صفحات مختارةهوشنك بروكا

سيد القمني: من عقل العقل إلى عقل النقل!

هوشنك بروكا
بدايةً لا بد من القول، بأن د. القمني هو أحد المفكرين البارزين الذين لهم باعٌ طويل في صناعة العقلانية العربية المعاصرة، و”تفكيك” العقل الديني بوجهٍ عام، والعقل الإسلامي بوجهٍ خاص. فهو، المعروف بنقده العقلاني الرصين الذي يبدأ بالعقل وينتهي به. حفر القمني في الدين وفي تاريخ أنبيائه الأولين، واشتغل عليه في كتبٍ ومؤلفاتٍ عديدة، لعل أهمها كتاب “الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة الإسلامية”، و”حروب دولة الرسول”، و”النبي إبراهيم والتاريخ المجهول”، و”رب الزمان ودراسات أخرى”.
هو، بإختصار ناقدٌ كثير، ينتقد ويُنتقد كثيراً. بلغ نقده ذروته، حين وصف ركاب ومرتكبي “العقل الديني” في نسخته السياسية، ذات مقالٍ، ب”كلاب جهنم”، فجاء رد من همّهم الأمر سريعاً، إذ أفتى شيوخ الإرهاب وتنظيماته القاعدية(جماعة الجهاد/ مصر)، بهدر واستباحة دمه، مطالبين إياه بالعدول عن أفكاره وكتاباته، والإستقالة من عقله(والعبارة مستوحاة من مقولة “العقل المستقيل” للمفكر المغربي محمد عابد الجابري)، وإلا تعرض للقتل. أهدر دمه في 17 يونيو 2005 بفتوى صادرة من تنظيم القاعدة في العراق. بعدها تاب القمني عن الكتابة، واستقال منها، برسالة موقعة بإسمه وزعت على جهات ومؤسسات إعلامية كثيرة. عقلئذٍ، أعلن القمني بالخط العريض عن استقالته الأكيدة من العقل، كل العقل، ليس من اللوح والقلم فحسب، وإنما من الفكر والتفكير علانيةً أيضاً. حينها كان د. القمني قد قرر التوقف والإعتزال عن كل الكتابة وكل التفكير، إلى أجلٍ غير مسمى(إيلاف، 16.07.05).
بهذه الإستقالة التراجيدية، التي سماها ب”الموت البطيء”، غادر القمني الكتابة وعقلها، إلى يوم التحدي الأكبر، الذي أعلن فيه من “مصر المحروسة أبداً”، عن رفضه الكبير ل”التهديد الإرهابي” ومواجهة فقهاء الظلام”، بالحبر، على حد تعبيره، وذلك بتاريخ 30.12.2006.
للتاريخ وعقله أقول، بأني منذ البداية؛ قبل “استقالة” القمني عن تدوين العقل وبعدها أيضاً، كنت ولا أزال، واحداً من المدافعين عن عقل القمني وتفكيره، وأحد مشاركيه في تأريخ الحبر بالعقل، وتأريخ العقل بالحبر.
لن أقول كالبعض، بأني تعجبت لعقل القمني في مقالٍ أخيرٍ له نشر في موقع الحوار المتمدن تحت عنوان “هل الإسلام هو سر تخلف المسلمين؟”(27.07.10)، فالتحوّل هو سنة الكون والحياة، والفكر في كونه تحولاً في التحول، وتغيراً في التغيّر، هو ك”النهر الذي لا يستطيع المرء أن يستحم فيه مرتين”، على حد قول المثل اليوناني. ف”الحية التي لا تغيِّر جلدها تهلك، وكذلك البشر الذين لا يغيِّرون أفكارهم يهلكون”، على حد قول الفيلسوف والشاعر الألماني فريدريك نيتشه(1884ـ1900). ولن أسمح لنفسي، بالإعلان عن أيّ أسفٍ عما ورد في المقال من “عقل التقية”، بدلاً مما اعتدناه من “عقل النقد”، في قراءات القمني وكتاباته المعروفة بحديتها النقدية الفائقة.
ولكني سأسمح لنفسي في هذه الفسحة من الحبر، ببعض الإختلاف مع عقل القمني على مستوى المقال المنوه أعلاه، المؤسس للتقية على ما أذهب، علماً أن هذه ليست المرة الأولى التي حاد فيها القمني المفكر، عن العقل لصالح النقل. وقد بلغ هذا الإستنكاف عن العمل بالعقل ذروته، مع استقالته عن التفكير لصالح التكفير، قبل سنواتٍ خمس، كما أشرت، وهو الأمر الذي حدى بالبعض المفكر، عربياً، إلى وصفه ب”بئس المفكر الجبان”، و”الساقط في بئر الخوف”، وتوصيفات أخرى لا داعي لسردها(د. شاكر النابلسي: سيد القمني: بئس المفكر الجبان أنت!، إيلاف، 17 يونيو 2005).
المسألة ههنا، بالنسبة لي في الأقل، لا تكمن بالطبع في كون القمني، “مفكراً بطلاً” أو “مفكراً جباناً”، ف”البطولة والجبن”، صفات “غير عاقلة”، لها علاقة ب”تاريخ الخيمة”، على ما أذهب، قبل أن تكون متعالقةً مع “خطاب العقل”، وتاريخه. فهي صفاتٌ لا عقل فيها بالأصل، لا من بعيد ولا من قريب. ولكن السؤال الأساسي هنا، يكمن برأيي في: “كيف” فكر القمني في هذا المقام؟: هل هو فكّر بالعقل في نقد النقل، أم أنه فكّر في نقل النقل ضد العقل؟
رغم أن د. القمني يوصي بدايةً، الباحثين في الشرقيات، لدى بحثهم عن “مشكلة” تخلف المسلمين، بضرورة “الإنحياز الهادئ” “للعقل قبل القلب والنقل”، إلا أنّه نفسه، وقع منذ مفتتح البحث، في فخ الإنحياز الصريح للنقل ضد العقل، وللتقية ضد النقد.
هو، بالرغم من إشارته هذه، انحاز، بدرايةٍ أو بدونها، ل”عقل النقل”، ضد عقل العقل.
لنبدأ بعنوان المقال الذي أسس القمني عليه دفاعه عن “عقل الإسلام الأول”، أو “العقل الفائق” و”البريء” من تخلف المسلمين، على حد مفهوم القمني.
الملاحظ لبحث القمني منذ تأسيسه الأول، سيرى بأنه يقوم على ثيمة أساسية هي “الخوف”(خوف الحريص بالطبع) من التاريخ المجهول للأمة؛ التاريخ المتأرجح بين الوجود وعدمه. فهو يبحث في هذا المشكل والإجابة على أسئلته، ليس ك”باحث محايد”، وإنما ك”باحث طرف”(طرف أساسي من الأمة والقادم من وجودها اللامعلوم)، للفوز ب”مصلحة الأمة” أو “البلاد والعباد”، وذلك “في زمن نتأرجح فيه على أرجوحة يقف إسلامنا في جانبنا على طرفها فوق جرف هار بلا قاع ، وعلى الطرف الآخر تقف بكل ثقلها حضارة الإنسان المدني الحديث ، قد تهتز باهتزازنا ، قد تتمسك بطرفه لكيلا نسقط في قاع التاريخ المنسي ، لكنها لن تستمر كذلك طويلا دون جهد مضاعف من جانبنا للحؤول دون السقوط في ثقب التاريخ الأسود”.
هو يتحدث ههنا، بل ويبحث، من موقع “الخائف”، ك”واحد حريص” على “إسلام” الأمة، وعلى القادم من تاريخها المجهول، في زخم حضارة الإنسان المدني، الذي يسميه القمني بالآخر أو “الطرف الآخر”.
فهو يبحث في هذا السؤال الإشكالي، “للحؤول دون سقوط الأمة وإسلامها في ثقب التاريخ الأسود” على حد قوله. أي أنه يبحث في المشكل، ك”جزء” من الكل المسلم، الحريص على القادم من “وجود” الأمة، وإسلامها “البريء” كل البراءة، من تخلفها الحضاري والمعرفي. هو لم يبحث في تخلف المسلمين في هذا المقام، كمراقب حيادي للحالة بقدر ما أنه بحث عن التخلف وعلاقته بمسلميه، كجزء من الحالة، فغلبت لغة “المهدي” و”المخلّص” في خطابه، على لغة الباحث الناقد.
هو، ركض في النتيجة، مع التخلف، إسلامياً، كنتيجة، دون الكشف عنه والبحث في طبقاته كسبب.
فهو، منذ التأسيس الأول للبحث، لم يرَ المشكل في الإسلام كسببٍ أساس في تخلف المسلمين، كما تقول القاعدة في تاريخ كل الدين، ولم يقرأ الأسباب في “عقل الدين” أو “عقل الله” فيه، بقدر ما أنه قرأ كل المشكل وأسبابه، في ركاب ومرتكبي هذا العقل وهذا الدين، الذين يفصلون الدين على مقاسات عقولهم ونقولهم.
هو برّأ الدين، على مستوى عقله الأول، كأي عقل ديني، من كل تخلفٍ، وكأن به يقول: “عقل الله في الإسلام هو كليّ القدرة، لأنه صحيح”، أما المشكلة الأساس، فهي في “تطبيق” هذا العقل، و”استغلاله” من قبل المسلمين، لصالح عقل الأرض وإنسانه. من هنا جاء قول د. القمني بأنّ: “إن المشكلة ليست في الدين ولا في أي دين. لكنها في كيفية استثمار هذا الدين ، فهناك من استثمره في التقدم ، ومنه من يستثمره في التخلف”. والمسثمرون للدين على طول التاريخ وعرضه، بحسب القمني، هم “رجال الدين” و”شيوخه”، أو ما يمكن تسميتهم ب”مرتكبي الدين”.
“إذن، لا علاقة للدين ولا الإيمان بتقدم أو تخلف، إنما هناك دائما في وجود الجريمة من هو صاحب مصلحة مستفيد ، وهي جريمة تاريخية في حق أمة بكاملها جنى عليها رجال الدين المحترفين، وكانوا طوال الوقت المسئولين عن الإسلام والمسلمين، فكان حاميها طوال عشرة قرون هو حراميها”، على حد مفهوم د. القمني.
الدين، إذن، حسب هذا “المنطق التبريري”، بريء كل البراءة، من التخلف والتقدم، في آن.
لنأخذ هذه المقولة على سجيتها، بحياد وبراءة، رغم أنها ليست “مقولةً بريئة” أبداً. ولنفترض جدلاً بأنّ الدين كل الدين ك”سماء” منزلة، هو بريء كل البراءة من “الأرض الجريمة”، فلا هو ب”أمام” ولا ب”وراء”، لا هو “فوق” ولا هو “تحت”، لا هو “جميل” ولا هو “قبيح”، لا هو “موجب” ولا هو “سالب”، لا هو “جيد، ولا هو “سيء”، لا هو “متقدم” ولا هو “متأخر”…إلخ، إذن، لماذا بحث القمني، عن خلاص الأمة في إسلامها البريء، لا بل دافع عن “الإسلام الأول”، أو ما يمكن تسميته ب”الإسلام المتقدم” و”الإسلام الفائق”، الذي كان سبباً أساساً في “تقدم الأمة الإسلامية خلال القرون الأربعة الأولى”، على حد قوله؟
كيف يكون الإسلام كدين، “مفعولاً به” بريئاً عن “التقدم والتخلف” هنا، و “فعلاً” و”فاعلاً” “لا بريئاً” في “تقدم” الأمة الإسلامية خلال القرون الأربعة الأولى، هناك؟
لا دين بريء على الأرض. كل الدين متهم، قليلاً أو كثيراً. وكل الدين منحاز بطبيعته، إلى بعض الله دون بعضه الآخر، وبعض البشر دون الآخرين.
كل الكتب السماوية واللاسماوية تقول بهذا الإنحياز الواضح والخفي، المعلوم والمبني للمجهول، المباشر وغير المباشر.
هكذا كان رّب التوراة في انحيازه لبني إسرائيل، بأن جعله “شعباً مختاراً” من بين كل البشر. وهكذا كان الله في القرآن، في اصطفائه ل”أمة الإسلام”، فجعلها “خيرُ أمةٍ أخرجت للناس”(أمة المصطفى)، و”أنزلها قرآناً عربياً مبيناً”، ليصبح اللسان عربياً، والمكان والزمان عربياً، والجهة عربيةً مبينة.
هكذا كان الفوق الإلهي(من عشتار الأولى إلى آخر نسخةٍ لله) على طول وعرض كل الدين من أوله إلى خاتمته، في انحيازه الأكيد ل”شعبه المختار”، ضد الشعوب الأخرى. وإلا لكان الدين واحداً، طالما أنّ الإله هو واحد لا شريك له، كما يقول العقل الديني.
د. القمني يريد أن يقنعنا ههنا، بأن الإسلام كدين، هو إسلامان: “الإسلام المثال/ الإنموذج”، أو “إسلام محمد وصحابته وخلفاؤه الأولين”، وهو إسلام القرون الأربعة الأولى، أي الإسلام الأصلي الفائق المتطور، أو الصحيح، الذي كان سبباً في تقدم الأمة، و”الإسلام المستنسخ أو المنحول”؛ إسلام المشايخ والسلاطين؛ إسلام البراكسيس الخطأ، والإستغلال الخطأ، والعقل الخطأ، في المكان الخطأ والزمان الخطأ، أي الإسلام المزوّر المقلّد.
لا شك أن الإستغلال الخطأ للدين سيؤدي في النتيجة، إلى صناعة “إلهٍ خطأ”، و”إنسانٍ خطأ”، في آن. ولكن السؤال الأساس؛ أي سؤال “ما قبل الدين” و”ماقبل استغلاله”، هو لماذا كان الدين، أصلاً؛ لماذا “نزل” أو أُنزل” الدين؛ لماذا حكم الدين؛ لماذا قسّم الدين، منذ البدء، الإنسان إلى نصفين، “نصف مقدس” في السماء، ونصف آخر مدنس في الأرض؛ نصفٌ في الفوق، كاملٌ، كليٌُ صحيح، يقول ويأمر، ونصفٌ آخر في التحت، ناقصٌ، نسبيٌ خطاء، يسمع ويؤتمَر؟
لماذا شطر الدين وآلهته الأولون، العقل إلى عقلين: عقل فائق التفوق في السماء(عقل الله)، وعقلٌ آخر فائق التخلف، في الأرض(عقل الإنسان)؟
المشكل في تعاطي د. القمني مع عقل الدين، ههنا، هو أنه يبحث في إشكالية هذا العقل ك”نتيجة”، بعد أن أصبح “عقلاً مركوباً”، من جهة ركاب الدين ومرتكبيه، من المشايخ والسلاطين، دون البحث في الأول من الدين، أو “العقل السبب” ل”إنزال الدين” و”العقل المدبّر” لصناعته. هو، لا يبرئ هذا العقل الديني الأول، من كل تخلفٍ فحسب، وإنما يرفعه إلى مصاف “العقل الأول”(العقل الكامل والمتفوق)، وكأن لا فوقَ فوقَ فوقِ عقله.
أما قول مفكرنا، بأنّ هناك من استثمر الدين في التقدم، ومنه من استثمره في التخلف”، فهو قولٌ “ديني” أكثر من أن يكون قولاً دنيوياً. هو قول يدافع عن “الدين في الدنيا، أكثر من كونه قولاً مدافعاً عن الدنيا في الدين.
الغربُ، الذي يستشهد كاتبنا الكبير بتقدمه الحضاري والمعرفي على الدوام، لم يدخل الحضارة الحديثة وعلومها من باب الدين، بل على العكس، إذ دخلها من باب القطيعة الأكيدة، دنيوياً، مع الدين.
الغربُ المدني، لم يركب عقل السماء أو عقل الله في الدنيا، للوصول إلى “دنيا متقدمة”، كما يرشدنا د. القمني، وإنما ركب عقل الأرض أو عقل الإنسان في الدنيا، حتى انتصر لحضارةٍ حقيقية تمشي الآن على الأرض، بدلاً من حضاراتٍ وهمية مفترضة، تطير في السماء.
الغربُ العلماني، انتصر للدنيا على الدين، مع الأول من صلح فستفاليا سنة 1648 الذي أنهى وإلى الأبد الحروب الدينية المندلعة في أوروبا. بهذا الصلح أنهى عقلاء الغرب سيطرة الكنيسة على الدولة، ومنعوا أي تدخل ل”عقل الرّب” في شئون دولهم، فأصبح “ما لقيصر لقيصر وما لله
لله”.
الغرب العاقل، لم يتخذ من “عقل الله”، دستوراً لعقله. هو لم “يستثمر” هذا العقل، ولم “يستغله”، لا أحسن ولا أوسوأ استغلال، كما يريد القمني لعقل الشرق المسلم أن يكون. ما فعله الغرب، هو أنه ترك عقل السماء للسماء، ثابتاً في “ثباته الأكيد”، مقابل الإطلاق الأكيد ل”عقل الأرض”، بالتحرك الأكيد، نحو التفكير الأكيد، والتحوّل والتغيّر الأكيدين.
هؤلاء العقلاء، لم يسنوا بنداً واحداً في هذه الإتفاقية يوصي ب”استغلال” الدين “استغلالاً حسناً”، كما يوصينا الكبير القمني. مفردة “الإستغلال” ههنا، بالأساس، لا تخدم مقولة العلمانية أو السيكولاريزم، التي طالما دافع مفكرنا عنها.
العلمانية، في أسها وأساسها، رافضة لفكرة “إستغلال” الدين، سواء على مستوى السلب أو الإيجاب. فهي لا تقبل لا استغلال الدين للدينا ولا استغلال هذه الأخيرة للدين. هي تقول بالفصل الأكيد فقط: فصل الدين الأكيد عن الدولة الأكيدة، وفصل عقل السماء عن عقل الأرض.
ما قالوه وما اتفقوا عليه الفيستفاليون، هو أنّ: “لله عقلٌ يجيب ولنا عقل يسأل”؛ “لله مدينته الفاضلة هناك، ولنا مدننا الفضولية ههنا؛ لله دستوره في السماء، ولنا دساتيرنا في الأرض”؛ لله دينه ولنا نحن دولنا.
الدين، في مظنتي، ليس حضارة، كما أنّ الحضارة لا تساوي ديناً.
الدين، كل الدين، بإعتباره عقلاً مغلقاً أو مقفلاً، هو، مقارنة مع “العقل المفتوح”، وعلومه الوضعية المفتوحة، تخلفٌ بالضرورة. هو، بعلومه وغيبياته، ليس تقدماً مستمراً أو مستغرقاً، بأي حالٍ من الأحوال.
الدين ليس دولةً. والدولة المدنية لا دين لها.
أما القول ب”استغلال” الدين، فهو قول فيه من الدين، أكثر مما فيه من الدولة والدنيا؛ فيه من البحث المنحاز واللابريء، أكثر من الحيادية؛ وفيه من الإيديولوجيا أكثر من العلم.
لا دين بريء، على الإطلاق. ولا دين صحيح على الإطلاق.
لكل إلهٍ دينه الصحيح، ولكل صحيحٍ شيوخه الصحيحين. ولا استغلال صحيحٍ للدين، طالما أنّ الدين في أساسه لا يقبل أي صحيحٍ فوق صحيحه.
الصحيح في الدنيا لا يساوي “استغلال” الدين، وفق أيّ صحيحٍ كان، وإنما الصحيح بالضبط، هو تحييده؛ هو فصل عقل الله عن عقل الإنسان، وفصل مملكة السماء عن مملكة الأرض.
في بحثه القيّم المعنوَن ب” الدين الرسمي والإسلام الأصلي”(الحوار المتمدن، 10.07.10) يتساءل د. القمني: ” : هل ثمة ما يمكن تسميته إسلاماً صحيحاً مطلقاً أصلياً؟ وإذا كان ذلك كذلك فلماذا إذن كل هذا الاختلاف والتناقض؟” ثم يجيب قائلاً: “يبدو لنا أن الحديث عن إسلام حقيقي أصلي إنما يندرج ضمن خطابنا المخادع المخاتل الكاذب حتى على الذات، لأنه لو كان هناك إسلام واحد تتطابق كل العقول في فهمه على التوازي والتجاور والتطابق، ما أفرز هذا الإسلام ذاته فرقاً وشيعاً وطوائف كل منها ترى نفسها الإسلام الصحيح وتنبذ ما عداها من فرق وتكفرها وترفضها بوصفها بدعة وضلالة، وتحتسب ذاتها الفرقة الوحيدة الناجية دون سواها ، الناطقة باسم الإسلام الصحيح الأصلي لذلك هي المؤتمنة على الرسالة والحقيقة والحارسة لهما ، ومن ثم تطالب الناس باتباعها لأنها تضمن لهم الخلاص الصادق”.
والسؤال الذي يفرض نفسه ههنا، هو:
ترى أي “إسلامٍ صحيحٍ متقدم”، أو أيّ إسلام خلاص”، يريدنا القمني “ركوبه” أو “استغلاله”، للحاق بركب الحضارة الراهنة، و”الحؤول دون السقوط في ثقب التاريخ الأسود”، على حد تعبيره؟
هل هو “إسلام القرآن”، أم “إسلام الحديث”؛ إسلام السنة أم إسلام الشيعة؛ إسلام المركز أم إسلام الأطراف، “إسلام الأنا” أم “إسلام الغير”، “إسلام العروبي” أم “إسلام الشعوبي”، إسلام القرضاوي أم إسلام بن لادن، أم إسلام أحمدي نجاد أم إسلام أردوغان، إسلام كان أم إسلام يكون؟
ثم ما هو الفرق(على مستوى علاقته بثنائية التقدم والتخلف)، بين أول إسلام كان، وآخر إسلام يكون أو سيكون؟
أليس كلاهما عقلٌ واحدٌ، وتاريخٌ واحدٌ، وكتابٌ واحدٌ، ورسولٌ واحدٌ، ولسانٌ واحدٌ، لأمةٍ واحدة، هي “خير أمةٍ أخرجت للناس”؟
ألم يقل النبي العربي، علانيةً: “لايجتمع دينان في جزيرة العرب”؟(أخرجه البخاري/2730، ومسلم/1551)؛ و”لأُخْرِجَنَّ اليهودَ والنصارى مِنْ جَزيرةِ العربِ، حتى لا أدعَ إلا مُسْلِماً”(أخرجه مسلم في صحيحه/ 1388).
فالدين، بحسب القرآن والسنة، هو واحد لا شريك له، ولا دين يعلو فوق الإسلام. لهذا قال النبي محمد: “من بدّل دينه فاقتلوه”(رواه البخاري وغيره من أهل السنة). ولهذا أمر النبي بقتال الآخر المختلف/ اللامسلم: “أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله”(أخرجه البخاري/ كتاب الإيمان، باب: فإن تابوا وأقاموا الصلاة، ومسلم/ كتاب الإيمان، باب: الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله).
يتساءل د.القمني، في خاتمة مبحثه المشار أعلاه، هكذا بريئاً: ” باختصار شديد أن حكاية الدين الرسمي والإسلام الأصلي هي المفرزة الواضحة لمنتج ينتهي بالإرهاب ، ويبقى تساؤل برئ : إذا كان المسلمون طوال تاريخهم حتى اليوم لم يتمكنوا من التطبيق الرسمي للإسلام الأصلي ، فهل ترانا نحن قادرون؟
طالما المسافة اللابريئة بين “الدين الرسمي والإسلامي الأصلي هي المفرزة الواضحة لمنتجٍ ينتهي بالإرهاب”، فلماذا ينقلب القمني الآن، على العقل لصالح النقل، مطالباً إيانا و”امته الإسلامية”، ب”إستغلالٍ صحيح” ل”إسلام صحيحٍ”، لا وجود له إلا في تلك المسافة اللابريئة بين الدين الرسمي الواقع، والإسلام الأصلي المفترض؟
أيّ “إسلامٍ أصلي، بريء، وخالص”، هو الذي يريدينا مفكرنا استغلاله “استغلالاً بريئاً”، للعبور إلى “أصالة بريئة”، وحضارةٍ بريئة”، و”مدنيةٍ بريئة”؟
أليس الإسلام واحداً، لا شريك له، وما عداه، هو خارجٌ عن كل دينٍ، بحسب “القرآن الأصل” الذي هو الإسلام الأصل: “إنما الدين عند الله الإسلام”؟
هل إسلام البراءة المقصودة، هو إسلام النبي العربي الذي قال في حديثٍ له: “أيها الناس : إن الرب رب واحد، والأب أب واحد، والدين دين واحد، وإن العربية ليست لأحدكم بأب ولا أم، وإنما هي لسان، فمن تكلم العربية فهو عربي”؟

ثم كيف يمكن لعقلٍ مدني، “إستغلال” آياتٍ كهذه(وما أكثرها) هي من صلب الإسلام الأصل(إسلام القرآن)، لتجنب “السقوط في ثقب التاريخ الأسود”، والعبور إلى التقدم المأمول، والمدنية المرجوة، كما يتمنى مفكرنا ل”أمته الإسلامية”:
“وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْر َالإسلام ِدِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُو َفِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ”(آل عمران:85).
“لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِير”(آل عمران:28).
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً”(النساء:144).
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ”(المائدة:51) .
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ”(المائدة:57).
قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ(المائدة:60).
قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ(التوبة:29).
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ(التوبة:30).
اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ(التوبة:31).
إني إذ أضرب بهذه الآيات البيّنات(وسواها الكثير) القادمة من وحي “الإسلام الأصل”، مثالاً، للبرهان على “استحالة” عبور المسلم إلى المدنية على ظهرها، لا أريد قطعاً “إيقاظ” القمني عليها، أو إعلامه ب”قرآنٍ” أو إسلامٍ”(أصيلٍ أو مستنسخ)، فهو المفكر الكبير الأكيد أعلم منا به وبحواليه، بكل تأكيد.
في التساؤل المفتوح أعلاه، على إجابة مستحيلة، يشكك مفكرنا، شكاً أكيداً، بوجود “إسلام أصلي”، قابل للتطبيق أو التحقيق، إن على المدى القريب أو البعيد. فهو، بإستغراقه للسؤال على مدى أربعة عشر قرنٍ من الزمان(طوال تاريخ المسلمين حسب تعبيره)، دون أن يكون هناك تطبيق حقيقي لإسلام حقيقي، يتحفنا بنتيجةٍ شبه أكيدة، وهي: أن المسافة الحقيقية بين “الدين الرسمي والإسلام الأصلي”، هي ذات المسافة اللابريئة، المنتهية إلى منتجٍ أكيد إسمه الإرهاب.
هذا يعني أن ما “يسمى ب”الإسلام الأصلي”، ليس إلا إسلاماً إفتراضياً، لا وجود له، على مستوى التطبيق والممارسة. أنه الإسلام المفترض الطائر في السماء، والذي لم يُكتب له الحياة أو المشي على الأرض بعدُ. إنه الإسلام القادم إلى ما لا نهاية؛ إسلامٌ لا يصل؛ إسلام يُفترض، ولا يكون؛ إسلام يُقال فيه الكثير، ولا يحدث منه شيء.
إنّ “حكاية الدين الرسمي والإسلام الأصلي(والكلام للدكتور القمني) هي من قبيل الخداع والتوهم، خداع الآخر وخداع الذات وخداع المسلمين أنفسهم الذين هم مادة الإسلام الأصلية حقاً وصدقاً. وإن الضرر الناجم عن استمرار الخداع والتوهم فادح على الوطن وعلى الناس وعلى المسلمين أنفسهم ، لأنها تفرز موقفاً اصطفائياً عنصرياً طائفياً ، وعلى المستوى المعرفي لا تعبر إلا عن خداع معرفي نهايته نفي المختلف بالاضطهاد الديني والإرهاب الفكري الديني(…) وهكذا يظهر جلياً أن كل من يتحدث عن إسلام حقيقي صاف أصلي دستوري دولتي إنما هو يحل في الحقيقة محل النص ليصير هو الأصل”.
ولكن السؤال الذي يبقى هو: ترى هل بقي هناك في الدين من “إسلامٍ بريءٍ”، “صافٍ”، أو “إسلامٍ متقدمٍ”، يمكن لأمة الإسلام ركوبه أو “استغلاله”، للعبور إلى حضارةٍ ممكنة، وتقدمٍ ممكن، كما أراد د. القمني له أن يكون؟
ترى هل لنا أن نقول، تأسيساً على كلام القمني نفسه، بأنّ دعوته ل”أمة الإسلام” إلى “الإسلام البريء” أو “الإسلام المتقدم”، “المستغَل أحسن استغلال،، للدخول إلى الحضارة الحديثة من أبوابها الواسعة، هي أشبه ما تكون بدعوة طوباوية “جديدة قديمة” ل”صناعة” إسلام آخر جديد لن يأتي قطّ؟
أليس “الإسلام المتقدم”، الذي أراده أو تمناه القمني أن يكون نعمةً و برداً وسلاماً على المسلمين، أو ما يمكن تسميته ب”الإسلام المتطور الفائق”، في المنتهى، “إسلاماً مؤجلاً” إلى ما لا نهاية؟
ثم متى كان هناك “دين متقدم”، و”دين متأخر”؟
أوليس كل الدين، “رجعياً” بالضرورة؟
أليس كل الدين، ثابتٌ، راجعٌ إلى الخلف، حيث الله هناك ثابتٌ، والعقل ثابت، والتفكير ثابت، والتاريخ ثابت، والجغرافيا ثابتة، والصلاة ثابتة، والمؤمن ثابتٌ، والعبادة ثابتة؟
يبدو لي أن د. القمني، أراد أن يتحدث إلينا في هذا المقال، بلغة الشيخ الأزهري الإمام محمد عبده(1849ـ1905)، حين قال قولته المشهورة في الإسلام، وهو عائدٌ لتوه من حضارة الغرب: “وجدت هناك إسلاماً بلا مسلمين، وأجد هنا مسلمين بلا إسلام”!
فالعيبُ بحسب قراءة القمني هذه أيضاً، ليس في الإسلام على مستوى النظرية، وإنما في تطبيق المسلمين أنفسهم.
الإسلام، بحسب قوله إذن، ليس سبباً في “تخلف المسلمين”، وإنما هو “متقدمٌ” و”فائق التطور”، إذا ما استغل اسغلالاً حسناً.
عليه، فإنّ التقدم والرقي والمعرفة، وكل ما يمكن أن يمتّ إلى “الحضارة الحديثة” ومدنيتها(حسب قناعة الكبير القمني)، لهو “نائم” في الإسلام ك”دين متطور” و”مفتوح” على العالم الفائق التقدم جداً، ولكنه بحاحة إلى “مسلمين متطورين متقدمين”، لإيقاظه من سباته.
إلاسلام إذن، حسب هذا التصور(الذي أراه تصوراً دينياً صرفاً)، هو “دين فاعل” وقادر على “تفعيل” الحضارة والتقدم، في كل زمانٍ ومكان، فيما لو ركبه “شيوخ فاعلون”، أو “مسلمون فعليون”!
ربما يكون الدين، في زمان ومكانٍ ما، بعض حضارة، ولكنه سيصبح بكل تأكيد، “بعض حضارة عاطلة ومعطلة”.
الدين، كل الدين، في كونه عقلاً ثابتاً، لا يمكن أن يكون “بعضاً مستمراً”، من حضارةٍ وتقدمٍ مستمرين. وتاريخ الدين، شاهدٌ على ذلك، من أول “مخدعٍ مقدسٍ” لعشتار، إلى آخر بيتٍ لله.
إنّ قراءة القمني هذه لمرض التخلف المزمن ل”أمة إقرأ المصطفاة”، والتي برّأ فيها الإسلام تبرئة أكيدة، من كل ما أصاب المسلمين من رجعياتٍ ومشتقاتها وتبعاتها، هي برأيي، قراءة “تقيوية”، فيها من التقية والنقل، أكثر من النقد والعقل.

فهل أراد القمني، بهذا “المقال التقية”، أن يتقي شرّ من أحسنوا إليه، ليستقيل من التفكير مجدداً، خوفاً من جيوش التكفير، أم أنّ وراء الأكمة ما وراءها؟
الحوار المتمدن

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. هناك كتاب لابد كم قراءته للتعرف على سيد القمني و التجول في افكاره و كتبه و هذا الكتاب اسمه :

    كشف حقيقة سيد القمني

    و هو متوافر على الشبكة

  2. القمني ده فقير و غلبان , لكن واد مجدع !!!!
    حب يعمل قرشين حلوين , فتطرق إلى مواضيع مثيرة تجذب الزبائن .
    لكن لما عرف إن الحكاية مافيهاش هزار , و انه يمكن يروح في الكازوزه زي ما راح فرج فوده , شاور عقله , وساب الكتابه و رجع للفقر , على رأي المسل ” فقير حي خير من غني ميت “

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى