صفحات العالمميشيل كيلو

حتى لا يصبح النقاش هل كان صدّام على حق!

ميشال كيلو
أعرف، كما يعرف غيري أفكار صدام حسين حول إيران. وأعتقد أنها دارت، بصورة تقريبية، حول نقطتين رئيستين:
1- إن إيران فارسية، وستحاول إحلال منظومة سياسية جديدة قومية فارسية تتدثر بغطاء الدين،محل المنظومة السياسية القومية السائدة في الوطن العربي، لاختراقه والتغلغل فيه وإلحاقه بمركزها المهيمن، عبر طرق مختلفة بينها واحدة تمليها قوتها الناعمة: قوة أيديولوجيتها وتاريخها ولغتها ودورها في الإسلام.
2- إن العراق، بوابة العالم العربي الشرقية، يجب أن يلعب دور حاجز يصد الخطر، الذي إن تجاوزه أفاد من لحظة الفراغ والضعف العربي القائمة، وتمكن من تحقيق أهدافه الخطيرة من دون صعوبة تذكر، وتغلغل في مجمل الإقليم العربي الواسع بلا استثناء. وبما أن للقوة الإيرانية الناعمة امتداداتها المؤثرة داخل العراق، فإنه لا مفر من احتوائها كمهمة ذات أولوية مطلقة، وهذا لا يتم بالحوار والتسامح والتفاهم بل بالقوة: أي بالقمع في الداخل والحرب في الخارج. وهكذا، من الضروري كتم أنفاس أو قتل أنصار إيران المحتملين داخل العراق، وإخراجهم منه وطردهم من أراضيه وإعادتهم من حيث أتوا: إلى بلاد فارس، حتى إن أتوا قبل قرون. ولا مفر من شن حرب على إيران تبقيها خارج العالم العربي أو تودي بقدرتها على اختراقه وتخرجها من حيث تغلغلت فيه، هنا أو هناك.
لم أوافق يوماً على الحرب ضد إيران، واعتقدت دوماً أنها حماقة تضيف إلى خطر الاختراق الصهيوني لقلب الوطن العربي مخاطر الاختراق الإيراني لأطرافه الشرقية، قبل الاختراق لمراكزه، فيكون في هذا الاختراق المزدوج نهاية الحقبة العربية الحديثة من تاريخنا. وأعتقد دائماً أن الإسلام أحاط أمتنا بسوار من الأمم المتآخية معنا، شكلت نطاقات حماية لنا، فمن غير الجائز لأي سبب كان تكسيرها أو ضربها، لأن فيهما هلاكنا ونهاية دورنا المميز في العالم الإسلامي، الذي جعل لنا صوتاً مسموعاً في كل مكان منه.
في الوقت نفسه، لم أتردد يوماً في قبول أطروحتي صدام حسين، بما أن صعود إيران الإسلامية تزامن مع انهيار العرب القومي، مثلما تلازم تحول طهران إلى مركز إقليمي مع خلو الوطن العربي من المركز المصري الجامع، بعد وبسبب اتفاقية السلام مع إسرائيل، التي كان هدفها الرئيس تدمير دور وبعد مصر العربي، وانفراد العدو الصهيوني ببقية العرب، في المشرق عامة وسوريا خاصة. وزاد من مخاوفي أن إيران لعبت في المجال العربي وضده ورقتين خطيرتين هما:
– انتزاع الورقة الفلسطينية من أصحابها، ومنافستهم عليها والعمل على امتلاك جزء منها عبر شق صفوفهم وإثارة تناقضات عدائية بينهم.
– الورقة المذهبية، التي تبنتها باعتبارها الورقة الدينية، الإسلامية بإطلاق.
في حسابات طهران، يعني انتزاع ورقة فلسطين من أيدي أصحابها دخولها إلى قلب العالم العربي، واحتلال موقع مهم في قضية يتوقف مصيره كله على حلها، بينما تسهّل المذهبية تفكيك مقاومة العرب وتحقيق اختراقات قاتلة فيهم، تمزقهم بدل أن توحدهم، وتردهم إلى مرحلة ما قبل وطنية/ قبل قومية، مع أن وجودهم يرتبط بالنجاح في تحقيق وحدتهم الوطنية، التي يتوقف تطورهم كله على إنجازها، وسيعانون في حال فشلهم من احتجاز مميت سيقوض قدرتهم على النهوض، وسيبقيهم في أوضاع مهلكة. أخيراً، اعتقدت دوماً أن أي دور إيراني يسهم في تشتيت العرب وربطهم بمحاور إقليمية متناقضة المصالح والأهداف، وفي تعزيز وتقوية الفراغ السياسي الذي يلفهم، وحقنهم بما ليسوا إطلاقاً بحاجة إليه من صراعات مذهبية وطائفية، وإخراجهم من الطور القومي، هو أساساً وبالدرجة الأولى مصلحة أميركية/ إسرائيلية، وأنه لن يخدم مصالح إيران، التي يجب أن ترى في قوة العرب قوة لها، وفي ضعفهم هلاكها، وأن تكون عربية/ عروبية، إسلامية/ محمدية، تحرص عليهم أكثر مما تحرص سلطاتهم المهزومة العاجزة، التي تخلت نهائيا عن المشروع القومي وعن المحمدية، خوفا على كراسيها من أميركا وإسرائيل، أو خدمة لهما.
واليوم، يبدو جلياً أنه ما أن انهار العراق وسقط تحت الاحتلال، حتى انتشرت إيران في كل مكان من أرض العرب، مؤكدة مخاوف صدام حسين، ومضفية مصداقية حقيقية على تقديراته. لقد كانت الحرب العربية ضد إيران خطأ وجريمة، لكن حروب إيران المتفرقة/ المتنوعة على أرض العرب وضدهم ليست مساعدة أخوية تقدم لهم، بل هي سكين يغرس في ظهورهم وقلوبهم، يزيدهم ضعفاً على ضعف وموتاً على موت، ويعود بهم القهقرى إلى ما قبل الإسلام: زمن الحروب القبلية والعشائرية، التي سعرها جيران العرب وتحكموا فيها بالطريقة التي كانت تحلو لهم.
سقط العراق، فاندفعت جمهورية إيران الإسلامية إلى تحطيم ما بقي منه كحاجز، وتعاونت عليه مع أميركا بدل أن تجعل منه حاجزاً في وجهها. ويبدو أن تغلغلها في وطننا العربي بلغ درجة تسوغ قول الرئيس الدكتور أحمدي نجاد في خطاب ألقاه مؤخراً في مشهد: لا أحد يستطيع تقرير أي شيء في الإقليم بمعزل عن إيران أو دون موافقتها. ترى، هل صار الإقليم تابعاً لإيران، التي لا تنفك تعلن عداءها للاستكبار والاستعمار، لكنها تستعير لغتهما عندما تحكي عن علاقاتها معنا، نحن العرب. وقد بلغ من ثقة نجاد بقدرته على التدخل في شؤون المنطقة أنه اتهم السعودية بشن حرب على الحوثيين في اليمن، وطالبها بوقفها الفوري، وألمح إلى خطوات قد تتخذها حكومته، إذا ما رفضت السعودية الانصياع لأوامره ونواهيه. بينما أعلن الحرس الثوري عن إقامة قاعدة بحرية دائمة في منطقة باب المندب، متذرعاً بمكافحة القرصنة في بحر العرب، مع أن قراصنة الصومال لم يختطفوا أي سفينة إيرانية، وإيران لا تمتلك أسطولاً ذا شأن، وتفتقر إلى القدرات اللازمة لمراقبة منطقة بحرية شاسعة تقع بين بحر العرب والهند.
ليس من مصلحة إيران السيطرة على العرب، إن طاقاتهم ومكامن قوتهم تتخطى كثيراً قدرتها على إخضاعهم: بالقوة الناعمة أو الصلبة، بالأيديولوجيا المذهبية أو بالجيوش. قد لا يعرف الرئيس نجاد التاريخ، وقد يظن أن طلعاته ونزلاته الخطابية تصنع واقعاً جديداً لمنطقتنا. هذا كله جائز، لكن نجاح سياسات نجاد مستحيل، ليس فقط لان إيران أشد ضعفاً من أن تتحكم بالأمة العربية، بل كذلك لأن تطلعاتها المستحيلة التحقيق، والتي تبدد وتهدر قدراتها، لن تكون غير المصيدة، التي تقع شيئاً فشيئاً فيها، لتجد نفسها في نهاية المطاف حيث لا تريد: دولة تدور في فلك أميركا، أو تقع تحت سيطرتها!.
المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى