اسرائيلصفحات العالمقضية فلسطين

بلا شروط مسبقة

عبد الوهاب بدرخان
مساء الجمعة الماضي دعت وزيرة الخارجية الأميركية الفلسطينيين والإسرائيليين إلى إطلاق (أو استئناف) مفاوضات مباشرة في واشنطن شرط أن تكون “من دون شروط مسبقة”. وبعد لحظات أصدرت “الرباعية” الدولية بياناً وجهت فيه الدعوة نفسها. كانت الصيغة التي اتبعتها هيلاري كلينتون مرضية لإسرائيل فرحبت بها. وكانت صيغة “الرباعية” مرضية لمنظمة التحرير الفلسطينية فاستندت إليها لإعلان قبولها دخول المفاوضات.
كان هذا هو الإخراج الذي أمكنت بلورته لتجاوز شروط الطرفين للعودة إلى التفاوض. لم تستطع واشنطن تجاهل تفاهم أوباما- نتنياهو، أوائل يوليو الماضي، على مفاوضات مباشرة بلا شروط أو ضمانات مسبقة، ولم تشأ أن تفرض هذا التفاهم على أطراف “الرباعية” التي كانت في بيانات عدة سابقة اعترفت للفلسطينيين بما طالبوا به من “ضمانات”، ولذا تولت وحدها مسؤولية الانحياز إلى وجهة النظر الإسرائيلية، ولا جديد في ذلك. أما “الرباعية” فأمضى خبراؤها اللغويون ما يقرب من عشرة أيام لصوغ عشرة سطور يمكن أن تطمئن الفلسطينيين حتى لو لم تضمن أو تعنِ شيئاً. لم تستطع “الرباعية” أن تكرر ما جاء في بيان أصدرته في 18 مارس الماضي من موسكو، إذ لم تكن تتصور أن يأتي يوم تضطر فيه إلى تجديد ما كانت التزمته، بل لعلها استغربت أن يكون الفلسطينيون صدقوا ما ورد في ذاك البيان، ولذا طلبوا معاودة سماعه، ما أوقعها في إحراج لم تتوقعه أبداً.
كانت الإدارة الأميركية الحالية و”الرباعية” الدولية كررتا طوال العامين الماضيين وجوب إنهاء التسوية بحلول سنة 2012، سواء من قبيل الضغط على الطرفين ولاسيما إسرائيل، أو من قبيل استخدام الإنجاز في حملة أوباما لولاية ثانية في البيت الأبيض. لكن واشنطن و”الرباعية” أيدتا إمكان التوصل إلى حل في غضون اثني عشر شهراً. وليس معروفاً ما إذا كانتا جديتين في تحديد هذا الإطار الزمني، أم أنهما أرادتا مغازلة الطموح الفلسطيني ولو بإيحاء كاذب لا يكلفهما شيئاً.
إن مفاجأة الـ 12 شهراً يمكن أن تصبح حقيقة تحت شرط مسبق واحد هو أن تتوافر الإرادة لدى حكومة إسرائيل لقبول سلام حقيقي والتعايش معه، فالإرادة من الجانب الفلسطيني والعربي موجودة على الطاولة منذ عشرين عاماً، وجرى توثيقها في مبادرة السلام العربية التي لم يوجد حتى الآن نص إسرائيلي يقابلها، ولا نص أميركي أو “رباعي” يماثلها في الوضوح. ولكن، مع هذه الإرادة الفلسطينية- العربية، لابد من تلبية شرط مسبق واحد هو أن تنجز مصالحة فلسطينية- فلسطينية مع ما يلزم من مصالحات عربية- عربية قبلها أو بعدها أو بالتزامن معها، بمعزل عما يمكن أن تحبذه إيران أو لا تحبذه.
على افتراض أن الثاني من سبتمبر بات موعد انطلاق مفاوضات هادفة يراد لها أن تنجح، وأن تبتّ في قضايا الحل النهائي جميعاً، فهذا يفترض بدوره أن تجميد الاستيطان سيستمر، وأن نتنياهو متفاهم مع أطراف ائتلافه الحكومي على أنه ذاهب إلى عقد معاهدة سلام وأنه يشهر في اللحظة الحاسمة ورقة “فرقعة” ذاك الائتلاف. وفي المقابل، هذا يفترض أيضاً أن “حماس” و”الجهاد” والفصائل الأخرى لها مصلحة في إنجاح مفاوضات تستجيب حداً أقصى من الحقوق الفلسطينية. وكان عدد من قادة “حماس” أبدى، في محاورات مع جيمي كارتر وسواه، مواقف مرنة حيال مسألة حدود الدولة الفلسطينية الموعودة وغيرها من قضايا التفاوض، ولكنهم مستعدون لتفعيل هذه “المرونة” لقاء الاعتراف بهم، لا من أجل إنجاح مفاوضات لا يشاركون فيها، بل لعلهم سيعملون على إفشالها لأنهم مستبعدون عنها.
وهكذا، فإن عشرات بل مئات الشروط المسبقة يستحسن النظر فيها وعدم تجاهلها في غمرة الاندفاع إلى المفاوضات المباشرة من دون شروط مسبقة. ومن أبرز تلك الشروط، ما يبدو أن واشنطن و”الرباعية” تأخذانه في الاعتبار وربما تعتبرانه لازماً وضروريّاً، وهو وجوب تحريك المسار السوري- الإسرائيلي بالتوازي مع المسار الفلسطيني- الإسرائيلي. ولا جديد في ذلك، فهي هي اللعبة السقيمة المملة إياها.
الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى