حسين الشيخ

فيلم أميركي طويل في سوريا

null
حسين الشيخ
ما الذي ينتظرنا؟
تردد هذا السؤال بإلحاح وكأنه يريد أن يجهز على ما تبقى من أمل، حين كنت أشاهد فيلمين قصيرين حصلت عليهما من إحدى المواقع من الانترنت، الفيلمين يصوران رجما لامرأة متهمة بالزنا، الأول صور في إيران والثاني لم يبدو واضحا أنه كان في السعودية أم في أفغانستان. كلا الفيلمين مرعب، ومثير للتقزز، يقوم الذكور بحفر حفرة تغمر الضحية حتى البطن، ويأتون بالمرأة يلفها كفنها الأبيض، ويغطي حتى وجهها ( شكرا لهم فقد حجبوا شخصيتها عن العموم، رغم أن الكل يعرفها)، المهم يأتون بهذه المرأة المتهمة بالزنا(وهل يمكن إثبات ذلك بشروط القرآن؟) يضعونها في الحفرة، ويهيلون عليها التراب حتى يغمرها إلى البطن كي لا تتحرك بالطبع، وتهرب من مطر الحجارة الذكورية، ومن ثم يبدأ هذا الطقس الذكوري المريع، ويبدأ الكر والفر، والحجارة تتهاطل على هذا الجسد كمطر أعمى، ويبدو الرجال وكأنهم يعيدون نكحها من جديد في مخيلاتهم المريضة، ويتلون الكفن بالأحمر القاني، والجسد المربوط بإحكام بالكفن والتراب يتلوى بدون أن يستطيع الفرار أو تجنب ذلك العمل الذكوري والمريع.
ما الذي ينتظرنا؟
سؤال تردد في ذهني مرة أخرى حين حكم الغنوشي المقيم في أحضان لندن بإهدار دم العفيف الأخضر بناء على اتهامه بأنه مؤلف كتاب “المجهول في حياة الرسول المنشور على موقع ” الكلمة ” , والذي يحتوى على تجريح لذات الرسول الكريم ص “, و انطلاقا من هذا الاتهام , حكمت حركة ” النهضة ” على العفيف الأخضر بالردة ومن ثم القتل. لم أتفق أبدا في يوم من الأيام مع تحليلات العفيف الأخضر ولكنني لا أستطيع قبول أن يتم تكفير الآخرين بهذا الشكل، وأن يصل الخلاف السياسي والعقائدي إلى هذا المستوى المنحط، وتذكرت نصر حامد أبو زيد وسيد القمني وفرج فودة ومحمود درويش ومارسيل خليفة ، والذين تعرضوا بشكل أو بآخر لتهديدات وأفعال جماعات مختلفة. إنها محاكم تفتيش تحاكم كل الآراء والأفكار المختلفة. بحجة امتلاك الحقيقة كاملة مطلقة غير منقوصة.
ما الذي ينتظرنا؟
أتذكر الثمانينات ، وأتذكر مجموعة الأصدقاء الذين قتلوا بدم بارد، مجموعة من الديمقراطيين والشيوعيين، وحتى أشخاص عاديون، كان ابن عمتي من بين الذين قتلوا في مدرسة المدفعية، كان شخصا بسيطا وجميلا بنفس الوقت، كان يجيد العزف على الدربكة، وكانت أفراحنا لا تكتمل بدونه، حين رأيت وجهه قبل دفنه كان يحمل تعبيرا مزيجا من الدهشة والاستغراب، وكان بالصدفة سنيا. لم يعتذر أي شخص أو جهة لأمه التي ماتت بعد شهرين من وفاته ولا لأباه العاجز على كرسيه المتحرك، ولا حتى لي شخصيا، حتى هذه اللحظة.
ما الذي ينتظرنا؟
لدينا بدائل مفزعة، ولا بديل مجز لانتظار الشعب السوري عشرات السنين، ولأن معارضتنا الديمقراطية ضعيفة ومفككة وبدون برنامج واضح يقود الشعب إلى التغيير، ولأنها بدت وكأنها تستجدي النظام لإجراء الإصلاحات المنشودة والضرورية، الأفق يحمل بدائل مفزعة، لعل البديل الأول هو تمكن النظام من تعويم نفسه عبر الرضوخ لاشتراطات وأوامر أميركية وخصوصا فيما يتعلق بالعراق وفلسطين ولبنان، وإجراء إصلاحات شكلية تمس الداخل المضطرب، هذا النظام الذي استنفذ كل الفرص لبقائه على قيد حياة مريرة قاد فيها البلد نحو الخراب، هذا النظام الذي ارتكب مجازر راح ضحيتها عشرات الألوف من السوريين، وشرد عشرات الآلاف إلى المنفى، واعتقل الآلاف ، وقاد الاقتصاد نحو الخراب وترك كل شيء في حالة مزرية من الموت. ولعل بديل آخر أكثر بشاعة يلوح بالأفق هو رغبة الجلاد رفعت الأسد بالعودة إلى سوريا لأنه : ذاهب لتحقيق الوحدة الوطنية لأن الوضع في سوريا خطير ، كما قال. وأعتقد أن المناضل الكبير رياض الترك كان محقا عندما تساءل حول عودة رفعت الأسد وهل هي جزء من تسويات مع النظام الحاكم في سورية أم أنه يريد استغلال الوضع الحالي في سورية ليبحث له عن دور سياسي ويظهر أنه المخلص. هذا الجزار السفاح الذي قام بجرائم ضد الإنسانية، ومعروف عنه مسؤوليته عن مجزرة تدمر و اشتراكه في مجازر حماه عام 1980، هذا الوجه القبيح للنظام السوري، ولعلني أوافق رياض الترك تماما حين قال بأنه من المؤكد أن من يقتل الشعب لايمكن ان يشارك في حريته.
ما الذي ينتظرنا؟
هل ينتظرنا مصير أميركي على وزن المصير العراقي، هذه الديمقراطية الأميركية، التي تخنق وتدوس وتقتل كل الأشياء الجميلة في طريقها باسم حرية مزعومة غير إنسانية تحمل في طياتها تحقيق لمشروع المحافظين الجدد اليهودي المسيحي، هذا المشروع الذي أحال العراق إلى خراب ، لا أمن ولا استقرار ونهب مستمر لثروات هذا البلد، بلد على باب حرب أهلية يعود تاريخها إلى مقتل الحسين، عراق بشرونا به بأنه سيكون ديمقراطيا حرا. بلد تزداد فيه الانقسامات الطائفية حدة، والقتل فيه صار على الهوية، عراق بشرونا به المؤيدون للمشروع الأميركي بأنه عراق المستقبل، عراق يتخلى عن هويته لصالح هوية متخيلة تكشفت في الآونة الأخيرة عن حروب طائفية يديرها العراقيون أنفسهم ويساهمون في استمرارها، ويتدخل العديد منهم في نصح الشعب السوري بتبني هذا الخيار الرائع، الديمقراطي، خيار المستقبل، كما يتبنى هذا الخيار جزءا من المعارضة السورية،التي لا تجد أي تجاوبا في الشارع السوري، ديمقراطية تذكرنا أيضا بما حدث في تيمور الشرقية و نيكاراغوا وأفغانستان ، وما يحدث في معتقل غوانتنامو مثال حي أيضا لهذه الديمقراطية المزعومة، المكروهة،و الغير إنسانية.
ما الذي ينتظرنا؟
أم تحكمنا قوى ظلامية باسم الإسلام، تحاكمنا حين نفرح و نغني، تحاكمنا حين نرسم، وحين نتكلم، أو نرقص، سلطة أبدية لا تعترف إلا بحاكمية واحدة، لا نستطيع جدالها ولا محاورتها، سلطة تمتلك الآلاف من القديسين، وآلاف الكتب التي جاءت تفسيرا للنص الأصلي، ولا نستطيع مساءلتها بحجة الحفاظ على القائم ومنع الفوضى، سلطة يمكن أن تعرضك للرجم أو القتل إذا تعرضت للقديس عمرو خالد أو القرضاوي أو حتى شيخ الجامع في قرية صغيرة، هذه القوى التي تستغل الإسلام وتفسره حسب ما تريد، قوى لا تؤمن بدستور وضعي ليس مقدس ويمكن تغييره أو تعديله متى نشاء أو نحتاج لذلك، قوى أغلقت باب الاجتهاد منذ قرون ولا تؤمن بالتداول السلمي للسلطة وحرية التعبير والرأي والعقيدة(ولن أسميها ديمقراطية حتى لا يصفونها بالبدعة).
نحن بالتأكيد نستحق أكثر من ذلك.
نحن نستحق نظاما ديمقراطيا عادلا، نحتاج لسلطة تحي البلد، وليس لسلطة البعث أو القوى الظلامية التي تستغل الإسلام أو ديمقراطية أميركا أمنا الحنونة.
نحتاج إلى نظام اقتصادي عادل يوزع ثرواته على أبنائه لا مكان فيه للفساد والمحسوبية ونهب المال العام.
نحتاج إلى دولة القانون، يخضع له المواطنين كلهم، ولا تمييز فيه بين عربي أو كردي، أو بين سني أو علوي، للمواطنين حقوقهم وواجباتهم.
نحتاج للأمان والضمان والفرح والأغاني والفنون.
نحتاج إلى سورية وطن جميع السوريين.
لعل أحدهم سيقول إنك تطلب الجنة.
نعم ولم لا، ألا نستحق بعد هذا العناء الطويل بلد جنة ليس بمقاييس عدد الحوريات ولكن وطنا نستطيع الدفاع عنه والموت من أجله بكل جدارة.
ما الذي ينتظرنا؟
سؤال مرعب، ولكنه ملح.
سؤال يتطلب الإجابة عليه من السوريين، ومن التنظيمات الديمقراطية ومن الأخوان المسلمين.
يجب أن نطمئن.
يجب أن تهدأ أرواحنا وهي تعاني من هذا القلق الشاق والمؤلم والطويل.
ولكننا بالتأكيد نستحق شيئا أفضل.
شاعر وصحافي سوري
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى