صفحات الناس

استعادة هيبة القضاء ضرورة وطنية

null
ميشال شماس
أدلى وزير العدل السابق القاضي محمد الغفري بتصريحات في المؤتمرات النقابية لفروع نقابة المحامين التي كان أخرها مؤتمر فرع دمشق الذي عقد في الثامن عشر من شهر آذار الماضي، أكد فيها على عزم وزارة العدل ومجلس القضاء الأعلى والتفتيش القضائي على محاربة الفساد القضائي. وقد نقلت وسائل الإعلام المحلية المسموعة والمرئية والمقروءة تلك التصريحات أكثر من مرة. والآن بعد التغيير الوزاري الخامس الذي تشهده حكومة المهندس ناجي العطري ومجيء وزير جديد لوزارة العدل، يتساءل الكثير من الناس عن وضع القضاء، وهل ستستمر وزارة العدل في محاربة الفساد القضائي في عهد الوزير الجديد القاضي أحمد يونس، وهل سيستعيد القضاء هيبته التي فقد جزء كبير منها طيلة السنوات السابقة، خاصة بعد صرف 81 قاضياً في أواخر العام 2005/.
فالحديث عن إصلاح القضاء واستقلاله، مازال يتكرر منذ سنين طويلة، نسمعه أينما توجهنا، سواء في البيوت والاجتماعات ، في المؤتمرات والندوات ، في وسائل الإعلام ، داخل البلاد و خارجها..؟ ألسنة الناس مازالت تتناقل الكثير من الحكايا عما يجري داخل قصور العدل وخارجها التي تنال من هيبة القضاء ، الذي خسر الكثير في نظر المواطنين من دوره ، حيث أصبح القضاء موضع اتهام بدل أن يكون هو القادر على اتهام الآخرين ، وقد يكون ذلك دون وجه حق ، وقد يكون على حق ، وتغيرت نظرة الناس تجاه بعض القضاة إن لم يكن معظمهم ، فالقاضي الذي كان يدخل مكاناً عاماً ويستقبله الناس بكل احترام ، باتوا اليوم يتجاهلونه في غالب الأحيان، كل ذلك جاء نتيجة إحساس الناس المتنامي بطغيان الظلم وغياب العدل وعجز القضاء عن تأمين احترام حريات الناس وحقوقهم ، رغم أنه في الأصل هو الضمانة الحقيقية للإنسان في المجتمع والمؤتمن على حقوق الناس وحرياتهم..؟وهو المكلف بالسهر على تطبيق القوانين تطبيقاً سليماً . وهو الذي أحتل مكانة سامية ورفيعة في قلوب الناس على مر العصور وأحيط بالهيبة والإجلال والسمو والقداسة، حتى إن الفراعنة قد اتخذوا من القاضي إلهاً أسموه “إله الحق “.!
فحتى نعيد للقضاء هيبته ومكانته في قلوب الناس، لابد أولاً من تأمين وحدة القضاء أي خضوع المتقاضين والمتنازعين أيا كانوا أفرادً أم مؤسسات خاصة أو عامة للقضاء المنصوص عليه في الدستور، وثانياً عدم التدخل في شؤونه، وهذا يفترض حكماً عدم وجود روابط عضوية- إدارية أو مالية- بين القضاء وبين السلطة التنفيذية ، أو أية سلطة أخرى قد تؤثر على حريته واستقلاله، ويفضل في هذه الحالة ترك أمر تعيين القضاة والبت في سائر القضايا المتعلقة بهم إلى هيئة قضائية صرف. وثالثاً المحافظة على حياد القاضي ،في أن يكون ولائه فقط للقضاء، وأن لا يقع تحت تأثير أي ظرف كان يجعله ينحرف عن حياده، على اعتبار أن استقلال القضاء شرط ضروري لتحقيق حياد القاضي ، والحياد شرط لتحقيق الحق وإقامة العدل بين الناس، إنهما شرطان ضروريان ومتلازمان , فلا عدل بدون حياد ولاحياد بدون استقلال، ومن هنا تأتي أهمية تفعيل المادة 81 من قانون السلطة القضائية التي حظرت على القضاة إبداء الآراء والميول السياسية والاشتغال بالسياسة. ورابعاً احترام تنفيذ الأحكام القضائية المكتسبة الدرجة القطعية وعدم تعطيل تنفيذها تحت أية ذريعة كانت , وخامساً الاهتمام باختيار القضاة وتدريبهم وتأهيلهم بما يتناسب والكم الهائل من الدعاوى وتعيين مساعدين لهم كما في القضاء العسكري، فقاضي الفرد العسكري مثلاً يساعده عدد من الموظفين بما يعادل أو يفوق عدد الموظفين الموضوعين لخدمة مجموع قضاة صلح الجزاء في القصر العدلي بدمشق..وتوفير أمكنة تليق بالقضاة والمتقاضين وسادساً إعادة النظر بإدارة التفتيش القضائي،وجعلها هيئة مستقلة، وسابعاً – تحديث القوانين التي مضى على إصدارها أكثر من نصف قرن، وربما أكثر: ( كقانون أصول المحاكمات المدنية والجزائية ، الأحول الشخصية ، المدني ، البينات ، العقوبات، والتحديد والتحرير وغيرها). وبالرغم من جهود المشرع في تحديث بعض القوانين ، إلا أن هذه العملية تسير ببطء شديد لا تتناسب مع التطورات المذهلة التي نعيشها اليوم. خاصة فيما يتعلق بقانون أصول المحاكمات وقانون البينات والتي تنعكس سلباً على إجراءات التقاضي التي أصبحت مثارا للتندر والسخرية والنقد في الصحف والمسلسلات التلفزيونية ، كل ذلك يعود الى الكم الهائل من الدعاوى وضيق دور المحاكم حيث تُجمع أكثر من محكمة في غرفة واحدة، كما يعود أيضاً لتخلف النصوص المتعلقة بإجراءات التقاضي عن مواكبة التطورات خاصة فيما يتعلق بإجراءات تبليغ مذكرتي الدعوة والإخطار التي تلعب دوراً كبيراً في تأخير فصل الدعاوى ونقترح هنا إلغاء المادة 117 والاكتفاء بتبليغ الخصوم لمرة واحدة، واستخدام الهاتف كوسيلة تبليغ وعدم تأجيل الجلسات لأكثر من 15 يوماً وتعديل المادة 26 من قانون الأصول بحيث يتم الاكتفاء بنشر التبليغ بالصحف دون لوحة الإعلانات ، وتعميم المبدأ المتبع في مجلس الدولة لجهة مصادفة يوم الجلسة يوم عطلة أو عيد أو معذرة ، حيث يتم الإعلان عن الموعد الجديد على باب المحكمة واعتباره بمثابة تبليغ أصولي وهذا يتطلب تعديل المادة 121 الفقرة الثالثة منها ، ومعاملة ممثل إدارة قضايا الدولة مثله مثل بقية الأطراف في الدعوى ، ووضع حل نهائي لمسألة تبليغ إدارة قضايا الدولة ، بحيث يفوض محضر المحكمة بتبليغها ومعاملتها معاملة الأفراد عند التبليغ أو الامتناع عن التبليغ .. الخ
فما قيمة نصوص الدستور والقوانين إذا لم يقم على تطبيق تلك النصوص نقابة محامين حرة مستقلة وسلطة قضائية مستقلة ضماناً لحماية حقوق المواطنين وحرياتهم.
ففي عصرنا الرهان يقاس تطور الدول وتقدمها بمدى سيادة القانون فيها واستقلال قضائها ، على اعتبار إن الدولة في المجتمعات الحديثة تخضع للقانون ، ولا يخضع القانون فيها للدولة ، كما يخضع للقانون كل من الحاكم والمحكوم مهما كان شأن الحاكم ،لأن الحاكم مجرد إنسان ، ليست لإرادته قوة منشئة في عالم القانون أعلى من القوة التي تكون لإرادة أضعف شخص في الدولة.
ولا يسعني في النهاية إلا الدعاء بالتوفيق للسيد وزير العدل الجديد في استعادة هيبة القضاء لما فيه مصلحة العدالة والوطن والمواطن.
كلنا شركاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى