صفحات سورية

سوريا والسعودية وأميركا… وتساؤلات في غير محلها

null
سركيس نعوم
يتساءل بعض اللبنانيين بكثير من البراءة والسذاجة اذا كان التقارب السوري – السعودي الذي بدأ بعد انتهاء القطيعة بين الرئيس بشار الاسد والملك عبدالله بن عبد العزيز سيكون على حساب فريق 14 آذار المعادي للنظام في دمشق بسبب ممارسات له في لبنان اثناء وجوده عسكرياً على ارضه، او بعد انسحاب هذا الوجود منها. ويتساءل ايضاً اذا كان هذا التقارب سيكون على حساب فريق 8 آذار “الحليف” للنظام السوري وحليفته الاستراتيجية الجمهورية الاسلامية الايرانية.
ويتساءل ثالثاً اذا كان التقارب اياه سيكون لمصلحة لبنان الدولة السيدة والمستقلة بحيث تصبح قادرة على اخراج اللبنانيين من الاصطفافات الحادة التي سيطرت عليهم منذ عام 2005. ويتساءل رابعاً واخيراً اذا كان الانفتاح الاميركي الاخير على سوريا وتجاوب الاخيرة معه سيكون لمصلحة لبنان على حساب مصلحة سوريا، او لمصلحة سوريا على حساب مصلحة لبنان، او لمصلحة البلدين الشقيقين على السواء.
هل هذه التساؤلات في محلها؟
انها كذلك من الناحية النظرية. اما من الناحية العملية فان انعكاسات التقارب والانفتاح المذكورين اعلاه على افرقاء لبنانيين او على لبنان كدولة او وطن لا يبدو انها ستكون ايجابية، او ان هذه الايجابية ستكون بالحجم الذي يتوقعه اللبنانيون او يتمنونه. فالذين يعرفون سوريا يعرفون انها لا تنسى اهانة سواء صدرت عن شخص او جهة او عن دولة، وانها تبذل كل الجهود الممكنة من اجل ازالة آثارها. فكيف اذا كانت الاهانة قد صدرت عن لبنان الذي تعتبره شعباً ونظاماً جزءاً منها في شكل او في آخر ومدى حيوياً لها، وتحديداً عن جهات لبنانية ترفض بعناد ان تمارس دمشق عليها وعلى لبنان ودولته الوصاية او الادارة المباشرة. إنطلاقاً من ذلك يلفت عارفو سوريا بشار الاسد انفسهم الى ان 14 آذار هو في رأيها الذي اهان واذل، والى ان 8 آذار هو الحليف الذي دافع بصعوبة في البداية ثم تمكن بعد ذلك من احتواء انتصارات الفريق الاول ولاحقاً من تحقيق انتصارات عليه كانت في الحقيقة والواقع انتصارات لسوريا على الفريق نفسه، او ربما على لبنان. وهذا يعني ان سوريا ستحاول توظيف تقاربها مع المملكة العربية السعودية بغية مكافأة حليفها اللبناني ومعاقبة “عدوها” اللبناني، او بالاحرى عزله واضعافه. وفي هذا المجال تشير معلومات العارفين انفسهم الى محاولة من هذا النوع قامت بها دمشق وتجاوبت معها الرياض، رغم ما فيها في نظر جهات لبنانية عدة ومنها 14 آذار وجهات عربية من تسليم بالمنطق السوري في لبنان وتسليم له، وكادت هذه المعادلة ان تنجح لولا انتباه اقطاب في 14 آذار ويقظة مصر حسني مبارك التي لا تزال علاقتها السورية غير سوية ووعي الادارة الاميركية. وكل ذلك جعل الرياض توقف استمرار سوريا في استدراجها الى موقف لبناني من دون ان تقدم اليها اي ثمن له في المقابل او الى حلفائها اللبنانيين وفي مقدمهم زعيم “المستقبل” سعد الحريري. لكن عمق النجاح السوري في استدراج المملكة جعلها، رغم امتناعها عن الضغط على حلفائها للسير في ما طلبه او اقترحه السوريون، “تزعل” او ربما تغضب من هؤلاء. وقد عبرت عن ذلك بأكثر من طريقة لم يظهر معظمها في وسائل الاعلام.
اما التساؤل عن امكان ان يكون التقارب السوري – السعودي على حساب 8 آذار و14 آذار معاً ولمصلحة لبنان الدولة السيدة والمستقلة والمرتبطة بعلاقات متكافئة ومميزة مع دولة سوريا، فهو في غير محله في رأي عارفي سوريا بشار الاسد انفسهم. وايضاً للاسباب المذكورة اعلاه. وفي غير محله ايضاً الإعتقاد ان سوريا هذه ستقبل بعلاقة دولة بدولة مع لبنان تتخلى بموجبها عن علاقاتها بل عن امساكها بالطوائف والمذاهب التي بقيت معها ايام الشدة، وكذلك عن محاولة الامساك بالذين كانوا داخل سربها وغردوا خارجه يوم ظنوا ان الآفاق العربية والاقليمية والدولية قادرة على مساعدتهم في ذلك، وتالياً على تلافي العقاب السوري بسببه. وفي غير محله ايضاً الاعتقاد ان رئيس الدولة سيحظى بثقة سورية كاملة مباشرة او غير مباشرة. وهذا يعني انه لن يحكم او لن يستطيع ان يحكم او حتى ان يكون حكماً وهي الصلاحية الاساسية له بعد الحرب. فهو ليس اميل لحود الرئيس السابق الذي حاز ثقة مطلقة مع استمرار المراقبة. وهذا جزء من طبع النظام السوري. ولا يستطيع ان يكون.
في اختصار يعتقد العارفون بسوريا والمملكة العربية السعودية ان نفس الاولى طويل ونفس الثانية قصير، وان الاولى تعرف ان الثانية محشورة جداً بايران حليفة دمشق ولذلك فانها تحتاج اليها او بالاحرى تحتاج الى فصلها عن ايران. وهي تعتقد واهمة ربما ان ذلك ممكن. ويقولون ان وضع لبنان سيبقى على حاله ما لم تحل قضية فلسطين وتشعباتها الاقليمية (سوريا – لبنان) وان تدخُّل سوريا فيه او نفوذها عليه او امساكها به من جديد سيتحقق او سيكون هدفاً دائماً لها. اما أميركا، في رأي العارفين انفسهم، فان انفتاحها على سوريا كان انفتاح المضطر وذلك نظراً الى حاجتها الى تعاون سوري في العراق وفي موضوع “حماس” وفلسطين وفي موضوع “حزب الله” ولبنان وربما في موضوع ايران وفي موضوع الجولان والتسوية مع اسرائيل. وسوريا بشار الاسد لن تتعاون في كل ذلك لأسباب عدة، منها عدم قدرتها على التخلي عن سياسات وتحالفات وارتباطات والتزامات اقليمية يرتّب التخلي عنها خطراً جدياً عليها. ومنها حرصها على الحصول على ثمن في مقابل اي تجاوب او تعاون تمارسه مع اميركا وحرصها على ان يكون الثمن اكبر من هذين التعاون او التجاوب. ومنها تمسكها عند وصولها الى مرحلة التعاون الجدي في القضايا الاساسية باستعادة الجولان ولبنان ولكن مع فارق في طريقة الاستعادة. فالجولان ارض سورية رسمية احتُلت عام 1967. في حين ان لبنان صار دولة مستقلة عام 1943 وبعد 23 سنة من انتداب فرنسي “سلخه” عن سوريا في رأي نظامها وغالبية شعبها. ولذلك يمكن ان تطال الاستعادة الجوهر من دون ان تغيّر الشكل. فهل تقبل اميركا بذلك؟ وهل تضحي بلبنان السيد المستقل؟
الجواب الرسمي الاميركي هو النفي. لكن الجواب الذي تعتقد دمشق انه منطقي هو الذي يشير الى ان لبنان ليس مصلحة حيوية واستراتيجية اميركية، والى ان تجربته الاستقلالية لم تكن ناجحة لان شعبه اثبت انه شعوب متقاتلة او متناحرة وعاجزة عن بناء دولة تشعر بالانتماء اليها وتضع هذا الانتماء فوق كل الانتماءات الأخرى.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى