صفحات سورية

زيارة الأسد إلى روسيا: إنعاش التحالف التقليدي

null
علي بدوان
جاءت الزيارة الأخيرة للرئيس السوري بشار الأسد إلى روسيا، لتحمل معها اهتماماً والتفاتاً اعلامياً وسياسياً عالياً نظراً لترابطها وترافقها مع جملة من التطورات الهامة التي وقعت مؤخراً مع الصدع الذي طرأ في مسار العلاقات الروسية مع الغرب عموماً ومع الولايات المتحدة خصوصاً بعد الحسم العسكري في جورجيا، وتوقيع اتفاق نشر الدرع الصاروخي الأميركي فوق الأراضي البولونية، ونظراً لجدول أعمالها الخاص.
وللتدقيق في أهمية زيارة الرئيس الأسد لروسيا ومباحثاته هناك، يمكن أن نفسر القراءة الاسرائيلية لزيارة الرئيس الأسد، والذعر الإسرائيلي الذي عبّر عنه عدد من رجالات السياسة والأمن في الدولة العبرية الصهيونية، كذلك التسريبات المبالغ بها والتي تحدثت عن أجواء جديدة من الحرب الباردة الأميركية/الروسية ستعود وتهيمن على الشرق الأوسط، وستكون سوريا أداتها الرئيسية.
فالرئيس بشار الأسد في زيارته الثالثة راكم الجديد في مسار العلاقات الروسية السورية، وهي علاقات تقليدية وتاريخية قائمة على تحالف وطيد ميزها منذ استقلال سوريا وبالأحرى من منتصف خمسينيات القرن الماضي، حيث تعمقت بمعاهدة الصداقة والتعاون عام ١٩٧٩ التي وقعها كل من الرئيسين حافظ الأسد وليونيد بريجنيف.
فقد زار الرئيس بشار الأسد روسيا مرتين منذ توليه الرئاسة في سوريا، المرة الأولى في (٢٥ كانون الثاني/يناير عام ٢٠٠٥) في وقت كان فيه مصير النظام السوري موضع تساؤل لدى البعض في المنطقة والعالم، بعدما اشتدت الضغوط الغربية على دمشق وهبوب رياح ما بعد الغزو الأميركي على العراق باتجاه سوريا، وكان طابع هذه الزيارة في مجمله اقتصادياً، حيث أعلنت موسكو إثر ذلك عن إلغاء (٧٣٪) من الديون السورية (نحو ١٠ مليارات دولار). وجرت زيارة الرئيس بشار الأسد الثانية إلى موسكو في (١٩ كانون الأول/ديسمبر عام ٢٠٠٦) وكان طابع هذه الزيارة عسكرياً بعدما تحررت دمشق من أعباء الديون العسكرية الموروثة من زمن وعهد الاتحاد السوفياتي السابق للبحث في شراء أسلحة روسية جديدة لمواجهة الإخلال الإسرائيلي المتواصل في المنطقة على ضوء صفقات الأسلحة والهبات العسكرية الأميركية التي لم تكن لتنقطع عن الدولة العبرية الصهيونية.
والآن، لم تأت الخطوة السورية الأخيرة التي أطلقتها دمشق عبر التصريحات الساخنة والعميقة التي سبقت زيارة الرئيس بشار الأسد لروسيا ولقاءه مع الرئيس ميدفيديف في منتجع سوتشي الشهير على البحر الأسود من فراغ، ولم تكن لتمثل انعطافة حادة أو طافرة من قبل دمشق التي طالما أقامت علاقات وثيقة مع الاتحاد السوفياتي ووريثة التالي جمهورية روسيا الاتحادية، وهي علاقات ساهمت في مراحل عديدة سابقة في تحقيق قدر من التوازن مع الحضور الغربي الواسع في الشرق الأوسط.
فسوريا، التي استعادت عدداً كبيراً من أوراق اللعب في المنطقة بعد التحولات التي طرأت في الأزمة اللبنانية وحالة الانفراج التي تلت اتفاق الدوحة اللبناني ـ اللبناني، وفي ظل الجمود، بل والانكسار على المسار التفاوضي الفلسطيني الإسرائيلي، وزيارة الرئيس بشار الأسد إلى باريس، بدأت الآن بتجميع أوراق إضافية تعزز من دورها الإقليمي الذي استعادته بعد اتفاق الدوحة، والذي توضّح في زيارة الأسد إلى فرنسا، وتكرّس في الحركة الدبلوماسية الناشطة على خط إيران ـ سوريا ـ تركيا، وفي الدور السوري المتنامي في المعادلة الفلسطينية الداخلية لصالح تحقيق التوافق الوطني الفلسطيني الداخلي وإنهاء الانقسام في الساحة الفلسطينية.
وفي هذا السياق، وغني عن القول بأن الإخفاقات التي سجلتها وتسجّلها سياسة الإدارة الأميركية في المنطقة وفشل سياسة عزل سوريا وإيران وقوى المقاومة الفلسطينية وإدامة الانقسام والتشرذم في لبنان، كلّها عوامل صبت وتصب في مجرى إسناد الموقف السوري وتغذيته بالمزيد من أوراق القوة، فيما صبّت أحداث جورجيا والتغلغل الإسرائيلي في الجمهوريات السوفياتية السابقة والعبث الأميركي بالأمن القومي الروسي، كما وإقرار إقامة الدرع الصاروخية الأميركية بعد الاتفاق على نشرها مع بولونيا في تدعيم موقف روسيا وزيادة تماسكه وانحيازه لسوريا في الشرق الأوسط، وفي إصرار الأخيرة على العودة إلى المياه الدافئة في منطقة المتوسط والشرق الأوسط بشكل عام بعد تغييب طال منذ تفكك الاتحاد السوفياتي وحلف فرصوفيا.
وعلى كل حال، فان روسيا والرئيس ميدفيديف تلقف بسرعة خطوة الرئيس بشار الأسد، مؤكداً رغبة روسيا إعادة إحياء وتطوير تحالفاتها التاريخية التقليدية في المنطقة، وبيع دمشق أحدث أسلحتها، في خطوة تعبّر من خلالها عن عزمها على العودة إلى الشرق الأوسط، حيث اعتقدت واشنطن بعد انهيار المنظومة السوفياتية وحلف وارسو بأنها ستبقى الناظم الوحيد لجدلية القوة في الشرق الأوسط.
وبناء عليه، فقد تصدرت مباحثات الرئيس بشار الأسد في سوتشي صفقة الأسلحة، ومنها صواريخ الكساندر الباليستية الروسية، والتي تتمتع بأنظمة استهداف متطورة، حيث نقلت وكالة إنترفاكس عن مصدر روسي رفيع المستوى قوله إن الحديث يدور إضافة إلى صواريخ الكساندر، النظام المضاد للصواريخ »بانتسير أس ١« ونظام صواريخ أرض ـ جو متوسطة المدى من نوع »بوك أم ١«، وطائرات مقاتلة ومعدّات عسكريّة ثقيلة أخرى.
وبالمحصلة المنطقية، إن سوريا ومعها قوى المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق وحتى إيران تراهن رهاناً يبدو أن نجاحاته متقدمة على إعادة انتعاش وحضور الدور الروسي ومعه الصيني في سياق كسر الأحادية القطبية التي دوخت وذلت العالم تحت إرادة الولايات المتحدة، ومثل هذا الرهان يفترض سلفاً أن روسيا تمتلك بالفعل مشروعا جديداً يهدف إلى تحدي الغرب ومنافسته على مناطق الانتشار والنفوذ العالميين، وهو أمر متوقع مع الحسم الروسي في جورجيا، فقد أدركت دمشق جيداً التحول الجديد في روسيا والعالم بعد حرب جورجيا، من ناحية إعادة موسكو الاعتبار لنفسها كقوّة عالمية يسعى كل من يعاني الهيمنة الأميركية في العالم إلى التحلق حولها، ومن هنا، جاء كلام الرئيس بشار الأسد عن ضرورة انخراط روسيا في المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل، بعدما أعرب عن دعمه الكامل لموسكو في صراعها مع الغرب في جورجيا، مع أن النظام الروسي مازال وسيبقى على الأرجح مطالباً بالشراكة مع الغرب، ومن موقع الند والشريك المتكافىء.
([)كاتب فلسطيني
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى