ما يحدث في لبنان

العلاقات بين لبنان وسوريا مسار لا قرار… والثقة هي الأساس

جورج علم
مهمة كوشنير تعويض عن غياب المصالحات بين »الجمهوريات اللبنانية« ودمشق
يتصل ناظر القرار الدولي الرقم ١٥٥٩ تيري رود لارسن بوزير الخارجيّة والمغتربين فوزي صلوخ مهنئا »بالنتائج التي انتهت اليها القمة اللبنانيّة ـ السورية«.
ويبدو من الوجهة اللبنانية ان لارسن ربما شاء ان يذكّر بأن لبنان لا يزال تحت منظار الرصد الدولي، ان من خلال مسلسل القرارات الصادرة عن مجلس الامن، منذ اوائل ايلول ،٢٠٠٤ او من خلال مسؤولين دولييّن مهمتهم السهر على تنفيذ بعضها، وايضا من خلال قوات (اليونيفيل) المنتمية الى جنسيات متعددة، تشكل دولها قوة فاعلة ان في الجمعيّة العامة للأمم المتحدة، او في مجلس الامن. وربما يريد ان يذكّر المسؤولين بأن اعادة ترميم العلاقات بين لبنان وسوريا بقدر ما هي مناطة بـ»مزاجيّة« و»قابليّة« البلدين، هي خاضعة ايضا للمعايير الدقيقة التي عبّرت عنها القرارات الصادرة عن المنظمة الدوليّة، وخصوصا القرارين ١٥٥٩ و.١٧٠١
ويأتي وزير خارجية فرنسا برنارد كوشنير الى بيروت في زحمة المواعيد والانشغالات ليضيف الى اتصال رود ـ لارسن بعدا آخر. انه يريد بصريح العبارة ان يحمل من بيروت الى دمشق حقيقة مواقف »الجمهوريات اللبنانيّة« الطائفية ـ المذهبية من ملف اقامة العلاقات الدبلوماسيّة ما بين بيروت ودمشق، ولا يقتصر الامر هنا على ما سيقرره مجلس الوزراء يوم غد على هذا الصعيد، بل يتعدى الامر ذلك الى التفاصيل، مع التوقف عند الاسئلة التي لا تزال من دون اجوبة واضحة وصريحة، الى التحفظات، الى المخاوف التي لم تظهر بعد الى سطح النقاش الجدّي والمسؤول، ربما لأن الاجواء بين البلدين لا تزال غير مؤاتيّة.
ويتوقف دبلوماسيّون اوروبيّون عند هذه الاشارة مليّا مع استطرادات منها ان الخصوصيات المتراكمة من ارث التاريخ والجغرافيا والعلاقات المتداخلة، ربما كانت بحاجة الى اساليب غير تقليديّة لإعادة ترميم العلاقات، كأن تسبقها المصالحة بين الجمهوريات الطائفيّة، ودمشق، ثم تتوّج هذه المصالحة بقرار اقامة العلاقات الدبلوماسيّة، في حين ان الطريقة المتبعة انما عمادها ومحورها وصول قائد الجيش العماد ميشال سليمان الى رئاسة الجمهورية بمبايعة عربيّة ـ اقليميّة – دوليّة بامتياز، لكن سورية ايضا، و»بنكهة خاصة« كون الرئيس سليمان قد حافظ في كلّ الظروف والأحوال على علاقة وديّة مع القيادة السوريّة التي قدمت له وللجيش اللبناني النجدة اللوجستيّة والمعنوية في معارك مخيم نهر البارد الشرسة.
ولا يتوانى هؤلاء عن القول إن رصيد هذا التمثيل الدبلوماسي هو الثقة المتبادلة بين الرئيسين اللبناني والسوري، والتي سيبنى عليها من الآن فصاعدا بعد القمة الثنائيّة الاخيرة، اي بمعنى آخر انه من المهم جدّا ان يقرر مجلس الوزراء اللبناني اقامة العلاقات، ويردّ مجلس الوزراء السوري على هذه التحيّة بأفضل منها، وتتدخل فرنسا في الوقت المناسب لمعالجة العقد وتذليل العقبات ان وجدت، الا ان المنطق السليم يقول ان ما يُبنى على زغل يُبقي على الزغل، والعلاقات تبنى اليوم على كمّ موروث من الحساسيّات لا تزال حيّة وفاعلة مهما جمّلتها مساحيق التجميل، والعبارات المنمّقة، والابتسامات الفاترة، فما بين بعض اقطاب الموالاة ودمشق هو اعمق وأكبر من ان تزيله كاسحة الالغام التي انطلقت من الدوحة؟!.
ولأن الطريق صعبة وضيقة ولا تزال محفوفة بمخاطر الانزلاقات، فإن كوشنير يأتي الى بيروت بوجوه متعددة مختلفة، فهو عدا عن كونه وزيرا للخارجيّة الفرنسيّة فإنه وزير خارجيّة الاتحاد الاوروبي لهذه الدورة، حيث لبلاده ولكل من ايطاليا والمانيا وإسبانيا ودول اوروبيّة اخرى حضور بشريّ وماديّ ومعنويّ في لبنان، ويأتي كون بلاده عرّابا كبيرا من بين عرّابي اتفاق الدوحة، وكونه المؤتمن على تنفيذ جميع بنود هذا الاتفاق بدون استثناء، وكون بلاده اول من بادر الى قلب الصفحة وفتح ابواب قصر الاليزيه، وأبواب سائر قصور القرار في دول الاتحاد الاوروبي امام الرئيس السوري بشّار الاسد بعد طول عزلة، وطول عقوبات اقتصادية، وذلك كثمن لتعاونه في لبنان، وتسهيله انتخاب الرئيس التوافقي، وأيضا لتشجيعه على الاستمرار في هذا التعاون خصوصا ما يتعلق بالعلاقات الدبلوماسيّة التي استنزفت بعض الوقت وبعض الجهد ابان القمة الرباعيّة التي عقدت الشهر الماضي في الاليزيه وضمّت الى الرئيس الفرنسي الرئيسين اللبناني والسوري، وأمير دولة قطر.
ولا تغيب عن ذاكرة كوشنير مرارات المبادرات السابقة والمحاولات الفاشلة، التي اضطلع بها كرئيس للدبلوماسيّة الفرنسيّة لإنقاذ لبنان ولم يفلح على الرغم من كل الجهود المشكورة والتحرّك الواسع الذي قام به مبعوثه السفير جان كلود كوسران في كلّ من بيروت ودمشق وطهران والرياض والقاهرة والدوحة وتل ابيب وواشنطن وعواصم دول القرار المهتمة، والتي انتهت في حينه من دون ان يلتم على عجينه طحين؟!.
ومهما قيل في هذا الشأن، فإن قوى في ١٤ آذار تحبّذ هذا الدور الذي يضطلع به كوشنير في هذه المرحلة، وتتمناه، لأن لا ثقة لها بالمقررات التي صدرت عن القمة اللبنانيّة ـ السوريّة، ولا ثقة لها ببند اقامة العلاقات الدبلوماسيّة، وهي ترى ان السفارة السوريّة في بيروت ستكون مجرد مكتب رئيسي للأمن والاستطلاع بقفازات دبلوماسيّة، وبالتالي لا بدّ من راع او وصي يملك من القدرة والشجاعة وروح المبادرة للتدخل في اللحظة المناسبة وقبل فوات الاوان؟!.
وتبدو هذه الحجة التي تتمنطق بها بعض قوى ١٤ آذار، مقنعة عند دوائر دبلوماسيّة غربيّة، وهي تراقب مجريات الاحداث، ومنها توقيع »حزب الله« والتيار السلفي وثيقة التفاهم بينهما،على وقع فحيح الرياح الشماليّة التي لم تكن مؤاتيّة وقد حرّكت مجموعة من التموجات في اوساط تيارات سلفيّة طرابلسيّة عبّرت عن انزعاجها، وعكستها المواقف التي اعلنها مؤسس التيار السلفي الشيخ داعي الاسلام الشهّال.
يتساءل دبلوماسيّون متابعون عن دور الدولة في ما يجري؟، وهل كانت الحكومة على علم او اطلاع ؟، وهل ان المؤسسات الشرعيّة المؤتمنة على تطبيق الدستور، والقوانين المرعيّة الاجراء قد اعدّت وثيقة التفاهم، او اطلعت عليها، وحظيت بموافقتها قبل ابرامها من قبل الطرفين، ام انها كانت آخر من يعلم، وكأن منطق الكانتونات والدويلات بدأ يفرض نفسه على ارض الواقع كبديل عن منطق الدولة؟!.
أما التحفّظ الاقوى فمنطلقه المعايير الدوليّة التي فرضت مفهوما خاصا في تعريف الارهاب وقد ادرجت على قائمة تصنيفاتها كلاّ من »حزب الله« والتيارات الاصوليّة، مع سؤال يبدو بديهيّا وفق مفهومها وقناعاتها: كيف تسمح دولة لا تتوانى عن تأكيد التزامها بقرارات الشرعيّة الدوليّة بتفاهمات تجري بين تنظيمات مصنّفة ارهابيّة دوليّا امام اعينها، ومن دون ان تتدخل او تحرّك ساكنا؟، ومن دون ان تأخذ هذه التفاهمات بعين الاعتبار دور الجيش اللبناني والمؤسسات الامنية الشرعيّة الاخرى المكلّفة بفرض الامن والنظام، او من دون ان تعير اهتماما للسلطات القضائيّة ودورها على هذا الصعيد؟!.
وبانتظار ما يبلسم، ثمة سؤال آخر: هل اخذ مجلس الوزراء علما مسبقا بزيارة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الى كلّ من الاسكندريّة وبغداد؟، وهل شكّل الوفد الرسمي المرافق له في الزيارتين، ام اخذ علما بهما من وسائل الاعلام؟!.
وبانتظار الوضوح والتوضيح حول كلّ هذه الهنّات والثغرات، تؤكد الجهات المتابعة ان اقامة العلاقات الدبلوماسيّة ليست مجرد قرار، بل مسار؟!.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى