“نعم، اقصد رجالا ونساء حلموا بإمكان اخراج لبنان من منطق الساحات الطائفية، وناضلوا من اجل استعادة قيم النهضة العربية”، قال.
“وفلسطين؟”، سألته.
“نعم، فلسطين” قال، “حلم الدولة الديموقراطية العلمانية، الذي قبلنا بعد ذلك بضرورة تأجيله، بسبب موازين القوى، وقلنا بدولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس”، قال.
“لنترك فلسطين جانبا الآن”، قلت، “ولنعد الى لبنان، كيف تخيلتم – تخيلنا ان في امكاننا الوصول الى الاستقلال والحرية؟”.
“المسألة بسيطة يا صاحبي، قمنا بثورة سلمية، اكثر من مليون لبنانية ولبناني احتلوا ساحة الشهداء في 14 آذار 2005، واعلنوا الاستقلال. كانت انتفاضة كبرى، لا مثيل لها في تاريخنا، اجبرت الجيش السوري على الانسحاب من لبنان. ومن بعدها اطلقنا على ساحة الشهداء اسم ساحة الحرية”.
“وما اسم الساحة اليوم؟”، سألته.
“لا اعرف، ربما عادت الى اسمها القديم، لا افهم لماذا تتغير الأسماء بهذه السرعة، ولكن هذا ليس مهما، المهم انتفاضة الاستقلال، الا تكفي الانتفاضة؟”.
“لا تكفي”، قلت.
“ماذا تريدنا ان نفعل اكثر من ذلك؟”، سأل.
“قلت لك انها لا تكفي، والدليل هو انك تسألني اين نحن اليوم”.
“اسأل لأنني لا اعرف، والله لا افهم كيف انقلبت الدنيا”، قال.
“ومن قلبها؟”.
“قلبوها، قلبها السوريون والاسرائيليون، ونجحوا في شلّنا”.
طلبت من صديقي ان لا يقارن بين سوريا واسرائيل، سوريا دولة عربية شقيقة، ومهما حصل فنحن ننتمي واياها الى واقع جيو- سياسي مشترك، اما اسرائيل فعدونا التاريخي.
“طيّب يا سيدي، معك حق، لا اريد ان اقارن، لكنهم قلبوها علينا”.
“من تقصد؟”، سألته.
“سوريا واسرائيل”، قال.
“ونحن، ماذا فعلنا؟”، سألته.
“نحن لا نستطيع ان نفعل شيئا في مواجهة قوتين اقليميتين كبريين”، جاوبني.
“ولماذا قمنا بانتفاضة الاستقلال اذا كنا لا نقدر على هذه المواجهة؟”، سألته.
“لم اقصد اننا لا نقدر، اردت ان اقول ان الظروف لم تساعدنا”، قال.
“عمّ تتكلم؟”.
“عن حرب تموز، ألم تر كيف انقسم لبنان بعد حرب تموز؟”.
“لكن الحروب توحد الشعوب”، قلت، “وخصوصا ان اسرائيل ذاقت هزيمة معنوية وعسكرية حقيقية في تلك الحرب”.
“لكننا تصرفنا كشعب منقسم على نفسه”، قال.
“لماذا؟”، سألته.
“لا اعرف”، قال.
“طيّب لنفترض ان حرب تموز لم تحصل، هل كانت المسيرة الاستقلالية لتكون على ما يرام؟”.
قال ان المسألة اكثر تعقيدا، فهناك المحكمة الدولية، التي اثارت عاصفة من الخلافات السياسية الداخلية والاقليمية، قبل نشوئها وبعده.
“والاغتيالات”، قلت. “هل نسيت اغتيال سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني وبيار الجميل وانطوان غانم ووليد عيدو…؟”.
“طبعا، طبعا”، قال.
“وسلاح “حزب الله”، والنقاش في طاولة الحوار حول المقاومة”.
“لا لم انس، ولكن لماذا؟”.
“لماذا ماذا؟”، سألته.
“لماذا نحن هكذا؟”، سأل.
“لا ادري، الغريب انني لم افهم كيف لا تستطيع مقاومتان الالتقاء، تحرير الجنوب عام 2000 من الاحتلال الاسرائيلي، وانتفاضة الاستقلال عام 2005. ألم يكن ممكنا ان نلتقي على رفض الاحتلال والوصاية كي نعيش احرارا في بلادنا؟”، سألته.
“طبعا ممكن، لكننا في حاجة الى دعم اقليمي ودولي”، قال.
“ومن قال غير ذلك؟”.
“هنا المشكلة”، اجاب، “بعضنا طلب دعم المملكة العربية السعودية وبعضنا الآخر طلب دعم سوريا وايران”.
“يجب ان لا ننسى اميركا”، قلت.
“واميركا وفرنسا، والى آخره”…
“هنا انقسمنا”، قال.
“يعني لم ننقسم لأسباب داخلية”، قلت، “انقسمنا بسبب حبنا للخارج، واحتضان الخارج لنا”.
“ليس هذا ما قصدته”، جاوبني.
“ماذا إذاً؟”.
“انقسمنا لأننا منقسمون اصلاُ، فنحن ننتمي الى طوائف، والطوائف لا تكون الا اذا تمايز بعضها عن البعض”.
“يعني نحن المشكلة”، قلت.
“بالضبط، هذا ما اردت قوله، المشكلة ان الطوائف تتصرف وكأنها كيانات قائمة بذاتها، كل طائفة لها علاقاتها الخارجية الخاصة بها، وتبحث لنفسها عن موقع في استراتيجيات المنطقة، وتستخدم تحالفاتها الخارجية من اجل تحسين مواقعها في السلطة”.
“والحل؟”.
“لا اعرف”، قال، “الحل ان نصير جميعنا لبنانيين”.
“ولكننا لبنانيون”، قلت.
“والله لا اعرف”.
“ماذا تقترح؟”.
“اقترح ان نصير لبنانيين”.
“وهل يمكن ان يكون الانسان لبنانيا اذا لم ينتم الى اي طائفة؟”.
“يمكن، ولكنه لن يكون طرفا في الحياة السياسية”.
“وكيف يكون الانسان لبنانيا وجزءا من الحياة السياسة؟”.
“المسألة بسيطة، عبر الانتماء الى احدى الطوائف”.
“ولكن اذا كان طائفيا فإنه لا يستطيع ان يبني وطنا اسمه لبنان”.
“صحيح”.
“يعني كي تكون لبنانيا يجب ان لا تكون لبنانيا”!
“كلام منطقي”.
“ما هذا المنطق؟”، سألته.
“انه المنطق اللبناني”.
“لا، انه منطق الفشل”، قلت.
“انا لا احب هذه الكلمة التي تدعو الى التشاؤم، فأنا متفائل بطبعي، كل ما في الأمر ان علينا ان نبدأ من جديد”، قال.
“متى نبدأ؟”.
“عندما نصير لبنانيين”!
“يعني ماذا؟”.
“لا ادري، لكنني احب ان اكون متفائلا”.
ملحق النهار الثقافي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى