صفحات العالم

“الإسلامو- فوبيا” مجدداً

سعد محيو
الذكرى التاسعة لأحداث 11 سبتمبر/أيلول مرّت في أمريكا بسلام أمني، لكن النار لا تزال تحت الرماد سياسياً وثقافياً وفكرياً .
فالحملات العنيفة على الإسلام، بشتى أشكاله السياسية والدينية والاجتماعية، لمّا تهدأ، وهي باتت تذكّر إلى حد بعيد بالاضطهاد الذي مورس ضد المسلمين إبان الحروب الصليبية .
فالإسلام في كل هذه المراحل، من إعلان البابا أوربانوس الثاني الحرب عليه العام ،1095 إلى إعلان المحافظين الجدد “الجهاد” ضده في 2001 ثم الآن في ،2010 كان يوصف بأنه دين العنف والسيف والتعصّب والانغلاق، في أحسن الأحوال .
لبرهة، اعتقد الكثيرون أن هذه الموجة التي وُلدت ثم كبرت بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، لا تلبث أن تضمحل بعد أن خاض الأمريكيون حربين مدمرتين في أفغانستان والعراق وقتلوا خلالها مئات آلاف المواطنين في هذين البلدين، انتقاماً (كما قيل) لمقتل 2800 أمريكي في “غراوند زيرو” في نيويورك .
لكن، يتبيّن اليوم بوضوح أن هذه كانت تقديرات مخطئة . صحيح أن رحيل الجمهوريين عن البيت الأبيض أخرج من مسرح الأحداث أبطال حروب الحضارات، خاصة بعد أن أعلن الرئيس أوباما في اسطنبول والقاهرة سياسة اليد الممدودة إلى العالم الإسلامي، إلا أن هؤلاء (الجمهوريين) لم يُلقوا السلاح في الواقع .
فحملات العداء تواصلت . وهي وجدت ضالتها أخيراً في مسألة بناء مسجد قرب موقع “غراوند زيرو”، التي تحوّلت إلى البند الرئيس على جدول أعمال الجمهوريين (وبعض الديمقراطيين) الطامحين إلى الفوز في انتخابات الفرعية المُقبلة للكونغرس .
وكان لهؤلاء ما أرادوا . فقال 52 في المئة من الجمهوريين الذين تم استطلاع آرائهم حيال المسجد أن إدارة أوباما، بموافقتها على شرعية ودستورية بناء الجامع، أثبتت في الواقع أنها تُنفّذ “أجندة إسلامية خفية” . هذا في حين قال 20 في المئة منهم أنهم واثقون بأن أوباما “لا يزال على دين والده سراً، أي مسلم” .
“المحرقة القرآنية” التي كان يهدد بها القس جونز جاءت لتعبّر عن هذا الجو الإيديولوجي المحموم . ولذا، فهي لم تكن ظاهرة معزولة قام بها رجل دين معزول أو معتوه، بل كانت سهماً أول أطلق مباشرة في اتجاه صدر الحضارة الإسلامية، وستليه حتماً سهام أخرى أكبر وأخطر بما لا يُقاس .
ومن يريد أن يتأكد، ليس عليه سوى الإطلاع على أدبيات “حزب الشاي” التي تعج بالإدانات الإيديولوجية ضد الإسلام وبالأوصاف العنصرية ضد المسلمين . أو ليس عليه سوى التساؤل عمَنْ قاد أسطول الإعلام الأمريكي العملاق الذي قرر أن يحوّل قساً عاش 50 سنة من حياته مغموراً، إلى شخصية عالمية خلال 15 دقيقة، عبر تسجيل ونشر كل كلمة ينبس بها على مدار الساعة وكأنه المسيح المُنتظر؟ .
رب قائل هنا أن هذه الموجة الراهنة من “الإسلامو- فوبيا” (التخويف من الإسلام) لن تكون سوى سحابة صيف عابرة، خاصة أن قطاعات واسعة من الشعب الأمريكي وقفت ضد حرق المصاحف، وأن الرئيس أوباما أكد مجدداً أن الولايات المتحدة “لا ولن تكون في حالة حرب مع الإسلام” .
لكن، حين نضع الأزمات الاقتصادية وصراعات الهوية التي تشهدها الولايات المتحدة هذه الأيام في الحسبان، فقد نتوصل إلى محصلات مغايرة تماماً .
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى