صفحات سورية

لماذا لا يعقد لقاء في قصر بعبدا يضم الأسد والقيادات ؟

null
اميل خوري
ليست المرة الاولى التي تشكل فيها زيارة سياسي لبناني، رسمي او غير رسمي، مشكلة او سجالا مع سوريا، لانها تعتبر انها هي التي تزار ولا تزور، عندما يكون الامر متعلقا بلبنان. وهو وضع لم يكن سائدا في العلاقات بين البلدين في مطلع الاستقلال، اذ ان الزيارات كانت متبادلة بين المسؤولين السوريين والمسؤولين اللبنانيين واللقاءات تعقد على مستويات مختلفة، إما في بلودان وإما في شتورة.
ويتساءل سياسي مخضرم له تجارب في التعاطي مع السلطات السورية. ما الذي يمنع ان يقوم الرئيس بشار الاسد بزيارة لبنان ردا لزيارات لا تحصى قام بها مسؤولون لبنانيون لسوريا، ومنهم رؤساء جمهورية لبنان، وكانت آخر زيارة لسوريا هي للرئيس ميشال سليمان. وتكون زيارة الرئيس الاسد للبنان مناسبة لعقد لقاءات في قصر بعبدا مع قيادات في قوى 8 و14 آذار ومع الرئيس المكلف النائب سعد الحريري ورئيس حكومة تصريف الاعمال فؤاد السنيورة. وهي زيارة كان قد تردد ان الرئيس الاسد سيقوم بها بعد الانتخابات الا اذا كانت ستتم في حال فازت قوى 8 آذار بالاكثرية النيابية وليست قوى 14 آذار. ولماذا يصير البحث عن مكان آخر غير لبنان لعقد هذا اللقاء تارة في دمشق بحضور العرابين لإعادة العلاقات اللبنانية – السورية الى طبيعتها وطورا في شرم الشيخ، او قد تصبح الدوحة هذا المكان بعدما نجحت في تحقيق الوفاق بين اللبنانيين.
الواقع، ان لزيارات لبنانيين رسميين وغير رسميين لسوريا قصصا كثيرة بدأت مع بداية عهد الرئيس فؤاد شهاب ثم خلال الحروب في لبنان وكذلك خلال الوصاية السورية عليه، وذلك بمنع هذا المسؤول او ذاك الزعيم من الزيارة او السماح بها…
واول لقاء عقد بين الرئيس شهاب والرئيس جمال عبد الناصر زمن الوحدة المصرية – السورية ما كان ليتم على الحدود اللبنانية – السورية لولا تدخل السلطة المصرية بقوة لدى الجانب السوري الذي كان يصر على ان يتم هذا اللقاء داخل سوريا، فكانت القمة الوحيدة التي عقدها الرئيسان اللبناني والمصري داخل الخيمة الشهيرة التي نصب نصفها في لبنان ونصفها في الجمهورية العربية المتحدة، وقد ارست تلك القمة بعد التشكيلات التي تم احترامها، معادلة ثابتة شكلت صمام امان للاستقرار في لبنان، وهي احترام سيادة لبنان من جانب القطب العربي الابرز مقابل تفاهم على ان لا تتعارض السياسة الخارجية اللبنانية مع السياسة العربية والدولية التي تنتهجها الجمهورية العربية المتحدة، ولكن من غير ان يفرض ذلك على لبنان التخلي عن صداقاته مع العالم الخارجي. ووعد الرئيس عبد الناصر الرئيس شهاب بأن يسعى مع الجماعة التي تتعاطف معه في لبنان كي لا تخلق اي مشاكل للحكم والسلطة (مذكرات فؤاد بطرس).
وعندما توترت العلاقات بين الرئيس رفيق الحريري والرئيس الاسد بعد التمديد للرئيس لحود وما أعقب ذلك، زار وليد المعلم، وكان سفيرا لسوريا في واشنطن، الحريري وعرض عليه زيارة دمشق وسأله عن اسباب وصول علاقته بسوريا الى هذا الوضع، فقال له الحريري ان لبنان لا يحكم من سوريا ولا يحكم ضد سوريا، عارضا ابرز وقائع ما جرى منذ التمديد للرئيس لحود فقال المعلم للحريري: “ثمة هوّة كبيرة بينك وبين الرئيس الاسد، وانا كلفت بهذا الملف لكن لا استطيع معالجته اذا لم تردم هذه الهوة، خصوصا ان تقارير كثيرة رفعت الى القيادة السورية تدينك وتتهمك بالعمل ضد سوريا، وعرض عليه زيارة سوريا واعدا بترطيب العلاقة مع الرئيس الاسد، لكن الحريري اعتذر عن عدم زيارة سوريا لانه لم يشعر ان ثمة مراجعة سورية لما جرى، انما مجرد حسن نية اعلامية امام المجتمع الدولي. ثم بلغ الحريري ان المسؤولين السوريين بما في ذلك وليد المعلم يتهمونه بالوقوف وراء القرار 1559. (كتاب الطريق الى الاستقلال لجورج بكاسيني).
وعندما ألف الرئيس فؤاد السنيورة اول حكومة، زار دمشق اظهارا لحسن النية ولتأكيد الفصل بين جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه والعلاقات اللبنانية – السورية، فكان الرد على هذه الزيارة حديثا للرئيس الاسد وصفه للسنيورة بـ”عبد مأمور لعبد مأمور”. ولم توجه سوريا بعد تلك الزيارة اي دعوة رسمية مباشرة الى الرئيس السنيورة لزيارة دمشق، بل دعوات غير مباشرة، ومنها بواسطة الرئيس بري، فكان ما كان من حملات لم تهدأ ضد حكومته في محاولات متكررة لاسقاطها تحت ضغط الشارع وبالاعتصامات المفتوحة وسط العاصمة.
وتكررت مع البطريرك الكاردينال صفير المساعي كي يقوم بزيارة دمشق، وكان سيد بكركي يكرر القول: “لكي تكون العلاقة على احسن حال بين البلدين يجب ان يشعر شعب كل من هذين البلدين انه سيد امره، وان القرار في شؤونه الخاصة يرجع اليه من دون شريك، فالسيادة لا مجال فيها للشراكة”، وكان يكرر ايضا امام اصحاب المساعي والملحين عليه بزيارة دمشق: “ان زيارتي للرئيس الاسد اذا لم تأت بنتيجة ايجابية فسترتد سلبا على جميع المسيحيين، وتساءل ماذا يمكن ان يعطيه الرئيس الاسد، هل يعطيه انسحابا لقواته من لبنان كي يكون للزيارة نتيجة. وكان جواب المطالبين بالزيارة ان الرئيس الاسد “لن يجعلك تعود خائبا بعد زيارته”، لكن سيد بكركي لم يقتنع وأصر على ان يسبق الزيارة تأكيدات، ان لم يكن ضمانات بصدور بيان بعد الزيارة يعلن انسحاب القوات السورية الى البقاع، تمهيدا للانسحاب الكامل من لبنان، وقد صح ما توقعه البطريرك الكاردينال صفير، فلم تنسحب القوات السورية رغم صدور قرار مجلس الامن الرقم 1559 ، بل بعد اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه وقيام “ثورة الارز” و”انتفاضة الاستقلال”.
ويتكرر اليوم مع الرئيس المكلف النائب سعد الحريري الشيء نفسه: زيارة سوريا اولا ثم كلام على تشكيل الحكومة، وانّ لا كلام يؤدي الى اتفاق على التشكيل قبل الزيارة… ولكن من يضمن انه في حال تمت الزيارة يتم التوصل الى اتفاق على تشكيل الحكومة، فتكون الزيارة عندئذ اذلالا للرئيس المكلف واهانة لكرامته وتراجعا ضمنيا عن اتهاماته السياسية لسوريا بانها وراء اغتيال والده، في حين ان المنطق السليم يقضي بأن تتم الزيارة بعد التوصل الى تشكيل الحكومة تأكيدا لحسن النية فعلا لا قولا وعن صدق في المساعدة على تسهيل عملية التشكيل.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى