صفحات سوريةمعقل زهور عدي

ملاحظات حول اعلان المبادىء المقدم من قبل حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي-2

null


معقل زهور عدي

يرغب اعلان المبادئ في وضع صيغة توافق وطني جديد بديل عن اعلان دمشق ، حيث انتهى الاعلان للقول 🙁 وذلك من أجل إعادة التأسيس لتحالف سياسي ديمقراطي يضم الطيف الأوسع من المعارضة في سورية بهدف تحقيق التغيير الوطني الديمقراطي السلمي .)، اختيار ذلك الهدف هو حق لصاحبه ، لكن ، هل ذلك الاختيار يمثل المهمة الرئيسية المطروحة امام التيار الوطني – الديمقراطي ،
هذه مسألة أخرى ، أنا ازعم ان المهمة الرئيسية المطروحة هي تكون التيار ذاته ، هنا ينبسط سؤال آخر ، هل يمكن ان يتكون التيار من خلال التصويب على هدف ( اعادة التأسيس لتحالف سياسي ديمقراطي سلمي ) حسب منطوق مشروع الاعلان ، بحسب رأيي ليس ذلك ممكنا وبصورة أكثر تحديدا فان ذلك سيكون نوعا من الدخول في متاهة سياسية ، اذن ثمة في الواقع هدفان مستقلان تماما ، تصويب اعلان دمشق او تجديده ، وبناء التيار الوطني – الديمقراطي ، الخلط بينهما سيؤدي الى اجهاض مشروع بناء التيار الوطني -الديمقراطي .

من ناحيتي لست معنيا – هنا على الأقل- بتصويب اعلان دمشق او تجديده ، ما انا معني به هو مشروع بناء تيار وطني – ديمقراطي ، بمبادىء واضحة ، واستراتيجية محددة ، وسأترك مهمة تصويب اعلان دمشق لآخرين دون التقليل من شأنها الحقيقة ان فشل تجربة اعلان دمشق – ولنعترف ان الضربة الأمنية كانت بمثابة الخاتم على ورقة الفشل ولم تصنع ذلك الفشل- ، يعود لأسباب متعددة منها غياب التيار الوطني – الديمقراطي عن ساحة الفعل ، لقد تم تذويب التجمع الوطني – الديمقراطي الذي كان يفترض ان يكون حامل ذلك التيار في مشروع صمم خطأ ليكون بديلا تاريخيا للتجمع ( اعلان دمشق )، وحدث ان كوادر رئيسية في التجمع انزاحت فكريا وسياسيا عن خط التجمع ضمن اللحظة التاريخية السابقة ، وفي انزياحها حاولت سحب التجمع معها لمواقعها الليبرالية الجديدة لكن ليس كاطار متماسك بل كأفراد وشلل ، رخاوة بنية التجمع وظروف الاستبداد سهلت تفكيك التجمع .

الآن يشعر كثيرون انه قد آن الأوان لنهوض تيار وطني ديمقراطي واضح المعالم والأهداف ، تيار يرث كل الأفكار الحية لتراث التجمع الوطني الديمقراطي ، ينا ضل من أجل الديمقراطية دون التخلي عن الأهداف الوطنية ، والهوية العربية ، ومقاومة مشروع الهيمنة الأمريكي ، والاحتلال الصهيوني ، معتبرا نفسه جزءا من حركة تحرر عربية وعالمية .

ما يعنيني هنا في مسألة السعي لنشوء ذلك التيار الوقوف عند نقطتين :

الأولى : تتعلق بالهوية الاجتماعية للتيار ، والثانية : تتعلق باستراتيجيته السياسية .

تفسر مسألة ضرورة تحديد الهوية الاجتماعية للتيار لماذا كان الخلط بين مهمة تكوينه ومهمة تصويب اعلان دمشق خلطا خاطئا ومضرا ، فالتيار الوطني – الديمقراطي يفترض ان يكون ممثلا ( وبدقة أكبر ان يحاول تمثيل ) شريحة اجتماعية محددة وليس المجتمع بكامله . بمعنى انه لدينا داخل المجتمع فئات اجتماعية متباينة المصالح الاقتصادية ، وهذه المصالح لا يمكن ان تكون واحدة ، فمصلحة الرأسمالية الاقتصادية ليست مع مصلحة العمال ، ومصلحة الفئات الاجتماعية الوسطى ليست مع مصلحة تحكم رجال الأعمال بالدولة والمجتمع على نحو ما انساق اليه المجتمع المصري وننساق نحن اليه بالتدريج ، هذا التضارب في المصالح يصنع سياسات مختلفة على الصعيد الداخلي والخارجي أيضا ، فمصلحة رجال الأعمال وكلاء الشركات العالمية متعددة الجنسيات تميل دوما للتكيف مع السياسة الأمريكية وتعتبر مواجهتها من المحرمات ، بينما لاتجد الطبقة العاملة والفئات الوسطى في السياسة الأمريكية الحالية سوى الفقر والتدمير ، لا أقصد ان أقول انه لايمكن في لحظة تاريخية محددة الوصول الى توافق وطني عام وشامل حول أهداف محددة مثل الديمقراطية ، هذه مسألة يفترض ان تبقى مفتوحة ، لكن هذا التوافق حين يحصل يفترض ان يتم من خلال وعي التيار الذي يمثل الكتلة التاريخية لانتمائه لتلك الكتلة وتمثيل مصالحها مثلما ان التيار الآخر يختزن وعيه لمصالح وسياسة الرأسمالية وطبقة رجال الأعمال .

ولكي لا يبقى ثمة أي التباس فلا أحد يرغب في العودة لمفاهيم الصراع الاجتماعي الداخلي العنيف ، بل فهم حقيقة الصراع الاجتماعي وحل ذلك الصراع سلميا وديمقراطيا .

ولكي يكون حل ذلك الصراع ممكنا سلميا وديمقراطيا يفترض ان تقوم كل طبقة اجتماعية – او تحالف طبقي- بانتاج ممثلها السياسي ، وكما هو الحال دائما فان الوعي السياسي للطبقات البورجوازية ( الصناعية والتجارية ورجال الأعمال الوكلاء للشركات العالمية ) يكون باستمرار متقدما على الوعي السياسي للعمال والفلاحين والفئات الوسطى ، ولا يعدم اولئك البورجوازيون الأدوات الاجتماعية والسياسية للوصول للقرار والتأثير فيه ، بينما يتجرجر الكثير من المحسوبين على الطبقة الوسطى خلف البرنامج السياسي للتحالف البورجوازي بوعي او دون وعي .

ما هو مطلوب ان تتحالف الطبقة العاملة والفلاحون والطبقة الوسطى للدفاع عن مصالحهم المشتركة وبرنامجهم السياسي وهذا هو المضمون الاجتماعي للتيار الوطني – الديمقراطي .

وعي ذلك الانتماء مسألة أساسية في استراتيجية وتكتيك التيار ، بدون ذلك الوعي لن يتمكن التيار من الامساك بالمفتاح لبناء قاعدته المجتمعية .

الاستراتيجية السياسية :

ترتبط الاستراتيجية السياسية بتوازن القوى الاجتماعي – السياسي في مرحلة محددة ، وتمنح تلك الاستراتيجية العمل السياسي العقلانية والواقعية ، بينما يؤدي فقدانها الى سيادة عقلية المغامرة والانتهازية .

يشجع مفهوم الكتلة التاريخية على وضع الاستراتيجيات السياسية ، في تجربة اعلان دمشق ، جوهر الاستراتيجية المضمرة كان في المراهنة على أحداث يمكن ان تقع بالارتباط بالسياسات الدولية والاستعداد للتكيف معها وركوب الموجة .

حسنا لا أحد يمكن ان يغفل دور السياسات الدولية في التأثير على الداخل في سورية ، لكن يفترض النظر لذلك بطريقة أكثر موضوعية ومبدئية، وذلك يختلف عن بناء السياسة في ضوء مراهنات كهذه .

مثل تلك الاستراتيجية وصلت برأيي الى طريق مسدود ، ولو انفتح الطريق لربما كان سينفتح ليس نحو التغيير الوطني الديمقراطي السلمي المتدرج ولكن نحو الهاوية .

ماهي الاستراتيجية البديلة ؟

1- أن تكون استراتيجية طويلة النفس لا يتحكم بها فقدان الصبر الذي يميز بعض المثقفين

2- ان تعمل لتفكيك الاستبداد وزيادة تلاحم المجتمع في ذات الوقت .

3- تجزئة أهداف التغيير الوطني- الديمقراطي الى أهداف جزئية محدودة مثل ( حرية العمل النقابي والحزبي ، حرية التعبير والرأي الخ..)

4- السعي للعمل ضمن الهامش الممكن مع توسيعه وتجنب الدخول في مواجهة مع السلطة .

5- استخدام الحوار ونشر الثقافة الديمقراطية وثقافة المواطنة ودولة القانون .

6- أن يتم الالتزام بتلك الاستراتيجية بصورة صارمة ، بحيث تصل رسالة واضحة للسلطة مضمونها أن التيار لا يمكن ان يكون معنيا بأي تحرك لا ينطلق من مبادئه ولا يتوافق مع استراتيجيته وان أمن المجتمع واستقراره في سلم الأوليات بالنسبة له .

سيجادل البعض في ان المعارضة قد بذلت كل ما في وسعها سابقا في ذلك الاتجاه دون ان تلقى من النظام سوى التجاهل والتضييق ، من أجل ذلك اضطرت الى ( القطع مع النظام ) والتوجه نحو التغيير ( الشامل ) ، حسنا لكن ذلك المنطق يستبطن وجود قوى سياسية وشعبية قادرة على صنع التغيير وهذا ليس بواقع الحال كما لايخفى على أحد ، المعارضة تتصرف هنا على مبدأ ( وقد أعذر من أنذر ) لكن من ينذر يفترض ان يمتلك القوة الكافية للانتقال لفرض ما يطالب به ، اما حين لايمتلك مثل تلك القوة فأين هي الحكمة في تصعيد المواجهة؟

الانتقال من مرحلة الى مرحلة أخرى في العمل السياسي تتطلب تحقيق تراكم كاف في الحراك السياسي الوطني- الديمقراطي ، بينما تحيل القراءة الموضوعية للحالة السورية الى مجتمع متصحر سياسيا ، خائف وسلبي ، ما هو مطلوب ليس الانتقال الى الاستنهاض العام بل اعادة السياسة للمجتمع ، مطلوب الانتقال من حالة ما تحت الصفر الى حالة الصفر .

الواقعية السياسية تتطلب تحديد الهدف في ضوء الحالة الموضوعية من جهة والامكانات المتاحة من جهة أخرى ، ما عدا ذلك سيدخل على الأرجح في حقل المغامرات غير المأمونة والتي غالبا ما تنتهي بانتكاسات واحباطات .

احدى الوظائف الهامة التي تنتظر التيار الوطني – الديمقراطي هي ترشيد المعارضة ، وابعادها عن النزعة المغامرة ، والنزق وفقدان الصبر الذي يسم المثقفين ، واحلال الواقعية السياسية بدل عقلية المراهنات والمقامرات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى