صفحات سورية

الصراع وطني و ليس مذهبي

null
منصور الأتاسي
ترك الاستعمار بعد رحيله عن الدول العربية إرثاً ثقيلاً فرض على الحكومات العربية العمل على تجاوزه منه:
– تنفيذ اتفاق سايكس بيكو و استقلال الدول العربية و تحديد حدودها بما ينسجم و الاتفاقية المذكورة.
– إعلان دولة الكيان الصهيوني عام 1948 على خلفية تشريد مئات ألوف الفلسطينيين إلى الدول العربية المجاورة الأردن- لبنان- سورية – مصر ليخلق هذا الوجود واقعاً ضاغطاً على الحكومات المتوالية .
– فشل جيوش خمس دول عربية في التصدي للعصابات الصهيونية, و انكشاف فساد وتبعية النظام العربي القائم آنذاك و تناقضه مع تطلعات و توجهات الشعوب العربية.
– التخلف الشديد لجميع الدول العربية ولكل دولة على حدة والناجم عن شدة نهب الدول المستعمرة لثروات البلدان العربية , و تركها وهي أمية و منهارة اقتصادياً .
هذا الواقع فرض على القوى الوطنية و الحكومات العربية مجموعة من المهام نلخصها بالتالي:
1- تأمين السلاح اللازم لصد العدوان الإسرائيلي و خطورته المتزايدة.
2-بناء مؤسسات و بنى تحتية قادرة على النهوض باقتصاد متخلف و منهار .
3-تجاوز حالة التجزئة التي صنعتها اتفاقية سايكس بيكو.
مباشرة بعد هزيمة 1948 بدأ الصدام بين القوى الوطنية و الأنظمة الفاسدة نتج عنه نجاح الانقلاب الوطني في مصر عام 1952 ووصول حكومة وطنية في سورية ….. وهكذا بدأت مرحلة النهوض القومي .
حاولت الحكومتان المصرية و السورية تأمين الأسلحة اللازمة لحماية الحدود و البدء بأعمال البناء – السدود لتطوير الزراعة- بناء منشآت صناعية
رفضت فرنسا و انكلترا ، الدول الكبرى في ذلك الزمان تسليح الجيوش العربية أو بناء المنشآت

الوطنية (السد العالي- سد الفرات …….الخ).
أدى الرفض إلى تمرد بعض الأنظمة العربية و تحولها باتجاه الدول الاشتراكية و اتخاذها قرارات وطنية تصادمت مع مصالح الدول الكبرى و كان قرار تأمين قناة السويس بمثابة التمرد على الدول الكبرى التي لم تتأخر و شنت بالتعاون مع إسرائيل عدوانها الثلاثي على مصر عام 1956 بهدف الاستيلاء على قناة السويس بالقوة و تبديل النظام القائم و كان لصمود شعب مصر و لدعم الاتحاد السوفيتي آنذاك الفضل الكبير في فشل العدوان وانسحاب القوى المعتدلة و أيضاً جاء رد الفعل على قرار الحكومة السورية بكسر احتكار السلاح و التوجه للدول الاشتراكية لتأمين السلاح – صفقة الأسلحة التشيكية – وما تلاها من حشود عسكرية تركية على سورية . و لجوء الحكومة السورية إلى توزيع السلاح على الشعب (المقاومة الشعبية) .
كل ذلك أدى إلى رد فعل عربي كبير جدا متضامن مع الشعبين المصري و السوري و أسس هذا التضامن و دعم الدول الاشتراكية إلى بداية نهوض حركة التحرر العربية . وساهمت مواقف الدول الاشتراكية في انتشار الأفكار الاشتراكية و بشكل واسع في الوسط الشعبي العربي و بدأت تشكل هذه القوى بتوجهاتها الجديدة حالة ضاغطة على الحكومات العربية الموالية للغرب.
-اعتمد الغرب بالتعاون مع الحكومات و القوى العربية التابعة مجموعة من السياسات للتصدي لهذا النهوض المخيف لهما و الذي قد يؤدي في حال تطوره إلى الإطاحة بالسلطات القائمة و نذكر من هذه السياسات:
– العمل على السير مع الموجة لاستيعابها.
– تكريس أنظمة عربية غير ديمقراطية قادرة على شل حركة الشعب بغض النظر عن توجهاتها الوطنية .
تحويل الصراع من صراع وطني إلى صراع بين الفكر الاشتراكي ”الملحد“ و الدين الإسلامي و نشر مقولة الاشتراكية جاءت لتحارب الدين الإسلامي .
– سحب السياسة من المجتمع و فرض أنظمة عسكرية غير قادرة بطبيعتها على بناء الدولة الوطنية .
و في غمرة الصراع نشأ تياران إسلاميان الأول أيد الإجراءات الوطنية كلها بما فيها قرارات التأميم و الإصلاح الزراعي و الاتجاه نحو الاتحاد السوفيتي و الدول الاشتراكية و أصبح جزءاً من الحركة الوطنية .
و الثاني رفض كل الخطوات التي اتخذتها الحكومات الوطنية آنذاك فقد كفر هذا التيار عمليات التأميم و الإصلاح السياسي ليبقي على النظام الإقطاعي . وكفر أيضا التقارب بين قوى حركات التحرر و الاتحاد السوفيتي .
و شنت حملة ضارية ضد الشيوعية . فالشيوعيون كفار ضد الدين هدفهم الرئيس تدمير الإسلام , و هم ليسوا وطنيين إنما تابعون للإتحاد السوفيتي و عليهم أن يرحلوا إلى هناك . و ظهرت العديد من الفتاوى التي تحلل قتل الشيوعيين, و جرى العديد من الهجمات على الشيوعيين في دمشق و حمص و غيرها , و استطاعت آلة الدعاية الإعلامية الغربية من تأجيج الصراع بين التيارين و ظهرت مناقشات قريبة من مناقشاتنا الآن منها مثلا إن الولايات المتحدة تعتنق الدين المسيحي و هي ليست عدوة لنا بقدر السوفييت الملحدين و أيضا فإن اليهود الإسرائيليين أقل خطورة علينا من الشيوعيين.
هذا النوع من الدعاية كان يغذيها الغرب و تعتمدها بعض الدول العربية منها السعودية و الأردن و المغرب و العراق أيام نوري السعيد ……. و غيرها الكثير……. حتى أن بعض التيارات القومية تأثرت بهذه الدعاية و حتى تتخلص منها طرحت شعار (لا شرقية ولا غربية) الذي حقق خسائر كبيرة جداً ولم تتخلص القوى القومية من هذا الشعار إلا بعد
هزيمة 1967) . واستطاعت الدعاية أن تشرك في العداء للسوفييت أوساطاً من داخل الحركة الشيوعية ……؟؟
استمرت هذه الدعاية منتشرة حتى انهيار الاتحاد السوفييتي و قد هلل أصحاب هذه الدعاية بكل تلاوينهم لسقوط الاتحاد السوفييتي بغض النظر عن تأثير هذا السقوط على مجمل السياسة العربية .
بعد السقوط مباشرة ظهر شعار صراع الحضارات و يعني عمليا الصراع مع الإسلام و الدول الإسلامية و إلى جانب هذا الشعار ظهر شعار الشرق الأوسط الجديد الهادف إلى إعادة تقسيم المنطقة بما ينسجم و مصالح الولايات المتحدة التي شنت حروبها في المنطقة على هذا الأساس أي إعادة صياغتها.
– وفي المعركة الثانية لقوى حركة التحرر بعد أن تراجعت الموجة الأولى . عادت للهيمنة مرة أخرى الأنظمة العربية التابعة و الحريصة على استمرارها هذا الحرص الذي وصل لحد الخيانة .
و بالمقابل كان لا بد لقوى حركة التحرر العائدة للنهوض من تامين حلفاء قادرين على المساعدة .
سيطرت في هذه الفترة البرجوازية الإيرانية التي مكنتها الثورة الإسلامية من السلطة , و بدأت تحاول النهوض رافضة شعار صراع الحضارات و متوجهة لبناء اقتصاد مستقل و قدرات عسكرية قادرة على حمايته , و اصطدمت سياساتها مع السياسة الأمريكية التي فشلت في إسقاط النظام و إفشال سياساته رغم المحاولات المتكررة من قبل أمريكا لضرب هذا التوجه …… و هكذا فقد توافقت مصالح إيران مع توجهات حركة التحرر العربية و بدأ نوع من العلاقة مع بعض قواها حزب الله في لبنان حركة حماس في فلسطين بالإضافة لعلاقاتها المتميزة مع سورية
حقق هذا التحالف أولى انتصاراته في لبنان عندما تم تحرير الجنوب عام 2000 ثم في صمود حزب الله عام 2006 محققا في صموده الهزيمة الأولى والأهم في الصراع العربي الإسرائيلي و كاشفاً نقاط ضعفه و محققاً الاختراق الأول في العمق الإسرائيلي عندما قصف مدنه الداخلية بالصواريخ وهدد بالوصول إلى تل أبيب .
تزامن هذا الانتصار مع زيادة نشاط المقاومة العراقية المؤثر و الفاعل و الموجه ضد قوات الاحتلال الأمريكي في العراق فقد وصل متوسط عدد القتلى من الجنود الأمريكان إلى عشرة جنود يوميا .
و أيضا ترافق مع نهوض مقاومة إسلامية في فلسطين و خصوصا في قطاع غزة و حظي صمود قطاع غزة أمام عدوان 2008-2009 بتضامن عربي هائل و تمتعت المقاومة العراقية بدعم و تأييد عربي هائل تمثل في حالة التطوع الواسعة للمشاركة في قتال المحتل الأمريكي و في التبرعات السخية للمقاومة العراقية و في احتضان الشعوب العربية في سورية و الأردن و لبنان لملايين العراقيين الفارين من الاضطهاد الأمريكي و من الصراع و الاقتتال المذهبي الذي راح ضحيته ألوف الأبرياء من الجانبين و الذي لم يخدم قضية المقاومة مطلقا و أساء إليها و عمق الشرخ في صفوف الشعب العراقي
و كان لا بد للقوى المعادية و خصوصا الولايات المتحدة الأمريكية و النظام العربي البائس و الخائف و الخاضع من إيجاد الرد القادر على عزل قوى المقاومة بهدف تدميرها . كلفت بهذا العمل القذر الجيوش الأمريكية و بعض الحكومات العربية و إسرائيل التي بدأت بالتخلص من رموز المقاومة فقتلت ياسر عرفات بعد حصاره لعامين و زعماء حماس و الجهاد و اعتقلت الأمين العام للجبهة الشعبية في فلسطين . و تفجر الوضع في لبنان كل ذلك في محاولة للحد من تأثير المقاومة , و دفع الصراع المذهبي إلى الأمام و نفذت تفجيرات في الأماكن المقدسة الشيعية و السنية في العراق قتلت ألوف المواطنين و صدر قرار في هذه الفترة عن الكونغرس الأمريكي يقضي بتقسيم العراق إلى ثلاث دول شيعية و سنية و كردية .
في الوسط الشعبي و العربي دفع الصراع الشيعي السني للأمام , و استخدم الصراع السياسي في لبنان غطاء للصراع المذهبي بين الشيعة الذي يمثلهم حزب الله كما يدعون و السنة الذين يمثله تيار المستقبل كما يدعون أيضا …….و تزامنت هذه التعبئة مع تنفيذ تفجيرات قاتلة في العراق داخل مناطق السنة و الشيعة . و بدأت تنتشر مقولات تحذر من خطر الامتداد الإيراني الذي سمي مرة الخطر الفارسي و مرة الخطر الصفوي و مرة الخطر الشيعي .
لاقت هذه الدعاية رواجا واسعا في الأوساط العربية و استخدمت في الصراع السياسي و لقد استخدمتها مع الأسف الشديد بعض النخب العربية في صراعها مع أنظمتها بهدف تأمين تعاطف شعبي معها ؛ هذا التعاطف الذي لن ينتج إلا الدمار .
و لما كانت منظمة حماس منظمة سنية وهي جزء من تنظيم الإخوان المسلمين العالمي السني فقد اعتبرت القوى المعادية حتى – لا تتناقض مع خطها التعبوي – أن حماس رهنت نفسها لإيران, والدليل أنها استخدمت أسلحة إيرانية في تصديها للهجوم الإسرائيلي الأخير .
و كأن المطلوب أن تدمر حماس حتى ترضى التيارات التابعة للولايات المتحدة , فالمقاومة و الحصول على السلاح للدفاع عن النفس مدان لأنه من إيران و في المقابل تبرر الدعاية التخاذل العربي و خصوصا المصري في حصاره لغزة و مصادرة أي قطعة سلاح يمكن إن توصل إليها , و حتى رفضه إرسال الغذاء و الأدوية المطلوبة لإنقاذ الأطفال و الجرحى بحجة أن غزة محتلة لإسرائيل و أن لمصر معاهدات مع إسرائيل . و تعمل الآن الحكومة المصرية بكل الأشكال لإسقاط حماس .و في الضفة الغربية حيث يسيطر حلفاء الولايات المتحدة على الحكم تتشارك إسرائيل و مجموعة أبو مازن في قتل المقاومين الذي ينفذ يوميا ولا داعي للشواهد .
و طبعا فإن الصراع الدائر في المنطقة ليس صراعا مذهبيا بل هو صراع سياسي بين قوى المقاومة و قوى التخاذل التي تريد أن تعطيه طابعا مذهبيا لإرباكه و محاصرته , فليس كل الشيعة في لبنان مع حزب الله و ليس كل السنة مع تيار المستقبل و ضد المقاومة . و ليس كل الشيعة في العراق مع إيران أو مع الاحتلال الأمريكي و ليس كل السنة في العراق ضد إيران أو ضد الاحتلال الأمريكي .
و هكذا تعود مرة أخرى و بشكل آخر توجهات القوى المعتدية على بلادنا بالتعاون مع الأنظمة العربية التابعة لتحويل الصراع و الدخول في صراعات جانبية مدمرة كما جرى في العراق و تتم المحاولات لتنفيذه في لبنان و يتم تبديل صورة العدو فالصديق المؤهل للدعم أصبح عدواً و العدو أصبح حليفاً كما أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بعد زيارته لبعض الدول العربية بأنه تفاجأ من حجم الدعم العربي لإسرائيل في مواجهتها لإيران .
إننا نعتقد أن الشعوب العربية ستهزم هذه المحاولات إذا استطاعت طليعتها الوصول لتعبئة شعبية مشتركة قادرة على إفشال هذا الأمر و قادرة على تأمين الحشد القادر على الدفع من أجل تطوير النضال ضد العدو الحقيقي؛ إسرائيل .
و كما سقطت الأنظمة التابعة في مراحل النهضة الأولى فإن كل المؤشرات تؤكد أن هذه الأنظمة ستنهار أمام متابعة شعوبها لاحقا .
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى