صفحات العالممنهل السراج

عن مروى الشربيني أماً وليست ضحية الحجاب!

null
منهل السراج
مروى في الحادية والثلاثين تعمل صيدلانية في معهد ماكس بلانك في مدينة درسدن، أم لطفل في الثالثة وحامل في شهرها الثالث، طعنت حتى الموت في قاعة محكمة في ولاية سكسونيا في ألمانيا.
لم تًقتل مروى الشربيني لأنها ارتدت الحجاب، قتلت لأنها لم تسكت على حقها حين نعتها رجل في حديقة لعب الأطفال بالإرهابية. بالطبع لم تكن تعلم أنها سوف تدفع حياتها ثمن الدفاع عن حقها. هجم الرجل عليها في قاعة المحكمة التي من المفترض أن تحاكمه على شتيمته وإهانته لها، طعنها بوحشية وهو يقول إنها لا تستحق الحياة، حدث المشهد بالكامل أمام نظر ابنها، عمره ثلاث سنوات فقط، شاهد ابن الثالثة أمه تطعن حتى الموت وشاهد أباه يطعن ويطلق عليه الرصاص ويُنقل إلى العناية المشددة بين الحياة والموت.
حمل الولد الآن وزر أن أمه قُتلت، ببساطة لأنها لبّت رغبته بركوب الأرجوحة.
كانت مروى قي حديقة الأطفال حين رفض الرجل ترك الأرجوحة لابنها. لو لم تطلب الأرجوحة لابنها، ما قتلت، لكنها فعلت لأن الأرجوحة من حق ابن الثالثة.
حرصت بعض وسائل الإعلام على القول عن الرجل القاتل، إنه ذو ملامح مهذبة..!
ياسبحان الله، وكيف هي ملامح مروى؟
ليس الحجاب فقط هو سبب النعت بالإرهاب، إنما، تلك الملامح الشرقية، الملامح التي تثير كل مشاعر السادية والعنجهية. أمر التمييز هذا يقلع العين كل يوم في أماكن عديدة وعادية ويرتادها كل الناس، حديقة الأطفال وروضاتهم وفي المدارس والبلديات والمقاهي والساحات وأماكن العمل.. أنت تأتي بملامح من تلك البلاد فأنت مكروه من كثيرين، ومثير للامتعاض من كثيرين، ومستغَل من كثيرين، ومرفوض جملة وتفصيلاً من كثيرين. والأنكى من ذلك أن كثيرين لايظهرون هذا، إذ لكثيرين مثل قاتل مروى ملامح مهذبة. الغريب بالأمر أن البشرة السوداء لاتقابل بهذه الكراهية، كما تقابل تلك الملامح التي تنبئ بأن القادم أتى من بلاد يُروّج في الإعلام أنها تربي خلايا الإرهاب.
قتلت مروى، ولم تنل حادثة قتلها بين قراء الصحف والمعلقين، الوقع الذي تناله من قتلت لجشعها أو صاحبت مسؤولاً فاسداً أو كانت ابنة فنانة مشهورة.. لو أنها فقط ارتكبت فضيحة لأثارت الناس قليلاً وجعلتهم يهبون للدفاع عن روحها وليس عن الحجاب كرمز حملوها إياه، لو أن الأمر كان هكذا، لحصل ابنها على حقه من اهتمام الناس بقضية أمه كأم وإنسان. لكن القضية لاتدعو للتسلية، فالقتيلة امرأة جادة، تدرس وتعمل في الصيدلة تعتني بابنها وتنتظر مولودا جديداً، شامخة ولاتسكت على حقها، غطاء رأسها لم يجعل منها إنسانة ذليلة أو مستكينة، مايطلق على المرأة المحجبة. فماالذي يحتاجه مجتمعنا من المرأة غير هذا!
يطالبون بإنزال أقصى العقوبات بالرجل الذي هجم عليها وقام بتلك الجريمة الوحشية، ولم ينتبه أحد أن إنزال أشد العقوبات لن يفيد بإزالة هذه الكراهية “للأجنبي الإرهابي الذي قتل الأمريكيين ذوي الدم عالي القيمة”.
القضية تحولت إلى دفاع عن الحجاب من الشعب المصري، ضحية الحجاب، ودفاع عن النفس من قبل الحكومة الألمانية أنها ليست ضد ارتداء الحجاب، من دون التطرق إلى فظاعة قتل أم لأنها فقط تدافع عن حق ابنها بالأرجوحة، وسهولة حدوث هذا، وإمكانية تكراره. لم تحمل مروى سلاحاً ولم تهدد ولم ترهب أحداً. كانت في حديقة أطفال تسلي ابنها وتلاعبه، لكنها مسلمة وتفضل غطاء الرأس، ولأنها تتقن اللغة وتفهم القانون والأهم أنها تتقن أن تكون، مع حجابها، امرأة حرة .
نعم تقوم وسائل الإعلام الغربية بفتح ملفات التمييز العنصري وتعطي القليل من الحرية للتحدث حول التمييز، ولكن كم تسعى حقيقة لمعالجة الأمر، كما تسعى مثلاً لإنجاح مشاريعها المالية وازدهار واجهتها السياسية.
مالذي يقومون به لعلاج هذه النظرة التي يتلقّاها الأجنبي القادم من بلاد “الإرهاب”، في معظم نهاره، التواطئ والتفاهم الذي يحدث بين أصحاب الأرض الواحدة ضد هذا القادم الذي يقاسمهم “الأرجوحة” مثلاً.
كان ولكي يبقى الولد يلعب مع أمه في الحديقة، كان على مروى أن تسكت كما تفعل معظم الأمهات ذوات الملامح الشرقية، وهذا يحدث كثيراً، أن يهربن من مكان احتمال تعرضهن للإهانة، وهن من دون حجاب، بل بعضهن يبالغن بتقليد مظهر الأوروبيات، ومع هذه المحاولات، التي يسميها بعضهم، اندماج، تحدث الكثير من المضايقات فقط بسبب الملامح، يوصين بعضهن “طنشو” نحن نعيش على أرضهم.. يقول هذا حتى من يعمل ثمان ساعات يومياً ويدفع الضريبة ويسدد كل مايطلب منه، ولايطالب بحق من حقوقه. يقبل التمييز والرفض والاضطهاد أحياناً، من باب “يكتر خيرهم” يكفي أننا نعيش في أمان، لا سجن ولا جوع، احتمال وقوع هذا إن رجعوا إلى بلادهم.
الموضوع كبير متجذر وخطير، تكونت قناعة كاملة تامة عند شعوب البلاد الغنية، أن هؤلاء القادمين من البلاد “الإرهابية” الفقيرة، هينين مستهانين، كقيمة إنسانية، بما أنه لايوجد من يدافع عن الضحايا الذين يموتون كل يوم بالعشرات في العراق أو فلسطين أو أفغانستان والباكستان وغيرها بأيد بعضهم أو بسلاح حكامهم أنفسهم، لا أحد فعلياً لا الحكومات ولا الشعب نفسه يدافع عن نفسه، هم إذن دماء كثيرة ورخيصة. هنا لب الموضوع، صيتنا شعوب خانعة، تقبل السجون وتصمت على الفقر والظلم والقهر.
القضية ليست “ضحية الحجاب”، القضية هي تلك الذهنية السادية المتعجرفة التي تكونت عبر تتالي الأحداث التاريخية عند كثيرين من شعوب أوروبا وأمريكا، والقضية أساسها وسببها سكوت شعوب بلادنا عن كرامتها وحقها في بلادها وفي مهاجرها.
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى