بشار العيسىصفحات الحوار

بشار العيسى: حان للكردي أن يعترف

null
أجرت الحوار: لافا خالد
أسئلة كثيرة وقضايا شائكة كرديا وكردستانيا وعلى الصعيد العالمي تحاورت بها مع الكاتب والمفكر الكردي الفنان التشكيلي بشار العيسى ,عبر هذا الحوار ذهبنا باتجاه الشرق والغرب ودخلنا كواليس لا يتجرأ الكثيرون الكلام فيها , ولكن حينما يكون الضيف رجلا يمشي واثق الخطى ومتعمقا لكل القضايا وصاحب موقف ورأي لا يهاب بها أحد كما كاتبنا حينها يستدعي أن يتوقف الكل عند كل سطر لأن فيها عبرة وعظة ، كان الحديث مستفيضا عن عمق ما يعانيه الكرد في مختلف أماكن تواجدهم ,وكان لنا بعض الحديث عن أسباب غياب لغة الحوار بين الكردي والعربي هاتان الشخصيتان المهزومتان بفعل عوامل ذاتية وموضوعية , وحول قضايا أخرى ساخنة و مختلفة ,عبّر خلالها الكاتب بشار العيسى عن آرائه ورؤيته للمشهد الذي نعيشه في هذا الكون الذي يتعمق في فوضاه عبر الحوار التالي
س- إذا ما بدأنا بالوضع العالمي كيف تقرأ مستجدات الساحة الدولية في ظل إدارة أمريكية جديدة وبوادر التصالح مع أعداء الأمس مثلا ما كانت تسميه دول محور الشر ؟
ج ـ بعد سقوط جدار برلين تغيرت قواعد اللعبة الدولية الكبرى، من الانشداد الدولي بين قوتين عظميين وملحقاتهما إلى حالة استرخاء قلق تغيرت فيها مراكز الصراع، لقد تآكل النظام العالمي القديم، شكلا وحيدا للصراع وإدارة الأزمات بفعل انهيار المعسكر الاشتراكي وانحسار شعار الديمقراطية وجهاً واحداً للخلاف، وحل محله تدريجيا التنافس الاقتصادي ومعدلات النمو لبلدان هائلة الطاقة البشرية في جنوب شرق آسيا. أدى انحسار الدور الروسي (السوفياتي) عن ساحة الصراع إلى بروز الدور الصيني وظهور قوى إقليمية جديدة بحيويات غير تقليدية كالدور الإيراني الإقليمي قبل أن يضاف إليه التركي.
نكاد نتلمس إقليميا، إعادة التاريخ لدورته منذ ما قبل 300 سنة من ميلاد السيد المسيح، عندما سادت الثقافة الهلينية في المنطقة المحيطة بالجزء الشرقي من ضفاف المتوسط، حين تداخلت الحدود الآسيوية بتلك الأوربية بين داريوس الثالث والاسكندر المقدوني ومن ثم السلوقيين والبطالسة وتناوب الرومان/البيزنط والفرس مجدداً، ومن ثم الدولة الإسلامية وجارتها بيزنطة لحين سقوط الخلافة العثمانية مرورا يالحروب الصليبية والسلطنة الأيوبية والمملوكية التي دامت حوالي مئتي سنة فضلا عن الاجتياح المغولي ومفاعيله المؤقتة، لم يتوقف فيها صهيل الأحصنة من حول المتوسط ولا الأشرعة في لججه، نجم عنها حركة ثقافية بتآليف وترجمات وتأثيرات كانت أحيانا اصدق أنباء من السيوف.
من الطبيعي بعد حقبة جورج بوش وأحداث 11 سبتمبر 2001 ، وحربي أفغانستان والعراق أن تفرز المستجدات الدولية والإقليمية فضلا عن الأزمة الاقتصادية العالمية تغيرا نوعيا في خطط  وخطاب الإدارة الأمريكية الجديدة وأساليب عملها. سيسجل التاريخ أن جورج بوش استهلك بحماقات استسهالية الإرث الذي راكمه أسلافه، كلينتون بخاصة، وقد يختزل البعض  التدخلات الأمريكية الحربية في حقبة جورج بوش بمصطلح “المحافظون الجدد” أو تداعيات العولمة ومن ثم ينظر لمجيء اوباما وهزيمة الجمهوريين بنهاية حقبة تمتاز بغياب الصقور وانقلاب الموازين. في الحقيقة لا يجوز للحصيف أن يختزل أمريكا  في مصطلحات أو في أشخاص وإدارات مؤقتة مثلما يتم النظر إلى دول حكام العالم الثالث الذين يُدخلون الدولة والأمة في حساب داخلي مغلق على المحاسيب والأسرة.
استقام مصطلح محور الشر في الخطاب الأمريكي مع ريغان في ذروة الصراع مع المعسكر السوفياتي والتدخل في أفغانستان ونشوء الحركة الجهادية الإسلامية بالرعاية الأمريكية، وإذا كانت المعايير والصداقات المرحلية تتغيرفأن المصالح الأمريكية الاستراتيجية ثابتة. فأمريكا ليست أمة قوية بحضارة وثقافة عريقتين وحسب، بل هي دولة مؤسسات وأسلوب إدارة متوازن وذاهب في التاريخ القديم والحديث فأحفاد أولئك المهاجرين، الأوربيون الأول المتحررون والمغامرون المنبوذون والتائهون شكلوا لأنفسهم شخصية وثقافة تدبّغت بنيران معسكرات البحث عن الذهب على ضفاف الأنهار ومجاهل الغابات في حمى الحروب والمآسي التي صاغت للجماعة الجديدة من الأفكار وقيم الإصلاح الديني مباديء حقوقية وصياغات دستورية ذهبت إلى صيانة وحدة الأمة ومصالحها، فشراذم الأمة الجديدة التي مارست بحق السكان الأصليين جرائم تصفية عرقية والتي وشمت جبين الإنسانية بالعبودية وتجارة العبيد هي نفسها الأمة التي أعطت الإنسانية مبادىء الحرية والقيم النبيلة لحقوق الإنسان والشرائع الدستورية. جهد في صياغة الحضور الامريكي كدولة عصرية قادة فكر وسياسة وقانون ( توماس جيفرسون وجيمس ماديسون وجورج واشنطن وأبراهام لنكولن، وودرو ويلسون وجورج مارشال وألكسندر هاملتون وآخرون) ممن أعطوا لعقيدة الأمة الأمريكية بعداً إنسانيا وشمولية عالمية في الموقف من الحرية وحق الاستقلال والمساواة، ولئن تخللته من فترة لأخرى تشوهات خلقية بوشية/ ريغانية. لقد صاغ هؤلاء المشرعون لامتهم دولة بحكومات تستمد شرعيتها من رقابة المحكومين، تمثلهم مؤسسات اشتراعية راعت حقوق المواطن والولايات بدستور عبارة عن حزمة تسويات إدارية، كما لا بخفى على أحد مبادىء وودرو ويلسون الأربع عشر، للعلاقات الدولية، غدت ثوابت في تحميل الولايات المتحدة مسؤولية السلم العالمي تبدى في شرعة نشوء عصبة الأمم، صحيح أن الحرب الباردة ألقت بظلال كثيفة وقاتمة على التاريخ الأمريكي، منذ حرب فييتنام إلى كوريا إلى الصراع العربي الإسرائيلي لكن ذلك ليس سوى تفاصيل في التاريخ.
لذا لا يجوز النظر إلى مجيء اوباما إلى السلطة بمناظير ليلية ولا بعدسات مكبرة، فالرجل ذي الكاريزما الخلاسية استطاع بمكاشفة صريحة وبهاء شكلي استكمال نتائج انتخابات الكونغرس في استثمار الملل الذي انتاب الأمريكي العادي من سياسات جورج بوش الخرقاء، وأنا شخصيا لا انظر لانتخاب اوباما بأكثر من إعادة انتخاب كلينتون او حتى انتخابه لأول مرة. المشكلة أن الموازين الدولية تتجدد وتنتقل مفاعيلها من نقطة إلى أخرى و نحن في الشرق نبقى أسرى نزول المنّ والسلوى. فالعالم ورهاناته العقائدية خلاصة علاقات ومصالح  اقتصادية أولاً ، وأمريكا أوباما ستكون المصالح الاقتصادية وبالتالي توضعاتها السياسية الدولية في رأس اهتمامات الإدارة الجديدة للبيت الأبيض، إذ يفترض طبيعيا إعادة تموضع ساخن في مواجهة قوى رمّمت نفسها مثل روسيا “بوتين” بملامح روسيا بطرس الأكبر التي تقضم الأرض المحترقة بغطرسات بوش، والزحف الاقتصادي الصيني سيدفع بشعار الديمقراطية الغربية إلى منطقة الظل لإعادة تحديد النقاط الارتكاز في السياسة الخارجية في مواجهة قوى إقليمية أكثر تأثيرا من غيرها لأنها قوى فالتة من عقال المحاسبة الذاتية.
سيكون من السذاجة النظر إلى أوباما باعتباره شخصية ضعيفة سهلة القياد أو النظر إليه كمُصلح اجتماعي سيعوض الناس حقوقهم في عهد بوش، على العكس يجب النظر إلى أوباما كـأحرص من يكون على مصالح أمريكا الاستراتيجية في المسائل الدولية ضمن عملية إعادة نظر شاملة للسنوات التي خلت والتي طبعت السياسة الأمريكية بسياسة ردود أفعال على الإرهاب والتي رغم حروبها كانت في موقف دفاعي هزيل، وبالتالي ستكون أكثر جذرية من سابقها وأكثر رصانة وبعد نظر في المسائل الاستراتيجية وهي العلاقة مع القوى الكبرى وخصوصا الصين وروسيا والعلاقة مع أوربا كحليف، لإعادة ترتيب وتنظيم صفوف الأصدقاء خاصة العالم الإسلامي وأسواقه المالية وشعوبه المتوفزة.
ليس مسموحاً لرئيس أو إدارة، المغامرة بالهوى بمصالح الأمة الأمريكية، لكن الذي يتغير هو أسلوب النطق بالأشياء: صياغات العبارات، زاوية النظر إلى المشاكل، حجم الابتسامات أوالتقطيبات التي ترتسم على وجوه الدبلوماسيين هي التي ستلهي الإنسان العادي وعليها يسيل الصحافيون أحبارا بإثارة الاهتمام لدى القارئ او المستمع المسمر إلى الشاشة.
في السياسة لا توجد عداوات دائمة ولا صداقات مقدسة بل مصالح حيوية تتقدم على هذه وتلك. وما سنشهده هو استمرار الصراع على المصالح بوسائل غير عسكرية لحين، لصالح دبلوماسية التفاهمات الضرورية والحروب الاقتصادية محل تلك العسكرية.
س- هل سينعكس التغيير الجديد في البيت الأبيض لتتصالح الأنظمة مع شعوبها ؟ أم لن يختلف الأمر كثيرا ؟
ج ـ على العكس من سؤالك يتزامن وكل تغيير في الإدارة الأمريكية تحصن الأنظمة الاستبدادية في مواجهات أشد مع شعوبها مستغلة رمادية الفترة الانتقالية للانكفاء الأمريكي الداخلي، وكل إدارة أمريكية جديدة تجتهد لاختراقات كبيرة بالإيحاء بنجاحات كبيرة على الساحة الدولية التي قليلا ما تهم المواطن الأمريكي الذي يجدد على مدى عشرات السنين إما لإدارة ديمقراطية أو جمهورية، كانتا دائما الحليف الاستراتيجي لأشد أنظمة الطغيان والفساد في العالم بحكم الحرب الباردة التي افرخت في اقل من نصف قرن ما لم تفرزه الإنسانية في مئات من السنين من أقزام استبدادية انتعشت وترعرعت في المطابخ الخلفية للقوتين العظميين.
لم يكن تصالح الأنظمة ( أية أنظمة؟) مع شعوبها يوما هدفا للسياسة الأمريكية، وأمثلة عديدة كافية إيران الشاه، أنظمة أمريكا اللاتينية، تركيا، مصر السادات مبارك، والأنظمة الأفريقية الموالية واندونيسيا.
يمكننا المغامرة بالقول أن كوبا وكاسترو هما من صاغا لأمريكا رعايتها لأنظمة الطغيان،  كما أن الحرب الباردة عينها جعلت من أنظمة التمرد على أمريكا هياكل استبدادية فاسدة اشد من تلك التي احتمت بأمريكا. ففي مناخ الحرب الباردة وتداعيات انتصار فييتنام أثارت مجموعة من ثورات الغبار وحروب عصابات تزعمتها كوبا بغطاء سوفياتي لمناطق صراع ساخنة جعلت من أمريكا خصما لكل ما هو شعبي وتقدمي وديمقراطي، كما أن الصراع الثنائي جعل من كل ما هو شعبي وتقدمي واشتراكي تتحول إلى كيانات استبداد عسكرية فاسدة قمعية أسرية. لدرجة أصبح اليسار ينظر إلى كل ما هو ديمقراطي خنزيراً أمريكيا، يتحتم ذبحه والعكس صحيح في الجانب الآخر، غابت الشعوب والقوى الاجتماعية عن إدارة الصراع الذي غدا استخباراتياً بامتياز غدت معه العلاقات بين المؤسسات الاستخبارية تتجاوز العقائد المفصح عنها لدرجة أن رياح سقوط جدار برلين سيرت الهواء في أشرعة سفائن تسيد رجال المؤسسات الاستخبارية في جلّ الأنظمة الجديدة في العالم الاشتراكي السابق. أجهضت القوى الاستخباراتية حركة الجماهير وقزمت مصالحها إلى التصويت ـ بحريةـ لعصابات منظمة أصبحت بديلة لأحزاب شيوعية كانت قد تكلست.
أتى الاحتلال الأمريكي لأفغانستان والعراق ليزيد الأمر سوءا على الشعوب التي لم تتنعم بالتغيير، فبدلا من المساعدة على تغيير نظام دكتاتوري بقوى شعبية ذات مصلحة في التغيير، تم تدمير الدولة، مؤسسات وشرعة وتراث وطني بمساعدة قوى إقليمية ومجموعات محلية تابعة، أسفر التغيير القيصري هذا عن سوءات ديمقراطية اشد وبالاً على الناس من أنظمة الاستبداد والفساد، لقد سجل جورج بوش والمحافظون الجدد، بغباء وكأنه مقصود،  كل هذا الدمار والفشل في خانة التغيير الديمقراطي أمريكياً، واليوم بعد النتائج الكارثية للمغامرات العسكرية والفوضى التي رافقتها، يشتهي العالم أن يرى في إدارة اوباما مَعبرا إلى جنة الخلد، وهذا مستحيل فأوباما الرئيس، ليس أكثر من رمز إداري ودستوري لإدارة متشعبة القنوات بحكم التركيبة المؤسساتية للدولة الأمريكية الاتحادية، التي اجتهد المشرعون لكل حالة طارئة منعا للالتباس أو السهو عن مصالح الأمة المتعددة /الموحدة والرئيس، انه هو إلا ممثل لنظام بمؤسسات ومراكز قوى وإدارات وتنظيمات دولتية لا يمكن لعصا الساحر أو بدلة الرئيس ونياته وحتى لون جلده أو أناقة زوجه أن تغير من طبائع الظواهر الثابتة المسارات، خاصة وان من اتفق على تسميتهم بالمحافظين الجدد ليسوا رجال الرئيس أو مستشاريه على طريقة حكوماتنا بل هم أولا وأخيرا ممثلون لمصالح ومؤسسات صناعية ورؤوس أموال ضاربة في عمق المجتمع الأمريكي، حتى إذا غابت عن الواجهة سحناتهم بقيت تلك المصالح و القوى التي يمثلونها.
أن التاريخ وهو سيد الحكماء، يقول: بان حركة الشعوب وحدها، بطاقاتها الذاتية، وأطر حاضنة بقيادات ميدان متصالحة مع جماهيرها تستطيع أن تؤثر في علاقات القوى الكبرى ومنها أمريكا بهذه الحكومات الفاسدة لصالح الشعوب حين ترى أن موازين القوة تميل إلى صالح الشعوب. لكن هذا الأمر يبدو في واقعنا الشرق الأوسطي بعيد المنال في الفترة الراهنة. لقد غدا العالم يوما عن يوم أكثر استعصاء بفعل تحالف الفساد ورأس المال وقوى الاستخبارات الغربية خاصة، لقد أجريت على حركة الشعوب تعديلات قيصرية منذ اليوم الذي تحالف الإسلام الأصولي مع العقيدة الغربية وأنتجت الأصولية الإسلامية في صيغة أفغان متفجرات جهادية مجاهدة بالتكفير بغير تفكير. قد لا يُرى اليوم الآثار المدمرة لهاته الكائنات الخرافية ( عفاريت أفغانستان وباكستان واليمن والعراق ومصر والجزائر وغزة ولبنان) على مستقبل شعوب المنطقة، ولكن إذا لم يتم قطع الطريق عليها، في صيغة عقلية لعلاقة الحاكم بالمحكوم ولا أرى هذا قريبا، فمصالح الحكام والقوى الفاعلة على الأرض تبقي على الترهيب والتخويف بالأسوأ حجة ومبررا لبقائها مسيطرة في أوطانها ولاعبة في المعادلات الدولية، سيأتي يوم يدخل الإرهاب علينا البيوت والمساجد والشوارع.
س- هل تتوقع مصالحة سورية أمريكية وفيما لو حدث ذلك كيف سيكون المشهد السوري وعلاقته بالجوار المحيط ؟ ونحن ندرك المطالب الأمريكية من سوريا لتحقيق هذا التصالح خاصة فيما يتعلق بقضية دعم المقاومة وحركة حماس اضافة لما يسمى بعملية السلام في الشرق الأوسط وقضايا أخرى عالقة ؟
ج ـ شخصيا لا أرى قطيعة سورية أمريكية بالمعنى السياسي الاستراتيجي، رغم الإجراءات الروتينية لعقوبات اقتصادية شكلية ضد سوريا. البلدان يحترمان منذ منتصف السبعينات التفاهمات التي صاغها  الرئيس الراحل حافظ الأسد وهنري كيسنجر بعد فك الاشتباك على جبهة الجولان 1974، وهذه التفاهمات لم تخترق استراتيجيا لليوم، فسوريا أثبتت أنها خير متعاون في حفر الباطن 1991 في حرب تحرير الكويت وأمريكا أكدت على إطلاق يد سوريا في لبنان مجددا أثناء الاجتياح السوري لمقر الجنرال عون ، وفي الحرب على العراق تعاونت سوريا وحليفتها إيران إلى أقصى الحدود مع أمريكا التي كانت تقدم لخصوم صدام أكبر هدية لم يحلموا بها، وفي عز التراشق الإعلامي السوري الأمريكي لم تنقطع زيارات ممثلي السي آي إي عن سوريا.
ويوم تنصيب  الرئيس بشار الأسد، كان الرئيس الأمريكي جورج بوش أول المهنئين وحلفاء أمريكا الأوربيين والعرب كانوا من اشد المناصرين لهذا التنصيب التعيين، ولا يخفى على الحصيف أن إسرائيل حليفة أمريكا الأولى في المنطقة من اشد الحريصين على بقاء السلطة في أيدي الأسد وعائلته ورهطه الفاسد فهم خير من يحفظون مصالح إسرائيل الاستراتيجية.
بالتأكيد هناك تباينات مفاهيم سورية أمريكية مثلما تحدث تباينات بين إدارة الرئيس، والكونغرس، والسي آي إي، في النظر إلى مسائل ثانوية في المسائل الفرعية فيما يتعلق بمصالح هذه الدولة أو تلك في هذه المنطقة أو تلك أو طبيعة العلاقات التي تربط هذه الدولة برجالها ورموزها وفي لبنان أوفي إيران أو الدول العربية.
لا تخفى على صانعي القرار الأمريكي أن التناقضات العربية ـ العربية كأنظمة لسلطات كلها عائلية وتنظيم قوى عميلة في الأماكن الساخنة  لتأمين مصالح أو إدارة صراعات مترفة تغطي على حقائق مستعصية في أماكن أخرى تثير الغبار في وجه التفاهمات والاستقرار الدولي.
كما أن النظم العربية الفاسدة ، تمتلك معرفة بكعب أخيل الحكومات الديمقراطية الغربية،  وحجم القدرات المحدودة لرجال السياسة لهذه الدول الديمقراطية ومنها أمريكا، في تجاوز القانون في دولها العريقة بدساتير مقروءة وإعلام فضولي ورقابة معارضات برلمانية متوفزة، كونها تخضع لعمل مؤسساتي يضبط حركتها آليات حقوقية دستورية ، تسهر فيه قوى على صيانة مصالح هذه الدول تتطلب إجراءات الالتفاف عليها مددا زمنية تطول أكثر من الشرعة الدستورية لصلاحيات أي رئيس غربي يمكن لصناديق الاقتراع أن تستبدله.
أن الخلاف السوري الأمريكي يمتد على حزمة من المسائل الشائكة غير المستقرة التي تشاغب أحيانا على التفاهمات التاريخية: الوضع في لبنان بعد اغتيال الحريري، الصراع العربي الإسرائيلي،  نفوذ وأنشطة حزب الله وإيران
س- كيف قرأت خطاب أوباما في البرلمان التركي وإدانته الصريحة لحزب العمال الكردستاني ؟ هل المطلوب من الكرد مقاطعته أم قراء خطابه بسياسة جديدة ومنهج جديد ؟
ج ـ ماذا يستفيد الكرد من المقاطعة؟ وكل العالم يقاطعهم، وهم يقاطعون بعضهم بعضا، وماذا يعني أن يقاطع الكرد رئيس الولايات المتحدة الأمريكية؟ لقد تأخر الكرد قرنا كاملا عن التواصل مع العالم فضلا عن  الافتراق الداخلي بين بعضهم البعض، ولو سمحت الظروف لأصبح كل كردي حزبا بذاته، هناك خلل ما في ذهنية الكردي عن أهمية التواصل مع العالم بغير تشنج. يجتهد العالم أجمع بما في ذلك القوى الكبرى في التواصل بينها رغم العداوات وتناقض المصالح وما نشوء عصبة الأمم بحد ذاتها إلا لسد ثغرة الخلافات المستعصية بالحوار، آن للكرد أن يتعلموا من أخطائهم أولاً، ومن ثم يسبرون سبب إهمال العالم لهم والانصراف عن أكبر أمة بغير كيان في العالم ولهم هذا الموقع الاستراتيجي نفطاً، ومياهاً، ومعبرا استراتيجياً بين الشرق والغرب، لتعرف دورهم وتخلفهم في هذا الإهمال. لذا على الكرد أن ينظروا إلى استقبال السيد اوباما لأحمد الترك ولو لدقائق، على انه انعطاف كبير وكبير جدا، يجب استثماره بذكاء وحيوية، فالعلاقات السياسية مثل النقش في العاج تمارس بإبر رفيعة جدا وبصبر الأنبياء. لقد حان الوقت أن يعترف الكرد أن الجبال صديق سوء، وأن العزلة في متاهات صداقتها ليست إلا سخرية خادعة روّجها أصدقاء مخادعون لسذاجة الفورة الساخنة لعقول لم تبترد من الغضب أبداً.
تركيا العدالة والتنمية، قوة إقليمية نشطة جدا، وذات وزن اقتصادي وبشري كبير، والقيادات التركية، تعمل بنشاط براغماتي منقطع النظير، تعينهم في ذلك مؤسسات عالية التأهيل تديرها نخب أكاديمية ديناميكية، مثقفة، وهي، تركيا، تتحرك على جميع المحاور في مواجهة القدرات الكردية المحاصرة المحدودة التي تنتظر داخليا شهراً وراء شهر لتتلقى تعليمات السيد “عبد الله أوجلان” من خلف الأسر التركي، أو نطق جوهرة لفظية يتفتق عنها مخيال القيادة المترفة بالمناصب الشكلية بالسعادة المحدثة بالفساد في إقليم كردستان (العراق)، بتجليات ثلّة من مستشاري المهاجر الغارقين في الفساد ونهب لقمة عيش البائسين الناجين من الأنفال والمحارق الكيمياوية والتهجير القسري، الذين قضت أجيال منهم في حروب على الجبهات على مدى قرن كامل.
بالتأكيد لا تدار الدول وتقاد الشعوب بردود الأفعال اللفظية وحدها، بل بالاستقرار في كيان عصري بضمانة “أمن قومي” ووطني كردستاني في الثروة والحكم والشرعية المدنية المصانة بالعلاقات الأوسع مع شعوب الجوار وليس في الاتكال على أمريكا أو استرضاء إيران أو تركيا، ولا في المعازل، خاصة حين يكون خصمك دول عقائدية دينية فضلا عن الفيض الفاحش لطغيانهما القومي.
تتحرك تركيا أوربياً بمصالح متبادلة، وعلى المستوى الدولي تتقدم إلى العالم كزعيمة للعالم الإسلامي وإقليميا يشمل دورها كل الساحات من لبنان إلى غزة إلى الرياض إلى قطر إلى كركوك  لتستقر في دمشق، فهي من جهة تقدم نفسها زعيمة العالم السني في مواجهة إيران وتتخذ موقعها كعضو مراقب في الجامعة العربية، رأينا في قمة رياض2007، على شاشات التلفزة، في الوقت الذي كان الرئيس العراقي الكردي “جلال الطالباني” منهمكاً بأكل الفستق، كان “أردوغان” يتحدث كناطق باسم كركوك ومشكلاتها ومستقبل العراق.
تتحرك تركيا إقليميا كراعية للسلام، وسيطا بين العرب وإسرائيل، والكرد غائبون عن كل ما هو خارج اربيل والسليمانية فهم غرباء على “منظمة المؤتمر الإسلامي”( يترأسها التركي “إكمال الدين إحسان أوغلو” الشخصية الإسلامية المقربة من أردوغان، وهي ثاني أكبر منظمة حكومية دولية بعد الأمم المتحدة وتضم في عضويتها سبعاً وخمسين دولة)، ولو بصفة مراقب، وعن الجامعة العربية التي استقبلت تركيا عضوا مراقبا فيها، وقيادات إقليم كردستان فوق هذا وذاك متهمة بالعمالة لإسرائيل وأمريكا وتركيا وإيران وهم غائبون عن المحافل الدولية ما عدا بعض الزيارات الفولكلورية. شخصيا لا اعرف كم من الوقت يستطيع الكرد الاستمرار في البقاء على هامش الكون كما هم اليوم؟ قد نرى قريبا أن القوى الدولية تجلس مع قراصنة الصومال والكرد مازالوا في غياب بائس.
نعلم أن مجموعة من الشخصيات اللبنانية رغم الظروف الصعبة زارت إقليم كردستان العراق على ضعف أهميته، كما يعلم القادة الكرد في الإقليم أن السيد محمود عباس زارهم، رغم الأوضاع الاستثنائية عنده، ليجد حلا لبضعة مئات أو ألفا أو ألفين من فلسطينيي العراق، فهل سمع أحد بزيارة للسيد مسعود برزاني لمخيم مقبلي” كرد سوريين” أو مخيم مخمور” لاجئين كرد من تركيا؟ ألا يستدعي وجود الآلاف الكرد المهملين في لبنان في حمى الصراع الانتخابي على عشرة أصوات، زيارةً من السيد مسعود البرزاني أو حتى الطالباني، لبيروت يشدّ من أزر المطالبة بتمثيل نيابي للكرد أسوة بباقي الأقليات ممن هم دون الكرد عددا عشرات المرات حتى لا نقول أسوة بالجالية الارمنية التي أصبحت بيضة قبان الانتخابات؟
نتساءل ومعنا الكثير من المراقبين، أين هي الكوادر الكردية المؤهلة والموظفة في الصراع بطاقات لا يعدمونها، ولا تعدمها المجتمعات الكردستانية، لا في كردستان العراق ولا في تركيا ولا في صفوف حزب العمال الكردستاني؟ بالتأكيد أن الكرد في العراق لديهم عشرات المئات ممن هم جديرون تبوأ أرقى الإدارات لو كانوا من أسرتي الحكام، كنا نتمنى لو أن الحصافة بلغت بهوشيار زيباري والقيادة الكردستانية في اختيار شخصيات كردية كاريزماتية للسفارات العراقية تعوض ما فات من غياب دبلوماسي خارجي افتقده الكرد رغما عنهم، كما كنا نتمنى وبقوة، لو أن القيادة الكردية تمسكت بكردية السفير العراقي لمنظمة “اليونسكو” لما لها من أهمية لجهة  تحديد ولو فسحة صغيرة للثقافة واللغة والآداب والشخصية الكرديةـ وهو موقع أهم ألف مرة من رئاسة العراق الفارغة وحتى من وزارة الخارجية، للأسف ذهبت المحسوبيات بالطموحات.
إن المناورة بالقضية الكردية في غياب عقل استراتيجي كردي واقعي، براغماتي، جماعي وتعددي، يتلمس الحياة اليومية للناس بالحراك في فسحة من الحرية السياسية والعلاقات الدولية، تمكن من مواجهة  إدارة “اردوغان” و”غل” الإسلاميين المتسلحين بإرث أخوان مسلمي فاحش الذلاقة اللفظية ببراغماتية دينية وحزمة فتاوى تبريرية فضلا عن النفوذ السلطوي المزدوج المحمول دولتياً.
علينا أن نعترف أن حزب “العدالة والتنمية” يجتهد بنجاح في اختراق الكتلة الشعبية الكردية المتدينة غير المستوعبة من قيادة حزب العمال الكردستاني بالعلاقات متعددة المنافع التي تغوي بها شرائح ليست بالقليلة، يخلخلها بخطاب ديني /خدماتي بعدما صحرت سياسات قوى تركية متعاقبة أجزاء كبيرة من كردستان تركيا بدعم حراس القرى المتعاونين وتجار المخدرات، وبالسدود المقامة على نهري دجلة والفرات وغرق آلاف مزارع وقرى الأرياف الكردستانية بالمياه، لقد اختنقت المدن الكردستانية ذات البنية التحتية المهملة، بالهجرة الريفية التي خلقت أحزمة بؤس من حولها غدت مستوطنات سكانية فقيرة تغرف منها سياسات العدالة والتنمية في الانتخابات النيابية والبلدية.
تظهر التصريحات الأخيرة التي أطلقها السيد “أحمد ترك” رئيس حزب المجتمع الديمقراطي، كم أن الهوة سحيقة بين التفكير المؤسساتي لحزب العدالة والتنمية، و زعيم أكبر حزب كردي نشط  محتضَن عقائديا وشعبيا بقدرة استشهادية غير محدودة عسكريا، والممثل الأهم افتراضاً، لمصالح أكبر أمة في الشرق الأوسط بغير كيان، يتحدث بعقلية كادر حزبي أسير لفظية تعليمات مسؤوله بفهم عقلي أحادي الاستيعاب!، فبدلا من أن يستند السيد الترك إلى لقاءه بالرئيس الأمريكي، فيرفع من السقف السياسي التفاوضي، يعطي به زخما لجماهيره وقائده ورفقائه، الشهداء الأحياء في الجبال، أعطى الترك الخصم كل ما يطلبه، وما لا يطلبه أيضا، إذ من غير المفهوم كيف سينظر السيد الترك في عيون آلاف الشبيبة الكردية السورية تتقدم في صفوف منظوماته الحزبية والعسكرية إلى الاستشهاد كل لحظة، ، حين يجيب على سؤال:
•    ما هي أوجه الإخلاف بين آراء بارزاني وحزب المجتمع الديمقراطي؟
”  ـ نحن سياسيون نعيش في بلدين مختلفين. لكل بلد ظروفه الخاصة و مطاليبه. لو كنت في العراق اليوم، لدافعت عن الفدرالية، لأن كورد العراق كانوا ضد الإمبراطورية العثمانية وتم إلحاقهم بالعرب ولم يتم احتضانهم كالواجب. أما في تركيا فالقاعدة تختلف. الكورد والترك عاشوا معا لآلاف السنين، لذا لا نطالب بالفدرالية في تركيا، بل نطالب بإدارة ذاتية ديمقراطية، نطالب بتقوية الإدارات المحلية. ” ؟؟؟!!!!!
ففضلا عن المغالطة التاريخية، التي ألغى بموجبها السيد الترك عشرات الانتفاضات الكردية ضد السلطنة العثمانية ومئات الحملات التي جردتها السلطنة ضد كردستان، وحملات نقل سكاني، شملت مئات الآلاف من النساء والأطفال والشيوخ والقطعان، مئات الكيلو مترات من الديار الكردستانية إلى غربي الأناصول والشام مترافقة بعشرات المجازر وآلاف الشهداء منذ القرن السابع عشر. حقيقة لم يندمج من الكرد بالترك غير اسم السيد “أحمد الترك” سامحه اللهّّّّّّّّّّّّّّّّّّّ ، لقد انزل السيد الترك سقف ثوابته القومية دون ما اتفق عليه زعماء الإقطاع الكردي وبكواته مع مصطفى كمال في اتفاقيتي أرزروم تموز 1919 وسيواس أيلول 1919!!!!!!.
لمن تسلف النخب الكردية شهادات حسن السلوك بغير مقابل؟ أنه سؤال، أتمنى لو يتاح لنا مناقشته يوما بشفافية، مع هذه القيادات سواء في إقليم كردستان أو في اطر حزب العمال الكردستاني ومنظوماته التي تحظى تضحياتها بتقديرنا، لكن يبدو أن بعضا من هذه القيادات، تقول ما يحلو لها من طيب الكلام باعتبارها تسير على خط القائد “الأسير” والحقيقة أن قائدهم، لم يتوقف عن الطلب منهم مرارا أن يتخلصوا من الدوغما وأن يرتقوا بوعيهم إلى مستوى الحدث، دون أن يحملوه كل أخطائهم “… سأقول للأكراد أيضاً : أفعلوا بأنفسكم ما تريدون فعله في مواجهة هؤلاء ، واتخذوا قراركم بأنفسكم . أنا هنا في هذه الظروف لا أستطيع إدارة أحد ، ولن أكون مسؤولاً عما بعد ذلك . لا أستطيع معرفة مدى توسيعهم لمقاومتهم ، فلست أنا المسؤول عن ذلك ، ويجب أن لا يدفعني أحد إلى اتخاذ القرار بذلك . معلوم أنه طُلِبَ مني من قبل إتخاذ بعض القرارات هنا ، وألقي بها على عاتقي . كلا ؛ هم الذين يقررون مايصدرون من قرارات وما يفعلون ، فمن قبل اتخذتُ قراراً بانسحاب القوات ، واستشهد المئات من رفاقنا ، ويجب أن لا ينتظر أحد مني مثل ذلك الأمر . في مرحلة عدم الاشتباك هم أفضل من يقررون كيفية تموقعهم . فأنا هنا شخصية معنوية ، وأعمل من أجل السلام منذ أحد عشر عاماً . إنهم يضعونني أمام مهام كثيرة ، ويضخِّمون ويقولون بأنني قائد ، ألا يعرفون بالشروط التي أتواجد فيها ؟ أنا لا أستطيع الإدارة من هنا ، وهم الذين يحدِّدون قادتهم من أجل أنشطتهم…” رسالة القائد 22 أبار 2009 ، ماذا بعد اذا؟.
س- يتخوف كرد العراق من الانسحاب الأمريكي من العراق برأيك هل سنشهد انهيارا للإقليم الوليد ؟  كيف تتصور واقع كرد العراق بغياب المظلة الأمريكية ؟  ماذا يتحتم على حكومة الأقليم ليحافظوا على ما انجزوه من حكومة ذاتية وإقليم مستقل ؟
ج ـ حقيقة لم يحظ الكرد بمظلة أمريكية، بل وجدت منطقة حماية من طيران صدام بعد انتفاضة 1991  اثر هجوم قوات صدام والهروب الكردي المليوني إلى كردستان تركيا، ولغاية الاجتياح الأمريكي للعراق2003 هذه المظلة عينها حرّمت بقرار أمريكي على الكرد أي شكل من أشكال تنظيم كيان مستقل لهم على الأرض، لقد كانت هذه الحماية لغايات تكتيكية تخض استخبارات الحلفاء وأعوانهم من المعارضة العراقية أمثال الجلبي والجعفري وعلاوي وكان الكرد مطية نقل لا غير، وهذا ما تبين لاحقا.
منذ المظلة إلى الاحتلال  أصبح الكرد وأرضهم منطقة رمادية مكشوفة ليس لأمريكا والغرب وحسب، وإنما لكل الحثالة التي كانت تسمى معارضة عراقية ممن يستكثرون اليوم على الكرد الحق باستعادة من بقي على قيد الحياة من ضحايا الأنفال لديارهم، أو أي إجراء يعيد إليهم أو يعوضهم عن الحيف الذي لحقهم بما في ذلك محاكمات شفافة عن الجرائم التي حاقت بهم، من تهجير وتدمير وتغيير ديموغرافي.
أن البراغماتية الغربية جعلت من الكرد دون الشيعة والعرب جميعا، ظاهرياً، مظلة بشعة مكروهة من العرب والمسلمين، للاحتلال الأمريكي، وجعلت من الكرد الخاسر الأكبر من هذا الاحتلال الذي أتى ليقوي النفوذ الإيراني الشيعي والتركي السني فأصبح الكرد إما يهوداً أو عَبَدَة الشيطان!!!!!!!! فأين هي المظلة الأمريكية؟ وكل التشريعات التي تم ترتيبها من قبل بريمر وخليل زاد لا تصب في مصلحة الكرد لا بل فوتت على الكرد فرصة تثبيت حقوق أقلّها حكم ذاتي منجز دستوريا وقانونيا على كامل أرض كردستان ذي الغالبية الكردية تاريخيا(دون أن نغفل لحظة أن الكلدان والآشوريون هم سكان كردستانيون أصلاء)  هذا إذا لم نقل الاستقلال الكامل المنجز بحكم الانفصال التام عن دولة سايكس بيكو لعرش مستورد لأسرة من الحجاز، واليوم، تفرك القيادات في اربيل والسليمانية الأصابع، يوما تلو الآخر، يستجدون الجعفري تارة والمالكي تارة أخرى والنجيفي  وأمثالهم، بعضا مما اتفقوا عليه وهم الذين كانوا المطية التي ركبها الجميع إلى السلطة. لقد ثبت أن ما يراكمه الكرد بالتضحيات تذروها رياح المفاوضات البائسة لقيادات متخلفة.
للأسف تفتقد الأمة الكردية قيادات مؤهلة علمياً وعقلياً، أكاد اجزم القول أن قيادات الكرد اليوم، ما عدا “عبد الله أوجلان”، كائنات لا تقرأ الفلسفة أو التاريخ  فكيف لهم أن يتفكروا في شؤون الكون وشعوبهم والعالم وحركة المتغيرات السريعة في الموازين والقوى، لقد غدوا أسرى حرية استهلاكية مدقعة، على العكس من “أوجلان” الذي يغدو يوما عن يوم أكثر حرية في أسره.
حان للكردي أن يعترف:
ـ لم تكن أمريكا يوما صديقة للكرد، وربما يدرك هذه المعادلة السيد مسعود البرزاني أكثر منا جميعا.
ـ لم يصبح الكرد وقضيتهم القومية مصلحة استراتيجية لأمريكا أو الغرب عموما فضلا عن عداء الجوار.
ـ اعتادت القوى الإقليمية استخدام الكرد العراقيين ( إيران تركيا سوريا) مطية مرحلية لصراعات ليس للكرد فيها مصلحة أو قول.
ـ زرعت بعض النخب الكردية الإشكالية، في وهم الكرد مقولة احتمال الاحتضان الغربي لقضيتهم بحكم الصداقة والقيم التحررية، إذا أظهرالكرد أو بعضهم، عداءً للإسلام وشعوب الجوار. لعب هؤلاء وما زالوا دور أدلاء للاستخبارات الغربية مقابل مظاهر شكلية وتصريحات منافقة مناسباتية، جعلت من القضية الوطنية الكردية كبش فداء وصحن برغل القوى الدولية بالتضحية بالشعب والقضية لمصالحها الاستراتيجية، وإذا كان المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين فماذا نقول عن الكرد ؟ هذا ما حدث لعبد الرحمن قاسملو وبرزاني الأب في لحظة تاريخية ووقع في الفخ عينه أوجلان أسيراً، وقبله الشيخ سعيد شهيدا والبدرخانيين ضحايا خداع وشهداء آغري ضحايا وَهم المَخدوعين، بمراوغة أمثال الكابتن نوئيل أو بيير روندو وروجيه ليسكو وكوشنر ودانييل ميتيران وفرنسا الحريات والمعهد الكردي في باريس أو أمريكا، وجاي غارنر وبريمر وخليل زاد يعاونهم جيش من مثقفي المنافي.
أن كيان إقليم كردستان العراق اليوم، لا هو بالمشيخة العربية، ولا هو بالأمارة الملكية تفصل في أموره شرعة دستور يحدد حدود الحاكم وهامش الجماعة المأمورة، ولا هو بجمهورية رغم المظاهر الشكلية من برلمان وحكومة ورئيس إقليم. فالبرلمان تسوية بين حزبين للشكليات وليس للتشريع والحكومة محاصصة بين اربيل والسليمانية بحدود فاصلة  وسلطات لقوى ميليشيات على الأرض تتفوق على تلك الرسمية بصلاحيات الملكيات المطلقة والرئاسات وجاهة مبادلة بين اربيل والسليمانية، بغير شرعة دستورية تؤسس رمزا لوحدة الجماعة وتصون حقوقها ومصالحها القومية وأولها الثروة والمشاركة والشفافية. عجزت حكومة إقليم كردستان عن إنجاز أي مشروع مدني، قومي، دولتي يرقى إلى تضحيات الكرد وحلمهم التاريخي بوطن، غدا أشبه ما يكون بمزارع خاصة عشائرية وعائلية في صورة ومثال أسوا ما تكون عليه أنظمة الاستبداد الشرق أوسطية،أزيحت فيه مصالح الأمة التي ضحت وناضلت  وتشردت في الجبال إلى النسيان والإهمال.
لم يعد خافيا أن هذا الشكل الخادع من الإدارة الذي تم بين الحزبين/ الجماعتين، السورانية والكرمانجية لصالح عائلتي البرزاني والطالباني قطعت الطريق على باقي القوى المجتمعية التي لا يمكن بغيرها بناء مجتمع مدني وإشاعة العصرنة المدنية والرقابة الشعبية، ضمانة الدولة ومصلحة الأمة/ الملّة، فالانتخابات مزورة بقانون القوة والاقتسام والإدارة بحكم الإرث والدم والسيطرة الأمنية. إن خيرة أبناء الإقليم مغيبون ومهمشون لصالح قوى حزبية عائلية تنهب من المال العام تعيش رفاهية أرقى عواصم الغرب والعرب في حين تفتقد المدن والأرياف الكردية الماء والكهرباء، والقوى الاجتماعية فيه مجمدة لصالح استقطابات عشائرية وعائلية في فوضى الاحتلال وحشد الحشد الاقليمية بالصراع المفتوح على المجهول، يشكل هذا الوضع القائم مناخل مثالياً للقوى الغيبية الدينية والتطرف الإرهابي للتسلل إلى عقول البسطاء الذي لم يبق لهم إلا الله والتفنن في قمع النساء حيث تكثر جرائم الشرف وظاهرة انتحار النساء. و إلا كيف نفسر حدوث التالي في القرن الواحد والعشرين في كردستان: (… وفي قضائي رانية وقلعة دزة في السليمانية، اظهر الاستطلاع الذي شمل 75 قرية من 1659 أنثى تعرضت للختان من اصل 1704، أي ما نسبته 97” من المشاركين.وفي محافظة اربيل، شمل الاستطلاع 46 قرية بمشاركة 1902 أنثى تعرضت 1445 منهن للختان أي ما نسبته 76”. أما في قضاء السليمانية، فقد شمل الاستطلاع 52 قرية بمشاركة 730 أنثى تعرضت 475 منهن للختان، أي ما نسبته 65”.ويؤكد المعدل العام للاستطلاع أن حوالى 8200 أنثى خضعن لعملية الختان من اصل حوالي عشرة آلاف وخمسمائة من 353 بلدة وقرية في محافظتي السليمانية واربيل …. ) وكالة فرانس برس الأربعاءـ 5 ـ2009  جريدة الاتحاد ـ السليمانية-   القدس العربي العدد: 14 ايار 2009.
أن كيانا بالصورة التي عليها إقليم كردستان العراق يفتقد كل خصوصية قومية ودولتية، غدا الإقليم وزعماؤه أحصنة طروادة لنسف وحدة الشعوب الكردستانية في إيران، وتركيا خاصة، التي تتدخل في أمور الإقليم أكثر ما يتدخل البرزاني في شؤون السليمانية أو طالباني في شؤون إربيل، والتفاهمات الصامتة أو غير المعلنة مع إيران التي لم يتوقف قصفها لأراضي الإقليم في حين إننا نرى أن معسكرات مجاهدي الخلق مصانة بالحماية الأمريكية. . تثور ثائرة الطالباني والزيباري ونيجرفان برزاني حين يصر البيشمركة الكرد(الاوجلانيين) الاحتفاظ  بأسلحتهم وجبالهم للدفاع المشروع قوميا والمشروع أمنيا والمشروع سياسيا، ولا يرف لهم جفن إذا قصفت تركيا وإيران قرى وبلدات كردستان العراقية، ينسى هؤلاء أنهم كانوا ضيوفا لسنين على حكومات معادية للكرد ويستنكرون على كرد تركيا وإيران الالتجاء بجبالهم الكردستانية، محتجين بالحدود!!!!سبحان الله أية حدود؟ عن أية حدود يدافع أحفاد ملا مصطفى البرزاني  الذي عرفت أقدامه كل ارض كردستانية، ألم يكن جنرالا في (حكومة مهاباد)؟ وهل الحفاظ على حدود تمزق ارض أجدادهم هي مهمة الكرد الوطنيين؟ وهل الأوطان ملكية خاصة أم ملكية قومية؟ !!!!!!!!.
إذا أجرينا مقارنة بسيطة بين حالة إقليم كردستان العراق ومثيله السلطة الفلسطينية نرى الفارق النوعي في إدارة أزمة واستخدام أوراق كل من القيادتين ففي الوقت الذي كانت السلطة الفلسطينية في مواجهة قوة إسرائيل الشرسة في المداورة على كل ذرة تراب وسلطة تعطى للفلسطيني كانت قيادة الإقليم بسقوط الدولة العراقية حرة طليقة إلا من أسار تعلقها بمصالحها الذاتية في مواجهة الشراكة مع شعبها، أسيرة إرضاء القوى المجاورة ومنها الأمريكية عل وعسى تنال جائزة ترضية،
في الوقت الذي لم تقبل السلطة الفلسطينية، في أشد مراحلها ضعفا وحصارا التنازل عن حق الدولتين المستقلتين وهي لا تملك منه شيئا تنازلت سلطة الإقليم عن حقها في الاستقلال لصالح وهم إدارة ذاتية ناقصة الاعتراف بها من الآخر، في الوقت الذي كانت السلطة الفلسطينية بقيادة عرفات المجربة والكارزمية والشرعية الشعبية لا تقبل التنازل عن أي حق مشروع في دولة بسيادة وهي محاطة بالدبابات وآلاف المعتقلين وحصار اقدر سلطة شرق أوسطية ورفض عرفات في طابا و”واي بلنتاشن” وفي جميع المفاوضات التوقيع على أية اتفاقية تلزمه التسليم بتقسيم فلسطين (مما يعني التنازل حقوقيا عن ارض فلسطينية)، تنازل الإخوة في سلطة الإقليم( ومعهم كل اوراق القوة) ليس عن حقهم في الكثير من المناطق الكردستانية في العراق كما وهبوا تركيا الخصم التاريخي لقضيتهم عن رضىً وتفاهم أربعة قواعد عسكرية أدت إلى تدمير عشرات القرى ومصادرة مساحات من أراضي كردستان لحاجتهم لتركيا في صراعهم مع حزبي العمال الكردستاني وحزب الطالباني.
أن سلطة إقليم كردستان ولئن كانت تستند إلى شرعية حق تاريخي للكرد عامة وأهل الإقليم خاصة لهي سلطة قاتلة للشرعية القومية، حين تصبح متواطئة مع القوى الإقليمية بغير مرجعية وطنية كردستانية، وبغير شرعية شعبية ودستورية فكيف إذا كانت فاسدة فاشلة في إدارة الصراع إلا بالتصريحات المتناقضة خاصة تلك التي وردت مؤخرا على لسان رئيس الإقليم بان: الكرد يستحقون رعاية أفضل من قبل أمريكا.!! ونحن نتساءل ألا يستحق الكرد من سلطتهم رعاية أفضل من هذه؟ إن القيادات الكردية المنتشية بالسلطة ولو المحدودة، وخاصة سلطة المال والنفوذ في شمال العراق جعل من الاستبداد داءً لا يمكن معه أي إصلاح فالاستبداد يعمي البصر ويختم على البصيرة ويبلد الإحساس ويجمل المخيلة بغناء المنافقين. ستكلف هذه التجربة الأجيال الكردية مستقبلا، إحباطا وفشلا كبيرين.
لنأتي إلى المشهد الكردي السوري
س- كيف تبدوا لك الصورة للمشهد الكردي السوري  ؟ هل التنظيمات الكردية بحجم المعاناة اليومية لهذا المواطن الذي يتجرع التعاسة بكل ألوانها وفقد كل وسائل الدفاع عن نفسه ؟ أم حالها كحال كل الأحزاب السورية لاحول لها ولا قوة.
ج ـ بدءا، من الإنصاف القول أن الساحة الكردية، هي الساحة السورية الوحيدة التي تشهد حراكا سياسيا شعبيا، لحجم المظالم المضاعفة عما هو في المناطق العربية فضلا عن سياسات عسف وقهر مناطقية عنصرية تمارسها أجهزة وإدارات سلطة الفوضى لعائلة الأسد التي حررت كل الرموز الحاكمة: من شرطي مخفر القرية، إلى رئيس جهاز امن أو قائد شرطة، أو محافظ، أو حتى مزاج  أي عنصر مرتزق يريد أن يوسع في لقمته تكون على حساب الكرد دون رادع قانوني ودون ردة فعل كردية منظمة أو سياسية تتجاوز الصرخة و الرقص في الأعياد والتخييم في كل المناسبات غير المناسبة وانكأها عيد العمال، وإصدار البيانات وكتابة المقالات لفض قهر.
أن سلطة كتلك السورية المركبة من خليط الاستبداد ومفاعيله يجعل من كل من يتأمل منها خيرا  دون الحماقة والغباء درجات، للأسف أقول أن التنظيمات الكردية التي تشرّفت بتضحيات شعبها وانتفاضاته المتكررة منذ منتصف الثمانينات وذروتها آذار 2004 وما بعده هي تنظيمات دون تضحيات شعبها ومهامها الوطنية أو القومية كما أن التنظيمات العربية المعارضة، على تضحياتها الكبيرة ( سجون ومنافي ومجازرالثمانينات والتسعينات) تحولت إلى قواقع فارغة يلفها العجز والتناحر والأمعية بالمشاحنات الداخلية.
لقد تخلفت التنظيمات الكردية عن الالتحاق بالحركة المعارضة السورية ثلاثة عقود من الزمن، تخلفت يوم كانت هذه الحركة ذات حضور سياسي، والتحقت بها يوم صارت هذه الحزبيات السورية مخلخلة عجفاء لا حضور شعبي يسندها ولا حيوية ميدانية سياسية لها. استقبلت هذه التنظيمات العربية السورية تلك التنظيمات الكردية الأشد تحجرا واستعصاء على التطور كفاتحين إلى مملكة العَجَزة في “إعلان دمشق” ليغرفوا معا من عصيدة ضحايا الانتفاضات الكردية.
نعلم جميعا، إن التنظيمات الكردية السورية، بمجملها، ما عدا “الاتحاد الديمقراطي” أوجلان، هي حالات انشقاقات متناسلة من بعضها كتورمات لاستعصاءات الدورة الدموية تكورت في تنظيمات فيها من السريالية الكثير، فهي فضلا عن ذكوريتها القيادية على غرار مثيلاتها العربية، تجمع بين ثقافتين واحدة عصرية لجهة الخطاب السياسي وأخرى تنظيمية دون البنى القروية والرعوية العشائرية التي ميزت المجتمعات الكردية لكنها اقل مناقبية من الجماعة العشائرية، لتقرن تاريخي في قياداتها المتخاصمة بالشحناء، تكون أحيانا كثيرة لإرضاء مزاج المسؤول الأمني أو تدارك غضبه، كما حدث لسنوات في عهد محمد منصورة الضيف المرحب به في غير خيمة نوروزية.
لقد تشكلت معظم هذه التنظيمات( في حدود معرفتي المتواضعة) كحالات انشقاقية عن ثلاث تاريخية( نسبيا) اليسار( عصمت سيدا ـ بدر الدين) المنشق عن اليمين ( حميد درويش)  والحياد ( بارتي دهام ميرو) ،والتصنيفات لأصحابها وليست لنا، وهو الحياد، نتاج صياغة تدخل البرزاني الأب بطريقة عشائرية لحل مشكلة الانشقاق الحاصل، و بدلاً من أن يوحد التنظيمين المنشقين، انشأ ثالثا عائليا وباركه بمرجعيته والتي لليوم وهي تتفسخ إلى انشقاقات كلها برعاية ذكراه.  في ما عدا العقيدة التجريبية لليسار، الذي اجتهد لاكتساب صيغة عقائدية ومفهوما سياسيا تبقى الأخرى ترجيعا لخطاب قومي مكرور بغير رؤية سياسية.
مع دخول حزب العمال الكردستاني الساحة الكردية السورية بمظلة التفاهم والسلطة الحاكمة بأجهزتها الأمنية، وبالحيوية التي ضختها ( الشخصية الكارزماتية لعبد الله أوجلان ورفاقه المتأتية من استنهاض الإرث اليساري التركي، الطلابي العمالي، لحقبة السبعينات والثمانينات) في الساحة السورية بكردستانية تجاوز المألوف السوري بالكفاح المسلح وإرسال الشبيبة إلى الجبال وإزالة الفارق بين الجنسين بشفافية عالية ساهمت بخصوصيتها القادمة من وراء الحدود والتجربة الطلابية التركية الماوية بدت أشبه ما تكون بدخول غريب عن المجتمع الكردي السوري كمن يرمي حجرا كبيرا في مستنقع ساكن.
أدت العلاقة المتينة بين تنظيم “بي كا كا” والسلطة السورية، بقوافل الشباب والشابات عن حميّا وقناعة كردستانية إلى ميادين القتال في الجبال.  إلى الدفع بالتنظيمات الكردية الأخرى إلى اللجوء أكثر بحاضنة ضابط أمن الجزيرة ذي السلطات الخارقة “محمد منصورة” الرجل الذي لم يفتأ يمزق جسد التنظيمات الكردية وولاءاتها إلى تنافس التنظيمات في هامش حرية (الاحتفال بالنوروز وشكليات لفظية لجهة الأسماء والأعياد) بالمبارزة فيما بينها، جعلت منها أشبه ما تكون محفوظة برسم المناسبات، رهينة الصراع فيما بينها، في حين كانت المستوطنات العربية تقضم الأرض وما عليها  ويتم التضييق على النشطاء المستقلين لقد غدا الأمر بالنسبة للسيد الجنرال “منصورة” أن: الناشط الكردي غير التنظيماتي هو متمرد على السلطة وعلى التنظيمات، هذا دون أن نغفل أن الحيوية الكردستانية التي إشاعتها ظاهرة ” بي كا كا” ضخت في المجتمع الكردي بروز طاقات فردية مستقلة وحزبية لارتشاف الثقافة والوعي والحضور الأدبي بوتائر عالية جعلت من المجتمع الكردي يتقدم على سائر التشكيلات المناطقية السورية ثقافيا” أدب فنون مقالة الخ، والتي ستترك لاحقا آثار كبيرة على طبيعة العلاقة بين الأحزاب والمجتمع، أن الثقافة النقدية التي ضختها في المجتمع بحاجة إلى حاضنة مستقرة يفتقدها الفضاء السوري إذ منذ أكثر من ثلاثين سنة يدفع الجيل الكردي الشاب  والمثقف من لحمه الحي من سياسات القمع والإهمال، ( يجري منذ بداية الثمانينات عملية إقصاء للشباب الكرد بطرد الطلاب وفصلهم من المعاهد ، بالاعتقالات المنظمة، و بالتهميش المتعمد لمناطقهم، وسيطرة وظيفية لعناصر مستوطنات الغمر على الإدارة، فضلا عن تدمير حياة مئات الآلاف بمفاعيل التجريد من الجنسية وقذف عشرات الآلاف إلى أحزمة البؤس من حول المدن والعاصمة، إجراءات تعسفية تعيق الكرد حتى عن التنفس، لقد أصبحت بلاد الكرد تبدو وكأنها معزل تطهيري قائم بسهر الأجهزة الأمنية وشبكات المخبرين والفاسدين وعرب الغمر في غياب الدولة في أية صيغة قانونية ولو سريالية).
اليوم، بعد آذار 2004 ما أن يفتح مسئول كردي فمه حتى يردد: قضية ارض وشعب، ولكن الترداد ولو حتى في النوم لهذه الكلمات لا تصنع معجزة، بل إعطاء الكلمات مدلولها السياسي فعلا، هو الذي يجعل من مفاهيمها حقائق قابلة للحياة، كان يوما للفلسطينيين ارض وهم شعبها، أتت الهجرة اليهودية المسلحة وطردتهم من أرضهم وأقامت عليها مستوطنات لغيرهم، أصبح الفلسطيني مشردا في كل البقاع يحلمون بحكومات العرب أن تحرر لهم أرضهم وحين تيقنوا أن إسرائيل تهزم حكومات العرب كلها، تقدمت منظمة التحرير( قيادة طموحة لمنظمات شتى، بثوابت مبدئية وواقعية ميدانية) لمهمة استعادة الأرض بكل الوسائل المتاحة، جعلت من قضية شعبها همّ كل رئيس دولة على مدار الكرة الأرضية.
ليس صحيحا أن 22 دولة عربية وقفت خلف الفلسطينيين داعمة، مثلما يحلو لبعض الكرد التبرير، لقد فرض الفلسطيني قضيته على ال22 دولة عربية متقاعسة ومتآمرة، نجح الفلسطيني لأنه أنشأ قيادة براغماتية بثوابت، تدخل في تشكيلها بتعددية جهادية اجتهادية وديمقراطية واقعية شرعت لكل إشكال النضال: من أكثرها سلمية إلى أشدها تطرفا، فكان لهم أن استعادوا جزءا من هذا الأرض لكل هذا الشعب.
س- لم اليأس من هذه التنظيمات من قبل الجمهور الكردي ولم لم تستطع ليحين اللحظة أن تحرك أي قضية نحو الحل ؟ مثلا قضية الحزام العربي عالقة وتتجه للتطبيع أكثر وأكثر ومعاناة الكرد المجردين من الجنسية في تفاقم والاعتقالات مستمرة والفقراء يزدادون فقرا وووووووووو؟
ج ـ في المسائل ذات البعد القومي لحقيقة المشكلة الكردية يبدو وكأنه حدث نوع من التواطؤ التاريخي التكتيكي بين الحكومة السورية والمكونات المللية للنخب السياسية التي تشكلت منها إدارات الدولة السورية على مر العهود، منذ الانتداب الفرنسي مرورا بعهد الاستقلال الأول إلى حقبة الانقلابات إلى الفسحات البرلمانية ووأدها في عهد الوحدة المصرية السورية والانفصال والبعث.
صار للمستعمر الفرنسي بموجب اتفاقات سايكس بيكو الأمر في تحديد كيان محدث لنفوذه باسم سوريا ، دولة في كيان مثل سائر كيانات سايكس ـ بيكو بأقوام متعايشة بغير كبير تجانس( عرب كرد شراكسة وتركمان فضلا عن الجماعات المسيحية) بزعامات ومصالح منعزلة عن وحدة الأمة المكونة حديثا، أفضت إلى تثبيت المصالح الاستعمارية استقطاع ما تقتضيه المصلحة وإلحاق ما يلزم بما لا يلزم. سهلت الاستيلاء على الممرات الاستراتيجية ومناطق الثروات.
نشأ عن غياب مرجعية سياسية أو روحية أو مللية للجماعة الكردية التي ألحقت بدولة سوريا بترسيم الحدود نهائيا بين هذه الدولة وتركيا الحديثة فراغ حاولت أن تشغله بالوكالة مجموعة شخصيات كردية لعائلات نصف إقطاعية نصف ارستقراطية ( الأخوين بدرخان، أبناء جميل باشا، حاجو آغا، وبعض المتنورين من المهنيين والمثقفين وبعض الأرمن) من الطرف الشمالي من الحدود، عمل بعضهم مباشرة بإمرة ضباط استخبارات بريطانية وفرنسية (الإخوة بدرخان)، وأخرى انضوت لاحقا بحكم الأمر الواقع( حاجو آغا) وثالثة انعزلت في ثرواتها وهمومها العائلية( أبناء جميل باشا، وإبراهيم باشا) وقلة استمرت في همها الكردستاني( جكر خوين عصمان صبري ونور الدين ظاظا ) لم تكن جميعها تتمتع بمؤهلات شعبية و سياسية أو بقدرات عسكرية مع فارق القدرة الكاريزماتية من شخص لآخر، استغلت هذه النخب في عزلتها عن جمهورها على الطرف الآخر ، بشيطانية استخباراتية اجهاضية لانتفاضات مستعجلة وملتبسة، ( ديار بكر، آغري راجع études Kurdes دراسات كردية العدد رقم 6 ك2 2004 عن أنشطة خويبون وخدع الاستخبارات الفرنسية والطفولية العقلية الكردية بالتخوين والخلاف بين جلادت والآخرين ) لترتيب مصالح استراتيجية بريطانية فرنسية في ولاية الموصل والالتفاف على طموحات مصطفى كمال الدولية، كالاتصال بالدولة البلشفية، ربما نعود مرة أخرى إلى التفصيل في هذه المسالة الشائكة المعقدة.
تم في دولة الانتداب إهمال الكرد ومناطقهم ذات المستقرات العشائرية الكردية منذ مئات السنين في الجزء الذي ألحق بسوريا، حين أنفت زعاماتها عن الرضوخ تابعين بغير سلطة، لسلطة غريبة، لقد تم رفض الفرنسي مثلما تم سابقا رفض العثماني، لكن الظروف كانت قد تغيرت، وحدث بين الكرد ومرجعياتهم العشائرية فراغ في الولاء، بفعل نشوء مستقرات مدينية جديدة بعلاقات إنتاج حديثة تسيدتها الأقلية المسيحية، وبعض العرب المسلمين، استقدموا جميعا من شمال خط الحدود مع تركيا، جلها من مدينة وريف ماردين وجبل طور عابدين، فراغ، شغله الحزب الشيوعي بحيوية ثقافية متقدمة على السائد العام. انشغل الإقطاع الرعوي العشائري  بهمومه والخوف من الاندماج الجماعي في دولة الانتداب المحدثة. تم رمي الكرد إلى الهامش الملحق بالمدن الكبرى حين بدأ إعطاء الدولة السورية هويتها الوطنية من قبل الفرنسيين الذي جهدوا في أن تصبح أمور المناطق الكردية بأيدي مجموعات ذات مصالح مرتبطة بهم، خاصة ولاولئك الذي سيوكل أليهم أمور دولة الاستقلال وهذا ما كان.
كان لانتشار الحزب الشيوعي بصيغته الستالينية، وسط الجماعة الكردية إن حيدت النخب المتنورة لصالح شعارات جوفاء عن أممية فارغة أهملت المشروع المللي الخاص بالجماعة القومية الكردية، متأخرا جدا أحيا نشوء الحزب السياسي الكردي الأول بالشكل الذي تم في لحظة من أشد اللحظات في التاريخ السوري تعقيدا( الصراع مع حلف بغداد والنقطة الرابعة، جردت الحشود على طرفي الحدود جعلت من الكرد ملهاة المقاومة الشعبية بسلطة الدولة، مع دولة الوحدة المصرية السورية بالشكل الاستلحاقي الذي تخلت به النخبة الحاكمة السورية عن مصالح دولتها في ظل هيجان قومي عروبي مع شبح الحرب مع إسرائيل) غدا الكرد متهمين في وجودهم زاد من ذلك البغضاء ضدهم مع انطلاقة الثورة الكردية في كردستان العراق ففي الوقت الذي كان عبد الناصر يتفاهم والملا مصطفى اليرزاني ضد عبد الكريم قاسم في العراق وفي الوقت الذي كان يرسل “كمال أدهم” مستشاره السياسي للشؤون السورية، إلى سليمان حاجو ويونس العبدي بغرض توسيطهم في دفع كرد تركيا على الثورة ضد السلطة التركية، كانت أجهزته الأمنية تعد على الكرد السوريين أنفاسهم وتلغي شخصيتهم القومية. لم يستوعب عقل عبد الناصر النصيحة التي أعطيت له: أن خير تحريض للكرد في تركيا هو إعطاء كرد سوريا حقوقا مساوية للعرب، مع كل الاحترام للشخصيات القومية الكردية( أوصمان صبري، جكر خوين، نور الدين ظاظا، والآخرين) لم يكونوا، على نياتهم الجليلة، بمستوى المهمات التي ألقيت على كاهلهم ، فلم تستطع النخب الكردية أن تحضر في لحظة صراع بالغ التعقيد والتشابك كانت السياسة الدولية في مناخ الحرب الباردة اكبر من الكرد ومن العرب خسر الكرد كل شيء( زنرت حدودهم من الجانب التركي بمئات آلاف الألغام على امتداد الحدود) ولم يربح العرب و عبد الناصر ودولة الوحدة أي شيء.
ترافقت الثورة الكردية في العراق وظهور النفط في السويدية، مع مزيد من سياسات عنصرية تجاه الكرد فوق ما تعرض له السوريون بعامتهم لسادية مصرية ( سيكون الإنسان من السذاجة بمقدار حتى يطمئن إلى أن أجهزة دولة الوحدة وما بعدها في مصر وسوريا، كما قيادة البعث، لم تكن تدار من قبل لأسلاف كوهين ورفقائه) هيأت لمجيء البعث  محملاً بمشاريع عنصرية وهم يسحبون أقوى فرقة مدفعية سورية من الجبهة مع إسرائيل إلى شمال العراق( فرقة فهد الشاعر)، ضد الكرد تحويلا للصراع مع إسرائيل أو حرفا للصراع الصحيح في المكان الصحيح، أتت مشاريع الإصلاح الزراعي وتحديد الملكية وقانون الإحصاء الاستثنائي منذ عهد الوحدة إلى البعث بمراحله وكأنها تقتص من الكرد بكيدية لم تستوعبها الحركة السياسية الكردية والعربية معا وفي مقدمها الحزب الشيوعي والبارتي.
صاغت عناصر الإدارات المدنية والمصالح التجارية، لبلاد الكرد، بأشراف رجال الأمن من أمثال منذ موصللي ومحمد طلب هلال وقيادات حزب البعث وجلّهم من إخواننا السريان فضلا عن الأقلية العربية المسلمة، إلى تنفيذ مفاعيل قانون الإحصاء السيء الذكر الذي صيغ في عهد الوحدة وتم أجراؤه في عهد الانفصال بوزارة داخلية التركماني “بشير العظمة” ونفذ في عهد البعث القيادة القومية، استلحق بإقامة 33 مستوطنة عربية مستوردة، في أراض الكرد في عهد حافظ الأسد، في الوقت الذي كان هو وأخوته ومنظمة مرتضى الخيرية بإشراف ضابط الأمن محمد منصورة بالإيحاء للواهمين بالمصالح المشتركة الكردية العلوية.
لقد سكتت المعارضة السورية عن هذا الإجراء العنصري: تجريد المواطنين الكرد من جنسيتهم وبالتالي من حقوقهم في الملكية والإدارة وتحويل أراضيهم المستولى عليها بمفاعيل قانون الطوارىء الاشتراكي إلى مستوطنات أشبه ما تكون بتلك الإسرائيلية في الأراضي العربية في فلسطين حسب توصية محمد طلب هلال في ظل صمت حزبي كردي وعربي .
في سنة 1974 تقدم كاتب هذه السطور بمذكرة لقيادة الحزب الشيوعي (المكتب السياسي) حول المشكلة الكردية في سوريا والجزيرة تحديدا: مسألتي الإحصاء ومزارع الدولة المقامة على أراضي الكرد المستولى عليها والتي تتحول إلى مستوطنات عربية، كان الجواب سلبيا من السيدين رياض الترك وعمر قشاش الذين تذرعا بأن مزارع الدولة إنجاز اشتراكي لا يمكن للحزب الشيوعي أن يقف ضدها، أما مسالة الإحصاء والمظالم التي يتعرض لها الكرد فنحن مستعدين أن نقوم بحملة مشتركة مع الأحزاب الكردية، مشترطين تحولها من مهادن للسلطة إلى صفوف المعارضة، إذ أن الطيف السياسي العربي كان ينظر للأحزاب الكردية بأنها على مسافة اقرب إلى السلطة منه إلى المعارضة، قمت بمساعدة من الصديق “صديق الشرنخي” باتصالات لمدة اشهر شمل السادة حميد درويش وكمال احمد وعصمت سيدا( طبعا يومها كانت معظم القيادات الحالية لم تصبح بعد كوادر في تنظيماتها)، كل على انفراد دون التمكن من لقاء موحد للثلاثة، لنصيغ معا موقفا سياسيا موحدا نتقدم به إلى المعارضة العربية، للنظر في المشكلة الكردية وطريقة تحقيق إجماع سوري حولها، لقد فشلت نعم فشلت وما زال الفشل إلى يومنا هذا وقد أصبحت القيادات الكردية ما شاء الله من الكثرة يعجز المرء عن تعدادها .
س-  ولكن هل يجوز أن نحملها ما هو أبعد من المرسوم لها ؟
ج ـ المشكلة هي في هذه، المرسوم لها .
س- ماذا تقول  من كلمة لقيادات الحركة الكردية في سوريا؟
ج ـ ولا كلمة ، لا شيء. انتظر مثل غيري أن تقول كوادر هذه التنظيمات يوما كلمتها.
س- أين هو المثقف الكردي في التفاعل والحوار مع الطرف الأخر السياسي الكردي ولماذا هذه الهوّة والاختلافات بين المثقفين والتنظيمات السياسية الكردية وهل أثر على تنشيط الحوار الكردي العربي وهل أصبح المثقف الكردي مثل زميله المثقف العربي الورقة الرابحة بأيدي أصحاب القرار ؟
ج ـ المثقف الكردي جزء من هذه السريالية القائمة، بعضه موجود ومتقرن في تركيبة هذه التنظيمات وبعضه خارجها يغرد بما لا يختلف عن واقع هذه التنظيمات والآخرون منكفئون يجترون آراء تطهرية أو خلاصات شاعرية لتأملات صوفية ولكن بالعقلية ذاتها. فالمثقف الكردي ضحية وهم بأمجاد تاريخية وبطولات غنائية لا حقيقة تاريخية لها.
أن المثقف إذا اقترب من هذه التنظيمات يحترق في تكلسها وإذا غرد لوحده يذهب في تيهه أما من يحاول جديا أن يعمل باستقلاليته بكاريزما حيوية قد تجد لها طريقا إلى كتلة الشعب بصعوبة قاتلة
المثقف الكردي سياسي بردود الأفعال الاضطرارية بحساسية عالية، بعكس رجل التنطيمات المشبع بأنانية ذاتية متكلسة من حول قطيعه، والمشكلة أن الاثنان جزء من المشكلة البنيوية للمجتمعات الكردية مضافا إليها فضل قيمة المجتمعات الحاضنة(العربية التركية الفارسية)   للمجتمعات الكردية فهو نتاج هذه البيئات الحاضنة، خاصة وان سنوات الاستبداد الممنهجة لحافظ الاسد بطريقة همشت السياسة وحجّرت على الثقافة، حالت مع التنظيمات دون تواصل هؤلاء المثقفين والكتلة الشعبية بمكاشفة نقدية سليمة توسع للمثقف هامشا ذا قدرة على بث حيوية نقدية بين التنظيمات وجماهيرها في التحدث بصوت عال عن الحقيقي والجاد مما له من علاقة بمصالح الناس وهمومهم،  لقد تعاون الاستبداد وخصومه الرسميين في جميع المستويات والتشعبات العربية والكردية على إدارة اللعبة بينهم بشكل لم يترك مكانا لغيرهم سواء أكانوا فردا أم كتلة شعبية لقد أتقن الاثنان عزل نفسيهما وعزل السياسة عن المجتمع كما عزلا الثقافة عن الحياة حتى لا تدخل على الخط عناصر وقوى جديدة تخل في شروط اللعبة/ الصراع بالتفاهمات  القائمة وتهدد مصالح الاثنين. لقد غدا السياسي السوري يشتهي سجنه أكثر ما يتقبل رأي رفيقه المتعارض مع هيبته وجلاله، أصبح المعارض يعشق جلاده وينفر من الآخر شبيهه وهذا حال جل التنظيمات التي شهدت كوادرها سجون الأسد الأب. إذ ليس كل معتقل بقي في السجن سنوات، كان لموقف النضالي بقدر ما كان قرارا شموليا من الأسد، ترك المناضل بجانب الإمعة ليتآكلا في حيز محصور مسدود خرج الاثنان مُنهكين مُدمّرين.
أن محرقة المثقف، أي مثقف حين يطمح أن يصبح سلطة في صيغة مفوض إعلامي أو إيديولوجي و تنتظره مجزرة إذا أراد أن يوسع لنفسه مجلسا إلى جانب السياسي السلطوي.
على المثقف الكردي أن ينجز أولاً مهمة تنوير عقله وتنظيم فكره للتعرف على الحقيقة بغير وَهم أو شعر أو انتقام أو نكدية أو دونية أو عَظمة مُفتعلة، عليه التعرف على الحقيقة التاريخية بالعقل الباحث، لا الحدوتة المروية، على المثقف أن يتعلم بموضوعية كيف يلمس الطوطم القومي والتاريخي والحزبي وينزله من علياء قداسة التخلف والجهل  إلى ضوء النهار بمعايير وثائقية وجرأة بسيطة تقول أن ” الملك أصلع” وأن الكرد لم يكونوا خير امة أخرجت للناس برؤوس عالية وجبال صديقة، فالدولة الأيوبية كانت سلطنة إسلامية، وكذلك الأمارة المروانية، وان الكرد ليسوا هم منبع السومرية عرقا وحضارة وثقافة ولغة، وأن اليزيديين هم جماعة ثقافية دينية كردية، وليس العكس، وقد يكون الكرد ونضع عشرة خطوط تحت قد، ميتانيين أو كاسيين أو هوريين أو ميديين وألا يجزم في مسائل التاريخ بغير علوم التاريخ المتشعبة والمعقدة وان جمهورية مهاباد لم تكن أكثر من انتفاضة لمدينة صغيرة وأربعة قرى محيطة فقط لا غير، بتأثير مباشر من تظاهرة شبيبة مسرح المدينة وغياب حامية المدينة، لم ترتق جمهورية الكرد الحالمة، بحدودها إلى سنندج ولا أورمية ولا إلى لفظة كردستان وان ثورة الشيخ سعيد لم تكن ثورة بل خدعة بريطانية للكابتن نوئيل ضحت بالكرد لقطع الطريق على اتفاقات أرزروم  وسيواس لاستقطاع الموصل من كردستان وأن شهداء ثورة أغري كانوا ضحية أكثر من علامة استفهام استخباراتية وان الأخوة بدرخان ليسوا ملائكة بل ضحايا لخطط الاستخبارت الفرنسية/ الإنكليزية، واخذوا معهم، للاسف، مئات الشهداء الكرد إلى مذبحة مجانية في أحسن الأحوال.
ببساطة على المثقف الكردي أن يحارب على جبهتين واحدة تسفـّه ثقافة التضخيم والشفاهية والنفرة القومية والأخرى تفسح للكرد كقوم بتاريخ ملموس وحضور واقعي محاط بشعوب وثقافات متعددة. أن الكرد أحوج ما يكونون من مثقفيهم إلى إعطائهم جرعة من العقلانية بحقيقة تاريخية وشجاعة فلسفية، فالكردي الذي نتعرف أنفسنا فيه هو (الكرمانجي السوراني الزازائي الجبلي البلدي الرعوي العاشق الثاراتي….) المسلم (السني، العلوي القزلباشي، اليزيدي، العلي الهي، الفيلي…) وبلادنا “كردستان” يشاركنا في فضاءاتها أقوام لهم غير لغتنا وديانات غير ديانتنا من عرب وتركمان وآشوريين وأرمن وسريان وأقلية يهودية، ولنا على بعضنا حقوق كما لنا في ذمة بعضنا واجبات ونحتكم جميعا إلى منطق الدولة العصرية يكون فيها للأكثرية مسؤولية إدارة شؤون الجماعية بحفظ حقوق الأقلية دينية كانت أم قومية أم ثقافية.
أما أن يصبح الكرد سومريين عند هذا وعند ذاك زرادشتيون وعند الثالث أحفاد يزيديين زرادشتيين وعند الرابع ميديين والآخر ميتانيين وكاسيين وهوريين، وعمر ثقافتهم وحضارتهم عشرة آلاف سنة!!!!!!!! فهو هراء لا هراء بعده. ومرة يعتذر فرد ما، باسم جميع الكرد، وهو يخلط كوعه ببوعه، من الأرمن عن مذابح قد تكون جرت بحقهم في حقبة من التاريخ. كان الكرد أيضا ضحاياها بامتياز أكثر من الأرمن ومن الىشوريين الذين استقووا بالجيوش الروسية التي اجتاحت كردستان ومن العثمانيين مستقويين بالأسلحة والضباط الألمان ودسائس المبشرين في صراع دولتين دينيتين واحدة مسلمة وأخرى مسيحية أرثوذكسية كان قدر الكردي مسلما، وقدر الارمني أن يكون مسيحياً أرثوذكسيا.
المشهد الكردي العربي
س- اليوم وبعد سنوات على ما جرى في ربيع قامشلو 2004  هل انعكس ذاك الحراك العفوي سلبا أم إيجابا على القضية الكردية في سوريا ؟ ولما اختلفت آراء المثقفين العرب  في حينها واليوم أيضا بين من صرح أن ما جرى غير خارطة الكرد في سوريا وآخرون يرون أنها أساءت لوضعهم الداخلي ؟
ج ـ  أي حراك شعبي عفويا كان أو منظما لا بد أن تكون له نتائج ايجابية ولو متأخرا، إذا توفرت له قدرات نخبوية وتنظيمية ومجتمعية تهيئ له العوامل الضرورية للارتقاء بتراكماته إلى التحول إلى حالة فاعلة، صحيح أن التنظيمات الكردية لم تكن مهيأة لاستقبال هكذا حدث لكن الكتلة الشعبية استطاعت أن تصون وحدتها وتضخ بالتضحيات الكبيرة بحيوية تفادت بها الهزيمة أمام بطش السلطة كما لا يجوز لنا أن ننسى الحيوية التي تصدت بها النخب الكردية الأهلية والثقافية للدفاع عن حقها في الوجود بل في كثير من الأحيان كانت تنتقل إلى موقع الهجوم في مواجهة سلطة خرقاء لكن جبانة وتنظيمات موجودة لكن متكلسة، أدت هذه الحيوية إلى تراجع المثقف العربي بسرعة عن الموقف الأولي الرجعي العنصري التهويلي الذي واجه به انتفاضة شعبنا ويمكننا أن نورد عشرات المقالات المرتعبة لكتاب عرب سوريين وغير سوريين وساسة ممن تراجعوا اليوم إلى لغة أخرى أكثر إنصافا وان بقيت خشبية صماء غارقة في عموميات مشروطة باتهامية بلهاء تعاني من بداوة متحجرة على خصم وهمي خلف التلة، هذا دون أن ننسى السلوك الأخرق لبعض الحمقى الكرد الذين روجوا لنزول قوات أمريكية في مطار القامشلي حماية للكرد، تسببت حماقتهم هذه عن قصد، في بؤس عشرات الأسر التي التجأت إلى ذلّ مخيم مقبلي وما زالوا.
أن المثقف العربي، كما يتبدى كل يوم، مثقف مهزوم منذ أكثر من نصف قرن بل منذ أوهام لورنس، تشكل ببنية ضحية خطاب قوموي عروبي مستورد أجوف، تنازعته شتى التيارات الدينية والقومية والاجتماعية دون إنجاز حقيقي واحد على جبهة واحدة فهو من جهة أسير وهم تمثيله بغير حق، للثقافة والحضارة الإسلامية بدمجها بالعروبة ( ذات المنشأ الاستعماري) ومن جهة أخرى هو ضحية أنظمة فاجرة استبدادية استطاعت بدعم خارجي لتجمعات عسكرية مصادرة المجتمع والأرض والأفكار والشعارات، لدرجة غدا معها المثقف العربي يخجل من عروبته، أسير غربة منكسرة بالصراع العربي الإسرائيلي وهزائمه، يبحث على أكثر من مائدة عن فتات يوصله إلى حضانة أوربية ما، تضع في عنقه انشوطة في صيغة جائزة. أتى احتلال العراق وتفشي الإرهاب الدولتي والديني فأفقدت المثقف توازنه في مهب رياح زلزلت ليس قناعاته وإنما حتى قيمه التي استطاع أن يحافظ عليها في اشد الأيام عصيبة. والمثل الذي يقول أن من لدغ من أفعى يخاف من قطعة حبل ينطبق على فوبيا المثقف العربي تجاه الكرد الذين للأسف تأخروا بدورهم في تقديم أنفسهم للآخر فضلا عن النفاقية التي يبثها أكثر من مثقف عربي سوري خاصة، ممن شوهتهم سجون الأسد، افتقدت معنى وقيمة التعاطي بالتفكير الحرّ  مع القضايا ذات البعد الإنساني بغير الفوبيا القومية، فالقومية في بعدها الوطني حالة صحية لكنها حين تصبح معزَلاً  ومفخرة، تصبح مرضا تلتهم الجماعة و الفرد الحر الشجاع الكريم. لليوم لم يتجاوز أفضل مثقف عربي وأكثرهم تفهما للقضية الكردية عقده الذاتية حين يقارب القضية الكردية في سوريا في أحاديثه إلا الظواهر ذات البعد الشاعري المخادع، يسهّل لنفسه طريق الجنة باحتيال لفظي، فهو إذا تحدث عن الحيف الواقع على المجردين من الجنسية من الكرد، يقفز فجأة إلى الشك في الأرقام التي يوردها الكرد، دون أن يتكلف ولا باحث جاد منهم وجلهم مسيسون دراسة حقيقة لهذه المسألة/المشكلة السورية بامتياز، تراهم يفصلون في تفاصيل الاغتصاب الإسرائيلي لأراضي المواطنين العرب ولا يستطيع واحدهم ولو بينه ونفسه تذكر عشرات المستوطنات التي أقيمت على أراضي الكرد المصادرة بحكم قوانين الطوارىء الاشتراكية المزيفة ونحن اليساريون الشيوعيون السابقون أو الباقون شركاء في هذه الجريمة ببصمة أحزابنا على قوانينها وعقيدتها، وفي الوقت الذي ينتقد كل لحظة المثقف اليساري العربي السوري تاريخه اليساري في التبعية للاستبداد لا يخطر ببال احد منهم مناقشة مفاعيل هذه القوانين التي وقعت جلّ مظالمها بتبرير مسيس على الكرد دون غيرهم.
المثقف العربي، ما عدا قلة دون عدد أصابع اليدـ منافق وشيطان اخرس يشترط على الكردي أن يكون ملاكا مخصيا وهو العصابي المهزوم بثقافة المحيط الذي أوهمه به لورنس البريطاني، ويطلب من الآخر أن يسلفه ما يبررعجزه قد يعيده إليه يوما في صورة رضىً لا أكثر إذا أتى هذا اليوم.
س- هل يعيش الكردي والعربي ثقافة التشتت و الهزيمة  ؟
ج ـ  بالضبط ذلك هو الواقع مع الفارق أن العربي يسكن في بيت أوسع من حاجته، والكردي يقيم في العراء خيامه، ويتكرم على الناس خيرات من حساب شعبه وكرم أخلاقه.
س- ما أسباب عدم قراءة الآخر العربي  للقضية الكردية في سوريا ببعدها الأصح وأطروحاتها الحقيقية ؟
ج ـ لأن العربي و الكردي معا لم يتعلما كيفية قراءة الواحد لنفسه فكيف بقراءة الآخر.
س- من يتحمل هذه الهوة بين الطرفين حتى وصلنا لما نحن فيه وكأن كل طرف في كوكب ؟
ج ـ النخبة الكردية ومن ثم العربية.
س- في 22 نيسان يحتفل الكرد في انحاء العالم بعيد الصحافة الكردية كم من المسؤولية تلقي على عاتق الإعلام والإعلاميين الكرد في فشلهم بتدويل قضيتهم ؟
ج ـ القول أن هناك إعلام كردي و صحافة كردية كلام فيه مبالغة ابتهاجية مبررة، لكن الحقيقة أن الإعلام المقصود مجموعة مواقع انترنيت بجهود فردية مستقلة تقوم بخوارق ، بدون ميزانيات، لكي يبقى الصوت الكردي مسموعا، دونها بكثير ما تحاول أن تقوم به الأنشطة الحزبية في كل مستويات الأعلام رغم الامكانات الهائلة لبعضها. وعلى نفس المنوال يوجد كتاب كرد كثر ولكن قلة من هؤلاء يحوزون على صفة إعلامي.
حين نقول إعلام وإعلاميين نكون نتحدث عن مؤسسة ومهنة وهذا للأسف لم يصبح ذا تقليد في المجتمع الكردي فالفضائيات الحزبية أو الصحافة الحزبية لا يمكن أن تصبح مؤسسات بتقاليد تقتضي الحرية والحياد رغم أن بعض الصحف في كردستان العراق تتلمس طريقها بقوة، كما أن تلفزيون روج في بعض برامجها كانت ترتقي بعملها بإمكانات غير مؤسساتية أن تثبت لنفسها حضورا كبيرا.
بالتأكيد أن الجهد الواقع على عاتق هؤلاء جميعا من كتاب و(إعلاميين) ومثقفين وهواة وقراء ونقاد يجعل من كل مساهم فيه سيزيفا قائما بذاته، وهم حقيقة يتقدمون المواقع المدافعة عن قضايا شعبهم التي غيبت طويلا.
س- ألا ترى  أن الأعلام ساهم بصورة ما في تقريب المثقفين الكرد والعرب من بعضهم عبر الفضاء الإنترنيتي والمواقع الالكترونية أم ما يجري هو حوار طرشان وبالتالي لا حياة لمن تنادي ؟
ج ـ لا ، لا أرى ذلك، لأنني لا ارى تقاربا ملموسا، بل أن الذي حمل القضية الكردية إلى (المثقفين العرب) ولنبق في سوريا  هي انتفاضة الشعب الكردي آذار 2004 ، نادرا ما يقرأ المثقف السوري والعربي الأعلام الكردي المتواضع، القائم على جهود فردية مباركة، لكنها تفتقد قوة الوصول بالمعايير الهائلة المتوفرة بكثرة في سوق القراءة. ما عدا بعض الكتابات لأقلام متفاوتة استطاعت أن تقول رأيها وليس رأيها الجماعة، فالعربي تعود أن يتصيد الكردي في مغالاته وفي أن الكردي يقول كل شيء من موقع التبعية للغربي بعد الاحتلال الأمريكي للعراق وساهم بعض من الكرد بغباء في تثبيت هذه التهمة، وبهذه المناسبة لا بد من توجيه التحية إلى كاتب من نوع جورج كتن الباحث عن الحقيقة بنفسه، القائل بالحق لتحرّره من أمراض القطيع أو النظر للآخر بدونية أو ببكائية كرنفالية، لا يحتاج الكردي من العربي أن يعطف عليه بل أن يفهمه، و لن يفهم العربي الكردي إذا لم يفهم نفسه جيدا، ولن يقول العربي كلمة الحق للكردي إذا لم يمتلك شجاعة الكلمة الحرة بين أهله، وفي قومه. والكردي أيضا، مضطر أن يتفهم العربي بمأزوميته، ويتقدم إليه بغير ضوضاء ولا رؤوس حامية بل بالوثيقة الصحيحة المثبتة، على الكردي المثقف أن يجرّ العربي المثقف إلى أرضه وبلاده ليرى العربي أن هذه الأرض ليست عربستان وان هذا الكردي شريكه في الإسلام منذ القرن الثاني الهجري إلى اليوم ليس في نيته أن يسلب العربي قميصه ولا تاريخه، بل كل همه أن يفتح عينيه ليرى وقلبه كيلا يخاف، قناعتي أن الكردي السوري مؤهل لهذه المهمة أكثر من غيره.
إجمالا، أن النخبة الكردية السورية المستقلة من غير سكان التنظيمات، استطاعت أن تقوم بجهد مشكور بحسب طاقتها في إحساس المثقف العربي بالذنب رغم تبلد أحاسيسه تجاه القضايا العربية فكيف بالكردية. للأسف، نقولها بغير مواربة: أن الإخوة العرب من الساسة والمثقفين الذين أثاروا حملات التشهير بالانتفاضة الكردية كانوا في غالبيتهم تصطف في هياكل التنظيمات والعقائد المعارضة للسلطة، ولذلك علاقة بطبيعة المعارضة السورية المتآكلة التي بحثت دائما في عهود انحطاطها عن مهمات دونكيشوتية خارجية لفظية ـ فهم يريدون أن يحاربوا اسرائيل في كامب ديفيد انور السادات، و جوج بوش في الكرد المطالبين بحق الحياة، بدل أن يتقدموا للسلطات بمذكرات فاعلة لتحقيق الشفافية ونهب الثروة الوطنية من عصابات الأسرة الحاكمةتفششوا بالكرد ومشاريعهم الانفصالية.
وهنا لا بد من قول حقيقة مؤلمة، غدا الكرد ضحية دعاية ( انطلت على كثيرين ومنهم بعض الكرد) ما زالت تروج لها بعض النخب المسيحية، التي ارتبطت تاريخيا بأجهزة السلطات كلها في كل الأزمان لتشويه صورة الكردي، حان الوقت أن نوضح نقطة هامة يبدو الحديث فيها من المحرمات البليدة، منذ نهايات القرن الثامن عشر حين نشطت حملات التبشير الكاثوليكية /البروتستانتية بين رعايا الكنائس الشرقية الأرثوذكسية، أصبح الأمر كلما تململ الكردي أو صرخ لثقل المظالم، تحرَّف صرخته وحراكه في صراخ طلب النجدة التي يطلقها جاره المسيحي الذي احتضن الكردي منذ مئات السنين، كنيسته في الفضاء الكردستاني المشترك، منذ أن بدأت بيزنطة اضطهادها للكنائس الشرقية التي التجأت بكردستان وفارس حماية لعقيدتها القائلة بطبيعتين للسيد المسيح بعد مجمع افسس سنة 431 م الذي اعتبرها هرطقة.
مع كل انتفاضة كردية يقوم الأخوة المسيحيون النساطرة والسريان بإثارة الغبار في وجه إخوتهم الكرد، منذ أيام بدرخان باشا وميركور ومار شمعون والى يومنا هذا مرورا بمؤتمر الصلح وقيام الدولة التركية ومن ثم الانتداب الفرنسي وفتنة عامودا وجميع أزمان البعث، إلى انتفاضة آذار2004، هناك عقدة مبهمة في نظرة الشريك المسيحي إلى جاره الكردي المسلم الأضعف. لا بد من القول، ولنافي ذاك كل المعطيات، أن جملة اللوائح التي نظمت تجريد الكرد من الجنسية والتي ظهرت ونظمت في عهد البعث الأول حين كان 98 بالمئة من الكادر الحزبي البعثي في الجزيرة من الأخوة المسيحيين، فضلا عن أنهم كانوا يشكلون أكثر من 70 بالمائة من الجهاز الإداري (أن مراجعة بسيطة لقوائم إدارة الفرق والشعب البعثية ما بين 1963 ولغاية 1967 في رأس العين والدرباسية وعامودا والقامشلي وتربة سبية وديريك تؤكد ما ذهبنا إليه في حين تناصفوا الحسكة فرعا ومنظمات قاعدية مع الأخوة الديريين العرب الذين كانوا أكثر تسامحا من الأخوة المسيحيين والبداة الذي عاشوا في كنف الكرد تاريخيا ). يبدو أن ثقافة بيتية كهنوتية طغت على حقائق ميدانية لقد ساد المجتمع المسيحي في هكاري وطور عابدين وأورمية وماردين بسبب الحروب الروسية المسيحية والعثمانية المسلمة ونشوء فيالق خيالة مسيحية على الجانب الروسي على غرار فيالق القوزاق ومن ثم إنشاء الفيالق الخيالة العثمانية “الحميدية” التي شكل الكرد غالبية جسدها، سادت ثقافة النسوة العجائز، التخويف بالمسلم ترجمت في ذهنية الأبناء إن المسلم هو الكردي دون غيره لأنهم لم يجدوا من حولهم إلا محيطا كرديا فيه بعض العرب، فأصبح الكردي بنظر المسيحي الجار خصما وهميا ومشجبا لطموحاته إلى مرضاة المسلم الأكثري، أولا لأن الكردي هو الأضعف بين العرب والترك والفرس من المسلمين، والثاني أراد السرياني البعثي السوري تأكيد عروبته دفعا لتهمة التعامل مع الفرنسي، بإثارة العربي على الكردي لأنه منافسه أولا وثانيا تبييض صفحته إمام العربي القوي، لا بد من العودة في وقت آخر بالتفصيل لهذه العقدة التاريخية الشائكة وان كنت أتوق دائما إلى طاولة حوار حقيقية، بين الكردي وجاريه السرياني والأرمني لكشف الحقائق التاريخية، أن البعض من الإخوة السريان جعلوا من أنفسهم محامي الشيطان السلطوي في قمع الانتفاضة الكردية وتشويهها، آمل ألا يغدو يوما ضحاياها مثل الكرد وربما أسوأ.
س- جالياتنا في ما وراء المحيطات ماهي دورها على صعيد دعم قضايا المواطن في الداخل وعرض قضايانا على الصعيد الدولي.
ج ـ جالياتنا، ! يطيب للبعض تضخيم دور الخارج الثانوي جدا، في مواجهة عجز الداخل بنشوة التعالي وحب الظهور، لكن الشجرة لا تخفي الغابة وإنما قد تدخل في أحسن الأحوال، في مدها ببعض الظل. وجاليات ما وراء الحدود ليست بمنأى عن امراض الداخل مضافا إليه غربة الخارج ومفاسده وبعضا من شيطنته لذا تغدو المجموعات المهاجرة أكثر تشوها عما في الوطن وهذه الحالة ليست خصوصية كردية، بل حال كل جاليات الاغتراب، هذا دون أن ننسى أن التنظيمات أو بعضاً من رموزها نقلت أمراضها إلى المهاجر.
في فترة الثمانينات استطاعت قيادة أوجلان بحيوية متعددة الأطر( ثقافي اجتماعي اقتصادي واستشهادي عسكري) ضبط وتنظيم إيقاع مزاج القسم الاكبر من الجاليات الكردية في الخارج، لكنها في المآل الأخير نفـّرت الناس ولم تنفع الحركة بفعل المغالاة في الاستنفار، فضلا عن الخصومات غير المبررة التي كانت تنشأ عن غياب الحوار والتنسيق ومحاولة الكادر العسكري التشدد بغير معايير الساحة الأوربية التي يعيشون فيها، ذات الثقافة الديمقراطية العريقة. استعادت هذه الجاليات مجددا بعض الحيوية مع المطاردة الدولية للسيد أوجلان، لكن شكل إدارة الصراع في هذه المطاردة كانت القشة التي أعادت قصم ظهر البعير إلى نقطة الصفر.
بالاحتضان الغربي لسلطة وحكومة إقليم كردستان، ذهبت الآمال في أن تصبح ممثليات إقليم كردستان العراق نقطة التقاء ورافعة كردستانية لإعادة تأطير الجاليات الكردية أدراج الرياح، لقد ظلت هذه الممثليات أسيرة المفاهيم الحزبية العائلية الضيقة لغير طموح وبغير برامج تخللتها عقود الباطن لمجموعات مرتزقة بعقلية شركات الترويج السياحي حالت دون خلق حراك بين الجاليات الكردية وهذه المنابع المالية.
أتت انتفاضة آذار 2004 لتبث حيوية كبيرة في أجيال من هذه الجاليات سرعان ما شتتتها الخلافات المنظماتية والزعامات المرتجلة، ومع ذلك رغم أن قيادة هذه المنظمات لا ترى في جالياته غير مصدر تمويل مالي بغير مشاركة في الرأي، علينا أن نكون متواضعين إذ أن جاليات اكبر من تلك الكردية السورية وبامكانات اكبر بكثير لم تفعل إلا ما هو اقل مما يجتهد الكرد السوريون بفعل تأثير انتفاضة آذار لكن الأبواب، أبواب القرار الأوربي والدولي مغلقة إلا على بعض الاستعراضات الفولكلورية يصنع البعض من حبتها قبة مثلما يقول المثل الكردي “صوت الطبل من بعيد جميل” لا يبني جدارا ولا يقيم سقفا ولا ينعش دياراـ فليس  كل اجتماع في غرفة من غرف هذا البرلمان أو ذاك، احتضانا من البرلمان لهذا النشاط،  إذ أن 90 بالمئة من هذه الأنشطة التي تتم بجهد فردي، التب تتم في غرفة تخلو من حضور عنصر أوربي واحد فكيف بعضو برلماني أو أكثر، طبعا الحق ليس على هؤلاء المنظمين بل لسبب جوهري ولطبيعة عقل وبراغماتية المسؤول الأوربي وحدود حركته وآليات القرار في حزبه، إذ لا يشكل الكرد في أية دائرة انتخابية رقما مؤثرا تجعل منه عنصرا مرغوبا بالتقرب خاصة في وضع الإمكانات الكردية المشتتة.
س- لما لم يستطع  كرد أوربا من أن يوحدوا صفوفهم ويشكلوا لوبي كردي يستطيعون خلالها إيصال قضيتهم لأرفع الجهات الدولية ؟
ج ـ كيف بستطيع الكرد توحيد صفوفهم في أوربا وهم في أوطانهم ممزقون منقسمون مختلفون على كل شيء إلا عدم التفاهم، وهذا حال الكرد في سوريا وفي العراق وبنسبة اقل في تركيا بفضل سيطرة وضبط حزب العمال الكردستاني  لمساحات كبيرة من المجتمع المدني ( نواب ، بلديات، مؤسسات اجتماعية واقتصادية وإعلامية): أما إيران فالكرد حقيقة غائبون ومغيبون منذ أن اغتيل عبد الرحمن قاسملو، والذي يتحمل قسطا كبيرا في إهمال كرده وحزبه بالعمل بطريقة المقاول بالباطن لدى بعض مراكز القرار الدولي والإقليمي.
اللوبي! لا يتشكل بالصراخ ولا بالتظاهر في الساحات ولا بالإضراب عن الطعام في غرفة أو تحت خيمة في أية عاصمة أوربية، على أهمية الإشكال الاحتجاجية هذه، ولا بالدبكات الفولكلورية سواء أكان الأمر احتفالا أم استذكار مجزرة، اللوبي يشكله أناس قادرين على تنظيم طاقاتهم في أطر عمل مؤسساتي برؤية جماعة قومية واحدة موحدة، اللوبي يكون حين ترتقي الجماعة بخلافاتها إلى مستوى الهمّ العام الوطني أو القومي،  وبالعمل اليومي المستمر بمركزية عملانية: تنظم، تؤرشف، تتابع المهمة بدون توقف ، لا يوجد لوبي بدون مؤسسة مركزية تشكل مرجعية ميدانية بإشراف مرجعية امة أو جماعة تستهدف في عملها وملفاتها المنظمة المثبتة بالأرقام وليس قصائد الشعر:
ـ مجموعات النواب لمختلف الكتل البرلمانية حسب تأثيرها السياسية ووزنها الشعبي.
ـ رؤساء وأعضاء الحكومات ممن يتداخل عملهم والمسائل المقدمة لهم.
ـ قيادات النقابات وخاصة في المصانع والمعامل التي ذات صلة بالبلاد التي يخضع الكرد لعسفها.
ـ البلديات المؤثرة والفاعلة في الدوائر الانتخابية.
ـ الصحافة الأكثر حيوية في هكذا مجال مدعمة بأنشطة تشغل المنظمات غير الحكومية ومنظمات حقوق الإنسان الخ. فهل الكرد يجدون في أنفسهم القدرة؟
حتى يتوصل شعب لأن ينظم صفوفه وطاقاته في المهاجر ويرتقي بها إلى حالة اللوبي يستلزم الأمر مركزية سياسية بثقافة ديمقراطية عالية الحساسية القومية والوطنية يستمد بها من الجماعة مشروعية تمثيله والثقة في إيلائه أموره المصيرية وحتى تتوفر هذه الشرعية على أولي الأمر أن يثبتوا التحلي بمجموعة قيم أخلاقية وثوابت وطنية مجربة ميدانيا وهذه أيضا مفتقدة تقوم قبل كل شيء على الأثرة.
يبقى المجال الوحيد لضخ حيوية نضالية، أن يبتلى الكرد أو غيرهم من الشعوب بكوارث ونكسات ومجازر تدفع بالغريزة أو قوة الضمير الجماعية إلى التوحد الذاتي برد الفعل، تتخلى الأطر التنظيماتية مؤقتا عن أنانية ذاتية لصالح وحدة الجماعة ووجودها ويكون ذلك في التحاور بمسؤولية الاحتكام للناس بالتوافق على تفاهمات ميدانية يسجل فيها لممثلي المجتمع المدني دورا رقابيا وتشريعيا لمحاسبة جادة وهذا يتطلب من المجتمع أن يكون قد ارتقى بحيويته إلى مرقى مفاهيم مدنية قادرة على العقاب والثواب باللعنة والتبرئة والنبذ والاحتضان، والحق يقال أن المجتمعات الكردستانية كلها لم ترتق بعد إلى هذه الدرجة من الحماية الذاتية، وأن النخب الكردية الثقافية والسياسية مثلها مثل نخب الشعوب التي تستعبد الكرد تفتقد هذه الثقافة.
قد لا أجانب الحقيقة إذا قلت أن أغنية واحدة  حزينة أو عرس قد تجمع الكرد أكثر بكثير من عشرات المناسبات السياسية فالشحنة العاطفية الشعبية لدى الكرد عالية التوتر لكن الحس السياسي الكردي الحديث دون الهمّ القروي العشائري غير قابل على التوحيد لأنه تشكل تاريخيا في ردود أفعال تناحرية.
س – كف تنظر لمستقبل المنطقة العربية ، هل تدخل العولمة وهل تشملها رياح الدمقرطة ام انها ستحتقظ بخصوصياتها المتمثلة بجترتر التاريخ ورفض التغيير
ج ـ مع الفورة النفطية التي أعقبت حرب أكتوبر 1973 دخلت المنطقة (العربية) مرحلة  ظلامية تشبه ما عرفته المنطقة في الأيام التي سبقت الحروب الصليبية، ساد منطق مراكمة الثروات العائلية للحكام المتسلطين بالنهب من المال العام والقرصنة والفساد في ظل سيادة أسر حاكمة يقول عنها الكواكبي” واشد مراتب الاستبداد التي يتعوذ بها من الشيطان هي حكومة الفرد المطلق، والوارث للعرش، القائد للجيش، الحائز على سلطة دينية” إذ مع نهايات القرن التاسع عشر انتشرت على كل أطراف الإمبراطورية العثمانية، انتفاضات الشعوب الخاضعة تحت ثقل الضربات التي حققتها الانتصارات الروسية على الجبهات الشرقية للإمبراطورية، امتدت هذا الانتفاضات من البلقان إلى مصر إلى كردستان مرورا بجبال لبنان، أثارت الانتصارات الروسية وتلك التي حققتها جيوش محمد علي قبلها، مخاوف الحكومات الأوربية الغربية من أحد احتمالين في حال انهيار خلافة الرجل المريض:
1)    أن تنشأ دولة إسلامية فتية في الإطراف ترث الخلافة المنقرضة بحيوية شابة تتحول إلى قوة إقليمية تهدد مصالح وأطماع الغرب التي كانت مركزة على أغنى منطقة استراتيجية بالنفط.
2)    أن تتمكن روسيا الأرثوذكسية مدعمة بشعوب البلقان الأرثوذكسية والأرمن، الأرثوذكس، من إسقاط الإمبراطورية والوصول إلى المياه الدافئة والمناطق البترولية والأماكن المقدسة، تهدد المصالح الأوربية التي تتبع عرش بابوات روما الكاثوليك.
اتفقت مصالح البريطانيين والفرنسيين على تقاسم مناطق نفوذ بترتيبات تؤسس لحراك شعبي يؤدي إلى إضعاف الشعور الديني الجامع من حول الخلافة بإثارة النعرات القومية بين الشعوب العثمانية.
ساهمت المحافل الماسونية إلى جانب مؤسسات الاستخبارات التبشيرية، دورا كبيرا في صياغات البنيات الأولية للفكر القومي  الطوراني أو العربي ( حزب تركيا الفتاة، والجمعية العربية الفتاة، والمؤتمر العربي الأول في باريس) بإثارة نزعات فتية تعلموا في معاهدها العسكرية أو العلمية، كما جردت لها الأقلام الصحافية والفكرية من كلا الطرفين تناوبوا الأدوار  سياسات التتريك لإثارة الأقوام غير التركية، العربية خاصة، لتفتيت أواصر الجامعة الإسلامية التي كان يعمل على إحيائها ظاهريا جمال الدين الأفغاني، وقطع الطريق على أفكار إصلاحية نيرة ديمقراطية اجتهد لها أمثال التنويري الكبير “عبد الرحمن الكواكبي”.
في مناخ من البغضاء وعلى إيقاع طبول جمال باشا السفاح أمام مشانق لنخبة من رجالات الشام ولبنان أقنعت أقلام الاستخبارات البريطانية النخب والأرستقراطيات الشرق أوسطية  أن الأسرة الهاشمية خير ممثل لإحياء وبعث الفكرة العربية الجامعة لوراثة دولة الخلافة العثمانية المنقرضة التي أصبحت بفعل الإصلاحات التي أوحى بها الأوربيون، طورانية عنصرية.
مع انطلاق الحرب الكونية الأولى كانت أقلام الاستخبارات قد مهدت الأرض لتنفيذ اتفاقيات “سايكس ـ بيكو” تحت إدارة رجل الاستخبارات البريطاني لورنس يتقدم أبناء الشريف حسين بن علي إلى عروش و كيانات تحت الراية( علم الثورة العربية) التي رسمها السير “مارك سايكس” في لندن، ليغدو علم الثورة العربية والذي مازال إلى اليوم، يناضل تحت بيرقه عتاة القومية العربية البواسل.
اليوم، وبعد مرور حوالي قرن من الزمان، مازال المثقف العربي أسير اجترار ذلك الوهم، مثلما سار حفاة “عودة أبو تايه” يجتازون الصحراء من خلف أبناء الحسين مندهشين بعباءة لورنس، يتملكهم وهم من العماء العقلي والشحناء البغيضة من موروث وبقايا سياسات الاتحاد والترقي وخلاصات التهييج الاستخباراتي التي رددتها صرخات قاعة الجمعية الجغرافية الفرنسية للمؤتمر العربي الأول في باريس.
لم يسجل التاريخ وربما سننتظر طويلا قبل أن يمتلك المثقف العربي شجاعة طرح السؤال المرّ لماذا رُسم علم الثورة العربية في لندن؟ ولماذا تقدم لورنس الثوار العرب؟ ولماذا ارتضت النخب المتعلمة العربية في أرقى المعاهد الأوربية قيادة أسرة من أقل أسر مجتمعات الشرق الأوسط مدنية وتعلما، دخولهم التاريخ في القرن العشرين؟ لم يطرح بعد لليوم ولا مثقف عربي واحد مشروعية هذه الكيانات وحدودها؟ اللهم إلا صرخة ضرورة توحدها من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر!!!!!!!!!! لم يطرح ولا مثقف عربي واحد ولو على نفسه بصوت عال كيف أصبحت ملايين من شعوب الكيانات العربية غير العربية أرقام صفرية لا حساب ولا اعتراف بوجودها؟ يبكي المثقف العربي على فلسطين وعلى لواء اسكندر وعربستان والأندلس! ولا يرى المظالم والمجازر التي تلحق بالكردي والامازيغي والقبطي وأقوام السودان الزنوج؟ ولماذا يصفق وينتعش للسياسات الشقيقة للتتريك والطورانية بصيغة عربية؟
لماذا لم يتجرأ عربي واحد  رؤية سلطة عبد الناصر باستبدادها وتخلفها وقسرها واستخباراتها وهزائم فسادها؟ ومازال يحلم بالوحدة العربية على أراض يشترك بها مع الغير غيره دون أن يحس بوجوده الا باتهامه، لماذا يصاب باللوثة وتنتفخ عروقه بالعزة القومية حين يصرخ الكردي أو الأمازيغي أو القبطي والزنجي من الألم وهو يستمتع بخوازيق حكومات الاستبداد من المحيط إلى الخليج وتسير قوافل حجيجهم من واحة لأخرى ومن مؤتمر لآخر باحثين عن سد بطن، تستجدي ابتسامات القائمين بأمر الرقابة المستديمة.
لقد أظهرت حرب غزة الأخيرة والدور الذي تناوبته تركيا وإيران فضلا عن إسرائيل، أن المستقبل العربي أسوا مما يتشاءم أكثر الناس تشاؤما. لقد أخرج العرب أنفسهم من التاريخ وهاهم يسندون جغرافيتهم وأقدارهم وشعوبهم المهملة برثاء، لقوى ذات طموحات استراتيجية مستقبلية( إيران تركيا وإسرائيل) لقد أخرج الحاكم المستبد (الفرد المطلق، والوارث للعرش، القائد للجيش، الحائز على سلطة دينية)، المثقف العربي من حدود العقل ومن شجاعة التفكير ومن كرم القبول بالآخر شريكا، وأخرج المثقف العربي عقله من مجال الواقع، وأخرجت دول ذات الطموحات الإقليمية الحكام العرب ومخيماتهم من مجالس الرجال ونظم الدول، فتركوها للسيدات الأول والأبناء الورثة المترفين والوزراء المرتشين، فماذا بعد؟.
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى