صفحات سوريةفيصل الشيخ محمد

أكثر من أربعة عقود وهضبة الجولان في الأسر!!

null
فيصل الشيخ محمد
أكثر من أربعة عقود مرت على هضبة الجولان السورية وهي في الأسر، تستوطنها قطعان الصهاينة المحتلين ويستنزفون خيراتها ومخزونها المائي. وأخيراً ها هو بنيامين نتنياهو الذي رأس الوزارة الإسرائيلية الأخيرة ووزير خارجيته ليبرمان العنصريان يعلنان بكل صفاقة وتحدي: (إن أي مفاوضات سلام مع سورية لن يكون فيها أي حديث عن الجولان).
فلماذا تتمسك إسرائيل بهذه الهضبة حتى ولو كان الثمن السلام وحتى الحرب وإشعال فتيلها في هذه المنطقة الحساسة من العالم؟!
الجواب ليس صعباً إذا ما عرفنا أن هضبة الجولان، هي من أهم المناطق العربية التي سيطرت عليها إسرائيل في حرب حزيران عام 1967، ولم يكن هناك أي مشكلة بين إسرائيل ومصر عندما قبلت إسرائيل بإعادة سيناء إلى مصر ضمن شروط أمنية تم الاتفاق عليها برعاية أمريكية ودولية، وكذلك كان الحال مع الأردن في اتفاقية عربة، حيث استعادت المملكة الأردنية كامل أرضها المحتلة عام 1967من إسرائيل، ورسمت حدودها الدولية مع الكيان الصهيوني بضمانة أمريكية ودولية، ولكن هضبة الجولان المحتلة لم يتم لها أي تسوية، وتصر إسرائيل على التمسك بها ليس فقط بسبب موقعها العسكري الإستراتيجي فحسب، بل أيضا بسبب أهمية هذه المرتفعات للسيطرة على مصادر المياه الأساسية في لبنان وفلسطين وسوريا والأردن، وبنظرة سريعة إلى الخريطة، يبدو بوضوح كيف أن هضبة الجولان تسيطر على مصادر مائية مهمة في المنطقة. بالإضافة إلى ما تملكه من ثروة مائية، جعلت لموقعها أهمية خاصة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي.
ولعلَّ تصريحات المسؤولين الإسرائيليين قبل قيام الكيان الصهيوني وبعد قيامه يعطينا السبب الوجيه الذي من أجله تتمسك إسرائيل بهذه الهضبة السورية رغم مرور أكثر من أربعة عقود على احتلالها، وصدور مجموعة من القرارات الدولية عن مجلس الأمن والهيئة العامة للأمم المتحدة، تطالب إسرائيل صراحة بالخروج من الهضبة وإعادتها إلى الوطن الأم سورية.
فهذا صاحب المشروع الصهيوني حاييم وايزمن يقول في الرسالة التي وجهها إلى لويد جورج رئيس وزراء بريطانيا بتاريخ 29- 12-1919 باسم المنظمة الصهيونية العالمية: (إن المنظمة الصهيونية لن تقبل تحت أية ظروف خطة سايكس – بيكو، حتى كأساس للتفاوض لأن هذا الخط لا يقسم فلسطين التاريخية وحسب، بل يفعل أكثر من ذلك، إنه يَحرم الوطن القومي لليهود من بعض أجود حقول الاستيطان في الجولان وحوران التي يعتمد عليها إلى حد كبير نجاح المشروع بأسره).
ويقول إيغال آلون منظّر حزب العمل الإسرائيلي:  (إن لهضبة الجولان ولمنحدر جبل الشيخ أهمية حيوية، لا من أجل الدفاع عن مستوطنات وادي الحولة ضد الرمايات السورية فحسب، وإنما أيضاً لحاجات إسرائيل الإستراتيجية الشاملة في الإشراف على الجولان، فهذا الأمر يتعلق بالدفاع عن الموارد الأساسية لمياهنا، وبالدفاع عن الجليل الأعلى والأسفل، وبالدفاع عن الأردن الأعلى والأوسط، ووادي الحولة وبحيرة طبريا والوديان المحيطة بها ووادي بيسان).
وفي عام 1993 صرح شمعون بيريز الرئيس الحالي للكيان الصهيوني (وزير خارجية إسرائيل) آنذاك ومهندس (الشرق الأوسط الكبير): (إن  المياه قبل الأرض، ولو اتفقنا على الأرض ولم نتفق على المياه، فسوف نكتشف أن ليس لدينا اتفاق حقيقي). كما قال زيفي اوتبرغ رئيس هيئة المياه في طبريا: (إنه  إذا زاد نقص المياه في إسرائيل ولم نستطع التوصل إلى حل المشاكل بالطرق السلمية، فلا بد من حلها بواسطة الحرب وليس هناك خيار آخر، فالماء كالدم لا يمكن العيش من دونه).
وبالإضافة إلى ما تسيطر عليه هضبة الجولان ولمسافات بعيدة من مصادر مائية مختلفة مثل مجرى نهر الليطاني في لبنان وبردى في سورية، فإن الهضبة تسيطر بشكل مباشر على مصادر مائية مهمة. ويضم الجولان اليوم بالإضافة إلى جبل الشيخ وبحيرة طبريا أكبر تجمع مائي في المنطقة العربية، بمخزون قدره 4 مليارات متر مكعب من الماء.
وهذا يفسر الاهتمام الكبير الذي أولته سلطات الكيان الصهيوني بهذه الهضبة من خلال تنفيذ الكثير من المشاريع الاستيطانية والزراعية والمائية المختلفة داخل الهضبة وفي محيطها، وكلفت الحكومة بعض المؤسسات المهتمة بشؤون المياه إجراء مسح شامل للثروة المائية فيها ووضع دراسات وافية وشاملة للاستفادة منها. ومن هنا كانت القيادة  الإسرائيلية  تقدم الإغراءات المالية، وغيرها من الأساليب لتشجيع المهاجرين اليهود للسكن والاستيطان في الهضبة.
هذا ما تفكر به إسرائيل وما تخطط له بالنسبة إلى هضبة الجولان السورية المحتلة فماذا نحن فاعلون؟!
فمنذ أربعة عقود ونحن لا نفعل أي شيء تجاه أرضنا المحتلة، فلا نحن تمكنا عن طريق الدبلوماسية والوسائل السلمية إلى التوصل إلى حل مع العدو الصهيوني لاستعادة هضبة الجولان، كما فعلت مصر والأردن، ولم نفعل ما فعلته المقاومة اللبنانية، حيث انتزعت الأرض اللبنانية المحتلة من قبل العدو الصهيوني انتزاعاً بعد 18 سنة من احتلالها، وأرغمته على الانسحاب منها.
هل يكفي سورية ما تحظى به من شعبية في الشارع العربي، وهي تطرح شعارات التصدي والتحدي والصمود والممانعة..وأرضها محتلة منذ ما يزيد على أربعة عقود ونيف؟!
وما هي الفوائد التي ستجنيها سورية من تصفيق الشارع العربي لها، مكافأة على الشعارات التي تصدح بها حناجر الإعلاميين السوريين والمسؤولين السوريين والمتعاطفين مع سورية في الفضائيات، وما تدبجه أقلام هؤلاء من مقالات إنشائية وبيانية في الصحافة؟!
سورية لم تحصد من كل هذه الشعارات إلا التصفيق والهتاف والكلمات البيانية والقصائد العاطفية، ونحن نريد أن نحصد قمحاً أو حتى شعيراً يعيد لنا هضبتنا الأسيرة من يد الصهاينة، فهل سنرى تبدلاً في قابل الأيام في السياسة السورية تجاه هضبة الجولان، وتجعل منها قضيتها الأولى وتضع برنامجاً زمنياً لاستعادتها سلماً أو حرباً.. وهناك أربعة أجيال توالدت من السوريين لا يعرفون ما هي هضبة الجولان وماذا تعني لهم، وأين تقع: هل هي على القمر أم في المريخ أو في زحل!!

خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى