أبي حسنصفحات الناس

لماذا لا تحال حكومة العطري إلى محاكم أمن الدولة؟

null

أُبيّ حسن

بداية ينبغي القول إن العنوان ليس بغرض السخرية والتهكم, إنما هو ناجم ببساطة من مرارة الواقع الذي تكتوي من شظف العيش فيه غالبية السوريين. اعتدنا, في سوريا,

أن يُحال الكتّاب والنشطاء في الحقل العام, إلى محاكم أمن الدولة, بتهم باتت محفوظة عن ظهر قلب لكل متابع للشأن السوري الداخلي, وهي تهم من قبيل “العمل على وهن نفسية الأمة وإضعاف الشعور القومي” أو “الانضمام إلى جمعية تهدف إلى تغيير الكيان الاقتصادي والسياسي للدولة” وما شابه ذلك.

قطعاً لست في صدد محاججة أصحاب تلك التهم, أو الدفاع عن أحد من ضحاياها(فقد مللتُ ذلك). لكن دعونا نجري مقارنة بسيطة بين سياسات الحكومة الاقتصادية وبين ما نشهده على أرض الواقع, وانعكاسات ذلك كله على المواطن السوري الذي كلما ابتلاه الله بحكومة بات يترحم على سلفها!. (فمثلاً, على الصعيد الشخصي بتُ أترحم على حكومة السيد مصطفى ميرو, وليعذرنا السيد ناجي العطري في هذا).

منذ أكثر من ثلاث سنوات “ابتدع” الدكتور عبد الله الدردري مفهوماً في الاقتصاد كان جديداً على أذن المواطن السوري, ذلك المواطن الذي ألف سماع الاشتراكية والقطاع العام, وبصعوبة شديدة باتت تتأقلم أذن مواطننا المنكوب بمصطلحات من قبيل القطاع المشترك والخاص.. فجأة يصدم الدكتور الدردري مواطني بلاده بمصطلح اقتصاد السوق الاجتماعي!, وبالمناسبة, هناك من يتهكم على هذا المصطلح فيسميه: “اقتصاد السوء الاجتماعي”. وبالرغم من كل ما كتب عن ذلك الاقتصاد من مقالات عقب تبنيه رسمياً إلا أننا نزعم أن الكثير من السوريين لم يفهموا بعد ماهية ذلك الاقتصاد, وأنا أحدهم.

وبمعزل عن الغموض الذي مازال يرافق اقتصاد السوق الاجتماعي كمفهوم, إلا أن نتائجه على أرض الواقع خلال السنوات الثلاث الأخيرة, من شأنها وحدها أن تحيل دعاته إلى محكمة أمن الدولة بتهمة العمل على تغيير طبيعة النظام الاشتراكي للدولة!, طبعاً وفقاً للقانون السوري الذي يحاكم بموجبه جلّ معتقلي الرأي في سوريا!.

وقد كان من “الثمار” المرة لتلك البدعة الجديدة في الاقتصاد أن تحرر الاقتصاد السوري, إلى درجة بلغ معها التحرر من الرقابة الرسمية ذاتها!, وإلا بماذا سيفسر لنا جهابذة الاقتصاد السوري ذلك الارتفاع الجنوني في الأسعار؟! فمنذ فترة وجيزة وصل ثمن كيلو الكوسا قرابة الثمانين ليرة سورية في دمشق, وهذا لم يسبق أن حصل مثيله في تاريخ سوريا!.. كان سعر الكيلو ذاته في محافظات الساحل يتراوح بين الستين والسبعين ليرة سورية في الفترة ذاتها.. طبعاً ومع ذلك نبقى “متفائلين”, إذ يبقى ثمن طن الكوسا دون ثمن طن الحديد الذي يتراوح بين الخمسة والأربعين والخمسين ألف ليرة سورية!. وقس على هذا المنوال العديد من أسعار المواد الغذائية والتموينية والاستهلاكية, التي يحتاج حصرها ومتابعتها إلى ذهن مختص في الاقتصاد, وفي الوقت نفسه يجب أن يكون ذلك المختص غير مُبتلى بأمراض القلب والضغط الخ

موجة غلاء الأسعار التي حصلت خلال الأيام القليلة الماضية معروفة للجميع, ولاشك أنها كانت بمثابة الصدمة الحقيقية للمواطنين, ومن نافل القول إن الزيادة التي طرأت على رواتب الموظفين(من القطاعين العام والخاص) لم تكن كفيلة بمص هول تلك الصدمة, تماماً كما لم تكن لتقلل من شأن هاتيك الصدمة الأقاويل التي كانت تشاع في الدوائر الرسمية والأوساط الشعبية عن الغلاء الذي سيلحق بمادتي المازوت والغاز المنزلي!. ولا ندري إن كان المعنيون في الأمر.. أمر هذا البلاء/الغلاء الذي ينكبون به المواطن السوري تباعاً.. يأخذون بعين الاعتبار النسبة المهولة لعدد العاطلين عن العمل في البلاد التي “يحميها الله”؟, ولا أدري إن كانوا قد سألوا أنفسهم عن هول فظاعة المستقبل الذي ينتظر ذلك الجيش العرمرم من العاطلين عن العمل؟ و للعلم هي أعداد قابلة للزيادة دائماً وليس العكس, إذ أكثر الأسواق رواجاً في سوريا, راهناً, هي سوق البطالة, وربما لا يضاهيها رواجاً سوى سوق الفساد.

منذ قرابة الأربع سنوات ذكرت صحيفة تشرين الرسمية إن عدد العاطلين عن العمل في محافظة طرطوس وحدها بلغ المائتي ألف مواطن, مائة ألف منهم يحملون إجازات جامعية وشهادات معاهد متوسطة, ومنذ فترة قصيرة جداً قرأنا في بعض المصادر أن عدد العاطلين عن العمل في محافظة حمص يجاور المائتي ألف(شخصياً نعتقد أن الرقم أكثر من ذلك), واسقط الأمر ذاته على ما تبقى من محافظات سورية, بنسب قد تزيد هنا أو تنقص هناك, ترى كم سيكون عدد العاطلين عن العمل؟!. وما مصير هؤلاء وفق السياسة الاقتصادية التي يقودها الدكتور عبد الله الدردري وطاقمه المحترم؟ ومن أين سيعيشون؟.

قطعاً لن نستغرب أن يكون مصير بعضهم الجنوح والانحراف نحو عمليات السرقة والسطو والتشليح(ناهيك عن هجرة بعضهم الآخر) الخ… وعملياً هذا مابتنا نشهده بوفرة هذه الأيام, إذ من النادر أن يمر يوم من دون أن تطالعنا إحدى الصحف الرسمية عن “الهمة” التي تبديها أجهزة وزارة الداخلية من خلال إلقائها القبض على عصابة هنا أو هناك من سوريا, أو حتى جريمة قتل تم ارتكابها بقصد السرقة!, وربما هذا لن يسُر أحد مثلما يسر المذيع علاء الدين الأيوبي مقدّم برنامج “الشرطة في خدمة الشعب“.

من جانب آخر, وهو بيت القصيد, ألا تعتقد حكومتنا العتيدة, ومن خلال سياساتها الاقتصادية أنها تعمل على إحباط نفسية المواطن ووهن عزيمته, ذلك المواطن الذي يشكل اللبنة الأولى في كيان الأمة التي يدعون الحرص على عدم وهن نفسيتها؟. وهل بمثل هذا السياسة الاقتصادية القائمة على إفقار وتفقير غالبية السوريين ستساهم الحكومة في بناء سوريا القوية المنيعة التي ستعيد الجولان حرباً أو سلماً؟!. (من يدري, ربما بفضل بناء المزيد من المساجد مع جرعة من دعاء “الرفيقات” القبيسيات يتحرر الجولان, وتغدو سوريا يابان القرن الحادي والعشرين في الوقت ذاته!. والله أعلم!).

سبق أن روى الوزير السابق مصطفى طلاس في حديث له عقب وفاة الرئيس الراحل حافظ الأسد, ومن خلال إحدى إطلالاته التلفزيونية أو الصحفية- لم أعد أذكر, إن الأسد الراحل قال له عن حكومة الراحل محمود الزعبي: “بودي أن أقود الشعب في مظاهرة ضد هذه الحكومة” قاصداً حكومة الزعبي. وإن كنا غير ملزمين بتصديق ما يكتبه أو يرويه السيد طلاس, إلا أننا نعترف أننا أعجز وأجبن من أن نقوم بمظاهرة حتى ضد شرطي مرور في هذا البلد, لا لشيء, فقط حرصاً على عدم وهن نفسية الأمة!. لكن هذا لا يمنعنا من أن نرجو المعنيين بحقوق الإنسان في سوريا بإقامة دعوى قضائية ضد هذه الحكومة بتهمة العمل على إفقار وتفقير الشعب السوري بطريقة ممنهجة. ويمكننا أن نضيف متسائلين: لماذا لا يحيل المعنيون بالأمر في سوريا هذه الحكومة إلى محاكم امن الدولة(طالما القضاء العادي شبه معطل) بتهم لايمكن لعاقل إنكارها لاسيما ونحن نشهدها على ارض الواقع أمامنا!, وهي من قبيل: “العمل على تغيير طبيعة النظام الاقتصادي للدولة”, ويمكننا أن نضيف تهمة أخرى مثل: “العمل على إحباط المواطن السوري ووهن نفسيته وزعزعة ثقته بقيادة بلاده”؟.

أُبيّ حسن: ( كلنا شركاء ) 5/5/2008

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى