بشير البكرصفحات ثقافية

أدونيس والاستبداد

null
بشير البكر

لم اصدق الخبر الذي وردني من أحد الأصدقاء حول وجود اسم الشاعر ادونيس ضمن الفريق الاستشاري لـ”دمشق عاصمة ثقافية”،واعتقدت ان الأمر قد يكون من قبيل التشنيع ، مثلما حصل في مرات سابقة.لقد شاع في إحدى المرات ان ادونيس حين غادر بيروت الحرب الاهلية سنة 1975 باتجاه دمشق،استقبل من طرف الرئيس السوري حينذاك حافظ الاسد بقرار يرسمه مستشارا ثقافيا له .
لم تتأكد هذه النقطة،ولكن أدونيس لم يكذبها حتى اليوم. لقد آلم ذلك في حينه اصدقاء ادونيس ومحبيه والمعجبين بمشروعه الشعري والفكري الكبير، ورفضوا تصديق الحكاية،وكان هناك شبه إجماع على ان صاحب “الثابت والمتحول “، أرفع من أن يسقط في هذا الفخ، وسيبقي عصيا على التوظيف لدى الحاكم العربي مهما كانت صفته،فهو مهيار والقرمطي وغيلان والحلاج والسهروردي، وكافة رموز التمرد والانشقاق في التاريخ العربي.

لم اصدق خبر تعيين ادونيس من ضمن فريق “دمشق عاصمة ثقافية” لعدة اسباب:الأول هو انه رجل منصرف لتعميق مجرى مشروعه الابداعي، ولم يعد لديه الفائض من الوقت ليصرفه على شؤون من هذا القبيل.والثاني هو انه يدرك جيدا بأن هذه الفعالية سوف توظف سياسيا لخدمة النظام ،حتى لو انعكست ايجابا على الثقافة و سوريا البلد،عدا عن انه يعرف اكثر من غيره بأن النظام السوري غير قابل للتصدير ثقافيا،ولا يمكن الدفاع عنه في اي حال من الأحوال،خصوصا عندما يتعلق الأمر بتخريب دمشق القديمة التي تتعرض لمخطط هدفه محو تاريخها.وثالثا أن ادونيس يتابع اخبار بلده،ولا شك انه يحيبه وهو متعلق بأهله،وبالتالي يحزنه أن يرى المثقفين ودعاة التغيير الديموقراطي السلمي في السجون، ولا يناسبه بأي حال ان يقف في موقع شاهد الزور،ويشارك في سيرك تشغله حاشية النظام، من عديمي الموهبة وادعياء الثقافة والاوصياء عليها.

لكي اقطع دابر الشك باليقين ذهبت الى “غوغل” وكتبت دمشق بالعربي،فانهالت العناوين ومنها “دمشق عاصمة ثقافية”،فوضعت اسم ادونيس في خانة البحث لأجده بقرار من رئيس مجلس الوزراء تاريخه الأول من شباط/فبراير سنة 2007 ،يقف في أول الصف في المجلس الاستشاري لاحتفالية “دمشق عاصمة ثقافية”،ومن بعده تأتي مجموعة من اقاربه واصدقائه اسعد فضة وشريف خزندار ومروان قصاب باشي.والمفاجأة هنا هي انه ليس هناك اسم اي مثقف سوري من المعروفين، لا من الداخل ولا الخارج سوى اسم المغني عابد عازرية الذي ظهر مؤخرا في فيلم سينمائي يبخر للتطبيع. هل نأخذ الأمر ببساطة ونتعاطى معه بوصفه أحد سقطات ادونيس التي باتت تتكرر في السنوات الأخيرة من دون حساب ،ام نحزن لنهاية قامة شعرية وفكرية عالية على هذا النحو البائس؟

بقيت صافنا بعض الوقت وانا اقلب الأمر بيني وبين نفسي، واتساءل ماالذي يدفع ادونيس الى القيام بعمل من هذا القبيل،وهو يدرك ان الثقافة هي آخر ما يعني الحكم في سوريا،هل يشعر ادونيس من خلال هذا العمل انه سوف يخدم الثقافة دون ان يستثمر النظام اسمه،وما هو الثمن الذي يرجوه مقابل ذلك ،ثم لماذا غاب عن حفل الافتتاح،إذا كان هو المستشار الأول ؟.تذكرت انه صمت عن قضايا كثيرة وترك العالم في حيرة من امره،ألم يقم بانجاز مختارت فكرية لشيخ الوهابية محمد عبد الوهاب،ويقدمه كأحد ثوار الفكر،ألم يخف بعض اعماله وكتاباته وخصوصا مدحه للخميني…إلخ؟

لا اريد ان يفهم ادونيس من كلامي انني ادعوه لكي يعارض النظام السوري ،فهذا شان يخصه في نهاية الأمر، عدا عن ان هذه مسألة مفروغ منها بالنسبة لي، فهو صديق للحكام قبل كل شيء، وقد رفض هو وصديقه مروان حتى توقيع بيان منذ عدة سنوات الى جانب كتاب عرب واجانب يدعو النظام السوري للافراج عن الشاعر فرج بيرقدار،وادعى يومها انه لايعرف هذا الشاعر.إذا صدق انه لايعرف شاعرا بهذا الاسم،نرجوه ان يقول لنا منذ متى عرف ان بشار الاسد معني بالثقافة؟

إن الأمر الخطير هو ان ينحدر مبدع كبير، وصاحب مشروع فكري نقدي الى هذا القدر من التهريج،فيخسر البقية الضئيلة من الاحترام والود الذي يكنه له كثيرون.أدونيس ليس بحاجة الى عواصم ثقافية لكي يكبر،هو كبير شرط ألا يحني قامته لاغراض مادية وغايات عابرة ،وما تزال امامه فرصة لكي يدير ظهره لهذه المسرحية البايخة، وله ان يقتدي بزميله في المجلس الاستشاري الدكتور حسان عباس الذي انسحب من اللعبة.

خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى