صفحات ثقافية

قصة موت معلن

null
بقلـم الشاعرة المكسيكية كارمن أبيلا جاكيز
صرّح غابرييل غارسيا ماركيز Gabriel Garc’a Mçrquez أنه لن يعود إلى كتابة الرواية، وبالرغم من ذلك وفي سنة 1981، وقبل عام من فوزه بجائزة نوبل، خرج إلى النور كتابه (قصة موت معلن Crùnica de una muerte anunciada )، ومع ذلك ظن الكثيرون أن الكاتب قد أخلف وعده في نشر الرواية (ككثير ممن بدا لهم أن يطلقوا عليها الكونفور)، لكن ورغم ذلك نتساءل لماذا قدّم غابرييل ماركيز هذا العنوان (Crùnica) لكتابه؟ وما هي في الواقع؟، هل هي رواية مثل الروايات كما وصفوها أم هي ( يومية أو قصة أو وقائع) مثلما هو عنوانها المشار إليه ؟.. ولأنه إذا كانت (Crùnica) فغابرييل ماركيز قد احترم وعده الأول.
هذا واحد من مجموع استفهامات كثيرة قد يطرحها أي قارئ ومحلل لهذا العمل، ويفكر بتصنيفها في أي المجالات الأدبية أو الصحافية الموجودة يجب أن تكون متسائلا عن شكل هذا النص الذي يرى الكاتب أنه هو أفضل كتاب منجز من كل ما كتب..
(قصة موت معلن) تحكي مقتل سانتياغو نسار على أيدي التوأم فيكاريو، حافز الجريمة هو الثأر من الرجل الذي فض عذرية أختهما آنخلا ngela .. لأنه في ليلة الزفاف اكتشف زوجها ذلك، ومن ثم قام باياردو سان رومان، بإعادتها إلى بيت أهلها..
غابرييل ماركيز يقول في كتابه أنها (تمتلك البناء الدقيق لرواية بوليسية)، الروايات البوليسية تتسم بالوصف لأنها تحقّق في القتل، تستجوب المشبوهين، وتجمع اختبار الشكوك التي تعيد بناء الجريمة من جديد..
هذا فعلا ما حدث مع كاتب (قصة موت معلن)، بعد 27 سنة من حدوث القتل، يعود إلى القرية التي حدثت التراجيــــديا فيها ليبحث في ملفات الأرشيف عن المحاضر التي تحمل الحكم، محاولا أن يبني من جديد عملية القتل عمداً معتمدا على تصريحات الشهود..
مع أن الاستقصاء في الروايات البوليسية يعتمد على تحليل باعث الجريمة (وفي هذه القضية سيكون العذرية الضائعة واسترداد الشرف)، فالقاص ركز على الأصح على إعادة بناء الوقائع وفي اللائحة التي قدمها أهل القرية قبل الملابسات..
أوصاف أخرى جديرة أكثر بالملاحظة في الرواية البوليسية هي أن القاتل يُكتشف في آخر فصل، لكن في (قصة موت معلن) منذ السطر الأول يُعرف الشخص الذي سيموت ومن هم المتهمون في ذلك، لأنهم هم أنفسهم من يحملون إعلانها في جميع مضارب القرية، والشيء الوحيد الذي يبقى إلى النهاية هو طريقة وكيفية موت الشخصية الرئيسية، الذي لا يتلاءم تماما مع نموذج رواية بوليسية، ويمكن أن نطرح جانبا إمكانية وصفها في حد ذاته، ومع ذلك تفتح نافذة أخرى: وهي أنها كانت حكاية ..
الكرونيكا (Crùnica) هي قصة في شكل غني ومتنوّع، وفيها تظهر الوقائع منظمة بحسب الزمن في كل ما كانت تصادفه ..
قديما كان هذا الجنس يخدم من يروي تواريخ أمة ما، الأنساب أو المضارب، ومن ثم فتاريخ فتح أمريكا اللاتينية معروف، وأعاجيب الرحالة والمسافرين إليها كذلك، وقد لاحظ المبشرون والفاتحون متى يصل الشكر إلى العالم الجديد عن الحكايات التي كتبوها في شكل رسائل ويوميات..
هذا الجنس القديم كان ولا زال يسترد حضوره في واقع الأمر بواسطة الصحافيين، ممن يستعمله لقص وقائع الحياة اليومية في شكل أقل صلابة وأكثر واقعية، محصيا معطيات مضبوطة وتصريحات أو آراء أناس آخرين، من تحقيقات حقل ما أو من مصادر مكتبية ..
في الحكاية يكون هناك استجمام الأجواء والشخصيات التي تسيطر على إرسال ملاحظات وانتقادات، وفي الأغلب، النقد الاجتماعي يوحّد التاريخ والأدب ..
(قصة موت معلن) تقريبا تجمع الشروط السابقة لتكون أكثر دقة، ولتكون محسوبة كقصة – قصة بوليسية – وماركيز يترك وراء المبالغات التي يصفونها جزءاً كبيرا من إبداعه ومن الواقعية السحرية (كمبدأ أساسي) ليحكي انطلاقا من أسلوب جد موضوعي ومع وصف أكثر رزانة تلك الوقائع التاريخية والصارمة لمقتل سانتياغو نسار، ورغم ذلك، فالحكاية تعطي إحساسا بأن البناء لم يكن في أسلوب مباشر أو يتبع ترتيبا زمنيا معينا، وكأن الكاتب كان يتلاعب بالزمن.
مع أن القصة تبدأ منذ قيام الشخصية في الساعة الخامسة والنصف صباحا وتنتهي عندما يقتلونه، تقريبا في الساعة السابعة تماما، فالكاتب أحصى ما حدث بيوم قبل الجريمة: في زفاف آنخلا وباياردو، أو ما حدث في وقت طويل مضى حينما التقيا.. أيضا بعد القصة بيوم، حينما قاموا بتشريح الجثة، أو بأعوام حينما قال لهم ما حدث للقائمين بالجريمة.
مع هذا فالكاتب قادر على الحفاظ في الرواية بجو التوتر والذروة المستمرة، تلتهم القارئ المتعطّش، وللعلم فإن الشخصية كانت ستموت ولكن حتى النهاية يظهر الكاتب كيفية حدوث ذلك..
تعطي القصة انطباعا بأن الكاتب يلعب بالزمن في أسلوب دائري.. ومع ذلك توجد أسطر محلّقة تدفع القصة إلى الأمام أو تعرقلها، لكي يوضّح الأسباب التي استعطفت القتل ونتائجه، ودائما يعود إلى نفس النقطة: كل شيء يدور حول موت سانتياغو، الحدث الأساسي حتى النهاية..
ليس لهذه الرواية أن تترك ما تملك من ترتيب منطقي متماسك، لكن حقيقة أن القراء لا يعون قصة مباشرة تأخذهم إلى الشك في أن النص في الواقع هو مجرد يومية .
هذا الكتاب كان مُتخيلا من طرف غابرييل غارسيا ماركيز، ربما يعتبر كحنين للعمل الصحافي الذي نما في شبابه..
الكاتب في (قصة موت معلن) رسم مجتمعا سحريا من حيث أخلاقه وعاداته كما هو من حيث أعرافه، حيث يمتلك الأخوان فيكاريو مجال القتل – وذلك فقط من أجل الضغط الاجتماعي – لرجل مزعوم أنه فض عذرية أختهما، قبل أن يمتلكهما الجبن فلا يمتلكان القدرة على ذلك وفقا للتطبيقات السائدة ..
نشم في هذا العمل رائحة ذكورية ، وذلك بالدرجة الأولى عندما عادت الفتاة إلى بيتها (أي بعد اكتشاف أمرها)، أيضا نجد هناك حالات أخرى وذلك أن ماركيز اختلق سخرية مثالية حول موضوع رجولي، كذلك، مع أن رأي المرأة لا يؤخذ بالحسبان في اتخاذ القرار إذا أرادت الزواج أو لم ترد فهي نفسها التي فقط بإشارة منها إلى الاسم وتقريبا بعفوية توجه قدر حياة كائن بشري نحو الموت.

ترجمة: ميلود حميدة
منشور بأنتولوجيا جامعة مونتيري المكسيك- ص 175، Creaciùn Literaria Del Sistema Tec de Monterrey.
القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى