سمر يزبكصفحات ثقافية

مـن أجـل أن يكتمـل الاحتفـال

null

سمر يزبك

نعم أضاء ليل دمشق بالألوان النارية، وخرجت جموع من البشر المتدافعين لرؤية الكرنفال، وكان الصقيع في سفح قاسيون يلفح الوجوه.

نعم دخل المسؤولون والوزراء إلى دار الأوبرا في دمشق قرب قاسيون، وأضئيت الأنوار، وصفق الحضور، وتجولت الكاميرا كملكة، بين أروقة المدرجات ونقلت لنا ترف المخمل الأحمر.

من منا لم يخفق قلبه وهو يلمح دمشق تحت وهج الأنوار الملونة، من منا لم يشعر بتلك العزة التي تلقي بالضلوع الى جبال بيضاء لا مفر من ارتقائها، حين اجتمعت حشود البشر، وتعالى النشيد العربي السوري، وخفق العلم.

من منا لم يتمن لو أن دمشق أضاءت قلباً وقالباً، بنار تشبه روحها قبل أن تتحول الى مدينة أبدية ومطلقة للسكون.

ومن منا لم يغمض عينيه وهو يتابع الرقصات الجوية لفتيات قدمن من آخر الدنيا لتقديم الافتتاح الشعبي لمدينة تختزن من الفلكلور والرقص، ما يجعلها بغنى عن كل رقص غريب!

من منا لم يبك، وهو يعرف أن الثقافة التي يريدونها أن تكون احتفالا خاصا بسوريا، واستثناء يليق بوجهها الحضاري الحقيقي، الوجه غير المعلن والمختبئ في ثنايا التاريخ، هي ثقافة التصفيق فقط!

من منا لم يتمنى لو أن دمشق تحتفي بالثقافة والمثقفين، على طريقة تليق بناسها ومثقفيها الذين ما يزالون يقبعون في السجون، وكنا نتوقع أن يتم العفو عنهم بمناسبة افتتاح دمشق عاصمة للثقافة.

كنا نتوقع أن يتم التغاضي قليلا عما فات، والافراج عن المرضى منهم الذين ينازعون، وعن العجائز المصابين بأمراض خطيرة، وأن يتم الالتفات الى ما يعانونه وسط هذه الظروف المناخية القاسية.

كنا ننتظر أن تمر هذه الاحتفالية دون أقبية، ودون خوف المثقفين من قول ما يريدون قوله، وكنا ننتظر أن لا يخشوا إن اجتمعوا أن يكون بانتظارهم رجال بوليس لاقتناصهم وتوزيعهم على زنازين دمشق.

يليق بدمشق أن تكون عاصمة للثقافة، ولا يليق بها خشخشة الزنازين وصمتها البارد.

يليق بدمشق أن يخرج الكثيرون عن صمتهم، وأن يقولوا كلمة حق، بأن الثقافة ليست في المهرجانات، ولا في التصفيق، ولا في الألوان.

الثقافة ليست فقط تلك الأماكن الأثرية التي سيزورها ضيوف دمشق، وليست في التظاهرات العالمية التي سيأتي اليها كبار المطربين والمثقفين لإحياء لياليها.

الثقافة ليست ان تأتي الرائعة فيروز لتغني لمجموعة من البشر وتكون سعر بطاقة الدخول لحفلتها ثمن عيش فرد سوري لنصف شهر!

الثقافة هي الانسان نفسه، وإن كان علينا التغني بالثقافة فعلينا التغني بالانسان نفسه، الانسان هو أصل الثقافة، وهو مبتغاها وهو قيمتها وجمالها، فأين هو من احتفالية دمشق عاصمة للثقافة؟

اين هو المثقف السوري من هذه الاحتفالية؟

وهل كان مختبئا في صفوف المصفقين في دار الأوبرا، أم كان يتابع في بيته وعيونه الدامعة القلقة على دمشق بدء الاحتفال بمدينته.

لو أطلق سراح المعتقلين ـ أغلبهم من كبار السن والمرضى ـ ألم تكن هذه الخطوة ستحسب كخطوة طيبة للحكومة السورية لانتهاج طريقة عملية لإعادة الاعتبار لحرية الرأي في عاصمة الثقافة؟

كيف سنحتفل بعاصمة للثقافة تعتقل مثقفيها وناشطيها السياسيين وأصحاب الرأي؟

كيف سنقبل كل حجر فيها، وما حدث هو العكس: قبل بدء الاحتفالية، بدأت جملة مداهمات واعتقالات لافتة. الدكتور عارف دليلة في خطر وسط صمت حكومي. ميشيل كيلو ورفاقه، ومؤخرا فايز سارة وغيرهم، يقبعون في السجون، بينما أنوار دمشق تضاء.

لن ندخل في تفاصيل ما حدث لهم… فهذا حديث ذو شجون.

أقول وكلي يأس من صدى كلماتي، هذا في أحسن الأحول إن لم نلحق بهم واحدا بعد الآخر، الجميع الآن يخاف أن يقول كلمته، وينتظر دوره في ما سيحدث له، والغالبية تنتظر فرجا إلهيا، ولكن هل يمر هذا الافتتاح سدى دون أن يجعل أحدنا يضع يده على قلبه وهو يسمع النشيد الوطني السوري، ويتمنى على الحكومة أن تطلق سراح المعتقلين وتبدأ هذه السنة صفحة أكثر بياضا من التي سبقتها؟

على الأقل ستحسب لها هذه البادرة كخطوة نحو وحدة وطنية تنير ليل دمشق بأرواح مبدعيها، ولا تظلم بأقبية عذاباتهم!

(دمشق)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى