ما يحدث في لبنان

يحق للبنانيين أن يخافوا… ماذا عن سوريا ؟

سركيس نعوم
من حق اللبنانيين ان يقلقوا بل ان يخافوا عندما يرون مسؤولين سوريين كبارا في مقدمهم الرئيس بشار الاسد يعتبرون لبنان خطراً على بلادهم ونظامها بسبب تحوله في رأيهم مركزاً للتطرف أي للتيارات الاسلامية الاصولية الارهابية والتكفيرية.
ومن حقهم ايضاً ان يقلقوا بل ان يخافوا عندما يتخذ هؤلاء قرارات تترجم خوفهم من الخطر المشار اليه كان أبرزها نشر قرابة عشرة آلاف جندي سوري قرب الحدود الشمالية للبنان.
ومن حقهم ثالثاً ان يقلقوا بل ان يخافوا وخصوصاً اذا قرر هؤلاء استعمال منطق الحرب او الضربة الوقائية لدرء الخطر الداهم عليهم تماما مثلما فعل أسلافهم من المسؤولين السوريين أكثر من مرة قبل سنوات طويلة، ومثلما فعلت اميركا في العراق عام 2003، وروسيا في جورجيا قبل أشهر، ومثلما تهدد اميركا واسرائيل بفعله مع ايران بغية منعها من الحصول على تكنولوجيا نووية تمكنها من انتاج اسلحة غير تقليدية في وقت غير بعيد.
ومن حق اللبنانيين ان يقلقوا بل ان يخافوا لأسباب اخرى اكثر عمقاً منها تجربة الحكم السوري المباشر لهم بين 1990 و2005، وادارة الحرب بين 1975 و1990 التي أدخلته بلادهم وجعلته يتحكم برقابهم.
ومنها معرفتهم بالمطالب التاريخية السورية في لبنان، وثقتهم بأن النظام السوري لن ينسى ما حصل معه عام 2005 وإن يكن نسي ما فعله في لبنان وبه قبل ذلك على مدى سنوات طويلة وانه سيقوم بكل ما يستطيع بغية استعادة وضعه اللبناني ومن خلاله وضعه الاقليمي وإن بطريقة مختلفة عن السابق ولكن شكلاً فقط.
ومنها أيضا معرفتهم بالتأثير المباشر الذي لسوريا على قطاعات لبنانية عدة طائفية او مذهبية او حزبية او سياسية وباستمرار تدخلها في اوضاعه الداخلية وخصوصاً السياسية منها ومحاولتها تقديم الدعم الى حلفائها كي ينجحوا في قلب الاوضاع التي نشأت قبل ثلاثة اعوام وكانت في غير مصلحتها ومصلحتهم.
ومنها مراقبتهم بأم العين النشاطات التي قامت بها سوريا والتي تسببت للبنان باضطرابات أمنية وسياسية واحياناً عسكرية كان ابرزها ما حصل في نهر البارد ثم تنامي الانتشار الاسلامي الاصولي السنّي العصي على الضبط رغم كل التعاملات السابقة المتنوعة معه.
لكن هذين القلق والخوف يجب ألاّ يدفعا اللبنانيين فقط الى التوتر والانفعال وربما الى محاولة الدفاع عن النفس بالاصطفاف وراء اكثر الجهات السياسية والدينية تطرفا وذلك بغية الدفاع عن النفس، علما ان ذلك حق مشروع لهم.
بل يجب ان يدفعاهم ايضاً الى التبصر والتدقيق في المواقف السورية المعلنة على الاقل التي تؤكد ان لبنان ولاسيما شماله بات مصدر خطر جدي عليها بسبب تزايد الانتشار الاسلامي الاصولي التكفيري في ربوعه والتي تشير الى وجود حركة تهريب اسلحة ومقاتلين وذخائر من لبنان الى سوريا بغية زعزعة الاستقرار فيها او ربما التمهيد لاسقاط النظام الحاكم فيها.
ويجب ان يدفعاهم ثالثاً الى حض الدولة التي اكتملت مؤسساتها الدستورية قبل مدة قصيرة والتي لا تنظر سوريا الى بعضها بعداء على البحث الجدي مع المسؤولين السوريين في الاخطار التي يتحدثون عنها وفي وسائل القضاء عليها اذا وجدت. علما ان تهريب الاسلحة والذخائر والرجال لا يقتصر على جانب واحد من الحدود، وفقاً لتقديرات جهات رسمية وغير رسمية عدة ومعلوماتها. انطلاقاً من ذلك يمكن السؤال مع الاعتراف الكامل بأسباب قلق اللبنانيين وخوفهم: ألا يحق للسوريين وتحديدا النظام الحاكم في بلادهم ان يقلقوا وأن يخافوا من تضخم الظاهرة الاسلامية الاصولية التكفيرية في لبنان؟
والجواب عن هذا السؤال كما تقدمه جهات لبنانية قريبة من دمشق واخرى محايدة هو ان من حقهم الشعور بالقلق والخوف مثلهم مثل اللبنانيين رغم دور نظامهم الكبير في زعزعة استقرار البلاد بعد الانسحاب السوري من لبنان عام 2005 ومنع أهلها او شعوبها من تأسيس نظام ثابت واستقرار دائم وعيش مشترك غير زائف ودولة عادلة وقوية قبل هذا الانسحاب اي خلال الـ15 سنة التي سبقته.
ومن الاسباب الدافعة الى القلق والخوف المذكورين النشاط الواسع لحركات اصولية معينة ضد سوريا انطلاقا من لبنان. والنشاط شبه العلني للمعارضة السورية في لبنان ضد النظام في دمشق وما يرافق النشاطين من تفاعل سياسي و”غير سياسي” مع الناس في سوريا. واذا كان النشاطان المذكوران صحيحين فان على اللبنانيين ان يضاعفوا قلقهم لان دولتهم هشة واوضاعهم هشة واستقرارهم هش ولأن وحدتهم غائبة ولان سوريا ممسكة بـ”اقسام” كبيرة منهم. ومن شأن ذلك الافساح في المجال لها لتوجيه ضربة قاضية او بالاحرى كبيرة جدا اليه (أي لبنان) من دون ان تحرج نفسها دولياً واقليميا وحتى بدخوله عسكرياً اذا كان ذلك هو الحل الوحيد، ولكن بعد افهام العالم ان ما تتعرض له هو ارهاب مماثل للذي يتعرض له هو. طبعاً لا يعني هذا الكلام “عدم تمني” اللبنانيين او بعضهم النجاح للمعارضة السورية المتنوعة او الدعوة الى طردها من لبنان الذي كان دائماً ملجأ للمضطهدين، رغم ان حاله الراهنة لا تسمح بترف كهذا. بل يعني ان لبنان المعروفة اوضاعه لا يجوز ان يدخل كله او بعضه مغامرة ضرب النظام السوري لان لا قِبَل له بتحمل تبعات ذلك. فهو اساساً وطن مضروب، ودولة مضروبة، رغم المظاهر غير المقنعة الا لاصحابها. كما لا يجوز ان يكون واجهة لجهات اخرى عربية او غير عربية في معركة ضرب النظام المذكور. وعلى هذه الجهات اذا كانت جادة في تحقيق هذا الهدف، ان تتبنى الساعين الى تحقيقه على اراضيها من سوريين وغير سوريين. والمتابعون في المنطقة والعالم لا يرون ذلك حتى الآن على الاقل، ويستبعدون ان يروه لان كل المقصود هو تبادل الضغوط وعض الاصابع من أجل مصالح معينة ليس من بينها ضرب النظام العربي وسائر أنظمته.
فهل يفعل اللبنانيون كلهم ذلك؟ وهل يحجمون عن اعطاء سوريا اي مبرر، سواء للعودة الى بلادهم، أو لحكمها من خارج الحدود، او لاستعادة تفويض خارجي على حسابهم هم الذين عانوا ممارساتها اثناء حروب استمرت نيفا و15 سنة وفترة لا سلام ولا حرب امتدت نيفا و15 سنة ثم عدم استقرار عمره نيف وثلاث سنوات؟
ملاحظة: قد تكون الحدود المفتوحة السورية – العراقية واللجوء العراقي الكثيف الى سوريا مصدرا آخر لـ”الارهاب” ضدها.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى