صفحات الناس

الهجرة في سوريا: هجرة سكان الحسكة الى محافظة دمشق أنموذجا ـ ج2

null
كتب كمال شيخو ـ هيئة التحرير ـ سوريا
خاص الوارف ـ تنمية مستدامة
تعد محافظة الحسكة من اهم المحافظات الزراعية في سوريا، حيث تقدم ثلث الاحتياطي العام من مادة القمح في سوريا، كما تقدم نصف الدقيق المخصص للمواطنين، و تعد هذه المحافظة من اهم المحافظات التي تنتج الذهب الأبيض(القطن).
وتعد سوريا من بين أهم الدول المنتجة لهذا الزراعة الهامة، والى جانب هذين المحصولين اللذان يعدان من المحاصيل الإستراتيجية في سوريا،هناك الثروة الحيوانية فهذه المحافظة مرعى للمواشي التي يقصدها البدو من باقي المحافظات للرعي، حيث تمتلك مساحات واسعة من الأراضي المزروعة، وتتميز بوفرة الماء اللازمة للزراعة.
أولا: أسباب قريبة:
بالرغم مما تقدمه محافظة الحسكة من ثروات ومحاصيل تعد إستراتيجية كالقمح والقطن، و محاصيل أخرى كالشعير والذرة الصفراء والبيضاء، بالإضافة الى لحوم الأغنام، مما جعلها تحتل مكانة هامة في الميزانية السنوية للبلاد، إلا أنها ما زالت تعاني الغبن والإهمال منذ عقود طويلة، فهي لا تنال ما تستحقه وما يناسب إنتاجيتها ومساهمتها في الاقتصاد الوطني، حيث تحتل هذه المحافظة آخر الدرجات في التقسيم العام للمحافظات في توزيع الحصص السنوية، مما جعل هذه المحافظة تبقى نامية و نائية- عندما توزع مثلا درجات القبول الجامعي او المعاهد المتوسطة، تصنف هذه المحافظة من بين المحافظات النائية- وإذا ما قارنا محافظة الحسكة مع أي محافظة داخلية او حتى ساحلية، فهي أغنى منها كونها تعتمد ( أي محافظة الحسكة) على ثلاث ثروات أساسية، الثروة الزراعية و الثروة النفطية والثروة الحيوانية، ورغم غنائها هذا فإنها مازالت مهملة و لا تلقى الرعاية الكافية، فالحسكة هي أيضا من أغنى المحافظات السورية بالتنوع القومي والأثني، حيث يتعايش الأشوريين والأكراد والعرب والأرمن و الشركس، وباقي الأقليات مع بعضها البعض.
يعمل أكثر من 60% من سكان الحسكة في الزراعة و تربية المواشي التي تتأثر بمعدلات هطول الأمطار و تقلبات المناخ، وقد أدى تعاقب مواسم الجفاف في السنوات الماضية إلى نزوح الكثير من أهالي المحافظة إلى المحافظات الرئيسية و خصوصا مدينة دمشق بحثا عن فرص عمل جديدة.
ثانيا: أسباب بعيدة:
تفتقر محافظة الحسكة الى أهم المرتكزات التي تجعلها مدينة كاملة المواصفات، فلا وجود لجامعة حكومية فيها على سبيل المثال،بالرغم من الإقبال الملحوظ لشباب هذه المحافظة على التعليم العالي، الا أنها مازالت محرومة من انجاز هذا الحلم،فافتتاح عدد من الكليات في العاميين الماضيين ليس كافيا لسد الفراغ الناتج عن السياسات الخاطئة طوال العقود، فهي تتبوأ المركز الأول في ارتفاع معدلات الأمية في صفوف أبنائها بين المحافظات السورية!..
النقطة الثانية والاهم هو فقر هذه المحافظة للمصانع والمعامل، لاستيعاب عدد من العمال للعمل في هذه المنشآت، من اجل أحلال توازن لامتصاص اليد العامل الكبيرة العدد وعدم هجرتهم من بلدهم. فحصر المنشآت الصناعية في المحافظات الداخلية مثل حلب وحمص والعاصمة دمشق، جعل هذه المحافظات قبلة المهاجرين وكل من يفكر بتغيير نمط حياته، ومحاولة إنهاء حالة الفقر المدقع الذي يعيشون فيه.
وتعد العاصمة دمشق قبلة المهاجرين العاطلين عن العمل و الباحثين عن فرص جديدة نظرا لوجود مئات المعامل و ألاف الورش المختلفة، لا يقتصر هؤلاء الوافدين على أبناء محافظة الحسكة فقط، فدمشق كانت قبلة المهاجرين الفلسطينيين في بدايات القرن الماضي، والذي يقدر عددهم بنصف مليون نسمة، كما كانت وجهه للمهاجرين العراقيين أبان الحرب الأخيرة في بداية العام 2004، وبلغ عدد العراقيين المتواجدين في دمشق الآن وحسب مصادر الأمم المتحدة ما يقارب المليون عراقي، وكما فتحت دمشق أبوابها للنازحين اللبنانيين أثناء حرب تموز عام 2006 م.
ثالثا: هجرات سكان الحسكة الى دمشق:
1): هجرة قديمة: لا يوجد تاريخ دقيق لأول هجرة جماعية من الحسكة الى دمشق، كون الهجرات القديمة كانت فردية، حيث بدأت هذه الهجرات منذ العام 1920، بعد ان تأسست جامعة دمشق عام 1923 وكان اسمها آنذاك “الجامعة السورية”، ضمت في البداية مدرسة الحقوق التي تأسست في عام 1913 لتصبح فيما بعد كلية الحقوق، ومعهد الطب الذي تأسس في عام1903، وتحول إلى كلية الطب البشري، والمجمع العربي، ودار الآثار العربية. فكانت هذه المعاهد والمدارس نواة ل الجامعة السورية التي أصبح اسمها بعد ذلك جامعة دمشق والتي تعد واحدة من أقدم وأعرق الجامعات العربية.، وبعدها بدأت الهجرة شبه الجماعية التي بدأت بهجرة بعض العائلات من تلك الأماكن الى دمشق ومن بين تلك العائلات بعض الكردية المعروفة مثل عائلة شمدين وعائلة حاجو وعائلة ظاظا وعائلة نظام الدين، وهي عائلات كردية معروفة، وهناك ساحات الآن في منطقة ركن الدين سميت بأسماء تلك العائلات، إذ أن هذا الحي كان مقصد المهاجرين الأوائل، وقد اختار هؤلاء الوافدين مناطق جبلية و وعرة، إذ أن طبيعة الإنسان الكردي السوسيولوجية تميل للسكن في الأماكن العالية.
وتتالت تلك الهجرات ولاسيما في عهد الوحدة بين سوريا ومصر في العام 1957، حيث تعرضت الحسكة( او الجزيرة كما تسمى) الى سنوات جفاف لم تشهدها سابقا، وكان ذلك العام الذي سجل فيه أعلى رقم للمهاجرين من الحسكة الى دمشق.
2) هجرة حديثة: العام 2008 أنموذجا:
شهد العامين 2007، و2008 ندرة وشح في سقوط الأمطار، مما تسبب الى خسائر كبيرة للمزارعين العاملين في الأرض، كما تسبب هذا الجفاف سلبيا على الثروة الحيوانية كونها مرتبطة ارتباطا وثيقا بالزراعة، حيث كان سعر كلغ لحم الخروف ما يزيد 350 ليرة سورية، وسعر الخروف ما يقارب 5000 وسطيا، وبعدما شهدت سوريا بشكل عام قة في سقوط الأمطار والجفاف الذي تعرضت لها البلاد، تدنت أسعار الخوار يف لتصل الى 1500 ليرة أي اقل من سعرها الوسطي ثلاث أضعاف.
وتراجع الطلب على اليد العاملة، حيث كانت هذه القوى تعمل أكثر من 60% بالزراعة، وبعد تعرض المحافظة الى موسمين جفاف معا، تخلى العديد من المزارعين من أراضيهم، ولم يستطيعوا متابعة عملهم لان التكاليف الباهظة أرهقتهم، ولا سيما بعد ان رفع سعر لتر المازوت ليصل الى 25 ليرة سوري، بعد ان كان سعره 7 ليرات، وبعد هذا الارتفاع في أسعار المحروقات، أدى ذلك الى ارتفاع في مادة السماد والنقل والتكاليف الأولية للزراعية من فلاحة وحصاد وأجرة اليد العاملة.
مما نتج عن عامي الجفاف اللذان تعرضت لها سوريا، الى تنامي هجرة داخلية من المحافظات التي كانت تعتمد في الجزء الأكبر من معيشتها وهي ثلاث محافظات رئيسية الحسكة ودير الزور والرقة، وقصدوا المحافظات التي يتواجد فيها المعامل والمصانع والتي تحتاج الى قوى عاملة، ومن أهم المحافظات الجاذبة للمهاجرين دمشق وحلب وحمص، التي تتميز بوجود مصانع وشركات خاصة، وبالإضافة الى الحركة المعمارية التي تشهدها هذه المحافظات ولا سيما بعد الإقبال الشديد الى الأبنية والأبراج العالية.
وكان العامين 2007 و2008، من أكثر الأعوام التي شهدت حركة السكان الجماعية، ولم يصدر أي تقرير من جهة حكومية او غير حكومية عن عدد وأوضاع هؤلاء المهاجرين، كما حاولت بعض منظمات حقوق الإنسان تسليط الضوء على أحوالهم المعيشية عن طريق البيانات التي كانت تصدرها ما بين الحين والآخر.
رابعا: حركة سكان الحسكة في دمشق:
1): مناطق سكنهم:
ينتشر المهاجرون القادمون من الحسكة في ثلاث مناطق أساسية، هي بالتوالي، وادي المشاريع( زور افى)، ركن الدين، شبعا، حيث ان الأولى أقام فيها أهالي منطقة المالكية وهي أحدى النواحي في محافظة الحسكة، أما كلمة ( زور افى) فتعني المكان الذي بني بجهد شاق، أما المنطقة الثانية والثالثة، فقد توافد إليها المهاجرون بشكل متتابع ألا أنهم أصبحوا الغالبية. كما سكن هؤلاء الوافدين في باقي مدن وضواحي دمشق، وبالنسبة للمهاجرين القدماء فان اغلب المساكن هي ملك لهم، ألا القلة القليلة الذي لم يسمح له الوضع المادي بشراء منزل، أما المهاجرين الجدد، فان اغلب المساكن التي يعيشون فيها الآن هي استئجار، وتتراوح أسعار هذه الأجارت ما بين 6000 الى 10000ل.س للبيت الفارغ، و10000 الى 20000ل.س للبيت المفروش.
2): أعدادهم:
حسب المكتب المركزي للإحصاء الذي لم يعط رقم دقيق عن عدد المهاجرين من الحسكة الى دمشق، مكتفيا بالتنوية إلى أن عددهم قد قارب الربع مليون نسمة حيث أن المكتب أحصى كل المهاجرين من تلك المنطقة الى دمشق منذ الهجرات الأولى التي ذكرناها سابقاً.
3): أعمالهم:
لا يوجد أعمال محددة يزاولها المهاجرون الجدد، فأغلبهم مزارعون دفعهم الجفاف لترك أراضيهم و النزوح إلى دمشق، كون هؤلاء اغلبهم هرب من الحالة التي كانوا يعيشون بها، ولذلك هم يفتقرون للمهارات الحرفية و الشهادات الأكاديمية، حيث أن اغلب الوافدين من الحسكة الى دمشق عملوا في المطاعم والفنادق والمقاهي، أي الأعمال الخدمية، وقسم من المهاجرين عمل في البناء، والقسم الآخر عمل في أعمال أخرى مثل سائقي سرافيس وسائقي سيارة خصوصي، والبعض الآخر حالفهم الحض بالحصول على اعمل مثل المحاسبة ومنهم من قام بفتح محل تجاري او بقالية، ممن كانوا يملكون بعض المال.
بقلم كمال شيخو- دمشق -سوريا
للاطلاع على الجزء الأول من الدراسة يرجى التوجه إلى الرابط
http://www.alwaref.org/arabic/2009-02-26-01-56-19/71-2009-02-28-19-59-24
موقع الوارف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى