زين الشاميصفحات سورية

سورية تحتاج النموذج التركي أكثر من البضائع التركية

null
زين الشامي
لا يختلف اثنان على أن العلاقة السورية التركية ومنذ اتفاق «أضنة» الأمني الموقع 1998 قد قطعت أشواطاً كبيرة، فاليوم ونتيجة لما وصلت إليه هذه العلاقة من تنسيق وتفاهم عالي المستوى وشبه دائم، صار من الصعوبة بمكان العودة إلى مرحلة ما قبل اتفاقية «أضنة» حين كان الحذر والريبة، وليس أي شيء آخر، عنوان العلاقة بين الجارين.
وللحقيقة فإن عوامل عديدة ساهمت في وصول العلاقة الثنائية إلى ما وصلت إليه، لعل في مقدمتها القرار السوري النهائي بعدم التدخل في الشأن التركي الداخلي من خلال دعم معارضين أكراد لأنقرة، ومن ثم وصول حزب «العدالة والتنمية» إلى السلطة، وفيما بعد الحرب الأميركية في العراق، ومعارضة كل من دمشق وأنقرة لها على خلفية أسباب كثيرة ومختلفة، كان أهمها خوفهما المشترك من تنامي النزعات الكردية الانفصالية في كل من سورية وتركيا، حيث ينتشر الاكراد في مناطق حدودية متقاربة، فيما لو استطاع أكراد العراق تحقيق إنجاز سياسي استقلالي.
وكما هو معروف، وبسبب تلك الحرب والموقف السوري الرافض لها، وفيما بعد الداعم لكل أشكال المقاومة والعنف ضد القوات الأميركية، كان أن اتخذت الإدارة الأميركية السابقة قرارات عدة ضد دمشق، وفيما بعد، وفي أعقاب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، كانت العلاقة السورية الأميركية من ناحية، والسورية الغربية من ناحية ثانية، تمضي أكثر فأكثر نحو مزيد من القطيعة مع دمشق وصلت إلى حد تفكير واشنطن بإسقاط النظام في دمشق، لكن وكما نعلم كان لأنقرة رؤية مختلفة ومصالح لم تلتق مع الأهداف الأميركية والغربية، فعملت على الابقاء على جميع الخيوط مفتوحة مع دمشق، لا بل أنها بقيت محافظة على مستوى عال من الاتصالات مع القيادة السورية وكأن شيئاً لم يكن، وهو الأمر الذي ساعد دمشق كثيراً وشكل لها نافذة في غاية الأهمية مكنتها لاحقاً من توسيعها في اتجاه عواصم أخرى، وصولاً إلى نهاية وكسر سياسة العزلة المفروضة عليها مع انتهاء حقبة إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش، وكما قلنا، كان لتركيا وحزب «العدالة والتنمية» أياد بيضاء وموقف تاريخي سوف لن تنساه السلطات السورية.
لكن ورغم مرور نحو عشر أعوام على اتفاقية «أضنة» الأمنية، ورغم التوسع والتعاون المطرد في العلاقة الثنائية، حيث وصل مستوى التبادل التجاري لنحو ملياري دولار بين البلدين، وهناك طموح لإيصاله إلى خمسة مليارات دولار، رغم كل ذلك، يبدو أن السلطات السورية لم تفكر كثيراً في الاحتزاء بالنموذج السياسي التركي، ونقصد نموذجها الديموقراطي الناجح الذي أهلّها لاحقاً لتحقق قفزات جبارة على المستويات الاقتصادية بحيث بات اقتصادها يحتل المرتبة الـ17 عالمياً.
صحيح أن هناك الكثير من العوامل والبنى التحتية التي لولاها لما وصلت تركيا إلى ما وصلت إليه اقتصادياً اليوم، لكن لابد من القول أنه لولا النموذج السياسي الديموقراطي الناجح، والذي أصبح فيما بعد مثالاً يحتذى للكثير من الدول النامية، نقول لولا هذا الحاضن السياسي، لما استطاع الاقتصاد التركي أن يتلافى أخطائه، ومعيقاته، وسلبياته القديمة، ثم ليحقق تلك القفزات المتسارعة.
ونحن حين نستلهم النموذج التركي في الديموقراطية، ليست كل غاياتنا تنموية واقتصادية، بقدر ما هي رغبة سياسية واجتماعية تبتغي الخلاص من نظام الحكم الديكتاتوري والبيروقراطي الفاسد الذي يهيمن على الحياة العامة في سورية منذ أكثر من أربعة عقود ونيف.
من ناحية ثانية، ورغم أن إيران شكلت الحليف والدولة الأقرب إلى النظام والدولة السورية منذ نجاح الثورة الإسلامية في طهران، رغم ذلك فإنها لم تشكل ذلك النموذج السياسي والمجتمعي الذي يغري النخب والمجتمع السوريين، بعكس النموذج التركي الذي يوجد في سورية الكثير من العوامل والمقومات التي تساعد في نجاح تطبيقه، ولعل في مقدمتها، النظام العلماني، التركيبة السكانية المتشابهة بين المجتمع السوري والتركي، إضافة إلى هيمنة المؤسستين العسكرية والأمنية، ودروهما الرئيسي في تحديد الخيارات المستقبلية.
لكن السؤال الأبرز هنا يتعلق باستعداد النظام السوري ورغبته في التغيير، ومع كل أسف فإن التجارب الإصلاحية السابقة كلها منذ العام 2000 كانت محبطة، ويبدو أن النظام في سورية مصرٌ على البقاء متوجساً وخائفاً من التغيير مثله مثل الأنظمة العربية الفاشلة كلها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى