صفحات ثقافية

نـــص الرســـالة

null
جوان تتر
أنا عربة تجرها الأحلام
رأيتُهم يهبطونَ الأفقَ ولادَةً دونَ الحَبلِ اللحميّ ـ إشارةُ الهبوطِ من مجهولٍ مُظلمٍ ـ كلُّ خطوةٍ تُزيدهم عاماً في الحياة، انتهوا إليَّ شيوخاً بيدِ كُل منهم فراشة، أقدامُهم تعلو الأرضَ، يسيرونَ على أرضٍ غير مرئيَّةٍ تعلو أرضَنا سماكةَ ظلٍّ مَرِح ,لم يُبصروني على الشرفة ملوِّحاً بأقدارِهم ثم مولياً ظَهري لوجوههم المشعّة حالَ دنوِّ هم أحدُكم سيموتُ على صَدْرِ فتاةٍ مُراهقة، الآخَرُ سيموتُ لِصْقَ شجرةٍ، ثالثكُم سيموتُ فَجأةً دونَ مُبرّر، رابعكُم سيموتُ إِثْرَ كابوسٍ عن قطٍّ يبتلعُ نوافذَ البلدة، الخامسُ ـ أنا ـ مُتَيَبِّساً على هذه الشرفة كتمثالٍ حزينٍ قديم ».
([)
هكذا، مِراراً أمامَ النّافذة، مشهدٌ لا يتغيّر، أمامَ النّافذة، ـ تماماً ـ التي تستندُ اليها وريقاتُ الصفصافِ الباهتة، أَعِدُ ظلّيَ والصباح بتعابيرَ عيشٍ جديدة، بأزهارٍ أرعاها كتوماً، «لَنْ أُطارِدَ الهواء، لَنْ أمكُثَ كسولاً لمرأى الأمنياتِ ساخرةً في مُضيّها، لَنْ أدَعَ النّحيلَ (ساقي البستان) يغتالُ ما أفكِّر به، لَنْ أبتسِمَ لمُراهِقَةٍ، لَنْ أتنزَّهَ وحيداً في الدربِ الطّويلة, الفارغة.
([)
تَعِبَتْ يدايَ، قرونٌ مَضَت وأنا مُمَدّد ٌعلى فِراشِ الخَوفْ، كُلّ مَساءٍ أُنَضّد أحلامي مُفْرَدَةً. مُفْرَدة، عناكب تستوطِنُ ذاكرتي بخيوطِها الحَرير وهيئاتِها الغبارْ.
([)
تأخّرتُ دقيقةً أو ربمّا أكثر، المَقْعَدُ ما زالَ حَجريّاً، ظِلُّ المُراهق يَتَتبَّعُ ظِلَّ المُراهِقة، قلوبُ المارّة مصغيةٌ باهتمامٍ لنغماتِ «الأكورديون» المُنْبَعِثَة من نَفَسي.
([)
أنا عربةٌ تجرُّها أحلامي…..
([)
تباً لكِ !! أعبرُ الشارعَ بخطواتِ مجنون، نظراتُ المارّة تُربكني، حتّى المقعدُ الحجريُّ متربِّصٌ، تبَّاً لكماااااااا.
([)
أقراصُ الإسبرين لم تُفِدْ بشيء، هيَ مغشوشةٌ كحياتِنا،
على الطّاولةِ أقتلُ عقاربَ صغيرة تتساقطُ من عيني اليمنى مخافةَ نموِّها داخلَ رأسي لادِغَةً كُلَّ أثرٍ لدواءْ، «حبَّة إسبرينٍ أُخرى للأستاذ» يأمرُ البائع، ثمَّ مطمئّناً: «لا يتعلَّقُ الأمرُ بمثلّجاتنا كُنْ واثقاً».
([)
لا أحدَ يَسرّهُ أن يشبهني في هذا البرد (كلّهم تجمّعوا حولَ الموقد) طُرِدُتُ متأمِّلاً الشارعَ يسيرُ بي والأرصفةُ متأرجحة،
هامساً أكرّر مثلاً فرنسياً: لا شيءَ أروعَ من الطقسِ الرديء أو مستذكراً ما قالتهُ المذيعةُ المُرتابة من شؤون التنجيم كلّ فجر:
(حياتكَ ستعرفُ نشاطاً متميّزاً وستحصدُ ثمارَ الجهودِ التي بذلتَ والشريكُ يرغبُ في تمضيةِ المزيدِ من الوقت إلى جانبكْ) أيُّ وقت !! أيُّ نشاط !! الأطفالُ يقفونَ في الطريق: انتبهْ، حجرٌ سَيصِلُكْ، طفلٌ أشعثٌ رماه، الجاذبية أدّت مهامَها بدقّةٍ، ثبّتت الحجرَ على بعدٍ من قدمي اليمنى، سالَت دماءُ الأرض.
شاعر سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى