صفحات سورية

سوريـا تتغيـر.. الاقتصـاد أولاً؟

null
ن ص
العالم يتغير بسرعة مذهلة، العولمة الاقتصادية في مراجعة نقدية لمنطلقاتها ومسالكها. والنظام الاقتصادي في سوريا، يمتنع عن الدخول في نظام السوق بلا قيود، تقليدا للأيديولوجيين المتشددين من أهل اليمين، أو تمنعا من أهل اليسار. الخشية من التغير السريع، غير المتدرج، من نظام مغلق، موجه، إرادوي، نبتت على جوانبه طفيليات نامية ومتغلغلة في بنية السياسة وأروقة المؤسسات، بلا رقيب يتابع أو حسيب يلاحق أو قضاء شفاف يقضي. هذه الخشية، دفعت سوريا الى اتباع سياسة الخطوة خطوة، لدخول اقتصاد السوق بضوابط مصلحية. لأن السوق، إن ترك على عفويته، وقع في يد القوى المسيطرة والمستفيدة، ذات المواقع المالية والسياسية والإدارية القوية. وعليه، فإن الاندفاع في «الإصلاح»، مغامرة «مطلوبة غربياً»، محسوبة سورياً. لأن الإسراع في إفلات السوق، سيؤدي الى التفاوت في المداخيل وتمكين الأقوياء من سحق الضعفاء، داخل الدائرة المغلقة الأبدية: العرض والطلب.
أقدمت سوريا على خطوات إصلاحية كثيرة، وانطلقت محاولتها هذه، من قاعدة اقتصاد السوق الاجتماعي (مقالة الدكتور الياس نجحة) غير أن المنطلقات، لم تكن يوما قادرة على نقل مجتمع، اعتاد نظاما اقتصاديا إلى نظام آخر، بدون كلفة. والغالب، أن كلفة الانتقال، من الاشتراكية «المعتدلة»، الى «الليبرالية» «المقيدة» نسبيا، ستدفعها الفئات الفقيرة، والشرائح المتوسطة، كما سيكون له التأثير الحاسم على أداء مؤسسات الرعاية الاجتماعية، الصحية، والتربوية والتنموية.
في اقتصاد السوق، تتخلى الدولة عن مسؤولياتها المباشرة، وتجعل الاقتصاد في نواحيه المرجحة في يد أهل الخصخصة، وأصحاب الشركات. فهل يمكن للإصلاح المنشود أن يقيم التوازن بين الدولة الضامنة لوظيفة حماية الفقراء ومتوسطي المال، والموعودين بالاستفادة من فضلات النمو الاقتصادي، من جهة، وبين إطلاق يد الرساميل الداخلية والخارجية، لتوظيفها في استثمارات تهدف في الأساس الى الربح، وتراكم الثروة؟
معادلة صعبة، تحتاج أكثر من معالجة، سياسية وأطرية.
غير أن الأساس يبقى في مدى تأثر أي خطوة إصلاحية في سوريا على لبنان، والثانية التقاء الاقتصاديين، في تعاون موضوعي مربح ومريح للبلدين. فلبنان شق طريقه الاقتصادي المغاير للحمائية السورية، منذ الاستقلال. ومرت فترات من التوتر والقطيعة والانفصال، بلغت حدود «تشريع» اقتصاد التهريب والتسلل وحمايته من جهة، وممارسة الابتزاز السياسي الشوفيني، لدى عبور أي سلعة إغراقية في مواسم الإنتاج المشتركة والمواسم المتصلة زمنيا.
إصلاح اقتصادي في سوريا، من أجل أداء مشترك لتنمية البلدين (مقالة سمير سعيفان) تبدو عملية ملحة، وخطوة في اتجاه بناء علاقات مادية مؤسساتية مشتركة، قائمة على تبادل المصالح، لأن لبنان يشكل «البوابة الخلفية» للاقتصاد السوري، كما أن سوريا تشكل العمق الديموغرافي لمنتجاتها، ومحط لعبتها الكومبرادورية التجارية.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى