صفحات أخرىغسان المفلح

رسالة صريحة إلى الدكتور برهان غليون

null

غسان المفلح

بداية أعتقد أنني من متابعيك بشكل جيد, وفي كل مرة أجد نفسي, مضطرا لأن أرد عل تفاصيل, يأتي ذكرها في كتاباتك التي تعتبر علامة فارقة في المشهد السياسي السوري. ليس سراً إن قلت في أحيان كثيرة: لا أفهمك. وهذه بالطبع مشكلتي وليست مشكلتك. ولكن في مقابلتك الأخيرة مع موقع »انفو سويس« السويسري العربي, والمنشورة بتاريخ 2008.1.7
استوقفني في هذه المقابلة وضوحك اللا متناهي هذه المرة. هذه المقابلة كل جملة يمكن للمرء الذي يعرف الوضع السوري يمكن له أن يقف عندها. بل يقف عندها ملياً. ولهذا قررت أن أكتب هذه الرسالة التي, من شأنها أن تقول التالي: بعد قراءتي لمقابلتك, تأكدت أن في سورية فعلا أزمة عميقة, ولا يمكن أن يكون لها حل في الأفق. ومن شدة ذكاء الرجل الذي أجرى معك المقابلة للموقع المذكور, أنه وضع تصريحا لك في هذه المقابلة كعنوان فرعي حيث تقول فيه التالي »أن الانقلاب الذي حصل في سياسة إدارة بوش قد غير الموازين داخل النظام لصالح التيار الراغب في المحافظة على الأوضاع القديمة« سياسة بوش هي التي وفرت للحكومات العربية فرصة التضييق على الحريات. وهذا استمرار لقولك في الإجابة عن السؤال التالي: بعد تولي الرئيس بشار السلطة, شهدت البلاد سياسة سميت ربيع دمشق, لماذا أغلق ذلك القوس بسرعة? هل تم ذلك برغبة من السلطة, أم نتيجة أخطاء ارتكبتها المعارضة? تحدد في الإجابة ثلاثة أسباب: سببان يتعلقان بالتغير الذي طرأ على سياسة بوش بعد العام 2001 وما ترتب على هذا التغيير, وتقدم أجندة الحرس القديم داخل النظام, والسبب الثالث تعيده إلى خطأ المعارضة في أنها لم تأخذ بعين الاعتبار ميزان القوى الداخلي. أرجو أن أكون كثفت إجابتك بشكل جيد كي يتسنى لنا الحوار من أجل أن نستفيد جميعا. أعتقد هنا يكمن جوهر الخلاف الأساسي وهنا يكمن جوهر ما يريد الدكتور برهان الوصول إليه. بوش والحرس القديم والمعارضة هم من يتحملون فشل ربيع دمشق, وفشل الإصلاح في سورية, والدليل أن الدكتور عارف دليلة مازال في السجن. هذا ما اعتقده نتيجة استنتجتها من فهمي المتواضع لما أردت قوله. قبل أن أبدأ بالحوار لا بد من قول المقدمات التالية:

إنني لم أكن لا في السابق ولا حالياً ضد الحوار مع السلطة. والخيار السلمي الديمقراطي هو خيار تاريخي للوضعية السورية, سبق وحاورت فيه الصديق هيثم مناع. وسأعود إليه في سياق هذه الرسالة.

لا اعتبر كل معارض يدعو للحوار مع السلطة هو خارج المعارضة, مشكلتنا ليست في وجود مثل هكذا تيار, أبداً, لكن مشكلتنا هي كيف يتم استخدام ورقة الحوار وفي أي سياق وتبعا لأي أهداف. وأي حوار يخدم أهداف المجتمع أولاً وبالتالي أهداف المعارضة ثانياً? لاحظ أنني فصلت قليلا بين أهداف المجتمع وأهداف المعارضة, لأنها مازالت حتى انعقاد المجلس الأخير لإعلان دمشق, معارضة غير مؤسسية, ولا تستطيع أن تكون, لأن هنالك مانعاً جوهرياً ولا قدرة للمعارضة الراهنة على حله, وهو قوة الحضور الأمني للسلطة. هذا الحضور الذي يرفض الحوار, فمن باب أولى ألا يترك أمامه طرفا قادرا على محاورته, كيف يتم ذلك من دون القمع أو من دون سياسة العصا الغليظة والجزرة الرقيقة التي لا تكاد ترى بالعين المجردة. ربما بوحي من كلامك أعيد التأكيد ليت رئيس البلاد هو من يتصدى للتحول الديمقراطي في سورية, ومن دون أن يكون للنظام ردود فعل ضد الإصلاح السوري على سياسة بوش الخرقاء!

بعد التغير الذي طرأ على سياسة بوش هذه, كل الدول العربية ماعدا سورية وليبيا جرى فيها إصلاحات ومازالت تجري ووفقا لموازين القوى الداخلية التي تحدثت عنها. ومؤشر الحريات في العالم العربي, ارتفع نوعيا بعد التغير الذي حدث على سياسة الولايات المتحدة الاميركية, وليس العكس كما تحاول أن تصور الأمر, على فرض أن من يتحمل ذهاب الإصلاح في سورية إلى زنازين الرفاق والأصدقاء, سببه بوش وسياساته, ثم إن التعميمية على الحالة العربية لا يخدم رأيك أبداً. في مصر ازداد مؤشر الحريات, في دول الخليج ودول المغرب العربي أيضا.

نحن مع الحوار ليس لأن في النظام حرساً قديماً أو جديداً, وليس لأن في النظام مراكز قوى فاسدة ومراكز قوى غير فاسدة, نحن مع الحوار مع السلطة التي تحيط أعناق المجتمع وتقبض على أنفاسه. إذن نحن مع الحوار مع نظام فاسد- وكي ترتاح أكثر إن هذا النظام منذ التصحيح وحتى اللحظة لم يخرج رموزاً نظيفة, وهذا رأيي بالطبع, عكس النظام الذي انقلب عليه. هذه معادلة بسيطة يجب أن نقولها كما هي للجماهير التي لم تعرف المعارضة على حد قولك التصرف معها. لنكن واضحين إذن أننا عندما نكون مع الحوار لأجل سورية, ليس معنى ذلك أن في النظام مراكز قوى نظيفة وأخرى فاسدة, أرجو ألا نمارس في هذه النقطة أي نوع من التورية. نحن مع الحوار مع نظام نعرف أنه ذو بناء أقلوي حتى لو كان هنالك حوله كتلة شعبية وحزبية ما فوق أقلاوية, وكتلته الشعبية سواء كانت طائفية أو ما فوق طائفية, فهذا شعبنا ولا يتحمل هو مسؤولية في ذلك, كما أننا عندما نقول نظام فاسد ليس معنى هذا أننا نتحدث عن أشخاص أبدا, بل نتحدث عن جملة من الممارسات والعلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

عن أية قوى معارضة تتحدث لم تأخذ بعين الاعتبار موازين القوى الداخلية, وهل هنالك قوى داخلية متعددة لم تأخذها المعارضة بالحسبان? لا أعتقد أن الدكتور برهان يريد بقوله هذا أن يعيدنا إلى نقطة الصفر في مقالته الشهيرة عندما أعلن أن خطاب المعارضة عدواني ضد السلطة, ورد عليه الشاب محمد العبد الله, الذي لديه أخ في السجن في ذلك الوقت وصار لديه الآن أخ وأب. وأنا هنا لا أستدر عواطف أبداً بل أحيل على مرجع من نبض الحياة السورية. لأنك تؤكد بالقول: أن هذه العوامل الثلاثة هي التي يمكن أن تفسر لنا فشل الموجة الأولى من التحول الديمقراطي في سورية, أو يمكن أن تقول ضياع فرصة إحداث تغيير جزئي داخل بنية النظام, والنظام لا يتحمل أية مسؤولية في غياب الإصلاح.

تطالب بالحوار مع السلطة وأن تتخلى المعارضة عن خطابها العدواني, وترفض تحالف الإخوان مع خدام, يستنتج المرء أن (بلاوي) ومصائب النظام السوري على مدار خمسة عقود يتحملها خدام, أعرف أن هذه النقطة هي نقطة ضعف دائم في دفاعي عن قيام مؤسسة معارضة, بحكم أن الفارق غير واضح بين انضمام خدام للمعارضة وبين تبييض صفحة الرجل. لهذا أجد أن الأمر يحتاج منك إلى توضيح ربما تساعدني وتساعد الكثيرين غيري على التمييز بين الدعوة للحوار مع السلطة وبين رفض انضمام خدام للمعارضة, علما أن أحد نقاط الضعف في معارضة خدام وجبهة الخلاص, أنهم لم يخرجوا بعد من الخطاب الذي يرى ان مصائب الأمة بسبب الاميركان وهذا سر من أسرار التقاطع بين رأيك ورأيهم, وهو ليس تقاطعاً تكتيكياً أبداً, ولا تجعل الأنباء عن حوارات بين الاميركان وجبهة الخلاص تأخذك مأخذ أن جبهة الخلاص ذات أجندة خارجية, كما تحاول أن تقول. لا بل قلت. لو كان خدام والإخوان محمولين على أجندة خارجية, لكنت رأيت وضعاً غير هذا الوضع. وهذا يبقى بالنسبة لي أمرا نقاشه ليس مكانه الآن, وأتمنى من الأصدقاء في الاخوان المسلمين أن يردوا هم على ما قلته في مقابلتك, لكي نخلق حواراً حقيقياً وجدياً الغاية منه أن نضيء ولو شمعة في ليل سورية. لأن كلام صديقنا الدكتور برهان يحاول أن يدق إسفينا بينكم وبين إعلان دمشق, هذا من جانب, ومن جانب آخر يحاول إحراج المجلس الجديد والأمانة العامة المنتخبة في هذا الإعلان. لكي تفصلكم من الإعلان. وكأن مشكلة المعارضة في الداخل الآن هي الإخوان المسلمين وخدام.

2

أوافقك على أن حرمان المعارضة من السياسة, يقود الى حرمانها من الثقافة والتراكم المعرفي في الوضعية السورية وقراءتها, وهذا يقودنا الى شيء غريب, من لديهم الحرية لمراكمة وعي معرفي في الحالة السورية, يدينون بشكل او بآخر من ليس لديهم أية حرية, لهذا قلت في البداية ان سورية ازمتها عميقة جدا, وعلينا ان نعرف بالضبط سبب فقر المعارضة ثقافيا ومعرفيا, وهذا يقودنا بعد هذه المقدمات لنتحاور, أعدت قراءة المقابلة مرات ومرات, فوجدت من المناسب ان اقف متسائلا حول نقطتين محوريتين:

الأولى: تقول في السؤال المتعلق بالمهام الملقاة على الهيئات المنتخبة التالي: هناك توافق على جملة من المبادئ والشعارات, لكن »الاعلان« يفتقر لخطة او ورقة طريق من جل الدفع نحو تحول ديمقراطي ملموس, ومن خلال معرفتي للكثيرين من هؤلاء, اخشى ان يذهب بهم الظن انه بمجرد التفاهم حول عدد من الاهداف والمبادئ, سيكون كافيا لبناء معارضة, يجب العمل على استقطاب الرأي العام والفئات الاجتماعية الحساسة لمشكلاتها الخاصة, المهمة الثانية المطروحة على »إعلان دمشق«, تتمثل في ضرورة بناء هوية لهذا التجمع, اذ لا يكفي تجميع الاطراف حول المطالبة بالديمقراطية لتأسيس هوية سياسية, ويتحقق ذلك من خلال رسم خطوط التمايز عن بقية الاطراف والفئات, مثل جبهة الخلاص وغيرها, انتهى قول برهان هنا, يفترض برهان هنا, افتراضا ضمنيا ومنسجما مع سياقاته التنظيرية في رؤيته للنظام: حيث ان امام المعارضة امكانية لأن تتحرك حركة طبيعية مثلها مثل المعارضة المصرية مثلا, او الاردنية, او المغربية. والمقارنة هنا نسبية بالطبع, اي بمعنى ان المعارضة تخوض معركة هيمنة على الشارع مع النظام, وهذا أساس نظري خاطئ لا يفوت على برهان, ان معركة الهيمنة تكون في ظل نظام طبيعي, يسمح بوجود مثل هذه المعركة. النظام يخوض معركة سيطرة على المعارضة, بعد ان سيطر على المجتمع, وما هي الادوات التي يتخذها في هذه السيطرة, القمع اولا والقمع ثانيا, والجزرة التي لا ترى ثالثا واخيرا, وهذه الجزرة تتمثل في ترك المعارضة امام فخ من هامش من الحريات غير مقونن وغير محمي مطلقا ومحجوب المواقع, على مبدأ التوريط, كلما تخيل للنظام ان احدا من هذه المعارضة تجاوز الخط الاحمر سيكون مصيره السجن, ولا احد يعرف من المعارضة ما هو الخط الاحمر, اين يبدأ واين ينتهي? مع ذلك لنقل معك ان في برنامج الحرس الجديد اصلاحا, وتعال لنضع معا ارضية للحوار مع السلطة او مع هذا الاتجاه, وحتى يتسنى لنا ذلك علينا ان نجيب على سؤال واحد: كيف يمكن فك الارتباط في فساد النظام ونظام الفساد. انها ليست احجية ابدا بل هي جوهر حركية هذه السلطة. في الحالتين يكون الاولوية للنظام, ولكن في الحالة الاولى يمكن للأمر ان يتصلح وهذا يحتاج الى النظام نفسه لكي يصلحه, ولكن كيف يصلحه اذا كان هو نظام الفساد? انا لا اقيم وزنا لبعض الجمل المدائحية التي تمررها في موقفك لمعارضة اعلان دمشق, لأنها تأتي في سياق يريد ضرب هذه المعارضة من اساسها. هوية ماذا التي تريد للمعارضة ان تحددها وتحدد عفوا هويتها, أليست الديمقراطية هوية الهويات كلها, وكل هوية تستطيع في الديمقراطية ومن خلالها ان تعبر عن هويتها بحرية? هل كل الدول التي انتقلت الى الديمقراطية في العالم كانت لديها او لدى معارضتها هوية غير انها معارضة ديمقراطية? وهل يجب ان تكون المعارضة كلها مثقفين من طراز خاص? ام ان فقر المشهد الثقافي السوري, وبؤس مثقفيه يجعلنا نرمي بهذا الحمل على المعارضة السياسية المحشورة بين زنزانة وغياب دعم دولي وروح مؤسسيه. الهوية التي تريدها هي التالي:

الوقوف مع المقاومة العراقية, والوقوف مع حزب الله, وحركة حماس وبالتالي من باب اولى ووفقا لسياقاتك كلها الوقوف مع نظام الممانعة ضد المشروع الاميركي, بهذا تحدد هويتها على الصعيد الاقليمي, اما على الصعيد الداخلي, فيجب على هذه المعارضة ان تخير الاخوان المسلمين, اما ان يفكوا تحالفهم في جبهة الخلاص, او يتم فصلهم. وبذلك تريد وضع حاجز امام كل من يفكر من رموز النظام اقصد رموز الفساد في ان ينضم للمعارضة لسبب ما, لأنك اكثر من تعرف ان ما يضعف هذه السلطة هو تحول قسم منها الى المعارضة. وليس لأي هدف آخر. وأنا اتحدث هنا مستلهما التجارب التاريخية الحديثة والمعاصرة في الانتقال السلمي الذي تم نحو الديمقراطية. المطلوب من المعارضة بالتأكيد ان يكون لديها مؤسسات بحوث ودراسات حول الوضعية السورية بكل تعقيداتها, ولكن اتعتقد ان مشكلة المعارضة السورية هنا? ان قولنا هذا يجب الا يجعلنا ننسى ابدا اننا امام نظام استثنائي ولديه مثقفوه اليساريون الذين يعرفون الفارق بين معركة الهيمنة التي تتم بشكل سلمي, وبين معركة السيطرة التي تتم بشكل عنفي قمعي, يقابله عمل سري, مكشوف الظهر لا دعم ولا سند, وخير مثال التواطؤ الاعلامي العربي والعالمي على معتقلي اعلان دمشق, والفارق بين ما حدث اثناء اعتقال الصحافي السوري تيسير علوني في اسبانيا, واعتقال الصحافة السورية ممثلة بعلي العبدالله وفايز سارة وأكرم البني, لهذا هم لن يسمحوا بقيام معركة هيمنة أبدا, ولنا في تجربة ربيع دمشق نموذجا, لمجرد ان السلطة شعرت ان ربيع دمشق قد يتحول الى مركز استقطاب ضربته في العمق, رغم ان ربيع دمشق كان يستقطب على اساس مشروع الاصلاح الذي تم طرح جوانب منه في خطاب القسم.

النقطة الثانية: ونعتذر من القارئ على الاطالة, لكن سورية في محنة, نأتي الى أميركا مرة اخرى من سياقات برهان انه يطالب المعارضة بأن تعرف ميزان القوى الداخلي وتتخلى عن خطابها العدواني تجاه النظام, وبالوقت نفسه يشدد على هذه المعارضة ان تنتج هويتها بمواجهة السياسة الاميركية, التي هي قوة أقوى على المستوى الاقليمي والدولي, بمعنى واضح: اذا كان تحييد أميركا يمكن ان يخدم المعارضة, فعلينا الهجوم على أميركا من اجل ان يبقى في الساحة بديل واحد هو نظام الممانعة العربي ثقافيا وسياسيا, وانا اعتقد ان بعض النظم العربية الاخرى اكثر ممانعة من النظام السوري, رغم الديمقراطية النسبية الموجودة لديها, ولكن اخطر ما يواجه الديمقراطية في سورية هم مثقفو الممانعة العرب, لا اعرف ان كان للحوار بقية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى