صفحات الناس

التشكيلات القضائية.. تعطيل للعدالة

null

ميشال شماس

صدر يوم أمس العاشر من شهر حزيران الجاري عن وزارة العدل القرار رقم 1357/ل قضى بنقل عدد كبير من القضاة بين محافظة وأخرى، وبنقل عدد أخر من القضاة داخل كل عدلية على حدة.

ففي عدلية دمشق على سبيل المثال وتحت عنوان: ” يعاد توزيع العمل بين السادة القضاة في محاكم الاستئناف والبداية والصلح المدني والجزائي وكذلك في دوائر التحقيق” تم بموجب القرار المذكور نقل قضاة من محكمة إلى أخرى مماثلة،فجرى مثلاُ نقل قاضي مستشار في محكمة الاستئناف المدنية العاشرة إلى محكمة الاستئناف المدنية الرابعة، ومن السابعة ، إلى الخامسة، وكذلك الأمر في دوائر التحقيق، حيث تم نقل قاضي التحقيق الثالث، إلى قاضي التحقيق السابع ، وقاضي التحقيق الخامس إلى قاضي التحقيق الثاني وهكذا في بقية العدليات..

وقد لاقت تلك التشكيلات استغرابا من عدد غير قليل من القضاة والمحامين والمواطنين، اللذين لم يجدوا مبرراً واحداً لتلك التنقلات، وأجمعوا على اعتبار أن تلك التنقلات التي تجريها وزارة العدل في كل عام تؤدي إلى إرباك القضاة وتزيد من أعبائهم، وأن الضحية في النهاية هي العدالة والمتقاضين.

ولم نفهم حتى الآن العبرة من نقل قاض في محكمة البداية المدنية أو الجزائية إلى محكمة مماثلة ؟ أوما هي العبرة من نقل قاض مستشار في محكمة الاستئناف المدنية العاشرة ، إلى مستشار في محكمة الاستئناف المدنية الثامنة أو الرابعة على سبيل المثال؟ أو ما هي العبرة من نقل قاضي التحقيق الخامس ليستلم محل قاضي التحقيق الثاني ؟

فلا يكاد يستقر العمل في المحاكم ، ويكون القاضي قد أحاط بالدعاوي المعروضة أمامه، إلا ويفاجئ بقرار نقله إلى غرفة أخرى مماثلة ليعود مجدداً إلى دراسة الدعاوي من جديد ، مما يؤدي إلى إرهاق القاضي وإطالة أمد التقاضي على المتقاضين، وفي هذا تعطيل للعدالة،والمشكلة تبرز بشكل أكبر عندما يتم نقل قاض قضى وقتاً طويلاً في المحاكم الجزائية، إلى المحاكم المدنية،فيجد نفسه غريباً على عمل المحاكم المدنية بعد أن أصبح مطلعاً ومتخصصاً في القضايا الجزائية.وسوف يقضي وقتاً طويلا لفهم آلية العمل في المحاكم المدنية والقوانين التي تحكمها، وهي أوسع بكثير من القوانين الجزائية، وكل ذلك على حساب المتقاضين الذين سوف يؤجل البت بدعاويهم لعدة أشهر يكون خلالها القاضي قد أطلع على القوانين المدنية.

ولابد من الإشارة إلى أمر هام وخطير تكرس في عمل بعض القضاة خلال السنوات الأخيرة، وهو أنهم عندما يسمعون بأن هناك تشكيلات تعدها وزارة العدل يمتنعون عن البت بالدعاوي بحجة تلك التشكيلات وقد يستمر الأمر على هذا المنوال إلى حين صدور تلك التشكيلات وقد يستغرق هذا شهراً أو أكثر، وكل ذلك يجري على حساب المواطن المتقاضي وعلى حساب المحامين الذين يتولون الدفاع في تلك القضايا، في النهاية على حساب العدالة وسمعة قضائنا.

ومن جهة أخرى يعتبر نقل القاضي بمثابة عقوبة له ، وإنني أرى وخلافاً لما نص عليه قانون السلطة القضائية الحالي رقم 98لعام 1961 الذي سمح بنقل القاضي بقرار من وزير العدل بناء على اقتراح مجلس القضاء الأعلى في المادة منه 83، أن يتم تعديل تلك المادة بحيث تصبح : ” لايجوز نقل أي قاض من مركزه دون موافقته الخطية المسبقة ، إلا لأسباب خطيرة تتعلق بحسن ممارسته لعمله في المركز المذكور وكيفية إدارته للمحاكمات والقرارات الصادرة عنه ، ويكلف مجلس القضاء أحد أعضائه لوضع تقرير بعد إجراء تحقيق وسماع القاضي المعني واستناداً إلى التقرير المذكور فإن للمجلس أن يصدر قراراً معللاً بالنقل” مع العلم أن كل التنقلات التي تجريها وزارة العدل سنوياً تجري بدون موافقة القاضي وحتى بدون علمه وغالباً ما يفاجأ القاضي بقرار نقله استناداً لتلك المادة التي سمحت لوزير العدل التحكم والتدخل في شؤون القضاء بالتعيين والترقية والنقل والإقالة ..الخ وذلك خلافاً لمادة أخرى من نفس القانون وهي المادة 92/1 التي نصت : ( الحصانة هي حصانة القضاة من العزل والنقل ويتمتع بها جميع القضاة).

وأخيراً، لابد لي من الإشادة بقرار وزارة العدل باستحداث غرفة استئنافية جنحية رابعة تضاف إلى الغرف الاستئنافية الثلاث، وذلك من أجل تخفيف العبء على كل من القضاة والمتقاضين، وقد سبق لي أن طالبت وزير العدل والمعنيين في أكثر من مناسبة بضرورة زيادة عدد القضاة والمحاكم بما يتناسب والكم الهائل من الدعاوي التي ينظر فيها قضاتنا.ونأمل أن يتم ذلك قريباً.

* محام من دمشق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى