زين الشاميصفحات سورية

الحدث الإيراني والارتباك السوري

null
زين الشامي
كما جرت العادة دائماً عند أي حدث إقليمي خطير يمكن ملاحظة الارتباك السوري الرسمي والإعلامي بسهولة من خلال الصمت الذي يخيّم على الصحف الحكومية وقنوات التلفزيون الرسمية. وبرأينا، فإن ذلك يبدو طبيعياً في دولة تنعدم فيها حريات التعبير وتفتقد لإعلام حر مستقل، وفي دولة يحكمها حزب شمولي تعتقد قيادته أن مجرد التطرق أو الاهتمام أو إطلاع «الشعب» على تلك التطورات والأحداث الإقليمية سوف يترك آثاراً لا تُحمد عقباها على الرأي العام، لا بل ربما يسمح ذلك الاهتمام ويستدعي تأثر ذلك «الشعب» بتلك الأحداث بطريقة لا تريدها السلطة.
وقبل نحو ستة أعوام تابعنا جميعاً كيف تعاطى الإعلام الحكومي مع لحظة دخول القوات الأميركية إلى العاصمة العراقية بغداد، خصوصاً لحظة دخول بضع دبابات أميركية، ومن ثم إسقاط تمثال الرئيس العراقي السابق صدام حسين في ساحة الفردوس. هذه اللحظة التاريخية، وفيما كانت مئات من المحطات التلفزيونية العالمية تنقلها مباشرة، كان التلفزيون السوري يعرض برنامجاً سياحياً عن بحيرة «زرزر» غرب دمشق. لقد كان هناك ارتباك حقيقي وصمت مطبق إزاء ما يحصل في العاصمة العراقية والبلد الشقيق، إذ كان يحكم نظام «البعث» «الشقيق» أيضاً.
فيما بعد اتضح سبب الارتباك الرسمي، إذ خشي القائمون على الأمر من «الشعب». لكن نسي هؤلاء القائمون على الأمر أن السوريين جميعاً كانوا يتابعون ما يجري من خلال المحطات الفضائية العربية والعالمية.
الارتباك والصمت الرسمي الحكومي يكرر نفسه اليوم مع الحدث الإيراني الذي لفت أنظار العالم كله، إذ أصبحت الأخبار المتعلقة بالتظاهرات الاحتجاجية التي يقوم بها أنصار المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي ضد نتائج الانتخابات الرئاسية محط أنظار وسائل الإعلام العالمية والعربية كلها، إلا وسائل الإعلام السورية الحكومية التي فضلت عدم الاقتراب من تلك الاحتجاجات وفضلت التعامل مع الحدث من خلال بعض شذرات متفرقة تتعلق بالموقف الرسمي الإيراني، وما يردده «المحافظون» والفريق المقرب من الرئيس أحمدي نجاد. لذلك لم يكن مستغرباً وعندما حاولنا تقليب الصحف السورية كلها فلم نعثر سوى على خبر يتيم بعد ثلاثة أيام من التظاهرات العارمة التي قام بها أنصار موسوي، خبر وجدناه في صحيفة «تشرين» يقول إنه و«احتجاجاً على دعم الحكومة البريطانية لمثيري الشغب والدور الذي تقوم به شبكات إعلامها في توجيه مثيري الشغب والعنف في طهران فقد تجمع عدد كبير من الطلبة أمام السفارة البريطانية في طهران مطالبين بإغلاقها والتعامل بحزم مع شبكة (بي بي سي) الناطقة باللغة الفارسية». هذا كان الخبر الوحيد في الصحيفة وقت كان العالم جميعه يغطي تلك التظاهرات الاحتجاجية وكيفية قمع السلطات الإيرانية لها.
وإمعاناً في التجاهل والتجهيل وفي اليوم نفسه، قرأنا خبراً آخر في صحيفة «الثورة» الحكومية أيضاً، يتحدث عن «تواصل التهاني للرئيس الإيراني بفوزه بولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية الإيرانية». وتوقفت الصحيفة عند التهاني التي أرسلتها كوريا الشمالية إلى الرئيس نجاد، وكان مضحكاً أيضاً أن صحيفة «الثورة» مازالت مصرة على تسمية دولة كوريا الشمالية ذات نظام الحزب الواحد بكوريا الديموقراطية.
من ناحية ثانية، ورغم كيفية تعاطي السلطات الإيرانية مع ما يحصل داخلياً، لابد من التنوية أن ما يجري في إيران يعكس حالة وشكلاً من أشكال التعاطي الديموقراطي مع «الإصلاحيين». نقصد أنه ورغم سطوة نظام الملالي وآيات الله الذي يحكم إيران منذ نحو ثلاثين عاماً، فإنه مازال أفضل بكثير من نظام «حزب البعث» في سورية، وقد برهنت الأحداث، التي حصلت في سورية منذ عام 2000 وطريقة تعاطي النظام السوري مع معارضيه، أنه لا توجد مقارنة أبداً بين سورية وإيران. ولقد أثبت نظام الملالي بمساوئه كلها ورغم قبضته الحديدية أنه أكثر رحمة ورأفة مع معارضيه من النظام السوري الذي بطش بجميع الأصوات التي طالبت فقط بمجرد إدخال إصلاحات ديموقراطية من خلال مقالة هنا وهناك، ولم تنظم تظاهرات تملأ العاصمة دمشق، كما يفعل «الإصلاحيون» في إيران.
من ناحية أخرى، أثبتت الأحداث في إيران أنه مازالت في الجمهورية الإسلامية مساحة وافرة من الحريات المتعلقة بحق التظاهر وحريات التعبير والنشر وإصدار الصحف أكثر بكثير من سورية. وفي سياق الحملة الانتخابية حصلت مناظرات تلفزيونية بين المرشحين الأربعة للرئاسة، ومن بينهم الرئيس أحمدي نجاد. وليس هذا فقط، إذا ما افترضنا جدلاً أن نتائج الانتخابات الإيرانية الأخيرة كانت صحيحة ولم يحصل فيها تزوير، كما يدعي أنصار موسوي، فلابد من التذكير أن أحد المرشحين المنافسين لنجاد حصل على نحو الثلث من الأصوات، وحصل نجاد على نسبة أقل من الثلثين، وهذه نسبة متواضعة مقارنة بالتسعينات المئوية!
ليس فقط إيران التي أثبتت أنها أفضل حالاً بكثير من سورية، بل حتى «حزب الله» اللبناني، ورغم أن تركيبته تركيبة شمولية تشبه كثيراً تجربة الأحزاب الاستبدادية كلها، فلقد برهن هذا الحزب، بعد الانتخابات النيابية الأخيرة في لبنان، أنه يعي ويتفهم معنى الديموقراطية والانتخابات أكثر بكثير من فهم النظام السوري لها. لقد كان جميلاً أن يعلن «الحزب الإلهي» اللبناني وعلى لسان أمينه العام حسن نصر الله قبوله بنتائج تلك الانتخابات، فيما «حزب البعث» لا يتجرأ أبداً على إجراء ربع انتخابات بلدية ديموقراطية في سورية.
كاتب سوري
الراي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى