ذاكرة الصفحاترفيق شامي

حان الأوان

null

رفيق شامي

لابد من وقفة صغيرة وبهدوء الحزين الغاضب على فقد ولده لمراجعــة النفس. ميشيل كيلو ومحمد محفوض ومئات الشرفاء يزج بهم هكذا وبإرادة الحاكم الطاغيــة ويساقون الى من يسمي أنفسهم قضاة وهم ليسوا إلا أدوات كمفتاح سيارة ليس أكثر.
فما يجري في سوريا ليس له علاقة بالقضــاء. ومن يريد معارضة ما أقول ليبرهن لي أن أحــد هؤلاء القضاة تجرأ في الأربعين سنة الماضيــة على رفع دعوة ضد أحد أفراد العشيرة الحاكمة رغم بطشه وإجرامــه وسرقته.

هدوء الحزين الغاضب يتطلبــه وضع الســاعة الذي قد يعكس التعامــل الصحيح معه نوره على الفترة القادمــة لتصبح حملــة الإعتقال البربرية الحاليــة آخر تظاهرة قمعيــة للنظام.

الديكتاتوريــة والطغيان يلوثون محيطهم بإستمرار والنهر يبلل حتى السابحين في الإتجاه المعاكس.

سوريا كما وكافة البلاد العربية تحكمها قبيلة. وهذا ينتقل تدريجيــاً الى كافة القطاعات حتى تلك المعارضــة وإلا فما سبب إغلاق النفس على حلقات معينــة من المثقفين ترى أسماءهم تتكرر بإستمرار وكأن الإعلانات واللوائح ليست شأن وطني بل ملكية شخصيــة يحرص مالكها أن يحظى فقط من يؤيد بنجومية التوقيع وليس أن تصبح هذه الحملات والإعلانات عمل جماهيري صادق يذهب بالمحتوى المحق والشريف إلى أبعد القطاعات. إذ أن إختلافنــا سيكون ضرورياً عند بناء الديمقراطيــة الشعبية لكننا على الأقل متفقيــن جميعاً الآن في أنه لا يمكن حل مشاكل الوطن مع هذه الديكتاتورية لقبيلة فهي المشكلة الأولى.

لماذا هذا التقاعس عن ضم الآخر؟ هل الداعي أمني؟ أبداً لأنه بواسائط الإتصــال في هذه الأيام يمكن إعلام كل السوريين من جنوب أفريقيا إلى القطب الشمالي ليقفوا جميعاً مع المعتقلين ولتتحول هكذا وقفة إلى مفرق طرق بين من يريد الوقوف ضد الطغيان ومن لايريد لأسباب وأسباب. أما هكذا إنفراد لقلة تقرر بين بعضها وتنفي الآخر فإنها تموه عن غير عمــد الحدود بين كافحة الشرائح ويصبح الفصل صعباً بين من يريد المساهمة في النضال ضد الديكتاتورية ومن يريد لكنه لا يزال خائفا وبين ممتعض من النظام يخشى على مصالحه وآخر متماهي مع النظام قرابة أو منفعة.

هل يريد الطغيان الحاكم غير هذا؟

لماذا تنتبه مجلة صغيرة لهذه النقطة وتجمع بظروف أيام مئات التواقيع للتعاضد مع كاتب سعودي أو عماني لاتعرفه أغلبية الموقعين لكنها تتعاضد معه بصدق لأنها تعرف الطاغية، بينما تغفل عن ذلك كل أطياف المعارضة السورية وتقوم بشكل بطيء بأي إنفتاح لقضية مصيرية من قضاياها تجاه محبي دمشق وسوريا والديمقراطيــة وحقوق الإنسان أين يكمن سر الإيمان بضرورة هذا التقوقع.

لنجعل معاً حملــة الإعتقال هذه آخر حملات النظام. لننادي الأمهات والأخوات للتظاهر. لننادي المحافل الدولية لحقوق الإنسان وحرية الصحافة فهذا ما يحتاجه ميشيل وكل الشرفاء في سجون سوريا.

السلطــة تعرف مدى ضعف المعارضة وهي تتصرف ليس بغباء كما يظن البعض بل تعرض عضلاتها للملأ خاصة لحلفائها المترنحين لتشد صفوفهم وتمتحن حدود سلطتها. ومن توقع من بشار الأسد أن يكون شيئاً آخراً قد آن له أن يصحى أن السياسة القمعيــة ليست مسألة أخلاق هذا الإبن أو ذاك الصهر أو إبن العم إنما هي ببساطة المقدمــة الأولى لحكم القبيلة ومتى عجز بشار الأسد عن ذلك فستذبحه القبيلة.

هل لنا أن نقف لحظة بحزن وغضب مفكرين بدل رش الرماد على الرؤوس وفي العيون. هذه اللحظة ضروريــة لمراجعــة مواقع ضعفنا. برأيي ليست مشكلة المعارضة هي صغرها مقارنة بالطاغوت الجباروجهازه القمعي ومرونته العديمــة الحياء تجاه كل أعداء الوطن منقذا رقبته المرة تلو الأخرى من الحبــل بالإنبطاح دوماً وبديماغوجية ليست كما يظهر أحياناً قومية أو إسلاموية بل هي ديماغوجية محترفين سلطة مافياوية تعتبر الوطن ملكها والشعب مجرد عاملين في أرضها. لا فرق لديها إن أهينت كرامة الإنسان السوري في الجولان أو في ثقافته. المهم أن تبقى هي المسيطرة. من ينتقدها ويكشف وجهها تكرهه وتدمره بكل الوسائل ليس لأنها سياسياً تخشاه وليس لأن نقده محق أو غير محق بل لأنه عراها وهذا قد يعرقل إستغلالها المادي للمزرعة التي يسميها البعض وطن. وكما المافيا كذلك قيادة البعث السوري الحاكم مستعد أن يغير وجهه (وهو على الأغلب قناع) وأن يتفق مع ألد الأعداء وله في ذلك تأريخ مشين. المهم بالنسبة له ليس حكم التأريخ بل نجاحه المنقطع النظير في إستعباد شعب من أجمل وأكرم وأمرح شعوب الأرض خلقاً وتحويله إلى ساعي لاهث وراء اللقمــة خائف من كل شيء مهان في عقر داره. ومن هنا أوجه التشابه الشديدة بين السلطة الحاكمة في كل بلد عربي والمافيا الإيطالية الأمريكية التي لا تتورع عن العمل حتى مع الفاتيكان والمخابرات الأمريكية ما دامت سلطتها مؤمنة.

هذه السلطة لا يمكن مواجهتها بالتقوقع بل بإنفتاح لا حدود له للآخر دون نسيان الفروق بيننا. وأنا لا أيأس إذا كانت المعارضــة السوريةالآن ضعيفة فنحن نعرف أن ذلك يتغير بين ليلة وضحاها. أنا أيأس أن لا تدرك المعارضة بكل أطيافها أن علينا كمثقفين أن نبدأ أمام أعين الملأ بتعلم الديمقراطيــة ونعيشها في كل يومنا أمام الجماهيــر لنزيل خوفها. أن نتعلم الوقوف دون أدنى شروط مع كل وأعيد كل من يتعرض له النظام وليس إنتقائيــاً.

هذه العمليــة هي الأصعب والأبلغ ثوريــة وهي التي ستدق عنق النظام أو عنق المعارضة لحقبات وحقبات.

السلطة ترى في تفريد المعارضة فرصتها لتأكلها فرداً فردا. وما الذي تفعله المعارضــة؟ هناك حدث هام لا بد من عودة نقدية إليه. محبة بكل معتقل سياسي.

لم يفاجئني علي صدر الدين البيانوني مثلاً بقفزه الى قطار الخــدام ومــد لسانه إحتقاراً للواقفين في محطة المعارضــة. تماماً مثل هذا التصرف يظهر مدى تغلغل الديكتاتورية إلى أنفسنا. وها هو رفعت الأسد يدعو بنباح يومي لطاولــة مستديرة. من سيلحق به ويمد لنا لسانه؟ وبعد غد من سيلحق بمن تتقيأهم السلطة أو يلفظهم التأريخ؟ السبب في كل ذلك ليس ضعف المعارضة كما يظن البعض إنما هو ضعف البنية الديمقراطيــة لمجتمعنا والتي تحتاج على عكس المعارضة – التي قد تقوى بين ليلة وضحاها تاركــة إتفاق البيانوني وخدام وراءها كحدث عرضي ينساه التأريخ بسرعة – إلى وقت طويل لتصبح جزءاً من تربيتنا وموجهاً لتصرفاتنا. قد يضعف البيانوني وأمثاله صفوف المعارضــة على المدى القريب ولكن عدم فهم الديمقراطيــة كأسلوب للحياة وعدم إحترام الآخر كمتمم للذات يخفي خطراً أكبر على المدى المتوسط والبعيد. وبمناسبة الحديث عن البيانوني الذي لم يفهم المعارضــة إلا وسيلة لتسلق السلطة وبأطراف المعارضــة إلا حلفاء مؤقتين على طريقه ( وكأنه تتلمذ على يد ستالين وحفيده الغير شرعي بكداش). فيمكن الدلالــة على ما أقول أن إتفاقه مع خدام لا يصعب عليه كما يظن البعض أكثر من إقراره بالأخطاء التاريخية للإخوان المسلمين. ومن هنا يكمن شكي بكل ما يقوله.

بناء المجتمع المدني هومن واجبات المعارضة ليحل بذلك مكان النسيج العنكبوتي للقبيلة التي هدمت وأفرغت به خلال أربعين سنة الدولة من أبسط مكونات هيكلها المدني لتحكم بالصهر والإبن وإبن العم. وأول تلك الخطوات هو فهم المعارضــة لأبسط قواعد الديمقراطيــة وهي إحترام الآخر ودعوته ليقف بمساهمته مهما صغرت في صفوف المعارضة وليس إقصاء كل من لانحبه والركض وراء أسماء مشهورة فهذا يكبل اليدين ويحول من يخصهم الأمر لمجرد متفرجين على ملاكمة.

كبلوا دمشق الحبيبــة بالحديد والخوف.

موجات إعتقالهم هدمت بطوفانها آخر الأوهام

غمروا ربيعها من جديد بالدموع.

لكن دمشق لا تموت

ودمشق في قلب المعتقلين طفلة ترنو اليهم بمحبــة لا حدود لها.

تقول لهم صبراً فأنا معكم.

يا ميشيل وعارف، سمر وفاطمة، محمد ومحمود، يا أخي وأختي

دمشق تصرخ

كم من الألم ضروري لقشع الظلام؟

هل هناك دواء لبلادة الحس؟

فليمنح مجانيا لأعضاء مجلس القبيلة

المسمى “مجلس الشعب”

حزن وغضب مرير يملأ حواسي

العالم المتمدن يحتفل بكتابه

يجعل عيد ميلادهم مناسبة وطنية

وفي سوريا؟

يُشرَد من يفتح فمه، يسجن حتى ولو تجاوز الستين

قفوا لا تخافوا

إلفظوا للعالم أسماء شرفاء الكلمة ليدخل ميشيل وعارف، سمر وفاطمة، محمد ومحمود وكل معتقل ومعتقلة ودمشق معهم إلى قلب الإنسانية

عندها يموت الطاغية غيظاً.

ودمشق لن تموت.

رفيق شامي

كاتب في المنفى الألماني

خاص – صفحات سورية

الحقوق محفوظة للكاتب ولصفحات سورية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى