الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّوريةصفحات العالم

بين الصفقة والعاصفة

غسان شربل
لو سألتَ مسؤولاً ايرانياً عن احتمال شن هجوم عسكري على بلاده لسارع الى الابتسام. يردّ بأنك تسأل عن حرب لن تقع. سمعت هذا الكلام في طهران وسمعته خارجها. وإذا كررت السؤال يوافق المسؤول على الخوض في التفاصيل. يقول إن اسرائيل لن تجرؤ على شن مثل هذا الهجوم. هذه الحرب أكبر من قدراتها. وهي تدرك عواقبها على سكانها. ويذكرك بأن يد ايران طويلة. كأنه يشير الى الصواريخ النائمة في الأراضي الإيرانية وفي مواقع متاخمة للدولة العبرية.
لا ينكر المسؤولون الايرانيون أن الآلة العسكرية الأميركية تملك قدرة تدميرية هائلة. لكنهم يستبعدون أن يجرؤ رئيس أميركي على اتخاذ مثل هذا القرار. يلفتون الى أن القوات الأميركية لا تزال ترابط في العراق. وأن أميركا تخوض حرباً بالغة الصعوبة على أرض أفغانستان. وأن للبلدين المذكورين حدوداً مع ايران التي تربطها ببعض القوى في المسرحين المذكورين علاقات أو تحالفات. ويشير المسؤولون أيضاً الى الأزمة المالية وأسعار النفط ودروس التورط في الوحول العراقية والأفغانية.
تتصرف ايران انطلاقاً من قناعتها بأن الحرب لن تقع. تلعب على حافة الهاوية بطمأنينة من لا يخشى الانزلاق اليها. لهذا يكرر محمود أحمدي نجاد أن الحقوق النووية لبلاده غير قابلة للتفاوض. ويعاود استفزاز الغرب. المحرقة خرافة. وإسرائيل ورم سرطاني لا بد من اقتلاعه.
تذكرك اللعبة بطمأنينة صدام حسين. كان يعتقد أن الغرب يلوّح بالقوة ليفاوض لا ليحارب. وأنه غير مستعد لاستقبال آلاف النعوش. والتضحية بالأميركيين قرب أسوار بغداد أو في شوارعها. لعب صدام على حافة الهاوية وأثار مخاوف الغرب بما يتجاوز قدراته على الإقلاق. وكانت النتيجة الانزلاق الى الهاوية. انتظر الصفقة فهبت عليه العاصفة.
الوضع الإيراني مختلف. وكذلك النظام الايراني. والوضع الأميركي والدولي. لكن ذلك لا يلغي أن كشف ايران عن منشأة نووية جديدة ضاعف القلق الغربي والدولي. تصريحات أوباما وبراون وساركوزي كانت واضحة. ما أبلغه بان كي مون الى نجاد ليس بسيطاً. صراحة ميدفيديف في انتقاد ايران تستأهل التوقف عندها. أسلوب طهران ينذر بتشكل جبهة دولية واسعة ضدها وبوضع بكين في موقف حرج.
كل هذا يجري قبل أيام من المفاوضات المقررة في أول تشرين الأول (اكتوبر) في جنيف بين ايران والدول الست المعنية بملفها النووي. يصعب الاعتقاد بأن الدول الست ستوافق على مناقشة القضايا الاقليمية والدولية من دون أن تنجح ايران في تبديد هواجسها. وعلى رغم ذلك واصلت طهران سياسة الإقلاق. مدير مكتب خامنئي قال إن المصنع الجديد “سيبهر الأعداء” وأن بلاده أصبحت في “ذروة القوة”. أحمدي نجاد نفسه اعتبر الكشف عن المنشأة الجديدة “ضربة قاسية للاستكبار”. وفي موازاة التصريحات أعلنت ايران عن اختبار صواريخ جديدة.
قبل أيام من المفاوضات التي لن تكون سهلة ووسط الحديث عن احتمالات هبوب العاصفة، أعلن رجب طيب أردوغان أنه سيزور طهران الشهر المقبل لمناقشة “المشاكل الاقليمية بما فيها المسألة النووية”. انتقد أردوغان امتلاك دولة أخرى في الشرق الأوسط ترسانة نووية ولفت الى أن الهجوم على ايران سيكون “جنونياً”. زيارته تذكّر بمحاولات بذلها قادة لدى صدام قبل هبوب العاصفة. الرئيس التركي عبدالله غل حرص العام الماضي في اسطنبول على تذكير أحمدي نجاد بقصة صدام.
قبل عامين سألت الرئيس جلال طالباني العائد من ايران عن موقفها. قال إنه سمع من مسؤوليها استعدادهم للتفاوض مع أميركا من أفغانستان الى لبنان إذا أبدت مرونة. وهذا يعني أن ايران تقترب من حافة القنبلة أو عتبة انتاجها لتفوز بصفقة في الاقليم. إنه اللعب بين حافة القنبلة وحافة الصفقة وحافة الهاوية. انه السباق بين الصفقة والعاصفة.
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى