ثورة ليبيا

الغيبوبة

سعد محيو
“إنه زلزال . إنها حمى ستنتشر في كل مكان، لا أحد يمكنه وقفها . لا أحد سيوقفها” . هكذا تحدث ساعدي القذافي، نجل العقيد . وهذا كان الكلام العقلاني الوحيد الذي صدر من النظام الليبي منذ اندلاع ثورة 17 فبراير/شباط . عدا ذلك، ثمة غيبوبة حقيقية كاملة .
فرأس النظام لايزال يعتقد، ويصّر، على أن الشعب الليبي كله معه، وأن مايحدث ليس أكثر من اضطرابات يقوم بها بعض الشبان المُهلوسين . وسيف الإسلام لايزال يُصر على أن الهدوء والسلام يسودان ليبيا، على رغم أن الصحافيين الأجانب الذين استقدمهم على عجل ل”سد الفجوة بين الحقيقة وبين روايات الإعلام”، على حد تعبيره، اكتشفوا أن مدينة الزاوية في قبضة الثوار، وكذلك مدينة مصراتة، وحتى بعض أحياء طرابلس . هذا في حين أن كل مناطق الشرق باتت محررة بالكامل .
ما أسباب هذه الغيبوية؟
إنها عامل الزمن . فما جرى خلال عشرة أيام لايستطيع أحد تصديقه: نظام راسخ الجذور منذ 42 سنة يتهاوى بسرعة البرق، وشعب كان حتى الأمس مستسلماً لقدر سلطوي لامفر منه يتحرر بسرعة الصاروخ، بعد أن عَبَرَ نهر روبيكون الخوف والتخويف . حتى أنصار الثورة الليبيون والعرب لايستطيعون تصديق ماجرى ويجري، وهم يفركون عيونهم كل يوم وكل لحظة فرحة ودهشة، فما بالك بأنصار نظام كانوا مؤمنين إيماناً راسخاً بأن حكمهم سيدوم إلى الأبد، وسيحكمه ليس فقط الأبناء بل أيضاً الأحفاد وأحفاد الأحفاد؟
الأمر يحتاج إلى بعض الوقت كي يستوعب الجميع مايجري . لكن المشكلة بالنسبة إلى أركان النظام الليبي أن هذا الوقت غير متوافر . فكل يوم يمر، يشهد عزلة متفاقمة للنظام داخلياً وخارجياً . وعما قريب، وبعد استكمال تشكيل المجلس الوطني الذي سيقود البلاد نحو ترتيبات حكم جديد، لن يبقى النظام الليبي نظاماً بل سيتحوّل إلى لانظام خارج على القانون، ومُلاحق من الشرعية الشعبية في الداخل ومن مجلس الأمن ومجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ومحكمة الجنايات الدولية في الخارج .
عما قريب، ستعترف معظم دول العالم بالنظام الجديد الذي سيتأسس مؤقتاً في بنغازي . وحينها سيبادر موظفو ورسميو وضباط النظام القديم إلى القفز زرافات ووحداناً من السفينة قبل أن تغرق بما ومن فيها، ولن يبقى فيها سوى من سيقرر الانتحار .
الموت انتحاراً، أو نحراً، أو في خضم إبادة جماعية يُطلق عليها سيف الإسلام اسم “الحرب الأهلية”: هذه الآن هي الخيارات الوحيدة المتبقية لمن تبقى من قادة النظام الليبي . وهم، عاجلاً أم آجلاً، سيضطرون إلى وقف “الإنكار السيكولوجي” والتعتيم الإعلامي على ما يجري في بلادهم، وإلى الاعتراف بأن قبول الأمر الواقع هو السبيل الوحيد لإنقاذ مايمكن إنقاذه من متاع هذه الدنيا الفانية .
ساعدي القذافي اقترب كثيراً من هذا الاعتراف، ليس فقط حين تحدث عن زلزال لا يمكن وقفه، بل أيضاً حين أعلن أنه سيُعيّن محامياً للدفاع عنه في محكمة الجنايات الدولية “في سبيل تمكينه من السفر للقيام برحلات سفاري”، على حد تعبيره، ولمواصلة هواياته العديدة خاصة كرة القدم .
بقي أن ينسج زملاؤه على هذا المنوال نفسه، قبل أن يتحوّلوا هم أنفسهم إلى هدف صيد في السفاري الوطني الليبي والدولي الضخم الذي بدأ لتوه .
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى