صفحات الناس

حتى حلمي موسى؟

null
زين الشامي
لم نصدق أبداً أن يصل الأمر مع السلطات الأمنية السورية أن تعتقل الصحافي الفلسطيني حلمي موسى محرر الشؤون الإسرائيلية في صحيفة «السفير» اللبنانية. لم يكن خبر اعتقاله المفاجئ فقط، بل الحيثيات المرتبطة به، حيث قامت دورية أمنية تابعة لفرع أمن الدولة باعتقاله أثناء توجهه إلى مخيم اليرموك جنوب دمشق ليبات الليل عند الأقارب والأصدقاء قبل أن يغادر صباحاً إلى مقر عمله في صحيفة «السفير» في بيروت.
إن هذه الطريقة في الاعتقال، وهي التي تمّت ليلاً ومن خلال دورية أمنية، تكذب ما حاولت بعض المصادر السورية تمريره من أن الاعتقال كان استفهامياً، أي للاستفسار والسؤال عن بعض القضايا والأشخاص، فلو صح ذلك لكان حجة أقبح من ذنب كما يقال، إذ كيف تلجأ السلطات إلى طريقة مرعبة ومخيفة لا تحترم الخصوصية والمشاعر الإنسانية إذا كانت تريد «الاستفسار» من صحافي، أي صحافي، عن أمر ما؟
أيضاً فإنه لمن المحزن والمعيب أن يتم اللجوء إلى مثل هذه الأساليب مع شخص بقامة وحجم مثل حلمي موسى وهو الصحافي العربي البارز في الشأن الإسرائيلي، وهو الصحافي الذي يشهد له سجله وتاريخه الشخصي أنه أشرف بكثير من أن يكون له علاقة بإسرائيل أو أحد عملائها، فحلمي موسى كان مناضلاً سابقاً في صفوف إحدى الفصائل الفلسطينية، وقد سجن لأعوام طويلة في السجون الإسرائيلية.
فوق ذلك، ولطالما أخبرنا موسى خلال أحد اللقاءات به في إحدى المحافظات السورية، كيف أن المسؤولين السوريين «الأمنيين» منهم والسياسيين القياديين في «حزب البعث» كانوا يبعثون له ليأتي من بيروت إلى دمشق ليطلبوا رأيه ومشورته وتحليله لشأن وقضية ما تتعلق بإسرائيل، وقد كان موسى يفعل ذلك اقتناعاً منه أن معرفته ليست حكراً له بقدر ما هي يجب أن تكون متاحة لكل عربي يقف في الجبهة المناقضة لإسرائيل، وعلى مسافة قريبة من قضية شعبه الفلسطيني.
لكن للأسف، فقد تمت إهانة موسى مثلما أهين الكثير من الصحافيين السوريين قبله، والكثير من المثقفين السوريين والعرب حينما سجنتهم أجهزة الاستخبارات السورية وحاكمت بعضهم باتهامات ستسخر منها طويلاً الأجيال القادمة.
وعودة لتفاصيل وحيثيات الاعتقال، فإنه لمن المعيب حقاً أن يتم استدراج حلمي موسى إلى دمشق لإلقاء محاضرة في «مركز الشرق للدراسات الاستراتيجية» الذي تشرف عليه وزارة الخارجية السورية، ويديره النائب السابق والموفد الرئاسي الخاص الباحث سمير التقي، نقول من المعيب أن يتم استدراج الصحافي الفلسطيني حلمي موسى لإلقاء محاضرة لها علاقة بالشأن الإسرائيلي، فيما الغاية كانت من وراء تلك الدعوة هي اعتقاله، وان لم يكن كذلك، فإن على الدكتور سمير التقي، ووزارة الخارجية السورية أن يقوما بالاعتذار العلني عما حصل معه، وان لم يقدرا على ذلك، فعلى الأقل أن يعتذرا منه بشكل شخصي ويهمسا في اذنه أنهما أضعف من أن يعتذرا ولم يكن لديهما علم، وأنهما استدرجا مثله إلى هذا الفخ الاستخباراتي الرخيص.
مرة وخلال لقاء جمعني مع هذا الصحافي في أحد المطاعم المنتشرة حول العاصمة دمشق، وكان هذا اللقاء الأول، لمست مدى العمق ومدى المعرفة التي يتمتع بها في الشأن الإسرائيلي، وقلت له بعد ساعات مطولة من النقاش، إن صحيفة «السفير» وطلال سلمان، صاحبها، هما الكاسبان من عملك محرراً للشأن الإسرائيلي، فرد بتواضع أنه هو المستفيد من العمل مع صحيفة مثل «السفير»، ومع شخص مثل طلال سلمان الذي قال عنه انه «يعتز به».
لقد كان موسى يتمتع بأخلاق عالية إضافة إلى خبرته الصحافية والسياسية، وهي عملة أصبحت نادرة جداً في الصحافة العربية.
في لقاء آخر في قرية «حصين البحر» قرب مدينة طرطوس الساحلية على البحر الأبيض المتوسط، ووقتها كنا في ضيافة أحد المثقفين السوريين، وقد سهرنا حتى الصباح مع حلمي موسى، اكتشفنا الجانب الإنساني في حلمي… لقد كان طفلاً فلسطينياً طيباً لا هم له سوى عودة فلسطين وخلاص شعبها… لكن للأسف، لم يكن يعرف هذا الطفل الصحافي الفلسطيني أنه سيسجن يوماً في أحد سجون دولة الممانعة، أو دولة الصمود والتصدي، وقلب العروبة النابض.
كاتب سوري
الراي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى