بسام القاضيقانون الاحوال الشخصية الجديد

لماذا “إيقاف” وليس “إلغاء”؟! وهل سيمرّ هذا الشهر العصيب مرور “أكد”؟!

بسام القاضي
2009/ 06/ 30
“أكد” هي جملة نعرفها جيدا في الإعلام السوري بكافة مستوياته. فهي إحدى اللازمات التي لا تفارق مادة واحدة يرد فيها اسم مسؤول ما، من أي مستوى كان. وبالتالي، تكاد تمر في مساحة العين القارئة دون أن تترك شيئا!
جديد “أكد” اليوم هو ما نقله موقع “شام برس”، الذي أمضى الشهر الأخير مشغولا بأخبار وفاة ملك البوب مايكل جاكسون، والمؤامرة على إيران، ومن هو أصغر رجل في العالم، إضافة إلى “المتفرقات” المعتادة.. ولكنه لم “يسمع” أبدا بمشروع قانون يشرّع زواج الطفلات في الثالثة عشرة من عمرهن! وهو ما نقلته أيضا “تشرين” التي لم تجد، في شهر كامل ونيف، كلمة واحدة تقال في مشروع ينسف وجود رئيسة تحريرها بحد ذاته، (بالمناسبة: في السطر الأخير من الصفحة الأخيرة من تشرين سترون: “رئيس” التحرير، وليس “رئيسة”!) سوى “الرد” الشهير لرئيس مجلس الوزراء على “عاصفة الانتقادات”! جديد أكد هو:
“أكد الدكتور محمود الأبرش، رئيس مجلس الشعب، أنه تم إيقاف مشروع قانون الأحوال الشخصية الذي أعدته اللجنة المكلفة بذلك من قبل رئاسة مجلس الوزراء. جاء ذلك خلال جلسة مجلس الشعب التي ترأسها الدكتور الأبرش مساء أمس (29/6/2009)، والتي خصصت للاستماع إلى أجوبة وزارتي الزراعة والداخلية عما هو مطروح من أسئلة من قبل السادة الأعضاء الخطية منها والشفهية”.
(بالمناسبة أيضا: صحيفة “الوطن” السورية، التي رفضت نشر مواد أعدت لمواجهة هذا المشروع، وبالطبع ليس لدينا وثائق بهذا الخصوص!! لم تنس أن تضيف لمستها الخاصة بالقول: “وشدد على ضرورة اعتباره “منسيا”!! دون أن تنسى، طبعا، أن تضعه بين العناوين الرئيسة التي لم تفسح مجالا لكلمة واحدة ، طوال الشهر الماضي، في مواجهة المشروع! فشكرا لـ”الوطن”!)!
والآن، أثار هذا “التأكيد” موجة من التفاؤل والفرح في صفوف السوريين والسوريات اللواتي لم يصدقن أنه يملكن لبلدنا (بلدنا، وليس “قندهار”)، أن يكون فيه من يفكر بوجود حتى مسودة لمثل هذا المشروع.
وبالطبع، لسنا خارج هذه الموجة. فهو خبر مفرح بكل تأكيد.. لكن.. (“لكن” هي ابنة عم “لو” التي تفتح باب الشيطان).. هناك العديد من الأسئلة التي تحتاج إلى أجوبة حقيقية:
1- لماذا رئيس مجلس الشعب (مع الاحترام للمجلس بكل من فيه) هو من “أكد”، والمسودة لم تصل إليه أصلا، وهو (المجلس) بالتالي غير معني بها من الناحية الإدارية؟! لماذا هو وليس رئيس مجلس الوزراء الذي كلف هذه اللجنة، ووافق على مسودتها، ودافع عنها قبل أيام؟! ألم يكن الأصح أن يعلن أي شيء يتعلق بالمشروع مَن جعل هذا المشروع ممكنا في الأساس؟!
وما علاقة مشروع التفتيت بجلسة مخصصة للاستماع إلى أجوبة وزارة الزراعة ووزارة الداخلية حول استفسارات عضوات وأعضاء المجلس بخصوص عمل الوزارتين؟!
لا نريد أن نشكك بأحد.. لكن أيضا لا نستطيع أن ننسى أنّ حادثة ليست بعيدة تسمح لنا بالتساؤل.. (انقر هنا..)..
2- لماذا استخدمت هذه المفردة بالذات: “إيقاف”، ولم تستخدم كلمة “إلغاء”؟! ولا يوجد أحد لا يعرف الفرق بين الكلمتين؟ فبينما “إيقاف” تشي بإمكانية العودة مجددا إلى هذا المشروع الظلامي، أو تبني بعضه، أو.. تنهي “إلغاء” المشروع برمته. وتترك الباب مفتوحا كليا لمشروع جديد يحقق طموحات بنات وأبناء سورية في وطن واحد لهم جميعا، على قدم المساواة، بعيدا عن أي عنف أو تمييز أو طائفة أو إقصاء!
يعتقد البعض أن المفردات غير هامة في مثل هذا السياق. لكننا نعتقد أنها هامة جدا. فما يقال هنا لا يقال على لساني، أو لسان مهتم أو كاتب ما.. بل على لسان شخص في أعلى السلطة التشريعية في سورية، وبالتالي فإن المفردة لها أثرها ومعناها! ويعتقد البعض أن المقصود هو الإلغاء، وليس الإيقاف، لكن لكلمة الإيقاف موقع أقل “قسوة”. لهؤلاء نقول: ليست كلمة إلغاء أكثر قسوة، ولكنها أكثر دقة. بالأصح: هي الكلمة الوحيدة الصحيحة في هذا السياق. بل إن خطورة المشروع، وما تسبب به خلال الشهر الماضي على انكشافه من شروخ وجروح، لهو بحد ذاته كافيا لقول أقذع الكلمات فيه، بما في ذلك أن لا يكون هناك أي التباس بأن سورية اختارت الوطن والمواطنة والدولة الحديثة، ورفضت التقسيم الديني والطائفي ونظام إمارات الطوائف.
وبالتالي، لا يسعنا هنا إلا أن نبقى على تخوفاتنا السابقة بأن المشروع قد لا يكون قد ألغي، وأن ترك الباب مواربا نحوه قد يعيد إنعاشه في أية لحظة أخرى.
3- ماذا بشأن المسألة الأكثر خطورة: تمكن مثل هذا الفكر الطائفي الذي يشرع العنف ضد المرأة والطفل بصورة سافرة لا لبس فيها، من الوصول (وبسرية مطلقة) إلى أهم موقع على الإطلاق فيما يخص مستقبل سورية: وضع مسودات مشاريع القوانين؟! لماذا لم تقل كلمة واحدة بهذا الشأن؟ وما الذي علينا أن نفهمه من الكلمة اليتيمة “إيقاف”؟ هل يعني هذا أن تلك الأوراق التي سطرت عليها 665 مادة قد وضعت على الرف، بينما الفكر الذي سطرها وكونها ما يزال في أمكنته التي نعرف جميعا أي خطر تحمله؟ خاصة تلك الأمكنة التي تؤثر مباشرة على أعداد كبيرة من الناس؟! أليس من حق الناس في سورية أن يعرفوا، على الأقل الآن مع “الإيقاف” من هم هؤلاء الذين لم يروا في الرجال إلا طالبي متعة جنسية، وفي النساء إلا مقدمات متعة مدفوعة الأجر سلفا، وفي الأطفال إلا كائنات جنسية تذهب مباشرة إلى الزواج ما إن “تبلغ”؟! أليس من حق الناس أن تعرف لماذا أحيطت هذه اللجنة بكل هذه السرية؟
لقد وقفنا ضد الدعوات التي طالبت بمحاكمة هذه اللجنة. وبالتأكيد لن نكون معها. فاللجنة، أولا وأخيرا، قالت رأيها. وهي ليست مسؤولة عن “قبول” هذا الرأي و”تمريره”. لكن ذلك لا يلغي أن مستوى الخطورة الفادح في خطأها هنا يقتضي فعلا شكلا من أشكال المحاسبة. على الأقل حماية للسوريات والسوريين من أن يفكر أحد مستقبلا بمثل هذه المشاريع التقسيمية.
إذا، ورغم ملاحظاتنا هذه، لا نستطيع أن نتجاهل أن هذا “الإيقاف” هو نصف خطوة في الاتجاه الصحيح. صحيح أنه إيقاف هام جدا، ولكنه نصف خطوة فقط، ولا يجب أن تحول اهتمامنا عن بؤر الخطورة الأساسية في هذا الشهر العصيب كله، والمتمثلة فيما قلناه سابقا، وقلناه أعلاه.
فإذا كنا نرحب بهذا الإيقاف، فإننا نأمل (وسنبقى نعمل على) إلغاء المشروع بشكل صريح وواضح، ودون أي لبس حول ذلك.
إلا أن الأهم أننا لن نتوقف عن الاستمرار في بيان وإثبات كل تلك الاتهامات التي وجهناها إلى المشروع ومَن وراءه. فهذه مسؤولية تاريخية لا يجب لأحد أن يتخلى عنها اليوم، بعد أن كشف التطرف عن وجهه الأكثر سفورا، وتبين أن هذا التطرف لم يعد في سي دي هنا أو كتاب هناك، أو في حادث نادر.. بل بات في المواقع التي يمكن لها أن تتحكم بحياة كل فرد هنا. وهذا يحتاج إلى الكثير والكثير من الجهود المركزة على متابعته وتفنيده ودحضه، وخاصة عبر تحليل المشروع من كافة المستويات بصفته أهم تجل لهذا التطرف في واحد من أهم مفاصل حياتنا: التشريع القانوني.
وبالتالي، فإننا نوجه الدعوة للجميع أن لا يأخذوا تأكيد “الإيقاف” على أنه نهاية العمل على المشروع والفكر الذي صاغه. بل أن تؤخذ كافة دلالات هذا الإيقاف في الحسبان، وبالأدوات المناسبة، مع الاستمرار بالعمل بجهد ودأب.
وأخيرا، لا يسعنا هنا إلا أن نقول، من موقعنا المتواضع “نساء سورية”، حيث رأينا بأم العين، وتابعنا يوما بيوم وساعة بساعة، الرجال والنساء في سورية، بألقاب وبدونها، الذين واللواتي لطالما افتخرن بهم/ن، في كل مكان وقرية، الذين رفضوا هذا المشروع ولم يخفوا رفضهم هذا، وأعلنوا أن بلدهم ودينهم وأخلاقهم وقيمهم ترفض مثل هذا الانحدار، هؤلاء الذين/واتي كان لهم دورا هاما جدا في الوصول إلى “نصف الخطوة” الهامة هذه. هؤلاء، كالعادة، يعملون بصمت تام، ولكنهم هم الذين يعملون حقا. وعملهم الحقيقي هذا لهو أهم من عملنا جميعا، بغض النظر عن أن لدينا “أدوات الشهرة”، وليس لديهم. وهؤلاء، لا يدينون لأحد، لا لـ”نساء سورية” ولا لغيره.. لا يدينون لغير وطنهم وقيمه التي رفعوها عاليا في وجه تيار الظلام الطائفي.
وأيضا، وبوجه خاص، نوجه تحية خاصة لكل الإعلاميات والإعلاميين في سورية، الذين نجحوا في إيصال صوت الوطن عبر وسائلهم الإعلامية (خاصة: أرابيسك اف ام، شام اف ام، سورية الغد اف ام، جريدة النور، جريدة البعث، موقع الثرى، موقع كلنا شركاء…. )، ولكن أيضا، لكل الإعلاميين والإعلاميات اللواتي واجهن “إداراتهن” المتواطئة مع مشروع الظلام، والتي فضلت التضحية بوطنها على أن تسمع “تأنيبا شفهيا” ما! ونقول لهم: لا بأس.. في المرات القادمة سوف تستطيعون أن تجبروا أصحاب وصاحبات الكراسي الإعلامية هؤلاء على أن يخضعوا لمتطلبات وطننا، وليس لمتطلبات كراسيهم المهترئة..
نساء سورية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى