صفحات مختارة

حرب الكرة

عباس بيضون
ليس أغرب من حرب الكرة بين مصر والجزائر سوى تفاجؤ المثقفين في البلدين بما جرى. إذ كما هي الحال في العراق ولبنان وربما اليمن يظهر المثقفون في لحظات الشدة آخر من يعلم وغالباً ما يتأخرون عن الحدث وعن الناس ويتخبطون في براءتهم المفاجئة. ليس العنف غريباً عن الجزائر ولا مصر كما انه ليس غريباً عن لبنان والعراق وسواهما. كل من هذه البلدان خاض عنفاً فظيعاً ولم يكن السبب اعمق ولا اعظم من لعبة كرة، ثم ان لعبة الكرة ليست بريئة وليست مجرد لعب، انها حرب او كالحرب وغالباً ما استفزت أسوأ ما لدى البشر. كل نعراتهم وكل عصبياتهم وكل حزازاتهم وضغائنهم. تستفز لعبة الكرة «البريئة» نزعات الذكور المعادية للنساء والنزعات العنصرية والشوفينية والمناطقية، ولم تكن في بلاد متقدمة اكثر براءة منها في مصر والجزائر. لقد شهدت الملاعب الإنكليزية كما عانت الملاعب التي استضافت فرقاً إنكليزية عواصف دموية وقتلاً منتظماً وسقط على أدراجها عشرات القتلى، ليس من الضروري إذاً ان نتفاجأ من العنف الذي جرّته اللعبة ولا الحزازات التي استفزتها. ولا الكراهية التي اثارتها في كل بلد ضد الآخر. الأرجح ان الذين بوغتوا بذلك لا زالوا يعيشون في احلام الوحدة الوردية ولا زالوا لا يشعرون ان مجتمعاتهم ومجتمعات غيرهم قائمة على انقسامات وعلى قابلية لمزيد من الانقسام وعلى احتجاج بأوهى الفروقات لتوليد الانقسامات.
على المرء ان ينسى تماماً ما حدث في الجزائر منذ عهد قريب. ان ينسى كيف لعبت الفؤوس والسكاكين والبنادق في رقاب العباد. على المرء ان ينسى ما حدث في مصر منذ عهد أبعد حين لعبت السكين بعنق نجيب محفوظ وفرج فودة وتفجرت الباصات والمؤسسات، انها مجتمعات لا تعرف متى تتفجر من الداخل ومتى يتحول كل تباين او فرق الى خندق دموي. الحال نفسه في لبنان ايضاً ولا زالت الحرب معلنة او مستورة هي اساس الاجتماع. باختصار ليس العنف هو المستغرب، انه الجواب شبه الفوري والحاضر والجاهز. ليس الانقسام هو المستغرب انه بديهي. قد تبدو الوطنية التي تفجرت في مصر ضد الجزائر، وفي الجزائر ضد مصر. تبدو هذه الوطنية التي استرجعت هنا وهناك كل الفولكلور الوطني وكل النعرات الوطنية، تبدو أكبر بكثير او بقليل من اللعبة، فأن يجتمع شعب حول فريق رياضي ليس جديداً، الجديد الاقرب الى التهريج هو هذه العودة الغريبة لتراث الحروب الخاسرة هنا وهناك وللمارشات الوطنية، لقد اجتمع الشعب هنا وهناك وهو لا يجتمع عادة إلا ضد عدو. أن يجد المصري عدواً في الجزائر وان يجد الجزائري عدواً في مصر فإن ذلك لا يعني ان مفهوم العدو يتحرك ويتبدل أو انه يغدو بلا مفهوم. أن البحث عن عدو يغدو حاجة شعبية وان البحث عن وحدة ولو كاريكاتورية يبدو هدفاً بحد ذاته، هذه المجتمعات الممزقة تمارس هكذا نوستالجيا وحدة متخيلة. ان اختراع العدو او إيجاده في أي مواجهة كانت هو بالضبط ملاذ شعوب ممزقة متذررة. لكننا لا نخطو اطلاقاً، اختراع العدو، اختراع المعركة، اختراع الوحدة، اختراع فحسب اما ما يبقى فقليل او كثير من ال
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى