الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّوريةمحمد سيد رصاص

ايران:هل ستكون المآلات سوفياتية أم صينية؟

محمد سيد رصاص
كانت ثورة1979الايرانية ثالث أكبر ثورة في القرن العشرين بعد1917الروسية و1949الصينية من حيث قوة الدفع الاجتماعية الداخلية وأيضاً على صعيد حجم التغيرات والتأثيرات التي تركتها كل واحدة من هذه الثورات على الداخل والخارج.
وصلت هذه الثورات الثلاث إلى أزمة لما وصل الشكل السياسي لنظام الحكم إلى حالة ضعف(بهذا الحجم أوذاك)في التمثيل للقوى الاجتماعية. كانت ارهاصات هذه الأزمة في موسكو مع خروتشوف(1953-1964)ليدخل الاتحاد السوفياتي في مرحلة انتقالية بعده طوال عقدين من الزمن قبل أن تنفجر الأزمة في عهد غورباتشوف(1985-1991)وتطيح بمجمل بناء ثورة1917،فيما ظهرت نذر أزمة البناء الصيني السياسي في مرحلة الثورة الثقافية(1966-1969) إلى أن بان مقدار تلك الأزمة عند ظهورها على السطح أثناء أحداث الطلاب بين نيسان وحزيران1989،بينما أعطى خاتمي(1997-2005)علامات ارهاصية على بداية أزمة بناء ثورة1979الايرانية،ليأتي بعده أحمدي نجاد ويهيل الكثير من التراب على مظاهر تلك الأزمة،التي تغَطت معالمها بنجاحات السياسة الاقليمية لطهران وبالذات في مرحلة مابعد سقوط العراق،لتعود وتظهر تلك الأزمة منذ سبت مابعد انتخابات2009في شكل انفجاري يذكر بموسكو1985-1991وبكين1989.
في الحالات الثلاث المذكورة،كانت القوى المسيطرة قادرة على ضرب ارهاصات الأزمة : المكتب السياسي السوفياتي ضد الأمين الأول للحزب خروتشوف،ثم رئيس الحزب الشيوعي الصيني ماوتسي تونغ،متحالفاً مع وزير الدفاع لين بياو،ضد قوى أرادت التغيير في النصف الأول من عقد الستينيات بزعامة الأمين العام للحزب دينغ سياو بينغ،الذي أُرسل،بعد تجريده من منصبه عام1966،إلى معسكر اعتقال من أجل”إعادة تثقيفه”،فيمالم يكن خاتمي بعيداً عن مصائر كتلك تحت وطأة قوة القوى المحافظة بزعامة”المرشد”،الذي دعم منافس خاتمي في انتخابات الرئاسة عام1997،وبعد نجاحه بها عاد وتحالف مع المحافظين ومع”حرس الثورة”ضد رئيس الجمهورية الذي لم يستطع تحت قوة التوازنات القائمة أن بنفذ شيئاً من برنامجه.
كان اجتماع أزمة تمثيل البناء السياسي للبنية المجتمعية(في موسكو غورباتشوف)مع الأزمة الاقتصادية،ومع اختلال التوازن الدولي لصالح الغرب منذ انطلاق(مشروع حرب النجوم)في عام1983- مؤدياً إلى جعل محاولة الاصلاح عبر البيريسترويكا تساوي طريقاً مستقيماً نحو انهيار البناء. لم تكن هذه الحالة موجودة في بكين1989،بالرغم من وجود طبعة صينية لغورباتشوف تمثَلت في الأمين العام للحزب الشيوعي زهاو زيانغ(كانون ثاني87 – حزيران89)المؤيد لحركة الطلاب،حيث استطاع”مرشد”الحزب دينغ سياو بينغ(وبخلاف موقعه عام1966بعد أن عاد للسلطة في 1977)أن يقمع حركة الطلاب عبر انزال الدبابات إلى ساحة(تيان آن من)في يوم4حزيران1989،مستغلاً قوة قاعدة الحزب الشيوعي في الريف الذي شهد منذعام1980انطلاقة اقتصادية قوية مع انتهاج سياسة اقتصاد السوق في الزراعة،ثم يقوم،وعبر عدم التعارض مع واشنطن التي تحولت إلى قطب واحد للعالم بعد انتصارها على موسكو في الحرب الباردة(1947-1989)،باتباع سياسة دولية جلبت لبكين الاستثمارات الاقتصادية والتقنية المتقدمة وهو ماأتاح للحزب الشيوعي أن يقود التحول الرأسمالي ولكن عبر عدم ترجمة التعددية الاقتصادية إلى تعددية سياسية تكسر احتكار الشيوعيين الصينيين للسلطة.هذه الحالة الصينية كان موجوداً العديد من ملامحها في طهران2001-2005لمابدأت ايران منذ(11أيلول)بطي صفحة الإخفاقات الاقليمية ،البادئة بهزيمتها في الحرب العراقية الايرانية عام1988ثم في عدم قدرتها على تثمير تفكك الاتحاد السوفياتي إلى مكاسب في الجوار الاقليمي كماحصل للأتراك في أذربيجان وجيورجيا،ليكون ضرب برجي نيويورك مؤدياً إلى مشهد جديد،عند الحدود الشرقية(أفغانستان)ثم الحدود الغربية(العراق)،أتاح لطهران أن تملأ فراغات القوة التي نتجت عن سقوط اخصامها هناك ولتتحول عبر ذلك إلى قوة اقليمية كبرى في المدى الجغرافي الممتد بين كابول وشرق البحر المتوسط.
لهذا،فإن طي صفحة خاتمي كان بالترافق مع نجاحات في السياسة الخارجية،ومع وضع اقتصادي جيد،فيماكان صعود الاصلاحيين،منذ مرحلة الإنتقال في عهد رفسنجاني بدءاً من عام1989وحتى خاتمي،مترافقاً مع اخفاقات اقليمية ومع انهيار أسعار النفط وفي ظل سياسة كلينتون المتعلقة ب”الإحتواء المزدوج” للعراق وايران. من هنا،كان تولي أحمدي نجاد للرئاسة،مدعوماً من “المرشد”و”حرس الثورة”،متميزاً باجتماع نزعة المحافظة في السياسة الداخلية مع صعود القوة الاقليمية الايرانية ومع وضع اقتصادي قوي.
لم يستطع الرئيس الايراني أحمدي نجاد،في هذا الإطار،أن يحافظ على اجتماع هذه العناصر الثلاث في السنوات الأربعة الماضية،كمااستطاع الصينيون أن يفعلوا منذ عام 1989:أصبح الاقتصاد الايراني في عهده مأزوماً ومتراجعاً ونزل ملايين الايرانيين تحت خط الفقر،فيمالم يستطع أن يُثمِر نجاحات طهران الاقليمية في شكل اعتراف دولي(أومن دول الاقليم)يحوِل تلك الوقائع إلى حقائق معترف أومُسلَم بها،هذا إذا لم يكن قد حصل العكس منذ النصف الثاني من عام2008عندما تحولَت الأوضاع الاقليمية نحو مسارات أصبح واضحاً فيها بداية انتهاء مرحلة المدِ الايراني في اقليم الشرق الأوسط،وأن طهران قد أصبحت في حالة دفاع وجزر وعزلة.
بدون هذه المناخات لايمكن تفسير ماحصل بطهران في الأسبوع اللاحق ليوم انتخابات12حزيران2009،والذي عبَر عن ضعف كبير في تمثيل البناء السياسي القائم لقوى مرموقة القوة في البنية المجتمعية الايرانية،وخاصة لتلك الفئات الحديثة في المدن الكبرى،وبالذات الشباب،فيمايبدو أن الوضع ليس كذلك في الأرياف وبالمدن الصغيرة.مايلفت النظر في أحداث ذلك الأسبوع أن الصراع على نتائج تلك الإنتخابات كان مجرد مظهر لم يستطع أن يخفي تحته توجهات واضح أنها لن تكون مساراتها مؤطرة بحدود البناء السياسي الناتج عن ثورة1979،وهو شيء بان بسرعة في طهران2009 فيمالم يظهر في موسكو غورباتشوف إلابدءاً من عام1989،بينما كان ظهوره فورياً في مطالب طلاب ساحة (تيان آن من).
السؤال الآن: هل سيكون وضع طهران على شاكلة وضع موسكو1985-1991،أم بكين1989؟……..أوأن هناك طريقاً ثالثاً،مثل المسار الذي اختاره الرئيس الجزائري بن جديد،إثر مظاهرات تشرين أول(أوكتوبر)1988،لمافتح نوافذ وبوابات نظام سياسي مغلق ومتقادم لتمر عبرها رياح ونسائم التعددية السياسية،ولوأصبح مصيره بالنهاية مثل مصير غورباتشوف مع انقلاب الجنرال خالد نزار عام 1992الذي اختار،مع القوى المدنية الداعمة للجيش،حلاً ضد الاسلاميين الصاعدي القوة كان أقرب للحل الذي انتهجه الشيوعيون الصينيون في عام1989؟……….
الحوار المتمدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى