صفحات سورية

لا دور لدول استقالت من دورها !

null
أشيع بعض التفاؤل إثر اجتماع القاهرة الرباعي الأخير، الذي شارك فيه وزراء خارجية سوريا والعراق وتركيا والأمين العام للجامعة العربية، من أجل معالجة الأزمة السورية العراقية الأخيرة، بعد أن تهددها التدويل والحشود على الحدود.
لكن التجربة تعلم أن الوقائع أقوى من الأمنيات، ومن هنا كانت تصريحات وزير الخارجية العراقي أكثر تحفظا بعيد الاجتماع المذكور. ذلك انه لا يمكن القفز فوق الأسباب العميقة وغير المباشرة للأزمة، وأهمها استمرار وجود أكثر من مليون عراقي في سوريا جلهم في دمشق، ومن الطبيعي أن تكون الحكومة العراقية مسؤولة عن إعادتهم قبل طلبها استعادة البعض ، كذلك لا يمكن القفز فوق تحالفات النظام السوري الإقليمية، وفوق صراعات الأطراف العراقية وارتباطاتها الإقليمية والدولية، في ظل احتلال يخطط لخروج يحفظ ماء وجهه ولا يحفظ العراق الذي طالما دمره!
هكذا، يبدو أن البحث عن حل عربي للأزمة،  إنما هو بحث عن دور مفقود وتعويض دبلوماسي لعجز طالما أكده التاريخ القريب. على الأقل ذلك ما دلّت عليه  مشاركة الوزير التركي في الاجتماع المذكور، وعلى الأكثر ذلك ما تدل عليه المقارنة الظالمة بين دور الجامعة العربية ودور المفوضية الأوروبية في حل النزاعات!.
أبعد من ذلك، فإن الأزمة السورية العراقية الأخيرة ليست إلا مثالا جديدا وصارخا على احتمالات التفجر التي تضمرها الحال العربية منذ أمد طويل، أوهي على الأقل دليل آخر على طبيعة المستنقع العربي، الذي لا تكاد تهدأ أزمة بين قطرين فيه إلا وتندلع اخرى. فإذا كانت الحرب العربية الباردة عنوانها البارز مؤخرا بين ما شاع تسميته بمعسكري المعتدلين والممانعين ، وما زال أوارها بين خفوت واشتداد يشهده الملعب اللبناني السوري، فقد سبقتها أزمات عديدة، منها الأزمة المزمنة بين المغرب والجزائر، وكان أخطرها سابقا بين العراق والكويت، الأمر الذي فتح الباب واسعا أمام التدخل الخارجي.
أما إذا أضفنا إلى ذلك الصراعات العربية الداخلية، وأشدها مؤخرا الصراع اليمني مع حوثييه، ثم السوداني مع جنوبه وشرقه، واللبناني مع وقراصنته !
فإن كل ذلك يكشف بوضوح فوات الدور العربي وعجزه، ما يفسح المجال وحده وموضوعيا أمام أدوار الآخرين، وذلك ما نشهد تعاظمه في :
1ـ تراجع المفاوض العربي مع اسرائيل إن لم يكن غيابه، بانتظار نتائج المفاوض الأميركي ( ميتشيل ) معها، والتي ستكون شحيحة بطبيعة الحال والدور.
2ـ بروز أدوارالوسطاء الدوليين والإقليميين ( إيران وتركيا )  .
وإن أفصح ذلك مجددا عن استقالة النظام العربي الرسمي و”خروجه من التاريخ” ، لا تاريخ العالم فقط بل تاريخه الخاص أولا، فهو يكشف أساسا تحول هذا النظام عن أهداف شعوبه ومصالحها، وصيرورته نظاما للنزاع المستمر بين الحكام على مصالحهم وأهوائهم الضيقة،  الأمر الذي يبدد ثروات الشعوب العربية وطاقاتها، ويتركها ساحة تشتغل عليها استراتيجيات  الأقوياء والطامعين، وما أكثرهم من حولنا سواء بين الأعداء أو الأصدقاء!.
ولا يبدو أن هناك مخرجا أمام الدول العربية من هذا المستنقع المستمر، إلا بالعودة إلى شعوبها واحترام إرادة مواطنيها وحقوقهم الإنسانية ، مقتدية في سبيل ذلك وعلى الأقل بأوضاع الدول والوسطاء من حولها، أو مستعيدة ما يفترض بها أن تكون عليه الدولة أصلا! تلك الدولة الوطنية الحديثة التي طالما ناضل من أجلها أبطال الاستقلال الوطني، وضحوا بأرواحهم في سبيلها !
موقع اعلان دمشق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى