صفحات سورية

حروب صغيرة لإضاعة الوقت

null

عبدالوهاب بدرخان

لم نعرف بدقة من كذب ومن صدق: جيمي كارتر أم كوندوليزا رايس؟ الأكيد، من خلال التجربة، ان الرئيس السابق ليس مضطراً لأن يكذب، لا في الشكل ولا في المضمون. ثم أنه لم يطلب من كوندي ان تأذن له بلقاء قادة حماس ، بل اكتفي بإبلاغ مساعد الوزيرة ديفيد ولش عزمه علي إجراء هذا اللقاء.

وليس معروفاً اذا كان ولش نقل بشفافية ما سمعه من كارتر، والا فلماذا اضطرت للتصريح بما جلب لها سمعة الكذب. المؤكد انها لم توفق تماماً في الدفاع عن سياسة اثبت كارتر عملياً انها خاطئة لأنها تقوم ببساطة علي مبدأ العزل والاقصاء، وبالتالي فإنها لن تفضي إلي أي نتيجة.

في سياق متصل كان ولش نفسه وراء لغط آخر حصل حول تصريحات ينذر فيها ب صيف ساخن في لبنان، استلزم حملة نفي وتوضيح لم تتوصل إلي تبديد كل المخاوف التي أثارها كلامه. فالرجل نسي أو تناسي ان المنطقة متوترة، وأن لكل كلمة وقعها، بل لها أيضا معناها السياسي ومفعولها علي الأرض.

وحتي لو لم يكن يقصد ان السخونة تعني الحرب فلابد أنه كان يشير الي نصيحة خبيثة بتجنب الاصطياف في لبنان. واذ جهدت الخارجية الأمريكية لنفي ما تفضل به مساعد الوزيرة فإن الوزارة نفسها أكدت عمليا ما ذهب إليه عندما اصدرت بياناً تطلب فيه من الرعايا الامريكيين مغادرة لبنان.

في أي حال، كان الأسبوع الماضي ساهم في التسخين عبر حرب تصريحات بلغت ذروتها حين أعلنت واشنطن ان لديها الادلة علي تعاون سوريا مع كوريا الشمالية لبناء مفاعل نووي، وان عملية كادت تكتمل لو لم تجهضها عملية قصف اسرائيلية أوائل ايلول سبتمبر الماضي .

ولم يعرف بدقة هنا أيضا أي مصلحة تحققت من هذا الاعلان، خصوصا ان واشنطن لم تحصد سوي التشكيك في ما كشفته، فضلا عن تذكيرها بأنها باتت ذات سمعة سيئة ومصداقية هابطة منذ حفلة الكذب والتلفيق التي اقامتها لاثبات وجود اسلحة دمار شامل في العراق.

ثم انها، اذا كانت رمت الي اعلان انجاز بوقف بناء المفاعل مع افتراض ان المعلومات صحيحة فان هذا لم يكن انجازها. واللافت ان اسرائيل نفسها مارست ضبطاً للنفس ولم تتلقف الإعلان الامريكي للطنطنة به، وذلك عكس ما جرت عليه العادة اسرائيلياً، لماذا؟

عشية ذلك الاعلان كانت دمشق أعلنت ان رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان نقل إليها كلاما من نظيره الاسرائيلي ايهود أولمرت مفاده انه مستعد لاتفاق سلام علي أساس الانسحاب من الجولان.

وما لبس أولمرت ان أكد ذلك، كما ان الرئيس السوري انتهز مقابلة مع صحيفة الوطن القطرية لاعلان ان دمشق مستعدة لمفاوضات علنية مع إسرائيل وبرعاية الولايات المتحدة.

وجاء الرد الامريكي علي الطرفين، الاسرائيلي والسوري، عبر كشف قصة المفاعل النووي أي لا مفاوضات ولا رعاية امريكية للمفاوضات. ومرة أخري، بعد مرات عديدة، طرقت بشدة علي الطاولة لتقول ان هذا ليس الوقت المناسب لرفع الضغط عن سوريا أو لمنحها أي ثمن لأي موقف أو لتوفير أي منفذ لها من المأزق الذي تعتقد أمريكا أنها حشرتها فيه.

الواقع ان سوريا لا تعتبر نفسها في مأزق وانما تعرف انها تتعرض لضغوط شتي، من أجل فك ارتباطها مع إيران والتخلي عن الأدوار التي تلعبها عراقياً ولبنانياًِ وفلسطينياً. ثم ان التجربة علمتها أن تمسكها بهذه الأوراق الاقليمية ساهم في حمايتها أكثر مما تسبب لها بمشاكل. وكما إيران، كذلك سوريا تبحث عن صفقة كاملة وشاملة تتناول كل استثماراتها السياسية والأمنية.

ووفقاً لذلك فإن العرض الاسرائيلي نفسه لا يبدو كافياً، إلا أنه يصلح كبداية للمساومة الكبري. ولا شك ان أولمرت الذي زاد جرعة المناورة علي المسار السوري كان ولا يزال يحاول احراز مكسبين: الأول هو الهروب من فشل مؤكد علي المسار الفلسطيني، ولأسباب موضوعية جداً تتعلق خصوصاً بحال الفلسطينيين.

والثاني هو اعتقاده بأن سوريا في حاجة ماسة إلي اتفاق سلام لتبني عليه أي انعطاف استراتيجي يتوقعه منها. فمثل هذا الاتفاق قد يشجعها علي مراجعة تحالفها مع إيران، أما الضغوط الراهنة التي تمارسها الولايات المتحدة بمؤازرة أوروبية فلن تزيد سوريا الا تمسكاً بذلك التحالف.

غداة القمة العربية الأخيرة، وعلي رغم المناورات العسكرية الإسرائيلية غير المسبوقة، حرص الاسرائيليون علي اطلاق تصريحات طمأنة لسوريا بأن الحرب غير واردة، وهو ما أكدته دمشق بدورها كما نقله عنها حلفاؤها اللبنانيون.

لكن هذا لا يعني استبعاد الحروب الأخري الصغيرة. أي ان الخطة الاسرائيلية لاجتياح غزة قد تكون الآن أكثر ترجيحاً. وبالتزامن قد تشهد بعض مناطق العراق تصعيدا سيبدو عادياً في سياق التوتر المتواصل وشبه الروتيني.

واذا لم تحصل حرب تتجاوز الأزمة الراهنة في لبنان فإن استعصاء الحلول واستمرار الاحتقان قد يؤدي إلي تفجرات واغتيالات توحي بمسار تصعيدي حتي لو لم تتحول إلي حرب أهلية مفتوحة. هذا النمط من الحروب بالواسطة ليس جديداً لكنه يعكس جمودا بمقدار ما يستخدم لإضاعة الوقت طالما ان الحلول غير متاحة.

الراية القطرية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى