صفحات العالم

مجموعة الأزمات الدولية عن باكستان: لتتوقف سياسة الاسترضاء في المناطق القبلية

يُظهِر الصعود الأخير للعنف الجهادي في البنجاب وإقليم الحدود الشمالية الغربية والمناطق القبلية الخاضعة للإدارة الفيديرالية وعاصمة إقليم بالوشستان، كويتا، التهديد الذي تشكّله جماعات ديوباندي السنية المتطرّفة لباكستان دولةً ومواطنين. تخوض هذه المجموعات السنية الراديكالية في الوقت نفسه جهاداً مذهبياً داخلياً، وجهاداً إقليمياً في أفغانستان والهند، وجهاداً عالمياً ضد الغرب. وفي حين يُخصَّص الكثير من الاهتمام والموارد الداخلية والدولية، وهذا مفهوم، لاحتواء القتالية الإسلامية في الحزام القبلي، غالباً ما يتم تجاهل واقع أن حركة “طالبان” الباكستانية تنبثق عن شبكات سنية راديكالية في القلب السياسي للبلاد.
من الضروري بذل جهود أكثر تنسيقاً بكثير ضد المجموعات السنية المتطرفة المتمركزة في البنجاب، من أجل منع انتشار التطرف الذي يهدّد السلام والاستقرار الإقليميين. وبينما يعمل المجتمع الدولي مع باكستان لكبح المجموعات المتطرفة، ينبغي عليه أيضاً أن يدعم الانتقال الديموقراطي ولا سيما عبر إعادة تخصيص مساعدات لترسيخ التطبيق المدني للقوانين.
تتألف حركة “طالبان” الباكستانية التي تسيطر أكثر فأكثر على أجزاء كبيرة من المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الفيديرالية وإقليم الحدود الشمالية الغربية، من عدد من الجماعات القتالية الموحّدة بطريقة غير محكمة في ظل تنظيم “تحريك طالبان باكستان” المنتمي إلى مذهب ديوباندي والذي لم يهاجم أهدافاً غربية وتابعة للدولة وحسب إنما أيضاً الشيعة. ويعود تأثيرها الآخذ في الاتساع إلى الدعم من الشبكات المتطرفة السنية القائمة منذ وقت طويل التي تتخذ من البنجاب مركزاً لها في شكل أساسي، والتي تؤدي دور الوكيل الذي يخوض الحرب عن الجيش في أفغانستان والهند منذ الثمانينات.
تؤمّن مجموعات ديوباندي الراديكالية المتمركزة في البنجاب مثل مجموعة “جند الصحابة-باكستان” وفرعها “عسكر جنغوي” الأسلحة والمجنّدين والأموال وموارد أخرى لمجموعات “طالبان” الباكستانية، وهي مسؤولة عن تخطيط العديد من الهجمات المنسوبة للمقاتلين المتمركزين في المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الفيديرالية. كما أن جند الصحابة وعسكر جنغوي هما حليفان أساسيان لتنظيم “القاعدة” في المنطقة.
والمجموعات المتطرفة الأخرى التي تركّز ظاهرياً على الجهاد في كشمير، مثل “جيش محمد” و”عسكر طيبة” تنضوي أيضاً تحت لواء الجهاد العالمي لـ”القاعدة” ضد الغرب، وتنشط في الجهاد المحلي والإقليمي والدولي. وتؤدّي رعايتها المستمرة من جانب الجيش وقدرتها على اختطاف مجالات أساسية في السياسات بما في ذلك علاقات باكستان مع الهند وأفغانستان والمجتمع الدولي، إلى عرقلة الجهود التي تبذلها الحكومة المدنية راهناً لترسيخ سيطرتها على الحكم وتحقيق السلام مع جيرانها.
تحركات الحكومة الفيديرالية بقيادة “حزب الشعب الباكستاني” وحكومة البنجاب التي كانت حتى الآونة الأخيرة بقيادة “الرابطة الإسلامية الباكستانية” التابعة لنواز شريف، ضد المجموعات الجهادية المتمركزة في البنجاب بسبب دورها في الهجوم الذي تعرّضت له العاصمة التجارية للهند، مومباي، في تشرين الثاني الماضي، هي خطوة في الاتجاه الصحيح. ويجب أن يتبعها الآن ترسيخ الأدلة وتقديمها في المحكمة.
تتيح الأحداث التي أعقبت هجوم مومباي فرصة لإعادة صوغ الرد الباكستاني على الإرهاب الذي يجب ألا يعتمد على استخدام القوة العشوائية بما في ذلك العمل العسكري والحجز التعسفي، بل على تحقيقات الشرطة والتوقيفات والمحاكمات العادلة والإدانات. ويجب أن يكون الرد بقيادة مدنية كي يكون فاعلاً. فعلى الرغم من النجاحات السابقة ضد المجموعات المتطرفة، تفتقر الوكالات المدنية للاستخبارات وتطبيق القوانين، بما في ذلك وكالة التحقيقات الفيديرالية ودوائر التحقيقات الجنائية في الأقاليم ومكتب الاستخبارات، إلى الموارد والسلطة الضرورية لتحقيق إمكاناتها. لا يزال الجيش ومديرية استخباراته النافذة يسيطران على جهود مكافحة الإرهاب ويعوقانها.
لا تستطيع حكومة حزب الشعب الباكستاني أن تكتفي بتطبيق القانون رداً على هجوم إرهابي أو ضغوط خارجية. فالتطبيق الاستباقي حيوي لاحتواء القتالية الدينية التي بلغت مستويات حسّاسة؛ ويشمل ذلك فرض ضوابط على انتشار الأسلحة ونمو الميليشيات الخاصة اللذين يشكّلان انتهاكاً للدستور؛ ومحاكمة من يروّج خطاب الكره وينشر الآداب المتطرفة ويحرّض على الجهاد؛ وإخضاع المدارس والمساجد الجهادية لمزيد من المساءلة واتخاذ تدابير ضدها؛ وفي نهاية المطاف تحويل المعلومات أدلة راسخة في المحكمة. لم يفت الأوان على كبح موجة التطرف، شرط أن تعتمد الحكومة وتطبّق على الفور سياسة لاتسامح حيال كل أشكال القتالية الدينية.
لسوء الحظ، في 19 شباط 2009، أبرمت حكومة إقليم الحدود الشمالية الغربية بقيادة “حزب عوامي الوطني” أو “الحزب الشعبي الوطني” اتفاق سلام من تدبير الجيش، مع الجماعة السنية المتطرفة “تحريك نفاذ الشريعة الإسلامية” المتمركزة في وادي سوات، وهي مجموعة قتالية متحالفة مع “طالبان”. وافقت الحكومة على فرض الشريعة في منطقة ملقند في إقليم الحدود الشمالية الغربية، حيث ستقرر المحاكم الدينية في كل القضايا اعتباراً من 16 شباط 2009؛ وتفكيك كل الحواجز الأمنية واشتراط موافقة جماعة “تحريك نفاذ الشريعة الإسلامية” مسبقاً على أي تحركات عسكرية؛ والإفراج عن المقاتلين المعتقلين ومن بينهم المسؤولون عن أعمال العنف مثل إعدام الناس على الملأ والاغتصاب. في المقابل، تعهّد المقاتلون وضع حد لحملتهم المسلحة.
إذا طُبِّق هذا الاتفاق الذي يشكّل استسلاماً أكبر للمقاتلين من الاتفاقات السابقة التي وقّعها معهم النظام العسكري في المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الفيديرالية، فسوف يرسّخ حكم “طالبان” ونفوذ “القاعدة” في المنطقة؛ ويجعل السلام أبعد منالاً؛ ويقضي في شكل أساسي على المكاسب التي حقّقها الانتقال إلى الديموقراطية وهزيمة الأحزاب الدينية اليمينية المدعومة من الجيش في إقليم الحدود الشمالية الغربية في انتخابات شباط 2008. مع تداعي الهدنة في وادي سوات، يجب أن ترفض الحكومة الفيديرالية منح الموافقة الرئاسية المطلوبة لوضع الاتفاق موضع التنفيذ، وتجدّد التزامها التصدّي للتطرف وتحقيق إصلاح سياسي طويل الأمد في الأراضي الحدودية.
لقد كان الرد الدولي على اتفاق سوات متفاوتاً حتى الآن، وقد اعتبره العديد من القادة الأساسيين، وبينهم وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس، تسوية مقبولة. يجب أن يقر المجتمع الدولي، ولا سيما الولايات المتحدة، بفشل الدعم غير المشروط للجيش الباكستاني، ويغيّر مساره فيساعد على ترسيخ السيطرة المدنية على كل ميادين الحكم، بما في ذلك مكافحة الإرهاب وقدرة الحكومة الفيديرالية على إلغاء سياسات الاسترضاء التي يطبقها الجيش في المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الفيديرالية وإقليم الحدود الشمالية الغربية، واستبدالها بسياسات تسعى إلى تحقيق التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية الطويلة الأمد.
توصيات للحكومة الباكستانية
1- الإقرار بأن حملة ذات صدقية ضد المقاتلين الجهاديين تقتضي في نهاية المطاف صدور إدانات في محاكمات عادلة، واتخاذ خطوات تؤول إلى:
أ) منح سلطة أعلى بكثير للوكالات المدنية المعنية بإنفاذ القوانين بما في ذلك الوصول إلى سجلات الهواتف الخلوية وبيانات أخرى من دون الحاجة إلى الحصول على الموافقة من الجيش ومديرية الاستخبارات التابعة له؛
ب) إنشاء هرمية واضحة مؤلّفة من وكالات الاستخبارات المدنية عبر إقرار قانون في البرلمان، وتشمل هذه الوكالات وكالة التحقيقات الفيديرالية ودوائر التحقيقات الجنائية في الأقاليم ومكتب الاستخبارات على أن يكون الأخير السلطة الأساسية في التحقيقات المعنية بمكافحة الإرهاب؛
ج) ترسيخ الروابط بين وكالات إنفاذ القوانين والمدعين العامين لبناء قضايا قوية في المحكمة ضد المتطرفين الدينيين؛
د) تعزيز قدرات الوكالات المدنية الفيديرالية والإقليمية المعنية بإنفاذ القوانين، مع تركيز خاص على الإمكانات في مجال الأدلة الجنائية والتحقيقات في مسرح الجريمة؛ وإنشاء مختبرات جنائية وطنية وفي الأقاليم مجهّزة بمعدات حديثة وتضم علماء ذوي تدريب دولي، على أن تخضع لسيطرة وزارة الداخلية الفيديرالية ودوائر الداخلية في الأقاليم؛
هـ) تعديل قانون الإجراءات الجنائية لوضع برنامج لحماية الشهود وتوفير أعلى مستوى من الأمن لكل من يوافق على الإدلاء بإفادة قيّمة ضد المتطرفين؛
و) تعزيز دور دور لجان الارتباط للربط مع الشرطة من أجل إشراك الناس في المعركة ضد النزعة القتالية.
2- اتخاذ تدابير حازمة ضد المجموعات القتالية الجهادية ومدارسها الدينية بما في ذلك:
أ) تفكيك الميليشيات الخاصة بموجب المادة 256 من الدستور؛
ب) تعطيل الاتصالات وخطوط التموين، وإغلاق معسكرات الجماعات الجهادية في الحزام القبلي وقلب البنجاب السياسي؛
ج) وتعزيز الإشراف على قطاع المدارس الدينية بما في ذلك التمويل والتسجّل، وقيام سلطات الأقاليم بعمليات تقصٍّ منتظمة في هذا القطاع، كما فعلت حكومة البنجاب أخيراً، وذلك بهدف:
• تحديد المعاهد الدينية ذات الروابط الواضحة مع المجموعات الجهادية، وإغلاقها واتخاذ إجراءات بحق رجال الدين فيها، وبحق الطلاب أيضاً إذا لزم الأمر؛
• إبقاء أي معاهد دينية يُشتبَه في أن تكون لديها روابط مع المجموعات الجهادية، تحت المراقبة عن كثب؛
• اتخاذ إجراءات قانونية في الأماكن التي تتعدّى فيها المعاهد الدينية على أراضٍ خاصة أو تابعة للدولة؛
• والتأكّد من تلبية المنشآت والتجهيزات لمعايير السلامة والبناء المناسبة.
3- مقاضاة كل من يشجّع أو يمجّد العنف والجهاد، بما في ذلك من طريق خطاب الكره ضد الأقليات الدينية والمذهبية ونشر الآداب الجهادية.
4- الإقرار بأن الإصلاح السياسي هو جزء لا يتجزأ من إرساء الاستقرار في المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الفيديرالية وإقليم الحدود الشمالية الغربية وذلك من طريق:
أ) العمل بموجب المادة الثامنة من الدستور التي تحظر أي أعراف لا تنسجم مع الحقوق الأساسية المضمونة دستورياً، ورفض توقيع النظام القضائي المعروف بـ”نظام العدل” 2009 لفرض الشريعة في منطقة ملقند، والإحجام عن إبرام اتفاقات سلام مشابهة مع المقاتلين الدينيين في أماكن أخرى؛
ب) تنفيذ الحكومة التزامها إبطال تنظيمات الجرائم الحدودية (1901)، وبسط إرادة الدولة وسيادة القانون، بما في ذلك من طريق المحاكم والشرطة، وتأمين تمثيل المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الفيديرالية في الهيئة التشريعية للدولة؛
ج) دمج المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الفيديرالية في الإطار الفيديرالي عبر ضمها إلى إقليم الحدود الشمالية الغربية، إلى جانب الوكالات السبع التي تقع ضمن السلطة التنفيذية للإقليم واختصاص نظام المحاكم الإقليمية والوطنية العادي والممثَّلة في جمعية الإقليم؛
د) تطبيق قانون الأحزاب السياسية في المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الفيديرالية، أي إلغاء القيود عن الأحزاب السياسية وإجراء انتخابات مستندة إلى الأحزاب لاختيار أعضاء الهيئات التشريعية الإقليمية والوطنية؛
هـ) الامتناع عن تسليح ودعم أي مجموعة متمردة أو ميليشيا قبلية، ومنع الجيش من القيام بذلك؛
و) والاعتماد على الوكالات المدنية لتطبيق القوانين والاستخبارات المدنية بصفتها الأداة الأساسية للتعامل مع التطرف في المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الفيديرالية، وجعل دور الجيش يقتصر على المهمة المولَج بها وهي الدفاع عن حدود البلاد.
5- إلغاء كل القوانين الدينية التي تمارس التمييز على أساس الدين والمذهب والجنس.
6- حل الأزمة السياسية بين “حزب الشعب الباكستاني” و”الرابطة الإسلامية الباكستانية” بقيادة نواز شريف عبر إنهاء الحكم المباشر واحترام التفويض الذي حصلت عليه الرابطة في البنجاب من طريق الانتخاب، والاتفاق على حل سياسي وقانوني للسماح لنواز وشاهباز شريف بالمشاركة في السياسة الانتخابية، من خلال قانون برلماني أو مرسوم تنفيذي.
7- تنفيذ الحكومة التزامها إبطال التعديل السابع عشر للدستور، وكل الأحكام الدستورية والمراسيم التنفيذية والقوانين التي تنتهك مبادئ الديموقراطية البرلمانية.
للمجتمع الدولي ولا سيما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي
8- توفير دعم مالي ولوجستي للوكالات المدنية المعنية بإنفاذ القوانين من أجل توسيع قدراتها، بما في ذلك في الأدلة الجنائية والتحقيقات في مسرح الجريمة، وذلك عن طريق تأمين معدات حديثة وتدريب علماء باكستانيين.
9- ربط المساعدة العسكرية بشرط اتخاذ القوات المسلحة الباكستانية خطوات ملموسة لدعم الجهود المدنية من أجل منع تنظيم “القاعدة” والمتمرّدين الأفغان والمتطرفين الباكستانيين من استعمال الأراضي الحدودية لشن هجمات داخل باكستان ومن الأراضي الباكستانية في اتجاه المنطقة وخارجها؛ وإذا لم يتجاوب الجيش الباكستاني مع هذا المطلب، يجب النظر، كملاذ أخير، في فرض عقوبات استهدافية وتدريجية بما في ذلك حظر السفر والتأشيرات وتجميد الأصول المالية لقادة عسكريين بارزين ووكالات استخباراتية خاضعة لسلطة الجيش.
10- تقديم المساعدات لمئات آلاف المدنيين الذين نزحوا بسبب النزاع في المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الفيديرالية ووادي سوات.
“مجموعة الأزمات الدولية” (ICG)
ترجمة ن. ن. عن الانكليزية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى