الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّوريةبشير البكر

إيران.. ثورة في الدولة

بشير البكر
عاشت إيران منذ ثلاثة عقود مرحلة يمكن وصفها بالتعبير السياسي المباشر “الثورة في الدولة”، وهنا صارت “الثورة” هي المرجعية الأساسية للدولة، فلا يمكن تحريك شيء من دون علم وموافقة المرجعية الدينية، التي كانت في البداية حصرية للإمام الخميني، ثم صارت بعد رحيله من اختصاص المرشد الأعلى علي خامنئي، وفئة من رجال الدين المقربين منه. بالإضافة إلى جملة من الأجهزة المتنفذة التي تدور في هذا الفلك، ومصدر قوتها هو أنها تمسك بمفاتيح الدولة كافة في الأمن والإعلام والسياسة الخارجية.
طيلة هذه الفترة كانت الثورة هي التي تتحدث ولا صوت يعلو على صوتها، هي التي تخطط وتقرر السياسات الداخلية، وترسم توجهات السياسة الخارجية، وتقودها في الشاردة والواردة. أما الدولة فظلت عبارة عن جهاز تنفيذي مهمته ترجمة وتنفيذ توجيهات وتوصيات وأفكار المرجعية، التي تتحدد بفكر الإمام الخميني وولاية الفقيه، وتعاليم المرشد الأعلى الذي يمسك بمفاتيح الحل والربط، وتعود إليه صلاحية اتخاذ كافة القرارات الأساسية في ما يخص الشؤون الداخلية والخارجية.
إن ما يحصل اليوم من ردرود أفعال على الانتخابات الرئاسية، يفتح الباب أمام إمكانية الحديث عن فرصة جدية تلوح لأول مرة على طريق خلخلة المعادلة، لأن امتصاص غضب الشارع يتطلب نوعاً من التنازلات التي تصب في رصيد تقديم الدولة إلى مسافة موازية للثورة، الأمر الذي يسمح بإخراجها من التهميش، وإعطائها دوراً يبدأ بتفعيل دور المؤسسات، والسماح بحرية الرأي والتعبير من دون قيود أو موانع باسم المصلحة الوطنية العليا.
لقد حاولت التيارات الإصلاحية مرات عدة أن تحصل على مساحة من حرية الرأي، من أجل تعزيز دور الدولة واحترام سلطة القانون وإعمال مبدأ الشفافية، ولكنها ضربت بقوة وجرى تشتيت شملها، ولم تتمكن من بناء نواة صلبة تعمل على إكمال هذه المهمة، ويعود السبب في ذلك الى عاملين: الأول هو عدم وجود برنامج عام يجمع القوى الاصلاحية يمكنها من التحرك على أساسه، ويقيم صلة أساسية بينها وبين الأوساط المتضررة من منطق الثورة في الدولة، الذي تمثله سطوة رجال الدين المباشرة، علاوة على أن هذه التيارات الإصلاحية نفسها غير متجانسة من الناحيتين السياسية والفكرية، وهي تتراوح بين الدينية المتشددة والليبرالية المنفتحة على الغرب.
أما العامل الثاني فيتمثل في أن سلطة رجال الدين لم تتح في المجال لأي قوة سياسية معارضة أن ترفع رأسها، وذلك مخافة أن يقود ذلك الى تكتيل المتضررين من الوضع السائد، وهو ما يحصل اليوم.
تجمع أوساط غربية على أن ما هو حاصل اليوم في جانب منه ليس بعيداً عن حسابات المرجعية الدينية، التي خططت لضخ جرعة من الحرية في جو الانتخابات الرئاسية، ولذا جرى السماح بهامش من الدعاية والتحرك وطرح شعارات سياسية واقتصادية غير مألوفة في السابق، وكان الهدف من ذلك هو توجيه رسالة للغرب مفادها أن النظام الإيراني ليس ضعيفاً كما يشيعون، ولا يعاني من وطأة الحصار. وقد كانت التقييمات الغربية غير المعلنة حتى أسبوع من الانتخابات تفيد، بأن الحكم في واد والشارع في واد آخر، وقد وصلت أطراف مجموعة الدول الست الى تهنئة أنفسها لنجاح سياسة العقوبات في خلق شرخ عميق بين النظام والشارع العام، وهو ما يسمح لأي طرف سياسي بأن يستغله، وهذا ما حصل.
يجب الاعتراف بأن نتائج حسابات النظام لم تكن متوافقة مع التقديرات التي كانت تقول إن الانتخابات فرصة لتحسين وجه الحكم خارجياً، ومناسبة لتنفيس احتقان الرأي العام في الداخل، فالمسألة لم تتوقف عند حدود مسرحية العرس الانتخابي، الذي كان يراد له أن يقتصر على الشكليات، وينتهي إلى تكريس الوضع القائم، بل خرجت عن إطارها المدروس، وتحولت الى عملية كاد يصعب التحكم بها، وكان حصول الأطراف المنافسة لأحمدي نجاد على نسبة عالية من الأصوات، مؤشراً على أن احتقان الشارع أكبر مما تصور الحكم، عدا عن أنه فشل مخطط التحكم بالعملية، وتحديد مسار القضية سلفاً، ولذا انقلبت المعادلة عشية إعلان النتائج، والمؤكد أنها لن تعود الى وضعها السابق فهناك معطيات جديدة تفرض نفسها، فإما أن يأخذ بها الحكم، وإلا فإنه يقود البلاد نحو المزيد من المواجهات والتوترات، وما إبداء الاستعداد لإعادة فرز الصناديق المتنازع عليها، إلا مقدمة على طريق “التنازلات المؤلمة” التي ستبدأها “الثورة” لصالح الدولة.
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى