ما يحدث في لبنان

مهمة كوشنير أمام منعطف والعلاقات مع دمشق دونها حسابات جديدة

جورج علم
أزمة القوقاز تشظّي الكثير من »الخصوصيات« اللبنانية الداخلية ومع المحيط
أدت أزمة القوقاز الى إعادة النظر في حسابات كثيرة على المستوى المحلّي والإقليمي انطلاقا من سؤال لم تكتمل عناصر جوابه بعد: هل تدفع جورجيا ثمن أي تسوية روسيّة ـ أميركيّة ممكنة؟ أم ستكون أزمتها منطلقا لاصطفافات جديدة إن على المستوى الدولي أو الإقليمي؟.
تبدو العلاقات الدبلوماسيّة ما بين لبنان وسوريا من الجزئيات الصغيرة، والمتواضعة جدّا، ومع ذلك فقد تشظّت من بعيد نتيجة ما يجري من تحولات أبرزها المحادثات السوريّة ـ الروسيّة في موسكو، والهامش العريض الذي فتحه الرئيس بشار الأسد قبل بدئها من استعدادات دمشق على تطوير وتأهيل مرفأ اللاذقيّة كي يكون بوسعه استقبال بوارج روسيّة تمخر عباب المتوسط، وترصد الموانئ الإسرائيليّة بتقنيات عالية ومعقدّة؟!.
وتدخل زيارة وزير خارجيّة فرنسا برنار كوشنير الى كل من بيروت ودمشق عتبة هذه الحسابات الصعبة، وهو الحريص على إقامة العلاقات الدبلوماسيّة بين البلدين في أقرب وقت وأسرع فرصة سانحة، ليجيّر هذا الحدث في خانة النجاحات التي تحققها سياسة الرئيس نيكولا ساركوزي على الصعيد الخارجي، لكن كما في لبنان كذلك الأمر في سوريا، ثمة سؤال: هل تحصّن هذه العلاقات البلدين ضد سياسة التجاذب الدولي ـ الإقليمي؟، أم تدفع بهما الى المزيد من الانزلاق والانسياق وراء الاستقطاب؟.
ويبدو الرئيس الأسد وكأنه حسم خياره عندما أعلن عن استعداد دمشق للقبول بنشر منظومة صاروخيّة روسيّة على الأراضي السوريّة، ردّا على الدرع الصاروخيّة الاميركيّة في أوروبا، معتبرا أن النزاع الأخير بين روسيا وجورجيا كشف الدور الاسرائيلي الاميركي، ليفتح بذلك باب التعاون العسكري بين دمشق وموسكو على مصراعيه ومن دون أي عراقيل.
وبدوره لم يتحرر رئيس الحكومة فؤاد السنيورة كفاية من دائرة التصنيف الاميركيّ »كصديق وحليف للولايات المتحدة«، وإن فعل هو من خلال بعض المواقف التي تعمّدها للتعريف عن استقلاليّة سياسته وحياديتها، إلاّ ان مواقف وزيرة الخارجيّة كوندليسا رايس منه، تحتاج الى براءة ذمّة، حتى إن الزيارات المباغتة التي يقوم بها قائد المنطقة الوسطى الاميركيّة الجنرال ديفيد بيتراوس الى بيروت تنّم عن خلفية زيارة مسؤول عسكري لجيش صديق وحليف رصدت له الادارة الاميركيّة مبالغ وخططا لتزويده بالأسلحة، وتمكينه من مواجهة التحديات الكبيرة والكثيرة الضاغطة وفي طليعتها مكافحة الارهاب، وإن كانت هذه المبالغ مادة تهكميّة، يتسقّط أخبارها، ويتندر في الحديث عنها بعض الدبلوماسيين في مجالسهم ؟!.
مقابل ذلك كثّفت إسرائيل تحذيراتها للبنان، وهددّت بمهاجمة البنى التحتيّة في حال حصول نزاع جديد مع »حزب الله«، كون الحكومة اللبنانية أعطت شرعيّة للحزب، وبناء عليه يجب أن تدرك »أن كل الدولة اللبنانية تشكل هدفا بالطريقة نفسها التي تشكّل فيها كلّ إسرائيل هدفا »لحزب الله؟!«.
وما بين التوجه السوري والضغط الاميركي والتحذير الاسرائيلي، بدأت قيادات بارزة في الموالاة تعيد حساباتها حول الجدوى من إقامة علاقات دبلوماسيّة مع سوريا في فترة حبلى بانقلابات خطيرة في موازين القوى والتحالفات إن على المستوى الدولي او الاقليمي انطلاقا من أن هذه العلاقة في حال حصولها هل ستبقى في حدود وظيفتها التقنيّة المهنيّة البحتة أم ستتمدد لتحول لبنان الى جرم يدور في فلك التحالفات السوريّة؟. وهل ستقبل إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة نصب منظومة صاروخية روسيّة على الاراضي السوريّة؟، أم أن التحذير الاسرائيلي موجّه اليها أكثر مما موجّه الى »حزب الله؟!«.
ثمة سؤال آخر في حسابات الأكثريّة، ما الحكمة، لا بل ما المصلحة الوطنيّة العليا التي تبرر فتح كل الابواب والمنافذ أمام دمشق من خلال فتح سفارات وإقامة تمثيل دبلوماسي في هذه المرحلة المفصليّة، وفي ظلّ هذا الكم الهائل من المتغيرات حيث تشير كل المعلومات ودوائر الاستقصاء الى أن الحبل يتم في القوقاز ولكن ربما كانت الولادة عندنا او على مقربة منا في المنطقة؟!. أضف الى ذلك أن المرحلة حساسة ومفصلية من زوايا محليّة داخليّة أربع، الأولى ان عمر هذه الحكومة يقاس بالأشهر، وهي مرحلة زمنيّة دقيقة حيث يفترض ان تتقرر فيها الخطوات التنفيذيّة للمحكمة ذات الطابع الدولي، فأين الحكمة في الإسراع بإقامة العلاقات الدبلوماسيّة قبل ان تأخذ هذه المحكمة دورها العملي ـ الإجرائي التنفيذي؟!.
الثانية: ما الحكمة في إعطاء سوريا تأشيرة رسميّة دبلوماسيّة للدخول من الباب العريض الى الساحة على ابواب الانتخابات النيابيّة في معركة كسر عظم بين خيارات ومشاريع كبيرة مطروحة على بساط البحث، وتشكل مادة خلافيّة وبالعمق بين صفوف اللبنانيين؟.
أما الثالثة: فتنطلق من سؤال لا بل من مجموعة أسئلة يطرحها بعض قادة الموالاة، هل الحوار الوطني أولا، أم إنجاز العلاقات؟، ثم ألا يعتبر حسم الخلاف حول سلاح »حزب الله« وحاضره ومستقبله، وحول الإستراتيجيّة الدفاعيّة الوطنيّة، أمرا ملّحا وضروريّا قبل العلاقات، وقبل ان يتاح الأمر وبشكل رسمي أمام سوريا لكي تتحكّم بكل شاردة او واردة؟!«.
الرابعة: الى أين ستأخذ القرارات الدوليّة ذات الصلة سواء القرار ١٥٥٩ او ١٧٠١ وما بينهما لبنان؟، وهل ان »التنفس الاصطناعي« الذي يمارسه البلد اليوم بعد إدخاله الى غرفة العناية الفائقة في الدوحة وخروجه منها بمنشطات الاتفاق سوف تتحكّم الولايات المتحدة بآليات عمله، أم سيكون عرضة لإشتراكات جديدة تنال من نقاهته وتفسد ودّ الانجازات التي تحققت؟!.
ويحصل كلّ ذلك في ظلّ انقسام خطير حول التعيينات الامنيّة والإدارية، وحول التضامن الحكومي، والتبايانات في الآراء والاجتهادات حول صلاحيات رئيس الحكومة، ونائبه، وهل الأخير مجرّد لقب شرف؟، وما الشرف الذي يضيفه هذا اللقب على الطائفة التي يمثّلها حامله في مجلس الوزراء؟!.
وفي ذروة هذا المدّ من الغموض والإبهام المحيط بالتحولات التي تشهدها المنطقة تظهر بعض الخشية في كواليس دبلوماسيّة ضيقة من أن يكون الانفتاح الروسي على سوريا أكبر شأنا وأكثر فعالية وتأثيرا من الانفتاح الفرنسي الذي سيحاول التوفيق بين كل هذه المتناقضات مع ميل واضح من الانعطاف ناحية السياسة الاميركيّة في منطقتي القوقاز والمتوسط، وبهذا المعنى سيشجع كوشنير المسؤولين اللبنانيين على اغتنام الفرصة المؤاتية لوضع العلاقات موضع الفعل، لكن السؤال يبقى حول الضمانات، ومن يضمن من؟، وهل يضمن الرئيس نيكولا ساركوزي أن المعايير المعتمدة ستجعل النديّة والشفافيّة سمة هذه العلاقات؟، وهل يضمن ألا تنسج سوريا تحالفات إستراتيجيّة مع روسيا ومعاهدات دفاعيّة وأمنيّة تجعلها على رأس الجبهة المتقدمة في مواجهة السياسة الاميركيّة التي تمارس منذ عقود طويلة في الشرق الاوسط واليوم في القوقاز؟!.
إن بعض الاجوبة غير متوافر اليوم، وإن غدا لناظره قريب؟!.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى