حسين الشيخصفحات سورية

ديمقراطية الشتائم

null
حسين الشيخ
بعد أن هدأت الضجة قليلا والتي ثارت عقب انسحاب حركة الأخوان المسلمون في سورية من جبهة الخلاص الوطني التشكيل السياسي المعارض الذي كانوا أقاموه مع عبدالحليم خدام، النائب السابق للرئيس السوري، ومجموعات صغيرة في ربيع عام 2006.، وما كتب عن ذلك الانسحاب بين معارض ومؤيد ومتحفظ، هذا الانسحاب  كان متوقعا بعد أن علق الأخوان المسلمون معارضتهم للنظام في مطلع العام الحالي، على خلفية العدوان الإسرائيلي على غزة. ما يعنيني هنا في هذا المقال اللغة التي استخدمها كلا الطرفين في تخوين الآخر ونعته بأبشع النعوت، واستخدام لغة لم تتناول الحدث بالتحليل والنقد مع استثناءات قليلة، بل كانت اللغة شخصية، بشعة، أتمنى ألا يسجلها التاريخ حين يتكلم عن تاريخ المعارضة السورية.
لقد وصل موقع “صفحات سورية” كما كبيرا من الايميلات التي تتناول الحدث، وتمنيت أن يكون جزءا منها يتناول الحدث بالتحليل، ويقدم لنا خلاصة تجربته التي ستفيد في المستقبل وتساعد على بناء تصور أكثر عمقا لمسألة التحالفات ، تمنيت لو أن أحد الطرفين قدم لنا كشفا باخطائه التي وقع بها، أواعترافات منه بالتقصير الذي حصل، لكنا صدقنا أن هذا الجزء من المعارضة بدا ينحو بطريقة مختلفة وحضارية  ولكن الذي وصلنا هو ركام مهول مليء بالشتائم الرخيصة والتخوين المتبادل، أستثني منها بعض الكتابات المميزة والتي نشرتها صفحات سورية بالتأكيد دون أن تكون معنية بتأييد طرف على حساب آخر.
لو أن جبهة الخلاص الوطني هي الحاكمة الآن في سورية، ولو أن أطراف الجبهة اختلفوا على توزيع الحقائب الوزارية، فماذا يحصل قياسا على ما حصل، انني أقول جازما هنا وبكل تاكيد ستحصل حرب أهلية، تتماهى فيها كل أنواع القتل والتنكيل والتعذيب، حلفاء الأمس الذين كانوا يعدون السوريين بأنهم سيكونون في دمشق بعد أشهر معدودة، لم يوفروا اي جهد في تخوين الآخرين وتناولهم بأبشع أنواع النعوت. أقدم لكم مثالا واحدا من تلك الرسائل وان كانت الأمثلة الأخرى لاتقل عنها في البذاءة، يستخدم مرشح سابق لرئاسة الجمهورية العربية السورية الكلمات التالية في انتقاد أحد الكتاب المعارضين لرأيه فيقول: “كلب ينبح  وأولهم هذا الديوث المدعى بال… هذا العاهر في كرخانات الغرب المُحشش المأفون”. وفي رسالة أخرى حول كاتب آخر يقول: “هذا ال… اسمه … من الفضالة وليس الفضل بمعنى الحُثالة كونه قد قلع ثوب الحياء عن وجه وهو يُحدثنا عن المرايا ، ولا أدري عندما ينظر مرآته .. ماذا يرى؟”…. ومن ثم يردف في نفس الرسالة:” وفجأة اليوم طفا على السطح بعد انسحاب الإخوان المسلمين من جبهة الخلاص كسبع البورمبا بعد أن صار قائداً ومُنظراً ومُرشدا لينال من رموزنا مُستهدفاً شيخنا وحبيبنا العالم المُجاهد الرباني فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله دون سبب سوى لسفالة عنده وانحطاط أخلاقي يجره على الدوام للوقوع في بيارات الوساخة لينضح بما ابتلعه من القاذورات التي لا تُعبر إلا عن نتانتة ودنسه”.
أدعوكم هنا إلى تصور سوريالي بأن الشعب السوري قد انتخب كاتب تلك العبارات رئيسا للجمهورية عندما رشح نفسه، – رغم أنني أعجبت بخطوته آنذاك لما فيها من جرأة وخروج عن المألوف،- تصورا معي لو أن الشعب السوري قد اختاره ليكون رئيسا للجمهورية العربية السورية،  فكيف سيكون تصرفه مع معارضيه، ستظل برك الدم تئن في كل شوارع سورية، وستكون كل المجازر السابقة هينة اذا ما قورنت بما سيحصل.
التحالف هو اتفاق بين عدة أطراف، اتفاق لم يتم بالاكراه وانما بملء ارادة المتعاقدين، فاذا ترك أحد الأطراف هذا التحالف، هل من المبرر استخدام مثل هذه اللغة في التخوين والشتم والنيل من الناس الآخرين، هل هذه هي اللغة السياسية المفترض استخدامها في الحوار، هل هذه هي اللغة التي ستستخدمها تلك الأطراف التي من المفترض أن تكون جزءا من المعارضة السورية لاقناع الناس بأنها سنقدم البديل الأفضل،  هل هذا هو جزء من مستقبل سورية، جزء يستل سيف الشتائم والتخوين ضد من خالفه في الرأي، ويضل به الأمر في بعض الأحيان الى تكفيره.
أن الديمقراطية التي تنادون بها ليل نهار،  هي مشروع إعادة بناء الفرد والرأي العام على أسس جديدة، إنسانية. بهذا المعنى ليست الديمقراطية هدفاً بعيداً نحلم بالوصول إليه وننتظر قدومه أو الانقلاب التاريخي الذي يجعله ممكناً. إنها تربية يومية ومنهج إحياء إنساني يبدأ منذ الآن ومن قبل جميع حاملي المسؤولية وقادة الرأي. باختصار معركة الحرية واحدة لا تتجزأ. إنها تكمن في مواجهة كل ما يقف عقبة أمام تحرير الإنسان واستعادته ثقته بنفسه وكرامته.
أتمنى أن تتوقفوا عن ارسال رسائلكم اذا كانت بهذه البذاءة وهذا المستوى الهابط في الحوار، فقد قدمتم نموذجا مبتكرا من الديمقراطية واحترام الرأي المخالف، وتعاملتم بمنتهى الود في رصد أخطاء أعداء اليوم، أصدقاء الامس، وخيرا فعلتم حين التزمتم الصمت ولو قليلا، فالصمت وردة الكلمات.
كاتب سوري
المحرر المسؤول عن موقع صفحات سورية
www.alsafahat.net

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. مقالة موفقة
    فعلا دعاة التغيير الذين يعدوننا بالغد الأفضل لم يتحرروا بعد حتى يحرروا سوريا
    الله يوفقكم والى الامام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى