صفحات سورية

إسرائيل المستفيد الأكبر

null


رنده حيدر

قد يكون من المصادفات ان تنعقد القمة العربية في دمشق لمناقشة المشكلة الفلسطينية والوضع في غزة في الوقت الذي بات واضحاً فشل المبادرة السلمية التي طرحها مؤتمر أنابوليس في تشرين الثاني من العام الماضي بمبادرة من الولايات المتحدة الأميركية وبمشاركة فعالة من الدول العربية المعتدلة وعلى رأسها السعودية ومصر والأردن.

لقد شكل مؤتمر أنابوليس فرصة أخيرة للإدارة الأميركية من اجل تفعيل العملية السلمية ووضع “خريطة الطريق” في حيز التنفيذ ومحاولة التوصل الى اطار للحل القائم على دولتين لشعبين قبل نهاية 2008. ولكن كان له هدف آخر أساسي هو اضعاف ايران وتكتيل الدول العربية المعتدلة للتصدي للنفوذ الايراني الآخذ في الازدياد في المنطقة وكبح مساعيها للحصول على السلاح النووي. وها نحن اليوم قبيل انعقاد القمة العربية على حافة مواجهة عسكرية شاملة بين اسرائيل وحركة “حماس” قد تؤدي الى اعادة احتلال القطاع.

اما المحادثات السياسية الدائرة منذ مطلع السنة بين المسؤولين الاسرائيلين والمسؤولين في السلطة الفلسطينية فلم تثمر حتى الآن عن أي نتيجة. لذلك وخلال الزيارة الأخيرة التي قامت بها وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس الى كل من اسرائيل والسلطة الفلسطينية انتقدت بعنف عدم التزام اسرائيل بأي من التعهدات المطلوبة مثل ازالة الحواجز العسكرية من داخل مدن الضفة وتفكيك المواقع الإستيطانية غير القانونية والتخفيف من معاناة المدنيين الفلسطينيين، الأمر الذي كاد يخلق سوء تفاهم حقيقياً بين اسرائيل والادارة الأميركية. فإسرائيل ليست مستعدة لتقديم اي تنازل في الضفة من شأنه تعزيز موقع محمود عباس الضعيف على حساب أمنها. وهي باتت مقتنعة باستحالة التوصل الى اي اتفاق مع السلطة الفلسطينية في نهاية هذا العام وتتصرف على هذا الاساس.

ان فشل مؤتمر أنابوليس وتلاشي الآمال في التوصل الى تسوية بين السلطة الفلسطينية واسرائيل لا يمكن الا أن يفسر كإخفاق جديد للإدارة الأميركية الحالية ليس فقط في احداث تحول في العملية السلمية وانما أيضاً في اضعاف النفوذ الايراني في المنطقة. فالذي حدث هو العكس، استطاعت ايران الالتفاف على كل المساعي الأميركية لإحياء عملية التسوية ونجحت خلال الأشهر الماضية في تعزيز دورها ونفوذها في المنطقة في غزة وفي لبنان، سواء من خلال تقديم الدعم لحلفائها في المعارضة اللبنانية وعرقلة تنفيذ المبادرة العربية المطالبة بانتخاب قائد الجيش اللبناني رئيساً للجمهورية؛ ام من خلال تقديم العتاد والسلاح لـ”حماس” وسائر الحركات الاصولية في غزة

وتأجيج نار الاشتباكات في القطاع.

وربما أكبر مؤشر على تفاقم الخلاف العربي و التراجع الذي طرأ على معسكر الاعتدال العربي وصعود معسكر التشدد الذي تقوده ايران وسوريا ما تشهده القمة العربية من خلافات أدت الى خفض نسبة التمثيل السعودي والمصري في القمة.

ورغم كل ما يقوله الخبراء الاسرائيليون عن المصلحة الإسرائيلية في التعاون مع الدول العربية المعتدلة من اجل مواجهة الخطر الايراني الذي يشكل ليس تهديداً لإسرائيل وحدها وانما ايضاً لسائر الدول العربية لا سيما دول الخليج؛ رغم ذلك فإن اسرائيل هي المستفيد الأكبر من الانقسام العربي في القمة لأنه سيدفن الى غير رجعة المبادرة العربية للسلام التي تبنتها قمة بيروت عام 2002 والداعية الى قيام دولة فلسطينية وحل عادل لمشكلة اللاجئين مقابل تطبيع العلاقات العربية مع اسرائيل. وهذا في حد ذاته ربح صافي لإسرائيل التي لم تعلن يوماً دعمها لمبادرة السلام العربية التي تطالب بالعودة الى حدود 1967 والإقرار بحق العودة.

في تقدير عدد من الخبراء الاسرائيليين ان انهيار مثلث القاهرة –الرياض- دمشق الذي قاد طوال أعوام العالم العربي في اوقات الأزمات لن يكون له انعكاساته فقط على العلاقات العربية-العربية، وانما سيكون انعكاسه الأخطر على مستقبل خطط التسوية السلمية للمشكلة الفلسطينية و للصراع العربي – الاسرائيلي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى