صفحات مختارة

«فايسبوك» إذ يبايع الطغاة العرب!

أركاديو ــ بنما
الموقع الاجتماعي الشهير لم يعد مخصّصاً لصرخات الشعوب المسحوقة فقط. ها هم الحكّام العرب يختارون أيضاً دخول الشبكة العنكبوتية من خلال تجنيد شباب يدافعون عنهم وعن سياساتهم القمعية
الياس مهدي
في وقت أجمعت فيه مختلف وسائل الإعلام العالمية على الدور الرئيسي الذي قامت به مواقع التواصل الاجتماعي في تحريك الشارع العربي، يبدو أن عدداً من مناهضي التغيير قرروا أيضاً اللجوء إلى الإنترنت لنشر أفكارهم. وإن كانت كل التقارير الحقوقية قد تحدّثت عن تجنيد الأنظمة العربية آلاف الناشطين الإلكترونيين لمراقبة الشبكة العنكبوتية، وبث الأفكار المعادية للثورات مثلما حصل في اليمن أخيراً، بدأ هؤلاء عملهم من خلال إنشاء مجموعات داعمة للحكام العرب على موقع «فايسبوك». وقد تحدّثت «مراسلون بلا حدود» وغيرها من المنظّمات الحقوقية، عن دفع الأنظمة العربية مبالغ طائلة بهدف اختراق الشبكة والتمكّن من الحصول على هويات الشباب الذين يدعون إلى التغيير. وهو ما أثار مخاوف من اعتقال هؤلاء، أو التضييق عليهم.
البداية من المغرب، حيث لم تمنع المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، ولا ملفات القمع والفساد، بعض الشباب من تأسيس مجموعة «مسيرة حب للملك…». وأتت هذه المسيرة كردّ مباشر على دعوات التغيير التي بدأت تتعالى في المغرب. ولخّص المشرفون على المجموعة «الموالية» فكرتهم بالقول: «في تونس أقيمت «ثورة الحرية»، وفي مصر «ثورة الغضب» وذلك لكسر قيد القهر وإطاحة الطغاة. أما مسيرتنا فهي لتكريم ملكنا العزيز لحبه لوطنه وشعبه والسهر على تنميته». وقد شهدت هذه المجموعة سجالات حادة بين مناصري الملك والداعين إلى تغيير دستوري شامل، يغيّر النظام. حتى إن بعضهم طالب بتحويل المغرب إلى بلد جمهوري، لا ملكي «لأن الملكية شكل من أشكال الفساد، ويجب القضاء عليها للتمكّن من الانتقال إلى دولة مدنية، وعصرية».
في الجزائر، لا يبدو الوضع مختلفاً. في ظلّ التحركات الاحتجاجية التي هزّت شوارع العاصمة وغيرها من المدن، خرج من يرفض فكرة تغيير النظام بالقوة «في أسلوب يعيدنا إلى سنوات الدم والدموع». هنا، بدت حجة المدافعين عن النظام هي الحفاظ على استقرار البلاد. هكذا أطلقوا على مجموعتهم عنوان «معاً لأجل جزائر مستقرة» نادوا فيها بتغيير سياسي «هادئ». وفي إطار دعم أفكارهم، يذكّر هؤلاء بالمواجهات الدامية بين الجيش والإسلاميين والتي أودت بحياة الآلاف. حتى إن بعضهم يذهب أبعد من ذلك، قائلاً إن الثورة الشعبية قد تعيد الاستعمار الفرنسي إلى الجزائر «وكلنا يعرف أن فرنسا تحاول منذ سنوات العودة إلى بلادنا»!
ومن المغرب العربي إلى المشرق، يمكن القول إن الصورة واحدة. في سوريا مثلاً، خرج من يدافع عن نظام بشار الأسد حتى قبل أي دعوة إلى التغيير أو التظاهر من خلال مجموعة «مليون معجب بصفحة «سوريا الله حاميها» رغم أنف العالم». وقد تبارى أعضاؤها على كيل عبارات الإعجاب والحب لـ«سيادة الرئيس»، معدّدين «إنجازاته»، و«التحوّل الديموقراطي الذي قام به في سوريا». ويصف أعضاء هذه المجموعة الداعين إلى التغيير تارة بالخونة والعملاء «للولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل»، وطوراً بالمجانين، وأصحاب الأجندات المخفية «التي تريد ضمّ سوريا إلى مجموعة الدول المعتدلة لا الممانعة».
من جهتهم، بادر شباب أردنيون إلى إطلاق صفحة تحت عنوان «محارية الفساد والاستبداد في الأردن»، مطالبين بإصلاحات حقيقية، ولكن طبعاً من دون توجيه أي إشارة إلى الملك عبد الله أو أسرته! ما يذكّرنا بمبادرات ومجموعات عدة، يعمد أعضاؤها الى مهاجمة الطاقم السياسي، منزّهين الحاكم الرئيسي أي الملك أو الأمير أو رئيس الجمهورية إياه عن كل انتقاد. وهو ما ينطبق على أكثر من بلد عربي، وخصوصاً في الخليج، حيث تصبح الدعوة إلى التغيير دعوةً إلى تعديل دستوري من دون التطرّق إلى ملف الأسرة الحاكمة.
في هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى ما يحصل حتى داخل غرف التحرير في الصحف والقنوات العربية. إذ إنّ قسماً كبيراً من الصحافيين يعلنون تأييدهم للثورات العربية، لكنهم سرعان ما يتراجعون عندما يتعلّق الأمر بدولهم. هكذا، نقرأ على صفحات عدد من الصحافيين «بلادي ليست تونس أو مصر أيها الحالمون»، أو «بلادي تشهد استقراراً بفضل النظام الملكي، خلافاً لأنظمة دول الجيران»، وغيرها من العبارات التي تنادي بالتغيير «ولكن في الجوار فقط».
واللافت هو أن رصد النقاشات على موقع «فايسبوك» يظهر واقعاً غريباً: الشباب المصريون، واللبنانيون، والجزائريون والتونسيون، والمغاربة هم الوحيدون تقريباً الذي يجرؤون على مناقشة المشاكل الحقيقية التي تتعرّض لها دولهم، حتى إنهم يدخلون في سجالات حادة في إطار وصف الوضع الاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي. في وقت تبقى فيه مشاركة الشباب السوريين والليبيين وحتى الخليجيين والأردنيين قليلة، مقارنة بحجم الفساد والقمع الموجود في دولهم.
الأخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى