قضية فلسطين

الوقائع تتحدث

سعد محيو
رجب طيب أردوغان يعتبر أن “حماس أخطأت في حرب غزة الأخيرة”. وكذا فعل محمود عباس وبعض القادة العرب الذين اعتبروا أن رفض حماس تمديد الهدنة أفسح في المجال واسعاً أمام تدمير غزة.

هل هذا التقييم دقيق؟ كلا. وهذا ليس تبريراً لحماس التي لنا نحن أيضاً ملاحظات على أدائها حيال كل من مسألتي تجديد حركة التحرر الوطني والوحدة الوطنية الفلسطينيتين، بل مجرد تسجيل لحقائق ووقائع.
ف “إسرائيل” هي الطرف الذي مهّد وخطط وأعدّ لهذه الحرب منذ أمد طويل، ثم هي التي خلقت كل الظروف (الخنق الاقتصادي، إغلاق المعابر، الاغتيالات والاستفزازات الأمنية.. إلخ) التي جعلت من المستحيل على حماس قبول تمديد الهدنة.
الدليل؟ هاكم ما نشرته “الخليج” في هذه الزاوية قبل 10 أشهر من الآن (أواخر شباط/فبراير 2008):
“قادة “إسرائيل” العسكريون والسياسيون يقيمون الدنيا ولا يقعدونها حين تقع بضعة صواريخ “قسامية” متواضعة لا تسفر سوى عن خسائر محدودة في مستوطنة سديروت الصغيرة، فيما هم يشيحون بوجههم بعيداً عن 20 ألف صاروخ متطور ألهب بها “حزب الله” أعمق أعماق مدنهم الكبرى.
هل ثمة منطق ما في مثل هذا اللغز؟ أجل. ومنطق استراتيجي أيضاً، له علاقة مباشرة بمفهوم الردع.
فالدولة اليهودية، كما كشف تقرير فينوغراد، اعترفت بأن حرب لبنان هزَت بعنف ركائز هيبتها العسكرية التقليدية، خاصة في ضوء انتصار حزب صغير كحزب الله عليها في معارك بلدة بنت جبيل. وبما أن قانون الردع يقوم برمته على الهيبة، أو بكلمات أدق على الخوف والتخويف، يتعيَن على “إسرائيل” العمل سريعاً لاستعادة الهيبة. لكن كيف؟ وأين؟
لديها أربعة خيارات: سوريا ولبنان وإيران وغزة.
بالنسبة إلى سوريا، اعتبر الجيش “الإسرائيلي” أنه استعاد جزءاً مهماً من هيبة الردع معها حين أغار جواً على ما اعتبره منشأة عسكرية نووية. أما الحرب مع حزب الله في هذه المرحلة فتبدو مستبعدة قبل أن يجد الجيش “الإسرائيلي” “حلولاً تقنية” ما للصواريخ.
تبقى غزة التي تبدو هذه الأيام الحلقة الضعيفة والجائعة والمحاصرة، إضافة إلى أنها لا تمتلك أسلحة ردع كتلك التي يحوزها حزب الله. وهذا ما يجعلها فريسة محتملة معقولة لاستعادة هيبة الردع “الإسرائيلية”. كل ما سيتطلبه الأمر هو حملة عسكرية- سياسية طاحنة متكاملة، تكون مشفوعة هذه المرة بحملة إعلامية كبرى تؤدي غرض الصدمة والتخويف.
والحال أن المخططين “الإسرائيليين” انتقلوا مؤخراً من مرحلة بحث مخاطر وفرص العمليات العسكرية في غزة، إلى مرحلة وضع الخيارات العملانية لهذه العمليات. وهي خيارات تكثّفت بثلاثة أمور:
1- الاستيلاء على معظم أراضي غزة، كما يقترح الجنرال شلومو بروم من مؤسسة دراسات الأمن القومي “الإسرائيلية”، على أن تسلّم الأمور بعد “استئصال حماس” إلى السلطة الفلسطينية.
2- تكثيف الغارات الجوية والقصف البحري على الوزارات والمؤسسات والثكنات والبنى التحتية الفلسطينية، ثم القيام بعمليات برية محدودة جنباً إلى جنب مع اغتيال قادة حماس وكوادرها، وبتر كل العلاقات الاقتصادية بين القطاع والضفة الغربية.
3- احتلال شمال القطاع ومعه قطعة أرض واسعة قرب الحدود الفلسطينية- “الإسرائيلية”، بهدف إقامة حزام أمني مثل الذي كان موجوداً في جنوب لبنان قبل العام 2000”.
***
هذه كانت التخطيطات “الإسرائيلية” التي وُضعت، ونشرت علناً، قبل نحو سنة. فهل ثمة شك بعد بأن حماس هي التي أخطأت وتسببت بالحرب الأخيرة؟
حتماً لا. إلا بالطبع إذا ما كان ثمة أطراف عربية تعتبر أن معركتها مع حماس أهم من معركة “إسرائيل” ضد كل فلسطين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى